المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ابتلي المريد عند الاجتماع بالناس وخلطتهم بالأذية والجفاء منهم] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[فصل ابتلي المريد عند الاجتماع بالناس وخلطتهم بالأذية والجفاء منهم]

آكَدِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُرِيدُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُنْزِلَ نَفْسَهُ فِي صُورَةِ مُرْشِدٍ وَلَا مُوصٍ، وَلَا مُتَكَلِّمٍ بِالْحِكْمَةِ، وَلَا بِالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، وَلَكِنْ لِيُشْغِلَهُ مِنْ نَفْسِهِ شَاغِلٌ بِسَبَبِ طَلَبِهِ الْعِلْمَ، وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: دَوَاءُ الْقُلُوبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبَاطِنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ.

وَقَالَ: أَيْضًا التَّاجِرُ بِرَأْسِ مَالِ غَيْرِهِ مُفْلِسٌ، وَمِنْ كَلَامِ يُمْنِ بْنِ رِزْقٍ رحمه الله: يَا هَذَا هَلَّا حَجَرَك عَقْلُك عَنْ أَنْ تَبُوحَ بِسِرِّك إلَى أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ أَوْ أَنْ تَشْكُوَ حَالَك فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إلَيْهِمْ أَوْ تَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِيك أَوْ تُجِيبَ إلَى أَمْرٍ لَا تَتَحَقَّقُ رُشْدَهُ، وَلَا تَأْمَنُ ضَرَرَهُ يَا هَذَا اجْعَلْ رَبَّك مَوْضِعَ شَكْوَاكَ، وَقَلْبَك خِزَانَةَ سِرِّك، وَالْزَمْ مُرَاقَبَةَ مَوْلَاك فِي كُلِّ حَالٍ يَرِدُ عَلَيْك فَإِنْ رَأَيْت خَيْرًا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَإِنْ رَأَيْت شَرًّا فَافْتَقِرْ فِيهِ إلَيْهِ، وَانْظُرْ إلَى الْخَلْقِ هَيَاكِلَ مُصَرَّفَةً، وَأَسْبَابًا مُسَخَّرَةً، وَلَا تَشْكُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ إلَّا عَلَى قَدْرِ مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ، وَحَسْبُك مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، وَتَرَى الْفَضْلَ كُلَّهُ مِنْ مَوْلَاك فَاشْكُرْهُ بِكُلِّيَّتِك فَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ حَقِيقَةً، وَشُكْرُ سِوَاهُ مَجَازٌ كَمَا أَنَّ فِعْلَ غَيْرِهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

(فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُهِمَّهُ شَأْنُهُمْ، وَلْيَنْظُرْ إلَى مَا سَبَقَ فِيهِمْ مِنْ الْقَدَرِ، وَيَعْلَمْ أَنَّ الْمَلِكَ لَا يَضِيقُ عَنْ رِزْقِهِمْ، وَأَنَّ مَا كُتِبَ لَهُمْ لَنْ يَفُوتَهُمْ، وَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ لَنْ يَفُوتُوهُ، وَأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ فِي حَقِّهِمْ سِيَّانِ إذْ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ إنَّهُمْ إنْ كَانُوا لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ فَلَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ مَعَهُمْ إلَّا خَيْرًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وَلْيَقُلْ: قَدْ اسْتَوْدَعْتُهُمْ لِمَنْ لَا تَخِيبُ لَدَيْهِ الْوَدَائِعُ فَلْيَطْرَحْ الْهَمَّ فِيهِمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً إنْ عَقَلَ وَلْيَظُنَّ بِمَوْلَاهُ خَيْرًا وَالسَّلَامُ.

[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

(فَصْلٌ) : فَإِنْ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ، وَيَرْجِعَ إلَى حَالِهِ وَيُفَتِّشَ خَبَايَا نَفْسِهِ

ص: 173

فِي الَّذِي قِيلَ فِيهِ فَقَدْ يَكُونُ حَقًّا، فَإِنْ وَجَدَهُ فِي نَفْسِهِ عَلِمَ إذْ ذَاكَ أَنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ مَا قَالَ إنَّمَا هُوَ نَذِيرٌ جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِيَتُوبَ، أَوْ يُوقِعَ بِهِ النَّكَالَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ، وَيَرَى الْإِحْسَانَ وَالْفَضْلَ لِمَنْ قَالَ فِيهِ مَا قَالَ.

وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا قِيلَ عَنْهُ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدِهَا: أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ بِالدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُبْتَلًى فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا» وَلَا شَكَّ أَنَّ الِابْتِلَاءَ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ الِابْتِلَاءِ فِي الْبَدَنِ سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الِابْتِلَاءِ. هَذَا وَجْهٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الشُّكْرُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى سَلَامَتِهِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ.

الثَّانِي: وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الشُّكْرُ فِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَلَّمَهُ مِمَّا وَقَعَ أَخُوهُ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لَكَانَ بَلَاءً بَيِّنًا إذْ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُ السَّلَامَةِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَمِنْ كِتَابِ يُمْنِ بْنِ رِزْقٍ رحمه الله: مَنْ سَاءَهُ الذَّمُّ وَأَعْجَبَهُ الْمَدْحُ فَذَلِكَ ذَكَرُ الصُّورَةِ خُنْثَى الْعَزِيمَةِ.

وَقَالَ لَوْ قَالَ لِي قَائِلٌ: إنَّ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِحَظِّهِ مِنْ الْفَقْرِ لَمْ يَجِدْ طَعْمَ الْإِيمَانِ لَمَا خَالَفْتُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ أَنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعَافِيَةِ فِي الْخُمُولِ، وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ لَصَدَّقْتُهُ.

وَقَالَ: حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ فِي مَوَاطِنِ الِامْتِحَانِ حِيلَةٌ حَسَنَةٌ فِي التَّخَلُّصِ، وَإِنْ أَبْطَأَ.

وَقَالَ: مَنْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ نَصَبٍ وَتَعَبٍ لَمْ يُنْكِرْ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْهَا مَا دَامَ فِيهَا، وَأَخَذَ مِنْ الرَّاحَةِ بِحَظِّهِ، وَمَنْ تَوَهَّمَهَا مَنْزِلَ رَاحَةٍ لَمْ يُقَدِّرْ الرَّاحَةَ قَدْرَهَا إذْ أَتَتْهُ، وَكَانَ تَعَبُهُ فِيهَا مُضَاعَفًا.

وَقَالَ: تَقْدِيمُ صِدْقِ اللُّجْأِ إلَى اللَّهِ عز وجل فِي مَبَادِئِ الْحَاجَاتِ عُنْوَانٌ عَلَى نَجَاحِ غَايَاتِهَا، وَقَالَ: افْتَكِرْ فِي الْمَوْتِ تَهُنْ عَلَيْكَ الْمَصَائِبُ.

وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ النَّفْسِ يَعْنِي فِي شَهَوَاتِهَا وَمَلْذُوذَاتِهَا، وَلَا أَجْرَأَ مِنْ اللِّسَانِ، وَلَا أَشَدَّ تَقَلُّبًا مِنْ الْقَلْبِ، وَلَا أَعْدَمَ مِنْ الْإِخْوَانِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَمَلِ

ص: 174