الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آكَدِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُرِيدُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُنْزِلَ نَفْسَهُ فِي صُورَةِ مُرْشِدٍ وَلَا مُوصٍ، وَلَا مُتَكَلِّمٍ بِالْحِكْمَةِ، وَلَا بِالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، وَلَكِنْ لِيُشْغِلَهُ مِنْ نَفْسِهِ شَاغِلٌ بِسَبَبِ طَلَبِهِ الْعِلْمَ، وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: دَوَاءُ الْقُلُوبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبَاطِنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ.
وَقَالَ: أَيْضًا التَّاجِرُ بِرَأْسِ مَالِ غَيْرِهِ مُفْلِسٌ، وَمِنْ كَلَامِ يُمْنِ بْنِ رِزْقٍ رحمه الله: يَا هَذَا هَلَّا حَجَرَك عَقْلُك عَنْ أَنْ تَبُوحَ بِسِرِّك إلَى أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ أَوْ أَنْ تَشْكُوَ حَالَك فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إلَيْهِمْ أَوْ تَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِيك أَوْ تُجِيبَ إلَى أَمْرٍ لَا تَتَحَقَّقُ رُشْدَهُ، وَلَا تَأْمَنُ ضَرَرَهُ يَا هَذَا اجْعَلْ رَبَّك مَوْضِعَ شَكْوَاكَ، وَقَلْبَك خِزَانَةَ سِرِّك، وَالْزَمْ مُرَاقَبَةَ مَوْلَاك فِي كُلِّ حَالٍ يَرِدُ عَلَيْك فَإِنْ رَأَيْت خَيْرًا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَإِنْ رَأَيْت شَرًّا فَافْتَقِرْ فِيهِ إلَيْهِ، وَانْظُرْ إلَى الْخَلْقِ هَيَاكِلَ مُصَرَّفَةً، وَأَسْبَابًا مُسَخَّرَةً، وَلَا تَشْكُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ إلَّا عَلَى قَدْرِ مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ، وَحَسْبُك مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، وَتَرَى الْفَضْلَ كُلَّهُ مِنْ مَوْلَاك فَاشْكُرْهُ بِكُلِّيَّتِك فَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ حَقِيقَةً، وَشُكْرُ سِوَاهُ مَجَازٌ كَمَا أَنَّ فِعْلَ غَيْرِهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]
(فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُهِمَّهُ شَأْنُهُمْ، وَلْيَنْظُرْ إلَى مَا سَبَقَ فِيهِمْ مِنْ الْقَدَرِ، وَيَعْلَمْ أَنَّ الْمَلِكَ لَا يَضِيقُ عَنْ رِزْقِهِمْ، وَأَنَّ مَا كُتِبَ لَهُمْ لَنْ يَفُوتَهُمْ، وَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ لَنْ يَفُوتُوهُ، وَأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ فِي حَقِّهِمْ سِيَّانِ إذْ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ إنَّهُمْ إنْ كَانُوا لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ فَلَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ مَعَهُمْ إلَّا خَيْرًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وَلْيَقُلْ: قَدْ اسْتَوْدَعْتُهُمْ لِمَنْ لَا تَخِيبُ لَدَيْهِ الْوَدَائِعُ فَلْيَطْرَحْ الْهَمَّ فِيهِمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً إنْ عَقَلَ وَلْيَظُنَّ بِمَوْلَاهُ خَيْرًا وَالسَّلَامُ.
[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]
(فَصْلٌ) : فَإِنْ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ، وَيَرْجِعَ إلَى حَالِهِ وَيُفَتِّشَ خَبَايَا نَفْسِهِ
فِي الَّذِي قِيلَ فِيهِ فَقَدْ يَكُونُ حَقًّا، فَإِنْ وَجَدَهُ فِي نَفْسِهِ عَلِمَ إذْ ذَاكَ أَنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ مَا قَالَ إنَّمَا هُوَ نَذِيرٌ جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِيَتُوبَ، أَوْ يُوقِعَ بِهِ النَّكَالَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ، وَيَرَى الْإِحْسَانَ وَالْفَضْلَ لِمَنْ قَالَ فِيهِ مَا قَالَ.
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا قِيلَ عَنْهُ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدِهَا: أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ بِالدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُبْتَلًى فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا» وَلَا شَكَّ أَنَّ الِابْتِلَاءَ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ الِابْتِلَاءِ فِي الْبَدَنِ سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الِابْتِلَاءِ. هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الشُّكْرُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى سَلَامَتِهِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ.
الثَّانِي: وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الشُّكْرُ فِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَلَّمَهُ مِمَّا وَقَعَ أَخُوهُ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لَكَانَ بَلَاءً بَيِّنًا إذْ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُ السَّلَامَةِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
وَمِنْ كِتَابِ يُمْنِ بْنِ رِزْقٍ رحمه الله: مَنْ سَاءَهُ الذَّمُّ وَأَعْجَبَهُ الْمَدْحُ فَذَلِكَ ذَكَرُ الصُّورَةِ خُنْثَى الْعَزِيمَةِ.
وَقَالَ لَوْ قَالَ لِي قَائِلٌ: إنَّ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِحَظِّهِ مِنْ الْفَقْرِ لَمْ يَجِدْ طَعْمَ الْإِيمَانِ لَمَا خَالَفْتُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ أَنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعَافِيَةِ فِي الْخُمُولِ، وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ لَصَدَّقْتُهُ.
وَقَالَ: حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ فِي مَوَاطِنِ الِامْتِحَانِ حِيلَةٌ حَسَنَةٌ فِي التَّخَلُّصِ، وَإِنْ أَبْطَأَ.
وَقَالَ: مَنْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ نَصَبٍ وَتَعَبٍ لَمْ يُنْكِرْ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْهَا مَا دَامَ فِيهَا، وَأَخَذَ مِنْ الرَّاحَةِ بِحَظِّهِ، وَمَنْ تَوَهَّمَهَا مَنْزِلَ رَاحَةٍ لَمْ يُقَدِّرْ الرَّاحَةَ قَدْرَهَا إذْ أَتَتْهُ، وَكَانَ تَعَبُهُ فِيهَا مُضَاعَفًا.
وَقَالَ: تَقْدِيمُ صِدْقِ اللُّجْأِ إلَى اللَّهِ عز وجل فِي مَبَادِئِ الْحَاجَاتِ عُنْوَانٌ عَلَى نَجَاحِ غَايَاتِهَا، وَقَالَ: افْتَكِرْ فِي الْمَوْتِ تَهُنْ عَلَيْكَ الْمَصَائِبُ.
وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ النَّفْسِ يَعْنِي فِي شَهَوَاتِهَا وَمَلْذُوذَاتِهَا، وَلَا أَجْرَأَ مِنْ اللِّسَانِ، وَلَا أَشَدَّ تَقَلُّبًا مِنْ الْقَلْبِ، وَلَا أَعْدَمَ مِنْ الْإِخْوَانِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَمَلِ