المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ينبغي للمريد أن يكون نظره للخلق بعين الرحمة والشفقة والتودد] - المدخل لابن الحاج - جـ ٣

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُجَاهِدِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوجِبَةِ لِلْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ وَفَضِيلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِتَالَ بِنِيَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَقِيرِ الْمُنْقَطِعِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْظُرْ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ ويتقي الرِّيَاء والكبر والعجب]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الطَّمَعِ وَقُبْحِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِدْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوَاضُعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبِ النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالْخَلْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُنُونُ الْخَيْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَهْوِينِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ وَالْوُصُولِ إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّمَاعِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌[تَوْقِيرُ السَّلَفِ لِلْمَسَاجِدِ]

- ‌[سَمَاع الغناء الَّذِي يشترك فِيهِ الْخَاصّ والعام]

- ‌[فَصْلٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّنَافُسُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْضَارُ الْمُرْدِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالنَّظَرُ فِي وُجُوهِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّفُّ وَالرَّقْصُ بِالرِّجْلِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ وَتَخْرِيقُ الثِّيَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَمُخَالَطَتِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ بِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعُ قَبُولِ الدُّعَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَالِانْفِرَادَ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ آكَدُ مَا عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى طَرِيقِ الْقَوْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالُ بِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقُ بِرَبِّهِ وَالسُّكُونُ إلَيْهِ وَانْقِطَاعُ رَجَائِهِ مِمَّنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِثْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْمُرِيدِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَلَدِهِ مَشَايِخُ]

- ‌[فَصْلٌ للمريد أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ النَّاسِ نَظَرًا إلَى نِعَمِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للمريد أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْخَوَاطِرِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا]

- ‌[فَصْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ آدَابِ السُّلُوكِ وَلِبَعْضِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِإِخْوَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ صُحْبَةِ الْأَعْضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْإِخْوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ الْمُرِيدُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ اُبْتُلِيَ الْمُرِيدُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَخِلْطَتِهِمْ بِالْأَذِيَّةِ وَالْجَفَاءِ مِنْهُمْ]

- ‌[الصَّمْتُ وَغَضُّ الْبَصَرِ مِفْتَاحَانِ لِأَبْوَابِ الْقُلُوبِ]

- ‌[الِالْتِفَاتُ إلَى النَّاسِ تَعَبٌ فِي الْعَاجِلِ وَنَدَامَةٌ فِي الْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُهُ مَضْبُوطَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَدُخُولِهِ الرِّبَاطَ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ نَظِيفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْإِرَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَجَبُ مِنْ ادِّعَائِهِمْ الْمَشْيَخَةَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَبَادِئَ أَمْرِ دِينِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ بَعْضِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ السُّبْحَةِ فِي عُنُقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَالَغَ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ إلَى حَدٍّ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ]

- ‌[فَصَلِّ اعتقاد المشتبهين بالمشايخ وَأَهْل الإرادة يدور بَيْن أمرين]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْفَقِيرِ لِأَخِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَرْفِ هِمَمِ الْمُرِيدِ كُلِّهَا إلَى الْآخِرَةِ وَأُمُورِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرِيدِ سُلَّمٌ فِي اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ]

- ‌[حَال الْمُحْتَضَر وَمَا يَحْتَاج إلَيْهِ]

- ‌[حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ]

- ‌[غُسْلُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ]

- ‌[آدَاب المغسل]

- ‌[تَكْبِيرُ الْمُؤَذِّنِينَ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا]

- ‌[التَّعْزِيَةُ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السُّنَّةُ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ أَوَّلًا فِي حَفْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي غُسْلِهِ]

- ‌[إذَا فَرَغُوا مِنْ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعُوا الْقَبْرَ قَلِيلًا عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[مَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ]

- ‌[الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ]

- ‌[نَقْشِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَتَارِيخِ مَوْتِهِ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[فَصْلٌ الْخِتَانُ]

الفصل: ‌[فصل ينبغي للمريد أن يكون نظره للخلق بعين الرحمة والشفقة والتودد]

إلَى الْعَدَمِ إذْ قِيلَ: إنَّهَا سُمٌّ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْك أَنْ تَفِرَّ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَالْعَاقِلُ اللَّبِيبُ مَنْ شَمَّرَ عَنْ سَاعِدَيْهِ، وَبَالَغَ فِي الْفَحْصِ عَنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَيَا سَعَادَتُهُ إنْ ظَفِرَ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قِيلَ:

وَإِذَا صَفَا لَك مِنْ زَمَانِك وَاحِدٌ

فَهُوَ الْمُرَادُ وَأَيْنَ ذَاكَ الْوَاحِدُ

فَإِنْ عَدِمَهُمَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ وَالِاعْتِزَالُ إنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ إذْ إنَّ الِاجْتِمَاعَ بِالنَّاسِ إنَّمَا يَحْتَاجُهُ الْمُرِيدُ لِلزِّيَادَةِ لَا لِلنَّقْصِ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهِ إلَّا النَّقْصُ فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ جَهْدَهُ، وَيَسْتَعِينُ بِرَبِّهِ مَعَ سَلَامَةِ صَدْرِهِ لَهُمْ، وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِمْ عُمُومًا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ

[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ]

(فَصْلٌ) : مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ، وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. وَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخَلْقِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، وَالتَّوَدُّدِ، وَذَلِكَ يَقَعُ مِنْهُ عَلَى وُجُوهٍ: فَإِذَا نَظَرَ إلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ بِفَقْرِهِمْ، وَإِذَا أَحْسَنَ الظَّنَّ بِهِمْ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ السَّلَامَةِ لَهُمْ بِالْمَيْلِ إلَى حِزْبِ الْفَائِزِينَ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَذَى مِنْهُمْ فَسَبِيلُهُ الرَّحْمَةُ لَهُمْ، وَإِذَا جَازَى عَلَى السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ فَسَبِيلُهُ التَّخَلُّقُ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَإِذَا رَاعَى حَقَّ كُلِّ ذِي حَقٍّ، وَإِنْ صَغُرَ فَسَبِيلُهُ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ الشَّاكِرِينَ، وَإِذَا تَنَاسَى الشَّرَّ جُمْلَةً فَسَبِيلُهُ تَطْهِيرُ الْقَلْبِ مِنْ دَنَسِ هَوَاجِسِ النُّفُوسِ فِي حَقِّ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِذَا عَامَلَهُمْ بِالسَّخَاءِ فَسَبِيلُهُ الْبُعْدُ مِنْ صِفَةِ الْبُخْلِ، وَالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ، وَالْيَقِينِ بِالْخَلَفِ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يَطْلُبَ الْخَلَفَ الْفَانِي إذْ إنَّ كُلَّ مَا جَاءَهُ مِنْ الدُّنْيَا فَهُوَ ذَاهِبٌ فَانٍ، وَإِذَا عَامَلَهُمْ بِرَفْعِ الْأَذَى عَنْهُمْ جُمْلَةً فَسَبِيلُهُ عَدَمُ الْفَرَاغِ وَالِاشْتِغَالُ بِوَظَائِفِ التَّكْلِيفِ، وَإِذَا عَامَلَهُمْ بِرُؤْيَةِ الْحُسْنِ مِنْهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالتَّعَامِي عَنْ الْقَبِيحِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَسَبِيلُهُ الْغَيْرَةُ فِي مُشَاهَدَةِ الْمَحَاسِنِ، وَالِاشْتِغَالُ عَنْ الْقَبَائِحِ بِعُيُوبِ النَّفْسِ مَعَ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ، وَإِذَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ فَسَبِيلُهُ إجْلَالُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ.

وَإِذَا تَوَاضَعَ لِلْخَلْقِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دُونَ

ص: 170

تَمَاوُتٍ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِاعْتِقَادِ الْأَثَرَةِ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَظْهَرَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَسَبِيلُهُ احْتِقَارُ النَّفْسِ، وَرُؤْيَةُ عُيُوبِهَا، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا تَرَكَ الْعُجْبَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا حَسَنًا فَسَبِيلُهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا فَاعِلَ لِلْأَشْيَاءِ إلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الِافْتِقَارَ إلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا، وَإِذَا أَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ بِأَنْ لَا يُرِيدَ بِصَالِحِ عَمَلِهِ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَسَبِيلُهُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ مِنْ حَبْطِ الْأَعْمَالِ مَخَافَةَ تَوَقُّعِ الرِّيَاءِ فَيُقَدِّرُ الْخَلْقَ فِي حِزْبِ الْعَدَمِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لَهُ شَيْئًا.

وَإِذَا اسْتَشْعَرَ اطِّلَاعَ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَسَبِيلُهُ تَرْكُ الْفَرَاغِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَمُرُّ عَلَيْهِ وَقْتٌ إلَّا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الرِّبْحُ أَوْ جَبْرُ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِذَا تَرَكَ الْمُبَاحَ فَسَبِيلُهُ عِمَارَةُ الْوَقْتِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَإِذَا أَحَبَّ الْمَسَاكِينَ، وَخَدَمَهُمْ، وَأَمَاطَ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَأَدْخَلَ السُّرُورَ عَلَيْهِمْ بِإِرْفَادِهِمْ، وَالْعَوْنِ لَهُمْ، وَإِظْهَارِ الْبِشْرِ، وَاحْتِمَالِ الْجَفَاءِ، وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ، وَالتَّلَطُّفِ فِي نُصْحِ مَنْ زَلَّ مِنْهُمْ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ حَطِّ الْأَوْزَارِ، وَالظَّفَرُ بِمَحَبَّةِ الْمَلِكِ الْغَفَّارِ، وَإِذَا تَرَكَ الْمِزَاحَ جُمْلَةً فَسَبِيلُهُ الِاهْتِمَامُ بِسَالِفِ الذُّنُوبِ، وَإِذَا رَاعَى الْفَرْضَ بِطَلَبِ أَدَائِهِ كَمَا وَجَبَ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عز وجل.

وَإِذَا أَحْسَنَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ يَجُوزُ الْإِحْسَانُ إلَيْهِ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ الْإِنْصَافِ بِالْمَحَامِدِ، وَإِذَا تَرَكَ الشَّهَوَاتِ فَسَبِيلُهُ الْعِلْمُ بِعَاقِبَتِهَا وَمَآلِهَا، وَطَلَبُ الرُّقِيِّ عَنْ الْأَرْضِيَّاتِ، وَإِذَا قَلَّلَ الطَّعَامَ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِهِ ضَرَرٌ فَسَبِيلُهُ التَّحَقُّقُ لِلْعِبَادَةِ، وَالتَّهَيُّؤُ لِلْفَهْمِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِهِ سبحانه وتعالى، وَإِذَا لَبِسَ الدُّونَ مِنْ الثِّيَابِ مَعَ مُجَانَبَةِ الشُّهْرَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الضَّرُورَةِ فَسَبِيلُهُ خَوْفُ الْحِسَابِ، وَإِذَا تَرَكَ التَّنَعُّمَ بِمَلَاذِ الطَّيِّبَاتِ، فَسَبِيلُهُ التَّشَبُّهُ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَإِذَا تَرَكَ الْهَمْزَ وَالِاحْتِقَارَ بِالْخَلْقِ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ التَّبَرِّي مِنْ صِفَةِ الْجَاهِلِينَ، وَإِذَا تَرَكَ الْفَرَحَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَبِيلُهُ الْجَهْلُ بِالْعَاقِبَةِ، وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِالدُّنْيَا، وَإِذَا

ص: 171

تَرَكَ الْحُزْنَ عَلَى مَا فَاتَ فَسَبِيلُهُ شَغْلُ الْوَقْتِ بِالْخِدْمَةِ، وَالْإِيمَان بِالْقَدَرِ.

وَإِذَا وَاصَلَ الْأَحْزَانَ خَوْفًا مِنْ السَّابِقَةِ، وَالْخَاتِمَةِ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ التَّقَرُّبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِانْكِسَارِ الْقَلْبِ، وَجَمْعِ الْهَمِّ، وَإِذَا جَمَعَ هُمُومَهُ عَلَيْهِ فَسَبِيلُهُ الْفِرَارُ مِنْ تَفْرِقَةِ الْقَلْبِ فِي شِعَابِ الْغَفْلَةِ، وَإِذَا فَوَّضَ أُمُورَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِطَرْحِ نَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ دُونَ اقْتِرَاحٍ عَلَيْهِ فَسَبِيلُهُ اسْتِعْمَالُ الْأَدَبِ مَعَ جَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَإِذَا تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ لِثِقَتِهِ بِالْمَضْمُونِ فَسَبِيلُهُ شُغْلُ الْوَقْتِ بِالتَّكْلِيفِ، وَإِذَا تَرَكَ رُؤْيَةَ الْأَسْبَابِ حَتَّى اسْتَوَى عِنْدَهُ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا فَسَبِيلُهُ إفْرَادُ الْحَقِّ بِالْخَلْقِ، وَالتَّبَرِّي مِنْ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ، وَالْجَلِيِّ كَالْخُبْزِ لَا يُشْبِعُ، وَالْمَاءِ لَا يَرْوِي، وَالثَّوْبِ لَا يُدْفِئُ، وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْعَادِيَّةُ كُلُّهَا، وَإِذَا تَرَكَ التَّمَلُّقَ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ فَسَبِيلُهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ إلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى، وَذَلِكَ بِخِلَافِ التَّمَلُّقِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ التَّوَاضُعُ، وَالتَّذَلُّلُ لَهُمْ، وَإِذَا افْتَقَرَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ فَسَبِيلُهُ إظْهَارُ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَإِذَا غَابَ عَنْ الْخَلْقِ بِبَاطِنِهِ، وَلَمْ يَسْعَ إلَيْهِمْ بِظَاهِرِهِ فَسَبِيلُهُ سَدُّ بَابِ الْأُنْسِ بِالْمَخْلُوقِ، وَإِذَا تَرَكَ الْإِقْبَالَ عَلَى أَحَادِيثِ الْعَامَّةِ، وَتَرَكَ التَّشَوُّفَ لَهَا بِصَوْنِ قَلْبِهِ عَنْهَا، وَعِمَارَتِهِ بِذِكْرِ الْحَقِّ فَسَبِيلُهُ سَدُّ بَابِ الْمِحْنَةِ، وَإِطْفَاءُ نَارِ الْفِتْنَةِ، وَخَوْفُ خُسْرَانِ الْآخِرَةِ.

وَإِذَا كَانَتْ نَفْسُ الْمُرِيدِ مُتَطَلِّعَةً لِأَحَادِيثِ النَّاسِ لَمْ يُفْلِحْ أَبَدًا، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ اسْتِفْتَاحَ بَابِ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَسَدَّ بَابِ الشَّرِّ كُلِّهِ فِي نَفْسِ أَدَاءِ الْمَفْرُوضَاتِ إذْ هِيَ مِعْيَارُ الْقَلْبِ، وَبِهَا تَتَبَيَّنُ الزِّيَادَةُ، وَالنَّقْصُ، وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَذْلِ الْجَهْدِ، وَجَمْعِ النَّفْسِ، وَمَحْضِ الصِّدْقِ، وَشِدَّةِ الْخَوْفِ، وَمُوَاصَلَةِ الْحُزْنِ حَتَّى إذَا اسْتَطَعْت أَنْ تَمُوتَ حِينَ تَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ فَمُتْ فَسَبِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ قُرْبُك مِنْ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَنْزِلَةَ قُرْبِك عِنْدَهُ فَمُلَازَمَةُ الْجَدِّ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ الْحَقِّ فِيك مَوْضِعٌ، وَسَبِيلُهُ مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ، وَإِجْلَالُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَإِذَا أَرَدْت عِزَّةَ النَّفْسِ، وَصِيَانَتَهَا عَنْ سُؤَالِ الْمَخْلُوقِينَ دَقَّتْ الْحَاجَةُ أَوْ جَلَّتْ فَسَبِيلُهُ طَلَبُ كُلِّ حَاجَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَدَبًا مَعَ الرُّبُوبِيَّةِ وَمِنْ

ص: 172