الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ دَفعهَا على ركبتيها فَانْكَسَرت قلتهَا فَلَمَّا ارْتَفَعت التفتت إِلَيْهِ فَقَالَت سَوف تعلم يَا غدر إِذا وضع الله الْكُرْسِيّ وَجمع الْأَوَّلين والآخرين وتكلمت الْأَيْدِي والأرجل بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ تعلم أَمْرِي وأمرك عِنْده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صدقت كَيفَ يقدس الله قوما لايؤخذ لضعيفهم من قويهم
فصل فِي إرْسَال قُرَيْش إِلَى النَّجَاشِيّ عَمْرو بن العَاصِي وَعمارَة بن الْوَلِيد الْمرة الثَّانِيَة بعد وقْعَة بدر
ذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي} الْآيَة قَالَ لما هَاجر جَعْفَر بن أبي طَالب وَالصَّحَابَة رضي الله عنهم إِلَى الْحَبَشَة واستقرت بهم الدَّار وَهَاجَر النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ من أَمر بدر مَا كَانَ اجْتمعت قُرَيْش فِي دَار الندوة وَقَالُوا إِن لنا فِي الَّذِي عِنْد النَّجَاشِيّ من أَصْحَاب مُحَمَّد ثأرا مِمَّن قتل مِنْكُم ببدر فاجمعوا مَالا واهدوه إِلَى النَّجَاشِيّ لَعَلَّه يدْفع
إِلَيْكُم من عِنْده من قومكم ولينتدب لذَلِك رجلَانِ من ذَوي رَأْيكُمْ فبعثوا عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة بن الْوَلِيد مَعَ الْهَدَايَا الْأدم وَغَيره فركبا الْبَحْر وَأَتيا الْحَبَشَة فَلَمَّا دخلا على النَّجَاشِيّ سجدا لَهُ وسلما عَلَيْهِ وَقَالا لَهُ إِن قَومنَا لَك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبون وَإِنَّهُم بعثونا إِلَيْك لنحذرك هَؤُلَاءِ الَّذين قدمُوا عَلَيْك لأَنهم قوم أَتَاهُم رجل كَذَّاب خرج فِينَا يزْعم أَنه رَسُول الله وَلم يُتَابِعه أحد منا إِلَّا السُّفَهَاء وَإِنَّا كُنَّا قد ضيقنا عَلَيْهِم الْأَمر وألجأناهم إِلَى شعب بأرضنا لَا يدْخل عَلَيْهِم أحد وَلَا يخرج مِنْهُم أحد قد قَتلهمْ الْجُوع والعطش فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمر بعث إِلَيْك ابْن عَمه ليفسد عَلَيْك دينك وملكك ورعيتك فَاحْذَرْهُمْ وادفعهم إِلَيْنَا لنكفيكهم قَالَا وَآيَة ذَلِك أَنهم إِذا دخلُوا عَلَيْك لَا يَسْجُدُونَ لَك وَلَا يحيونك بالتحية الَّتِي يُحْيِيك بهَا النَّاس رَغْبَة عَن دينك وسنتك قَالَ فَدَعَاهُمْ النَّجَاشِيّ فَلَمَّا حَضَرُوا صَاح جَعْفَر بِالْبَابِ يسْتَأْذن عَلَيْك حزب الله فَقَالَ النَّجَاشِيّ مروا هَذَا الصائح فليعد كَلَامه فَفعل جَعْفَر فَقَالَ النَّجَاشِيّ نعم فليدخلوا بِأَمَان الله وذمته فَنظر عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى صَاحبه فَقَالَ أَلا تسمع كَيفَ يرطنون بحزب الله وَمَا أجابهم بِهِ
النَّجَاشِيّ فساءهما ذَلِك ثمَّ دخلُوا عَلَيْهِ فَلم يسجدوا لَهُ فَقَالَ عَمْرو ابْن الْعَاصِ ألم تَرَ أَنهم يَسْتَكْبِرُونَ أَن يسجدوا لَك فَقَالَ لَهُم النَّجَاشِيّ مَا منعكم أَن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية الَّتِي يحييني بهَا من أَتَى من الْآفَاق قَالُوا نسجد لله الَّذِي خلقك وملكك وَإِنَّمَا كَانَت تِلْكَ التَّحِيَّة لنا وَنحن نعْبد الْأَوْثَان فَبعث الله فِينَا نَبيا صَادِقا وأمرنا بالتحية الَّتِي رضيها الله وَهِي السَّلَام تَحِيَّة أهل الْجنَّة فَعرف النَّجَاشِيّ أَن ذَلِك حق وَأَنه فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل قَالَ أَيّكُم الْهَاتِف يسْتَأْذن عَلَيْك حزب الله قَالَ جَعْفَر أَنا قَالَ فَتكلم قَالَ إِنَّك ملك من مُلُوك أهل الأَرْض وَمن أهل الْكتاب وَلَا يصلح عنْدك كَثْرَة الْكَلَام وَلَا الظُّلم وَأَنا أحب أَن أُجِيب عَن أَصْحَابِي فَمر هذَيْن الرجلَيْن فَلْيَتَكَلَّمْ أَحدهمَا ولينصت الآخر فَتسمع محاورتنا قَالَ الْجَوْهَرِي المحاورة المجاوبة فَقَالَ عَمْرو لجَعْفَر تكلم فَقَالَ جَعْفَر للنجاشي سل هذَيْن الرجلَيْن أعبيد نَحن أم أَحْرَار فَأن كُنَّا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إِلَيْهِم فَقَالَ النَّجَاشِيّ أعبيد هم أم أَحْرَار فَقَالَ بل أَحْرَار كرام فَقَالَ النَّجَاشِيّ نَجوا من الْعُبُودِيَّة ثمَّ قَالَ جَعْفَر سلهما هَل أهرقنا دَمًا بِغَيْر حق فيقتص منا فَقَالَ عَمْرو لَا
وَلَا قَطْرَة قَالَ جَعْفَر سلهما هَل أَخذنَا أَمْوَال النَّاس بِغَيْر حق فعلينا قضاءها قَالَ النَّجَاشِيّ إِن كَانَ قِنْطَارًا فعلي قَضَاءَهُ فَقَالَ عَمْرو لَا وَلَا قيراطا قَالَ النَّجَاشِيّ فَمَا تطلبون مِنْهُم قَالَ عَمْرو كُنَّا وهم على دين وَاحِد على دين آبَائِنَا فتركوا ذَلِك وَاتبعُوا غَيره فَبَعَثنَا إِلَيْك قَومنَا لتدفعهم إِلَيْنَا فَقَالَ النَّجَاشِيّ مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُم عَلَيْهِ وَالدّين الَّذِي اتبعتموه اصدقني قَالَ جَعْفَر أما الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ فتركناه فَهُوَ دين الشَّيْطَان كُنَّا نكفر بِاللَّه ونعبد الْحِجَارَة وَأما الَّذِي تَحَوَّلْنَا إِلَيْهِ فدين الله الْإِسْلَام جَاءَنَا بِهِ من الله رَسُول وَكتاب مثل كتاب ابْن مَرْيَم مُوَافقا لَهُ فَقَالَ النَّجَاشِيّ يَا جَعْفَر تَكَلَّمت بِأَمْر عَظِيم فعلى رسلك ثمَّ أَمر النَّجَاشِيّ فَضرب بالناقوس فَاجْتمع إِلَيْهِ كل قسيس وراهب فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده قَالَ النَّجَاشِيّ أنْشدكُمْ الله الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى هَل تَجِدُونَ بَين عِيسَى وَبَين يَوْم الْقِيَامَة نَبيا مُرْسلا فَقَالُوا اللَّهُمَّ نعم قد بشرنا بِهِ عِيسَى وَقَالَ من آمن بِهِ فقد آمن بِي وَمن كفر بِهِ فقد كفر بِي فَقَالَ النَّجَاشِيّ لجَعْفَر مَاذَا يَقُول لكم هَذَا الرجل وَمَا يَأْمُركُمْ بِهِ وَمَا يَنْهَاكُم عَنهُ فَقَالَ يقْرَأ علينا كتاب الله وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ويأمرنا بِحسن
الْجوَار وصلَة الرَّحِم وبر الْيَتِيم ويأمرنا بِأَن نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ فَقَالَ اقْرَأ عَليّ مِمَّا يقْرَأ عَلَيْكُم فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَة العنكبوت وَالروم فَفَاضَتْ عينا النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه بالدمع فَقَالُوا زِدْنَا يَا جَعْفَر من هَذَا الحَدِيث الطّيب فَقَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة الْكَهْف فَأَرَادَ عَمْرو أَن يغْضب النَّجَاشِيّ فَقَالَ إِنَّهُم يشتمون عِيسَى وَأمه فَقَالَ النَّجَاشِيّ مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى وَأمه فَقَرَأَ عَلَيْهِم جَعْفَر سُورَة مَرْيَم فَلَمَّا أَتَى على ذكر مَرْيَم وَعِيسَى رفع النَّجَاشِيّ نفثة من سواكه قدر مَا يقذى الْعين قَالَ وَالله مَا زَاد الْمَسِيح على مَا تَقولُونَ هَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي النفاثة مَا بَقِي فِي فِيك من السِّوَاك فنفثته مضموم الأول ثمَّ أقبل على جَعْفَر وَأَصْحَابه فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم شيوم بأرضي يَقُول آمنون من سبكم أَو إِذا كم غرم ثمَّ قَالَ أَبْشِرُوا وَلَا تخافوا فَلَا دهورة الْيَوْم على حزب إِبْرَاهِيم قَالَ عَمْرو يَا نجاشي وَمن حزب إِبْرَاهِيم قَالَ هَؤُلَاءِ الرَّهْط وصاحبهم الَّذِي جَاءُوا من عِنْده وَمن تَبِعَهُمْ فَأنْكر ذَلِك الْمُشْركُونَ وَادعوا دين إِبْرَاهِيم ثمَّ رد النَّجَاشِيّ على عَمْرو وَصَاحبه المَال الَّذِي حملوه وَقَالَ إِنَّمَا هديتكم إِلَيّ رشوة فاقبضوها فَإِن الله ملكني وَلم يَأْخُذ مني رشوة قَالَ الْجَوْهَرِي رشوة بِضَم الرَّاء وَكسرهَا يُقَال ترشيت الرجل إِذا لاينته واسترشى فِي حكمه طلب الرِّشْوَة عَلَيْهِ قَالَ جَعْفَر فانصرفنا فَكُنَّا فِي خير دَار