الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى {يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل}
فصل فِي رِوَايَات مُخْتَلفَة جَاءَت فِي كتبه صلى الله عليه وسلم إِلَى قَيْصر
ذكر أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كتاب الْأَمْوَال عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرقل من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى صَاحب الرّوم إِنِّي أَدْعُوك إِلَى الْإِسْلَام فان أسلمت فلك مَا للْمُسلمين وَعَلَيْك مَا عَلَيْهِم وَإِن لم تدخل فِي الْإِسْلَام فأعط الْجِزْيَة فان الله تبارك وتعالى يَقُول قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين اوتوا الْكتب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون وَإِلَّا فَلَا تحل بَين الفلاحين وَبَين الْإِسْلَام أَن يدخلُوا فِيهِ أَو يُعْطوا الْجِزْيَة
وَقَالَ قَوْله الفلاحين لم يرد الفلاحين خَاصَّة وَلكنه أَرَادَ أهل مَمْلَكَته جَمِيعًا وَذَلِكَ أَن الْعَجم عِنْد الْعَرَب فلاحون لأَنهم أهل زرع وحرث
وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر قَالَ وَأما قَيْصر فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب طواه ثمَّ وَضعه فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أما هَؤُلَاءِ فستكون لَهُم بَقِيَّة
وَفِي رِوَايَة عَنهُ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي كتابا وَاحِدًا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي أما بعد تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم إِلَى قَوْله بانا مُسلمُونَ فَأَما كسْرَى فمزق كِتَابه وَلم ينظر فِيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مزق ومزقت أمته وَأما قَيْصر فَقَالَ إِن هَذَا الْكتاب لم أره بعد سُلَيْمَان عليه السلام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَأرْسل إِلَى أبي سُفْيَان وَإِلَى الْمُغيرَة وَكَانَا تاجرين بِالشَّام فَسَأَلَهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ بِأبي لَو كنت عِنْده لغسلت قَدَمَيْهِ ليملكن مَا تَحت قدمي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن لَهُ مُدَّة
يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا القَوْل مِنْهُ وَمَا أشبهه
مِمَّا تقدم من قَوْله صلى الله عليه وسلم إِن لَهُ مُدَّة وَإِن لَهُم بَقِيَّة وَقَوله فِي تَرْجَمَة دحْيَة ثَبت وَثَبت ملكه من إِعْلَامه صلى الله عليه وسلم بالمغيبات وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لِأَن ملك النَّصَارَى قَائِم ثَابت فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا من زَمَنه صلى الله عليه وسلم وهلم جرا إِلَى زمننا هَذَا نَحوا من سَبْعمِائة وَسبعين سنة كل ذَلِك ببركة إقرارهم لَهُ صلى الله عليه وسلم من آمن مِنْهُم وَمن لم يُؤمن وَيبقى ملكهم إِلَى نزُول عِيسَى عليه السلام كَمَا أخبر صلى الله عليه وسلم وَجَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ذكرهَا الْعلمَاء الثِّقَات فِي تواليفهم رضي الله عنهم وَفِي قصَّة أهل نَجْرَان وَحَدِيث المباهلة مَا يدلك على أَنهم لَو لَاعِنُوا لمسخوا قردة وَخَنَازِير ولاضطرم عَلَيْهِم الْوَادي نَارا وَلما حَال الْحول على النَّصَارَى كلهم حَتَّى هَلَكُوا كَمَا أخبر صلى الله عليه وسلم وَيَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا عِنْد ذكر كِتَابه صلى الله عليه وسلم إِلَى أهل نَجْرَان فَتَأَمّله هُنَاكَ ترى عجبا انْتهى
وَذكر ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر والإسكندرية أَن هِرقل أَرَادَ التَّوَجُّه بجيوشه فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليمنعها من عَمْرو بن الْعَاصِ وَالصَّحَابَة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رضي الله عنه إعظاما لَهَا وَأمر أَن لَا يتَخَلَّف عَنهُ أحد من الرّوم وَقَالَ مَا بَقَاء الرّوم بعد الْإسْكَنْدَريَّة فرصعه الله وَمَات فِي سنة تسع عشرَة وَقيل فِي سنة عشْرين
بَاب فِي مكاتباته صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُقَوْقس ملك مصر والإسكندرية وإرساله إِلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بذلك من الْفَوَائِد
روينَا فِي كتاب فتوح مصر وَالْمغْرب وأخبار أَهلهَا لأبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الحكم الْقرشِي الْمصْرِيّ صَاحب الشَّافِعِي رحمه الله قَالَ لما كَانَت سنة سِتّ من مهَاجر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَرجع من الْحُدَيْبِيَة بعث إِلَى الْمُلُوك فَقَامَ ذَات يَوْم على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَتشهد ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي أُرِيد أَن
أبْعث بَعْضكُم إِلَى مُلُوك الْعَجم فَلَا تختلفوا عَليّ كَمَا اخْتلفت بَنو إِسْرَائِيل على عِيسَى ابْن مَرْيَم عليه السلام وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى عِيسَى أَن ابْعَثْ إِلَى مُلُوك الأَرْض فَبعث الحواريين فَأَما الْقَرِيب مَكَانا فَرضِي وَأما الْبعيد مَكَانا فكره وَقَالَ لَا أحسن كَلَام من تبعثني إِلَيْهِ فَقَالَ عِيسَى اللَّهُمَّ أمرت الحواريين بالذين أَمرتنِي فَاخْتَلَفُوا عَليّ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَنِّي سأكفيك فَأصْبح كل إِنْسَان يتَكَلَّم بِلِسَان الَّذِي وَجه إِلَيْهِم فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُول الله وَالله لَا نَخْتَلِف عَلَيْك أبدا فِي شَيْء فمرنا وابعثنا فَبعث حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُقَوْقس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة
فَمضى حَاطِب بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وجد الْمُقَوْقس فِي مجْلِس مشرف على الْبَحْر فَركب الْبَحْر فَلَمَّا حَاذَى مَجْلِسه أَشَارَ بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَين إصبعيه فَلَمَّا رَآهُ أَمر بِالْكتاب فَقبض وَأمر بِهِ فاوصل إِلَيْهِ فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب قَالَ مَا مَنعه إِن كَانَ نَبيا أَن يَدْعُو عَليّ فيسلط عَليّ فَقَالَ لَهُ حَاطِب مَا منع عِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يَدْعُو على من أَبى عَلَيْهِ أَن يفعل بِهِ وَيفْعل فَوَجَمَ سَاعَة
ثمَّ استعادها فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ حَاطِب فَسكت فَقَالَ لَهُ حَاطِب إِنَّه كَانَ قبلك رجل يزْعم أَنه الرب الْأَعْلَى زَاد غَيره فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى فانتقم الله بِهِ ثمَّ انتقم مِنْهُ فأعتبر بغيرك وَلَا يعْتَبر غَيْرك بك فَقَالَ إِن لنا دينا لن ندعه إِلَّا لما هُوَ خير مِنْهُ فَقَالَ حَاطِب ندعوك إِلَى دين الله وَهُوَ الْإِسْلَام الْكَافِي بِهِ الله فقد مَا سواهُ إِن هَذَا النَّبِي دَعَا النَّاس فَكَانَ أَشَّدهم عَلَيْهِ قُرَيْش وأعداهم لَهُ يهود وأقربهم مِنْهُ النَّصَارَى ولعمري مَا بِشَارَة مُوسَى بِعِيسَى إِلَّا كبشارة عِيسَى بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَمَا دعاءنا إياك إِلَى الْقُرْآن إِلَّا كدعائك أهل التَّوْرَاة إِلَى الْإِنْجِيل وكل نَبِي أدْرك قوما فهم من أمته فَالْحق عَلَيْهِم أَن يطيعوه فَأَنت مِمَّن أدْركهُ هَذَا النَّبِي ولسنا ننهاك عَن دين الْمَسِيح وَلَكنَّا نأمرك بِهِ فَقَالَ الْمُقَوْقس
إِنِّي قد نظرت فِي أَمر هَذَا النَّبِي فَوَجَدته لَا يَأْمر بمزهود فِيهِ وَلَا يُنْهِي إِلَّا عَن مَرْغُوب عَنهُ وَلم أَجِدهُ بالساحر الضال وَلَا الكاهن الْكَاذِب وَوجدت مَعَه آلَة النُّبُوَّة باخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر
زَاد السُّهيْلي وَأهْدى لَهُ مَارِيَة بنت شَمْعُون وَأُخْتهَا سِيرِين أم عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت وَغُلَامًا اسْمه مابور وَالْبَغْلَة وَكِسْوَة وَقَدحًا من قَوَارِير كَانَ يشرب فِيهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وكاتبه
قَالَ ابْن عبد الحكم ثمَّ قَرَأَ الْكتاب فاذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَة عبد الله وَرَسُوله إِلَى الْمُقَوْقس عَظِيم القبط سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام فَأسلم تسلم وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَة فان توليت فَعَلَيْك إِثْم القبط يآهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فان توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ ثمَّ أَخذه وَجعله فِي حق من عاج وَختم عَلَيْهِ وَدفعه إِلَى جَارِيَة لَهُ
وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ أرسل الْمُقَوْقس إِلَى حَاطِب لَيْلَة وَلَيْسَ عِنْده أحد إِلَّا ترجمان لَهُ فَقَالَ أَلا تُخبرنِي عَن أُمُور أَسأَلك عَنْهَا فَإِنِّي أعلم أَن صَاحبك قد تخيرك حِين بَعثك قَالَ لَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء إِلَّا صدقتك قَالَ إِلَى مَا يَدْعُو مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قَالَ إِلَى أَن نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا ونخلع مَا سواهُ ويأمرنا بِالصَّلَاةِ قَالَ فكم تصلونَ قَالَ خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَصِيَام شهر رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَالْوَفَاء بالعهد وَينْهى عَن أكل الْميتَة وَالدَّم قَالَ من أَتْبَاعه قَالَ الفتيان من قومه وَغَيرهم قَالَ فَهَل يُقَاتل قومه قَالَ نعم قَالَ صفه لي قَالَ فوصفته بِصفة من صفته لم آتٍ عَلَيْهَا قَالَ قد بقيت أَشْيَاء لم أرك ذكرتها فِي عَيْنَيْهِ حمرَة قل مَا تُفَارِقهُ وَبَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة يركب الْحمار ويلبس الشملة ويجتزئ بالتمرات وَالْكَسْر لَا يُبَالِي من لَاقَى من عَم وَلَا ابْن عَم قلت هَذِه صفته قَالَ قد كنت أعلم أَن نَبيا قد بَقِي وَقد كنت أَظن أَن مخرجه الشَّام وَهُنَاكَ كَانَت تخرج الْأَنْبِيَاء من قبله فَأرَاهُ قد
خرج فِي الْعَرَب فِي أَرض جهد وبؤس والقبط لَا تطاوعني فِي اتِّبَاعه وَلَا أحب أَن يعلم بمحاورتي إياك وسيظهر على الْبِلَاد وَينزل أَصْحَابه من بعده بساحتنا هَذِه حَتَّى يظهروا على مَا هَهُنَا وَأَنا لَا أذكر للقبط من هَذَا حرفا فَارْجِع إِلَى صَاحبك ثمَّ دَعَا كَاتبا يكْتب بِالْعَرَبِيَّةِ فَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم لمُحَمد بن عبد الله وَزَاد غَيره بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من الْمُقَوْقس عَظِيم القبط سَلام عَلَيْك أما بعد فقد قَرَأت كتابك وفهمت مَا ذكرت فِيهِ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَقد علمت أَن نَبيا قد بَقِي وَقد كنت أَظن أَنه يخرج بِالشَّام وَقد أكرمت رَسُولك وَبعثت إِلَيْك بجاريتين لَهما مَكَان فِي القبظ الْعَظِيم وبكسوة وَأهْديت إِلَيْك بغلة لتركبها وَالسَّلَام عَلَيْك
وَلم يزدْ على هَذَا وَلم يسلم والجاريتان مَارِيَة وَسِيرِين وَالْبَغْلَة دُلْدُل بقيت إِلَى زمن مُعَاوِيَة
وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ إِن الْمُقَوْقس لما أَتَاهُ كتاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم ضمه
إِلَى صَدره وَقَالَ هَذَا زمَان يخرج فِيهِ النَّبِي الَّذِي نجد نَعته وَصفته فِي كتاب الله وَإِنَّا لنجد صفته أَنه لَا يجمع بَين أُخْتَيْنِ فِي ملك يَمِين وَلَا نِكَاح وَأَنه يقبل الْهَدِيَّة وَلَا يقبل الصَّدَقَة وَأَن جلساءه الْمَسَاكِين وَأَن خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ ثمَّ دَعَا رجلا عَاقِلا ثمَّ لم يدع بِمصْر أحسن وَلَا أجمل من مَارِيَة وَأُخْتهَا وهما من أهل حفن من كورة أنصنا فَبعث بهما إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأهْدى لَهُ بغلة شهباء وَحِمَارًا أَشهب وثيابا من قَبَاطِي مصر وَعَسَلًا من عسل بنها وَبعث إِلَيْهِ بِمَال صَدَقَة وَأمر رَسُوله أَن ينظر من جُلَسَاؤُهُ وَينظر إِلَى ظَهره هَل يرى شامة كَبِيرَة ذَات شعر فَفعل ذَلِك الرَّسُول
فَلَمَّا قدم على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قدم إِلَيْهِ الْأُخْتَيْنِ والدابتين وَالْعَسَل وَالثيَاب وأعلمه أَن ذَلِك كُله هَدِيَّة فَقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّة وَكَانَ لَا يردهَا من أحد من النَّاس قَالَ فَلَمَّا نظر إِلَى مَارِيَة وَأُخْتهَا أعجبتاه وَكره أَن يجمع بَينهمَا وَكَانَت إِحْدَاهمَا تشبه الْأُخْرَى فَقَالَ اللَّهُمَّ اختر لنبيك فَاخْتَارَ الله لَهُ مَارِيَة وَذَلِكَ أَنه قَالَ لَهما قولا نشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله فبدرت مَارِيَة فتشهدت وَآمَنت
قبل أُخْتهَا وَمَكَثت أُخْتهَا سَاعَة ثمَّ تشهدت وَآمَنت فوهب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أُخْتهَا لمُحَمد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ وَقَالَ بَعضهم بل وَهبهَا لدحية بن خَليفَة الْكَلْبِيّ
وَرُوِيَ يَعْنِي ابْن عبد الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على أم إِبْرَاهِيم أم وَلَده الْقبْطِيَّة فَوجدَ عِنْدهَا نسيبا كَانَ لَهَا قدم مَعهَا من مصر وَكَانَ كثيرا مَا يدْخل عَلَيْهَا فَوَقع فِي نَفسه شَيْء فَرجع فَلَقِيَهُ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَعرف ذَلِك فِي وَجهه فَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ فَأخذ عمر السَّيْف ثمَّ دخل على مَارِيَة وقريبها عِنْدهَا فَأَهوى عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا رأى ذَلِك كشف عَن نَفسه وَكَانَ مجبوبا لَيْسَ بَين رجلَيْهِ شَيْء فَلَمَّا رَآهُ عمر رَجَعَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن الله تَعَالَى قد برأها وقريبها وَأَن فِي بَطنهَا غُلَاما مني وانه أشبه الْخلق بِي وَأَمرَنِي أَن أُسَمِّيهِ إِبْرَاهِيم وَكَنَّانِي بِأبي إِبْرَاهِيم وَيُقَال إِن الْمُقَوْقس بعث مَعهَا بخصى فَكَانَ يأوى إِلَيْهَا
وَرُوِيَ أَيْضا عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب عَن أَبِيه عَن جده حَاطِب قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُقَوْقس فأنزلني فِي منزل فأقمت عِنْده ليَالِي ثمَّ بعث إِلَيّ وَقد جمع بطارقته فَقَالَ إِنِّي
أُكَلِّمك بِكَلَام وَأحب أَن تفهمه عني قَالَ قلت هَلُمَّ قَالَ أَخْبرنِي عَن صَاحبك أَلَيْسَ هُوَ نَبِي قَالَ قلت بلَى هُوَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لم يدع على قومه حَيْثُ أَخْرجُوهُ من بَلَده إِلَى غَيرهَا قَالَ قلت لَهُ فعيسى ابْن مَرْيَم تشهد أَنه رَسُول الله فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخذه قومه فأرادوا أَن يصلبوه أَلا يكون دَعَا عَلَيْهِم بِأَن يُهْلِكهُمْ الله حَتَّى رَفعه الله إِلَيْهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَقَالَ أَنْت حَكِيم جَاءَ من عِنْد حَكِيم هَذِه هَدَايَا أبْعث بهَا مَعَك إِلَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأرْسل مَعَك مبذرقة يبذرقونك إِلَى مأمنك قَالَ فأهدى لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث جوَار مِنْهُنَّ أم إِبْرَاهِيم وَوَاحِدَة وَهبهَا رَسُول الله لأبي جهم ابْن حُذَيْفَة الْعَبدَرِي وَوَاحِدَة وَهبهَا لحسان بن ثَابت وَأرْسل إِلَيْهِ بِثِيَاب مَعَ طرف من طرفهم فَولدت مَارِيَة إِبْرَاهِيم فَكَانَ من أحب النَّاس إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَوجدَ بِهِ
وَرُوِيَ عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ وَكَانَت البغلة وَالْحمار أحب دوابه إِلَيْهِ وَأَعْجَبهُ الْعَسَل فَدَعَا فِي عسل بنها بِالْبركَةِ وَبقيت تِلْكَ الثِّيَاب حَتَّى كفن فِي بَعْضهَا
وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابْنه إِبْرَاهِيم ورش المَاء على قَبره
وَعَن جَابر قَالَ أَخذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَانْطَلق بِهِ إِلَى النّخل الَّذِي فِيهِ ابْنه إِبْرَاهِيم فَوَجَدَهُ يجود بِنَفسِهِ فَأَخذه فَوَضعه فِي حجره ثمَّ بَكَى فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر رضي الله عنهما أَنْت أَحَق من علم لله عز وجل حَقه قَالَ تَدْمَع الْعين وَقَالَ عبد الرَّحْمَن تبْكي أولم تكن نهيت عَن الْبكاء قَالَ لَا وَلَكِنِّي نهيت عَن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فاجرين صَوت عِنْد مُصِيبَة خَمش وُجُوه وشق جُيُوب وَرَنَّة شَيْطَان وَصَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَمَزَامِير شَيْطَان وَهَذِه رَحْمَة وَمن لَا يرحم لَا يرحم وَلَوْلَا أَنه أَمر حق ووعد صدق وَأَنَّهَا سَبِيل مأتية لحزنا عَلَيْك حزنا هُوَ أَشد من هَذَا وَإِنَّا بك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ يحزن الْقلب وتدمع الْعين وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ لما ولدت مَارِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعْتقهَا وَلَدهَا وَكَانَ سنه يَوْم مَاتَ سِتَّة عشر شهرا