الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْكُم أسلمت فقد ترَوْنَ إكرام الْعَرَب إيَّايَ وَإِنَّكُمْ إِن أسلمتم كَانَ لكم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْكُم مَا عَلَيْهِم فَإِن أَبَيْتُم فَعَلَيْكُم الْجِزْيَة وخاك بر سر يَعْنِي التُّرَاب على رؤوسكم بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِن أَبَيْتُم قاتلناكم قَالَ لَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ كَانَ يفعل ذَلِك ثَلَاثًا فَإِن أَبَوا قَاتلهم
فصل فِي ذكر إبتداء ملك الْفرس فِي بِلَاد الْيمن وإسلامهم وَذكر تَاج كسْرَى وإيوانه ورؤيا الموبذان وَهُوَ القَاضِي بلغتهم
قَالَ ابْن إِسْحَاق لما هلك أَبْرَهَة ملك الْحَبَشَة وَهُوَ صَاحب الْفِيل الَّذِي أنزل الله فِيهِ الْقُرْآن وقصته مَعْرُوفَة ملك بعده ابْنه يكسوم فَلَمَّا هلك ملك أَخُوهُ مَسْرُوق فَلَمَّا طَال الْبلَاء على أهل الْيمن من مُلُوك الْحَبَشَة خرج سيف بن ذِي يزن الْحِمْيَرِي وَهُوَ الَّذِي بشر عبد الْمطلب بِظُهُور رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسأذكر خَبره فِيمَا بعد لتَعَلُّقه بِهَذَا الحَدِيث وَكَانَ يكنى بِأبي مرّة حَتَّى قدم على قَيْصر ملك الرّوم فَشكى إِلَيْهِ مَا
هُوَ فِيهِ وَسَأَلَهُ أَن يخرج الْحَبَشَة وَيبْعَث إِلَيْهِم من شَاءَ من الرّوم فَيكون لَهُ ملك الْيمن فَلم يشكه وَخرج حَتَّى أَتَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَهُوَ عَامل كسْرَى على الْحيرَة وَمَا يَليهَا من أَرض الْعرَاق فَشَكا إِلَيْهِ أَمر الْحَبَشَة فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان إِن لي وفادة على كسْرَى فِي كل عَام فأقم حَتَّى يكون ذَلِك فَفعل ثمَّ خرج مَعَه فَأدْخلهُ على كسْرَى وَكَانَ كسْرَى يجلس فِي إيوانه الَّذِي فِيهِ تاجه وَكَانَ تاجه مثل القنقل الْعَظِيم فِيمَا يَزْعمُونَ قَالَ الْجَوْهَرِي القنقل الْمِكْيَال الْعَظِيم الضخم يضْرب بِهِ الْيَاقُوت والزبرجد واللؤلؤ بِالذَّهَب وَالْفِضَّة مُعَلّقا بسلسلة من ذهب فِي رَأس طاق فِي إيوانه وَكَانَت عُنُقه لَا تحمل تاجه إِنَّمَا يستر بالثياب حَتَّى يجلس فِي مَجْلِسه ذَلِك ثمَّ يدْخل رَأسه فِي تاجه فاذا اسْتَوَى فِي مَجْلِسه كشفت عَنهُ الثِّيَاب فَلَا يرَاهُ رجل لم يره قبل ذَلِك إِلَّا برك هَيْبَة لَهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ سيف ابْن ذِي يزن برك وَقيل إِن سَيْفا لما دخل عَلَيْهِ طأطأ رَأسه فَقَالَ الْملك إِن هَذَا الأحمق يدْخل عَليّ من هَذَا الْبَاب الطَّوِيل
ثمَّ يُطَأْطِئ رَأسه فَقيل ذَلِك لسيف فَقَالَ إِنَّمَا فعلت ذَلِك لهمي لِأَنَّهُ يضيق عَنهُ كل شَيْء ثمَّ قَالَ لَهُ أَيهَا الْملك غلبنا على بِلَادنَا الأغربة قَالَ كسْرَى أَي الأغربة الْحَبَشَة أم السَّنَد فَقَالَ بل الْحَبَشَة فجئتك لتنصرني وَيكون ملك بلادي لَك قَالَ بَعدت بلادك مَعَ قلَّة خَيرهَا فَلم أكن لأورط جَيْشًا من فَارس بِأَرْض الْعَرَب لَا حَاجَة لي بذلك ثمَّ أجَازه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم واف وكساه كسْوَة حَسَنَة فَلَمَّا قبض ذَلِك سيف خرج فَجعل ينثر الدَّرَاهِم للنَّاس فَبلغ ذَلِك الْملك فَقَالَ إِن لهَذَا لشأنا ثمَّ بعث إِلَيْهِ فَقَالَ عَمَدت إِلَى حباء الْملك تنثره للنَّاس فَقَالَ وَمَا أصنع بِهَذَا مَا جبال أرضي الَّتِي جِئْت مِنْهَا إِلَّا ذهب وَفِضة يرغبه فِيهَا فَجمع كسْرَى مرازبته فَقَالَ مَاذَا ترَوْنَ فِي أَمر هَذَا الرجل وَمَا جَاءَ لَهُ فَقَالَ قَائِل أَيهَا الْملك إِن فِي سجونك رجَالًا قد حبستهم للْقَتْل فَلَو أَنَّك بعثتهم مَعَه فان يهْلكُوا كَانَ ذَلِك الَّذِي أردْت بهم وَإِن ظفروا كَانَ ملكا ازددته فَبعث مَعَه كسْرَى من كَانَ فِي سجونه وَكَانُوا ثَمَانمِائَة رجل وَاسْتعْمل عَلَيْهِم وهرز وَكَانَ ذَا سنّ فيهم وأفضلهم حسبا ونسبا
فَخَرجُوا فِي ثَمَانِي سفائن فغرقت سفينتان وَوصل إِلَى سَاحل عدن سِتّ سفائن فَجمع سيف إِلَى وهرز من اسْتَطَاعَ من قومه وَقَالَ لَهُ رجْلي مَعَ رجلك حَتَّى نموت جَمِيعًا أَو نظفر جَمِيعًا قَالَ وهرز أنصفت وَخرج إِلَيْهِ مَسْرُوق بن أَبْرَهَة الحبشي ملك الْيمن وَجمع إِلَيْهِ جنده فَأرْسل إِلَيْهِم وهرز ابْنا لَهُ ليقاتلهم فَقتل ابْن وهرز فزاده ذَلِك حنقا عَلَيْهِم فَلَمَّا تواقف النَّاس على مَصَافهمْ قَالَ وهرز أروني ملكهم فَقَالُوا لَهُ أَتَرَى رجلا على الْفِيل عاقدا تاجه على رَأسه بَين عَيْنَيْهِ ياقوتة حَمْرَاء قَالَ نعم قَالُوا ذَاك ملكهم فَقَالَ اتركوه قَالَ فوقفوا طَويلا ثمَّ قَالَ على مَا هُوَ قَالُوا قد تحول على فرس قَالَ اتركوه فوقفوا طَويلا ثمَّ قَالَ على مَا هُوَ قَالُوا على البغلة قَالَ وهرز بنت الْحمار ذل وذل ملكه إِنِّي سأرميه فان رَأَيْتُمْ أَصْحَابه لم يتحركوا فاثبتوا حَتَّى أوذنكم فَانِي قد أَخْطَأت الرجل وَإِن رَأَيْتُمْ الْقَوْم قد استداروا حوله ولاثوا بِهِ فقد أصبت الرجل فاحملوا عَلَيْهِم ثمَّ أوتر قوسه وَكَانَت لَا يوترها غَيره من شدتها وَأمر بحاجبيه فعصبا لَهُ ثمَّ رَمَاه فصك الياقوتة الَّتِي بَين عَيْنَيْهِ
فتغلغلت النشابة فِي رَأسه حَتَّى خرجت من قَفاهُ ونكس عَن دَابَّته واستدارت الْحَبَشَة ولاثت بِهِ وحملت عَلَيْهِم الْفرس وانهزموا فَقتلُوا وهربوا فِي كل وَجه وَأَقْبل وهرز ليدْخل صنعاء حَتَّى إِذا أَتَى بَابهَا قَالَ لَا تدخل رايتي منكوسة أبدا أهدموا الْبَاب فهدم ثمَّ دَخلهَا ناصبا رايته وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الصَّلْت من قصيدة لَهُ فِي أَبْيَات
(لله دِرْهَم من عصبَة خَرجُوا
…
مَا أَن أرى لَهُم فِي النَّاس أَمْثَالًا)
(بيضًا مرازبة غلبا أساورة
…
أسدا تربب فِي الغيضات أشبالا)
(يرْمونَ عَن عتل كَأَنَّهَا غبط
…
بزمخر يعجل المرمى إعجالا)
(أرْسلت أسدا على سود الْكلاب فقد
…
أضحى شريدهم فِي الأَرْض فلالا)
(فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفعا
…
فِي رَأس غمدان دَارا مِنْك محلالا)