الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الْألف
وَمن الَّذين كاتبهم صلى الله عليه وسلم وَأرْسل إِلَيْهِم أَسْقُف نَجْرَان وَهُوَ كَانَ كَبِير وَادي نَجْرَان والمشار إِلَيْهِ بَينهم
روى صَاحب الْهدى المحمدي بِسَنَدِهِ عَن يُونُس بن بكير عَن سَلمَة بن عبد يسوع عَن أَبِيه عَن جده قَالَ يُونُس وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى أهل نَجْرَان
بِسم إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أما بعد فَإِنِّي أدعوكم إِلَى عبَادَة الله من عبَادَة الْعباد وأدعوكم إِلَى ولَايَة الله من ولَايَة الْعباد فَإِن أَبَيْتُم فالجزية فَإِن أَبَيْتُم فقد آذنتكم بِحَرب وَالسَّلَام
فَلَمَّا أَتَى الأسقف الْكتاب فقره قطع بِهِ وذعره ذعرا شَدِيدا فَبعث إِلَى رجل من أهل نَجْرَان يُقَال لَهُ شُرَحْبِيل بن ودَاعَة وَكَانَ من هَمدَان وَلم يكن أحد يدعى إِذا نزل معضلة قبله لَا الْأَيْهَم وَلَا السَّيِّد وَلَا العاقب فَدفع الأسقف كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ فقرأه فَقَالَ الأسقف يَا أَبَا مَرْيَم مَا رَأْيك فَقَالَ شُرَحْبِيل قد علمت مَا وعد الله إِبْرَاهِيم فِي ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل من النُّبُوَّة فَمَا يُؤمن أَن يكون هَذَا هُوَ ذَلِك الرجل لَيْسَ لي فِي النُّبُوَّة رَأْي لَو كَانَ من أَمر الدُّنْيَا أَشرت عَلَيْك فِيهِ برأيي وجهدت لَك فِيهِ فَقَالَ الأسقف تَنَح فاجلس فَتنحّى شُرَحْبِيل فَجَلَسَ نَاحيَة فَبعث الأسقف إِلَى رجل من أهل نَجْرَان يُقَال لَهُ عبد الله بن شُرَحْبِيل وَهُوَ من ذِي أصبح من حمير فَأَقْرَأهُ الْكتاب وَسَأَلَهُ عَن الرَّأْي فِيهِ فَقَالَ لَهُ مثل قَوْله شُرَحْبِيل فَقَالَ لَهُ الأسقف تَنَح فاجلس فَجَلَسَ نَاحيَة فَبعث الأسقف إِلَى رجل من أهل نَجْرَان يُقَال لَهُ جَبَّار ابْن قيص من بني الْحَارِث بن كَعْب فَأَقْرَأهُ الْكتاب وَسَأَلَهُ عَن الرَّأْي فِيهِ فَقَالَ لَهُ مثل قَول شُرَحْبِيل وَعبد الله فَأمره الأسقف فَتنحّى فَلَمَّا اجْتمع الرَّأْي مِنْهُم على تِلْكَ الْمقَالة جَمِيعًا أَمر الأسقف بالناقوس فَضرب وَرفعت المسوح فِي الصوامع وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذا فزعوا بِالنَّهَارِ
وَإِذا كَانَ فزعهم بِاللَّيْلِ ضربوا بالناقوس وَرفعت النيرَان فِي الصوامع فَاجْتمع حِين ضرب بالناقوس وَرفعت المسوح أهل الْوَادي أَعْلَاهُ وأسفله وَطول الْوَادي مسيرَة يَوْم للراكب السَّرِيع وَفِيه ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ قَرْيَة وَعِشْرُونَ وَمِائَة ألف مقَاتل فَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عَن الرَّأْي فِيهِ وَاجْتمعَ رَأْي أهل الْوَادي مِنْهُم على أَن يبعثوا شُرَحْبِيل بن ودَاعَة الْهَمدَانِي وَعبد الله بن شُرَحْبِيل وجبار بن قيص الْحَارِثِيّ فيأتونهم بِخَبَر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَانْطَلق الْوَفْد حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وضعُوا ثِيَاب السّفر عَنْهُم ولبسوا حللا لَهُم يجرونها من الْحبرَة وخواتيم الذَّهَب ثمَّ انْطَلقُوا حَتَّى أَتَوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَلم يرد عليهم السلام وتصدوا لكَلَامه نَهَارا طَويلا فَلم يكلمهم وَعَلَيْهِم تِلْكَ الْحلَل وَالْخَوَاتِيم الذَّهَب فَانْطَلقُوا يتبعُون عُثْمَان بن عَفَّان وَعبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَكَانَا معرفَة لَهُم كَانَا يخرجَانِ العير فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى نَجْرَان ويشترون لَهما من برهَا وَثَمَرهَا وذرتها فوجدوهما فِي
نَاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من مجْلِس فَقَالُوا يَا عُثْمَان وَيَا عبد الرَّحْمَن إِن نَبِيكُم قد كتب إِلَيْنَا بِكِتَاب فأقبلنا مجيبين لَهُ فأتيناه فسلمنا عَلَيْهِ فَلم يرد سلامنا وتصدينا لكَلَامه نَهَارا طَويلا فأعيانا أَن يُكَلِّمنَا فَمَا الرَّأْي مِنْكُمَا أنعود فَقَالَا لعَلي بن أبي طَالب رضي الله عنه وَهُوَ فِي الْقَوْم مَا ترى يَا أَبَا الْحسن رَضِي الله عَنْك فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَقَالَ عَليّ لعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن أرى أَن يضعوا حللهم وخواتيمهم فَفَعَلُوا ثمَّ عَادوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَرد سلامهم ثمَّ سَأَلَهُمْ وسألوه فَلم تزل بِهِ وبهم الْمَسْأَلَة حَتَّى قَالُوا لَهُ مَا تَقول فِي عِيسَى فانا نرْجِع إِلَى قَومنَا وَنحن نَصَارَى فيسرنا إِن كنت نَبيا أَن نعلم مَا تَقول فِيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْء يومي هَذَا فاقيموا حَتَّى أخْبركُم بِمَا يُقَال لي فِي عِيسَى فَأصْبح الْغَد وَقد أنزل الله تَعَالَى {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين فَمن حاجك فِيهِ} إِلَى قَوْله عز وجل على الكذبين فَأَبَوا أَن يقرُّوا بذلك فَلَمَّا أصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْغَد بعد مَا أخْبرهُم الْخَبَر أقبل مُشْتَمِلًا على الْحسن وَالْحُسَيْن فِي خميل لَهُ قَالَ عِيَاض
الخميلة كسَاء ذَات خمل وَفَاطِمَة تمشي عِنْد ظَهره للمباهلة وَله يَوْمئِذٍ عدَّة نسْوَة فَقَالَ شُرَحْبِيل لصاحبيه يَا عبد الله بن شُرَحْبِيل وَيَا جَبَّار بن قيص قد علمتما أَن الْوَادي إِذا اجْتمع أَعْلَاهُ وأسفله لم يردوا وَلم يصدروا إِلَّا عَن رَأْيِي وَإِنِّي وَالله أرى أمرا مُقبلا وَأرى وَالله إِن كَانَ هَذَا الرجل ملكا مَبْعُوثًا فَكُنَّا أول الْعَرَب طَعنا فِي عينه وردا عَلَيْهِ أمره وَلَا يذهب لنا من صَدره وَلَا من صُدُور قومه حَتَّى يصيبونا بجائحة وَإِنِّي لأرى الْقرب مِنْهُم جوارا وَإِن كَانَ هَذَا الرجل نَبيا مُرْسلا فلاعناه فَلَا يبْقى على وَجه الأَرْض منا شَعْرَة وَلَا ظفر إِلَّا هلك فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاه فَمَا الرَّأْي فقد وضعتك الْأُمُور على ذِرَاع فهات رَأْيك فَقَالَ رَأْيِي أَن أحكمه فَإِنِّي أرى الرجل لَا يحكم شططا أبدا فَقَالَا لَهُ أَنْت وَذَاكَ فلقي شُرَحْبِيل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي قد رَأَيْت خيرا من ملاعنتك فَقَالَ وَمَا هُوَ قَالَ شُرَحْبِيل حكمك الْيَوْم إِلَى اللَّيْل وَلَيْلَته إِلَى الصَّباح فمهما حكمت فِينَا فَهُوَ جَائِز فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَعَلَّ وَرَاءَك أحدا يثرب
عَلَيْك فَقَالَ شُرَحْبِيل سل صَاحِبي فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا مَا يرد الْوَادي وَلَا يصدر إِلَّا عَن رَأْي شُرَحْبِيل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَافِر أَو قَالَ جَاحد موفق فَرجع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلم يلاعنهم حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد أَتَوْهُ فَكتب لَهُ هَذَا الْكتاب
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا كتب مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لنجران إِذْ كَانَ عَلَيْهِم حكمه فِي كل ثَمَرَة وَفِي كل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فأفضل عَلَيْهِم وَترك ذَلِك كُله على ألفي حلَّة فِي كل رَجَب ألف حلَّة وَفِي كل صفر ألف حلَّة أَو قيمَة كل حلَّة من الأواقي مَا زَادَت على الْخراج أَو نقصت عَن الأواقي فبحساب وَمَا قضوا من دروع أَو خيل أَو ركاب أَو عرض أَخذ مِنْهُم بِحِسَاب وعَلى نَجْرَان مثواة
رُسُلِي ومتعتهم بهَا عشْرين فدونه وَلَا يحبس رَسُول فَوق شهر وَعَلَيْهِم عَارِية ثَلَاثِينَ درعا وَثَلَاثِينَ فرسا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا إِذا كَانَ كيد بِالْيمن ذُو معذرة وَمَا هلك مِمَّا أعاروا رُسُلِي من دروع أَو خيل أَو ركاب فَهُوَ ضَمَان على رَسُولي حَتَّى يُؤَدِّيه إِلَيْهِم ولنجران وحاشيتها جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي على أنفسهم وملتهم وأرضهم وَأَمْوَالهمْ وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وَأَن لَا يُغيرُوا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغير حق من حُقُوقهم وَلَا ملتهم وَلَا يُغير أَسْقُف من أسقفيته وَلَا رَاهِب من رهبانيته وَلَا وقهة من وقهيته الوقه الطَّاعَة قَالَه الْجَوْهَرِي وكل مَا تَحت أَيْديهم من قَلِيل أَو كثير وَلَيْسَ عَلَيْهِم دِيَة وَلَا دم جَاهِلِيَّة وَلَا يحشرون وَلَا يعشرُونَ وَلَا يطَأ أَرضهم جَيش وَمن سَأَلَ مِنْهُم حَقًا فبينهم النّصْف غير ظالمين وَلَا مظلومين وَمن أكل رَبًّا من ذِي قبل فذمتي مِنْهُ بريئة وَلَا يُؤْخَذ
مِنْهُم رجل بظُلْم آخر وعَلى مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره مَا نصحوا وَأَصْلحُوا فِيمَا عَلَيْهِم غير مبتلين بظُلْم شهد أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وغيلان ابْن عَمْرو وَمَالك بن عَوْف والأقرع بن حَابِس الْحَنْظَلِي والمغيرة بن شُعْبَة وَكتب
فَلَمَّا قبضوا كِتَابهمْ وَانْصَرفُوا إِلَى نَجْرَان تلقاهم الأسقف ووجوه نَجْرَان على مسيرَة لَيْلَة وَمَعَ الأسقف أَخ لَهُ من أمه وَهُوَ ابْن عَمه من النّسَب يُقَال لَهُ بشر بن مُعَاوِيَة وكنيته أَبُو عَلْقَمَة فَدفع الْوَفْد كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الأسقف فَبينا هُوَ يَقْرَؤُهُ وَأَبُو عَلْقَمَة مَعَه وهما يسيران إِذْ كبت ببشر نَاقَته فتعس بشر غير أَنه لَا يكنى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الأسقف عِنْد ذَلِك قد وَالله تعست نَبيا مُرْسلا فَقَالَ بشر لَا جرم وَالله لَا أحل عَنْهَا عقدا حَتَّى آتيه فَضرب وَجه نَاقَته نَحْو الْمَدِينَة وثنى الأسقف نَاقَته عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إفهم عني إِنَّمَا قلت هَذَا ليبلغ الْعَرَب عني مَخَافَة أَن يَقُولُوا إِنَّا أَخذنَا حمقة أَو نجعنا لهَذَا
الرجل بِمَا لم تنجع بِهِ الْعَرَب وَنحن أعزهم وأجمعهم دَارا فَقَالَ لَهُ بشر لَا وَالله لَا أقيلك مَا خرج من رَأسك أبدا فَضرب بشر وَهُوَ مول ظَهره للأسقف وَهُوَ يَقُول
(إِلَيْك تعدو قلقا وضينها
…
مُعْتَرضًا فِي بَطنهَا جَنِينهَا)
(مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا)
قَالَ الْجَوْهَرِي الْوَضِين للهودج بِمَنْزِلَة البطان للقتب والحزام للسرج وَجمعه وضن وَهُوَ النسع من سيور منسوج بعضه على بعض والوضن النسج حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلم يزل مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتشْهد بعد ذَلِك وَدخل الْوَفْد نَجْرَان فَأتى الراهب ابْن أبيشمر الزبيدِيّ وَهُوَ فِي رَأس صومعة لَهُ فَقيل لَهُ إِن نَبيا قد بعث بتهامة وَإنَّهُ كتب إِلَى الأسقف فأجمع أهل الْوَادي أَن يَسِيرُوا إِلَيْهِ شُرَحْبِيل وَعبد الله وجبارا فيأتونهم بِخَبَرِهِ فَسَارُوا حَتَّى أَتَوْهُ فَدَعَاهُمْ إِلَى المباهلة فكرهوا ملاعنته وَحكمه شُرَحْبِيل فَحكم عَلَيْهِم حكما وَكتب لَهُم كتابا ثمَّ أقبل الْوَفْد بِالْكتاب حَتَّى دفعوه إِلَى الأسقف فَبينا الأسقف يَقْرَؤُهُ وَبشر مَعَه إِذْ كبت ببشر نَاقَته فتعسه فَشهد
الأسقف أَنه نَبِي مُرْسل فَانْصَرف أَبُو عَلْقَمَة نَحوه يُرِيد الْإِسْلَام فَقَالَ الراهب أنزلوني وَإِلَّا رميت نَفسِي من هَذِه الصومعة فأنزلوه فَانْطَلق الراهب بهدية إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهَا هَذَا الْبرد الَّذِي يلْبسهُ الْخُلَفَاء والقعب والعصا وَأقَام الراهب بعد ذَلِك يستمع كَيفَ ينزل الْوَحْي وَالسّنَن والفرائض وَالْحُدُود وأبى الله للراهب الْإِسْلَام فَلم يسلم وَاسْتَأْذَنَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الرّجْعَة إِلَى قومه وَقَالَ إِن لي حَاجَة ومعادا إِن شَاءَ الله فَرجع إِلَى قومه فَلم يعد حَتَّى قبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَذكر مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات ان وَفد نَجْرَان كَانُوا أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم نَصَارَى فيهم العاقب وَهُوَ عبد الْمَسِيح رجل من كنده وَأَبُو الْحَارِث بن عَلْقَمَة رجل من ربيعَة وَأَخُوهُ كرز وَالسَّيِّد وَأَوْس ابْنا الْحَارِث وَزيد بن قيس وَشَيْبَة وخويلد وخَالِد وَعَمْرو وَعبيد الله وَفِيهِمْ ثَلَاثَة نفر يتولون أُمُورهم وَالْعَاقِب وَهُوَ أَمِيرهمْ وَصَاحب مشورتهم وَالَّذِي يصدرون عَن رَأْيه وَأَبُو الْحَارِث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وَصَاحب مدارسهم وَالسَّيِّد وَهُوَ صَاحب رحلتهم فتقدمهم كرز أَخُو أبي الْحَارِث وَهُوَ يَقُول
(إِلَيْك تَغْدُو قلقا وضينها
…
مُعْتَرضًا فِي بَطنهَا جَنِينهَا)
(مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا)
فَقدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ قدم الْوَفْد بعده فَدَخَلُوا الْمَسْجِد عَلَيْهِم ثِيَاب الْحبرَة وأردية مَكْفُوفَة بالحرير فَقَامُوا يصلونَ فِي الْمَسْجِد نَحْو الْمشرق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَعْرض عَنْهُم وَلم يكلمهم فَقَالَ لَهُم عُثْمَان ذَلِك من أجل زيكم هَذَا فانصرفوا من يومهم ذَلِك ثمَّ غدوا عَلَيْهِ بزِي الرهبان فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا وَكثر الْكَلَام وَالْحجاج بَينهم وتلا عَلَيْهِم الْقُرْآن وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أنكرتم مَا أَقُول لكم فَهَلُمَّ أُبَاهِلكُم فانصرفوا على ذَلِك وَغدا عبد الْمَسِيح ورجلان من ذَوي رَأْيهمْ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا قد بدا لنا أَن لَا نباهلك فاحكم علينا بِمَا أَحْبَبْت نعطك ونصالحك فَصَالحهُمْ على ألفي حلَّة ألف فِي رَجَب وَألف فِي صفر أَو قيمَة كل حلَّة من الأواقي وعَلى عَارِية ثَلَاثِينَ درعا وَثَلَاثِينَ رمحا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ فرسا إِن كَانَ بِالْيمن كيد ولنجران وحاشيتهم جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وملتهم وأرضهم وَأَمْوَالهمْ وغائبهم وشاهدهم
وبيعهم وَلَا يُغير أَسْقُف من سقيفاه وَلَا رَاهِب من رهبانيته وَلَا وَاقِف من وقفانيته وَأشْهد على ذَلِك شُهُودًا مِنْهُم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب والأقرع بن حَابِس والمغيرة بن شُعْبَة فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ فَلم يلبث السَّيِّد وَالْعَاقِب إِلَّا يَسِيرا حَتَّى رجعا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَسْلمَا وأنزلهما دَار أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ
وَأقَام أهل نَجْرَان على مَا كتب لَهُم بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَرَحمته ورضوانه ثمَّ ولي أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه فَكتب بالوصاة بهم عِنْد وَفَاته ثمَّ أَصَابُوا رَبًّا فَأخْرجهُمْ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه من أَرضهم وَكتب لَهُم وَهَذَا مَا كتب عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ لنجران من سَار مِنْهُم أَنه آمن بِأَمَان الله لَا يضرهم أحد من الْمُسلمين وَفَاء لَهُم بِمَا كتب لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر رضي الله عنه فَوَقع نَاس مِنْهُم بالعراق فنزلوا النجرانية الَّتِي بِنَاحِيَة الْكُوفَة
وروى الْبَيْهَقِيّ باسناد صَحِيح إِلَى ابْن مَسْعُود أَن السَّيِّد وَالْعَاقِب أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَرَادَ أَن يلاعنهما فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه لَا تلاعنه فوَاللَّه لَئِن كَانَ نَبيا فلاعنته لَا نفلح نَحن وَلَا عقبنا من بَعدنَا قَالُوا لَهُ نعطيك مَا سَأَلت فَابْعَثْ مَعنا رجلا أَمينا وَلَا تبْعَث مَعنا إِلَّا أَمينا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَأَبْعَثَن مَعكُمْ رجلا أَمينا حق أَمِين فاستشرف لَهَا أَصْحَابه فَقَالَ قُم يَا أَبَا عُبَيْدَة فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَذَا أَمِين هَذِه الْأمة
وَذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله عز وجل {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن} الْآيَات نزلت فِي وَفد نَجْرَان قَالُوا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا لَك تَشْتُم صاحبنا فَقَالَ وَمَا أَقُول قَالُوا تَقول إِنَّه عبد قَالَ أجل هُوَ عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاء البتول فغضبوا وَقَالُوا هَل رَأَيْت إنْسَانا قطّ من غير أَب فَأنْزل الله عز وجل {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله} فِي كَونه خلقا من غير أَب {كَمثل آدم} لِأَنَّهُ خلق من غير أَب وَأم {خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ} يَعْنِي لعيسى {كن فَيكون} يَعْنِي فَكَانَ فَإِن قيل مَا معنى قَوْله {خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن} فَيكون
خلقا وَلَا تكوين بعد الْخلق قيل مَعْنَاهُ خلقه ثمَّ أخْبركُم أَنِّي قلت لَهُ كن فَكَانَ من غير تَرْتِيب فِي الْخلق كَمَا يكون فِي الْولادَة وَهُوَ مثل قَول الرجل أَعطيتك الْيَوْم درهما ثمَّ أَعطيتك أمس درهما أَي ثمَّ أخْبرك أَنِّي أَعطيتك أمس درهما وَفِيمَا سبق من التَّمْثِيل على جَوَاز الْقيَاس دَلِيل لِأَن الْقيَاس هُوَ رد فرع إِلَى أصل بِنَوْع شبه وَقد رد الله تَعَالَى خلق عِيسَى إِلَى آدم بِنَوْع شبه قَوْله {الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين} الْخطاب لَهُ صلى الله عليه وسلم وَالْمرَاد أمته ثمَّ قَالَ تَعَالَى {فَمن حاجك فِيهِ} أَي جادلك فِي عِيسَى {من بعد مَا جَاءَك من الْعلم} بِأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنت الله على الكذبين أَرَادَ الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة وعليا عليهم السلام وَالْعرب تسمي ابْن عَم الرجل نَفسه قيل فِي قَوْله نبتهل نَتَضَرَّع وَقيل نجتهد ونبالغ فِي الدُّعَاء وَقيل نلتعن والابتهال الالتعان فَنَجْعَل لعنت الله على الكذبين منا ومنكم فِي أَمر عِيسَى فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِم قَالُوا حَتَّى نرْجِع وَنَنْظُر فِي أمرنَا ثمَّ نَأْتِيك غَدا فَخَلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا للعاقب وَكَانَ ذَا رَأْيهمْ يَا عبد الْمَسِيح مَا ترى قَالَ وَالله لقد عَرَفْتُمْ يَا معشر النَّصَارَى أَن مُحَمَّدًا نَبِي مُرْسل وَوَاللَّه مَا لَاعن قوم
نَبِي قطّ فَعَاشَ كَبِيرهمْ وَلَا نبت صَغِيرهمْ وَلَئِن فَعلْتُمْ ذَلِك لتهلكن فَإِن أَبَيْتُم إِلَّا الْإِقَامَة على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من القَوْل فِي صَاحبكُم فَوَادعُوا الرجل وَانْصَرفُوا إِلَى بِلَادكُمْ فَأتوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد غَدا مُحْتَضِنًا الْحُسَيْن آخِذا بيد الْحسن وَفَاطِمَة تمشي خَلفه وَعلي خلفهَا وَهُوَ يَقُول إِذا أَنا دَعَوْت فَأمنُوا فَقَالَ أَسْقُف نَجْرَان يَا معشر النَّصَارَى إِنِّي لأرى وُجُوهًا لَو سَأَلُوا الله أَن يزِيل جبلا من مَكَانَهُ لَأَزَالَهُ فَلَا تبتهلوا فَتَهْلكُوا وَلَا يبْقى على وَجه الأَرْض نَصْرَانِيّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم قد رَأينَا أَن لَا نُلَاعِنك وَأَن نَتْرُكك على دينك ونلبث على ديننَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن أَبَيْتُم المباهلة فأسلموا يكن لكم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْكُم مَا عَلَيْهِم فَأَبَوا فَقَالَ فَإِنِّي أنابذكم فَقَالُوا مَا لنا بِحَرب الْعَرَب طَاقَة وَلَكِن نُصَالِحُكَ على أَن لَا تَغْزُونَا وَلَا تخيفنا وَلَا تردنَا عَن ديننَا على أَن نُؤَدِّي لَك كل عَام ألفي حلَّة ألفا فِي صفر وألفا فِي رَجَب فَصَالحهُمْ على ذَلِك وَقَالَ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الْعَذَاب قد تدلى على أهل نَجْرَان وَلَو تلاعنوا لمسخوا قردة وَخَنَازِير ولاضطرم عَلَيْهِم الْوَادي نَارا ولاستأصل الله نَجْرَان وَأَهله حَتَّى الطير على الشّجر وَلما حَال الْحول على النَّصَارَى كلهم حَتَّى هَلَكُوا
قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كتاب الْأَمْوَال أهل نَجْرَان عرب من بني الْحَارِث بن كَعْب وهم أول من أعْطى الْجِزْيَة من النَّصَارَى