المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم الغساني - المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي - جـ ٢

[ابن حديدة]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌ذكر الْكتاب

- ‌تَفْسِير غَرِيب مَا فِي هَذَا الْكتاب

- ‌فصل فِي ذكر كِتَابيه صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيّ

- ‌فَكتب النَّجَاشِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فِي زواج أم حَبِيبَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأَرْض الْحَبَشَة

- ‌تَفْسِير

- ‌فصل فِي إرْسَال النَّجَاشِيّ وَلَده أرها وغرقه

- ‌فصل فِي فضل الْحَبَشَة

- ‌وَمِمَّا جَاءَ فِي الْقُرْآن مُوَافقا للغة الْحَبَشَة

- ‌وَمِمَّا سَمعه صلى الله عليه وسلم من كَلَامهم فأعجبه ونطق بِهِ

- ‌فصل فِي إرْسَال قُرَيْش إِلَى النَّجَاشِيّ عَمْرو بن العَاصِي وَعمارَة بن الْوَلِيد الْمرة الثَّانِيَة بعد وقْعَة بدر

- ‌فصل فِي خبر عمَارَة بن الْوَلِيد مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ وسحره حَتَّى مَاتَ مَعَ الْوَحْش فِي الْبَريَّة

- ‌فصل فِي ذكر توجه عَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْمرة الثَّانِيَة إِلَى النَّجَاشِيّ وإسلامه عِنْده ورجوعه إِلَى الْمَدِينَة ولقائه خَالِد بن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي وإسلامهم

- ‌فصل فِي ذكر أَلْفَاظ وَقعت بَين عَمْرو بن الْعَاصِ وَبَين عبد بن الجلندي حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيه وَكَانَا ملكي عمان مِمَّا يتَعَلَّق بالنجاشي

- ‌تَفْسِير

- ‌تَفْسِير

- ‌فصل فِي ذكر مُخَاطبَة دحْيَة لقيصر

- ‌فصل فِي ذكر الْمَسِيح عليه السلام والحواريين

- ‌تَفْسِير

- ‌عود وانعطاف إِلَى مَا نَحن بصدده

- ‌تَفْسِير

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بعث أبي بكر رضي الله عنه إِلَى هِرقل

- ‌فصل فِي رِوَايَات مُخْتَلفَة جَاءَت فِي كتبه صلى الله عليه وسلم إِلَى قَيْصر

- ‌فصل

- ‌فصل فِي خبر الْمُغيرَة بن شُعْبَة مَعَ الْمُقَوْقس وَسبب إِسْلَامه

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فضل مصر وَأَهْلهَا وَمَا خصها الله سبحانه وتعالى بِهِ

- ‌فصل فِي ذكر سراقَة بن مَالك بن جعْشم فِي الْهِجْرَة وإعلامه صلى الله عليه وسلم لَهُ بِأَنَّهُ يلبس سواري كسْرَى وتاجه وَمَا فِيهِ من عجائب معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فِي ذكر إبتداء ملك الْفرس فِي بِلَاد الْيمن وإسلامهم وَذكر تَاج كسْرَى وإيوانه ورؤيا الموبذان وَهُوَ القَاضِي بلغتهم

- ‌تَفْسِير مَا فِيهِ من الْغَرِيب

- ‌فصل فِي وُفُود الْعَرَب على سيف بن ذِي يزن وَمن جُمْلَتهمْ عبد الْمطلب وبشراه لَهُ بِظُهُور رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تَفْسِير غَرِيب لُغَة هَذَا الْخَبَر

- ‌رَجعْنَا إِلَى حَدِيث وهرز

- ‌فصل فِي ذكر سطيح ورؤيا كسْرَى والموبذان

- ‌تَفْسِير غَرِيب لغته

- ‌وَمن الَّذين كاتبهم صلى الله عليه وسلم وَأرْسل إِلَيْهِم أَسْقُف نَجْرَان وَهُوَ كَانَ كَبِير وَادي نَجْرَان والمشار إِلَيْهِ بَينهم

- ‌فصل فِي خبر سطيح وشق وَذكر نَجْرَان وَابْتِدَاء النَّصْرَانِيَّة بِأَرْض الْعَرَب من بِلَاد الْيمن

- ‌فصل فِي إرْسَاله صلى الله عليه وسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني الْحَارِث بن كَعْب بِنَجْرَان ومكاتباته

- ‌ذكر الْكتاب

- ‌ذكر كِتَابه صلى الله عليه وسلم إِلَى أكيدر دومة الجندل

- ‌تَفْسِير غَرِيبه

- ‌تَفْسِير غَرِيبه

- ‌ذكر كِتَابه صلى الله عليه وسلم إِلَى أسيبخت صَاحب هجر

- ‌وَمن الْمُلُوك الَّذين بعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْأَصْبَغ بن عَمْرو

- ‌وَمِمَّنْ كَاتبه صلى الله عليه وسلم باذان صَاحب صنعاء من الْفرس

- ‌وَمِمَّنْ كَاتبه صلى الله عليه وسلم قبل مولده بِأَلف عَام تبع

- ‌فصل فِي خبر مِفْتَاح الْكَعْبَة

- ‌ذكر إرْسَاله صلى الله عليه وسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم الغساني

- ‌تَفْسِير مَا فِي الشّعْر من الْغَرِيب

- ‌تَفْسِير مَا فِي هَذَا الْخَبَر

- ‌ذكر مكاتباته صلى الله عليه وسلم إِلَى جَيْفَر وَعبد ابْني الجلندي ملكي عمان

- ‌ذكر كِتَابه صلى الله عليه وسلم لجنادة الْأَزْدِيّ وَقَومه

- ‌وَمِنْهُم جفينة النَّهْدِيّ

- ‌وَمِنْهُم جُزْء بن عمر العذري

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم من الْمُلُوك الْحَارِث بن أبي شمر الغساني

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ من الْمُلُوك الْحَارِث بن عبد كلال

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم خَالِد بن ضماد الْأَزْدِيّ

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ ربيعَة الْحَضْرَمِيّ

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم رِفَاعَة بن زيد الجذامي ثمَّ الضبيبي

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم زرْعَة من أقيال حَضرمَوْت

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ذُو الكلاع الْحِمْيَرِي سميفع

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم سعيد بن سُفْيَان الرعلي

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم سمْعَان الراقع

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عبد يَغُوث بن وَعلة الْحَارِثِيّ

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَامر بن الْأسود الطَّائِي

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَرْوَة الجذامي

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الْمُنْذر بن ساوي ملك الْبَحْرين

- ‌مُخَاطبَة الْعَلَاء للمنذر

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مطرف بن الكاهن الْبَاهِلِيّ

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مَالك بن نمط فِي وَفد هَمدَان وأقيال الْيمن

- ‌تَفْسِير غَرِيبه

- ‌تَفْسِير غَرِيب أَبْيَات ابْن نمط

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مُسَيْلمَة الْكذَّاب لَعنه الله

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم معدي كرب بن أَبْرَهَة

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم نهشل

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم نعيم بن أَوْس الدَّارِيّ

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم هَوْذَة بن عَليّ صَاحب الْيَمَامَة

- ‌تَفْسِير غَرِيبه

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الْهلَال

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَائِل بن حجر وهمدان

- ‌فصل فِي سَبَب إِسْلَامه

- ‌تَفْسِير

- ‌تَفْسِير غَرِيبه

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم يحنة بن رؤبة من أَيْلَة ويهود مقنا وهم بِقرب أَيْلَة

- ‌تَفْسِير

- ‌تَفْسِير

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم يزِيد بن الطُّفَيْل الْحَارِثِيّ

- ‌وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم يزِيد بن المحجل الْحَارِثِيّ

- ‌ذكر سَنَد البُخَارِيّ رحمه الله

- ‌سَنَد صَحِيح مُسلم

- ‌سَنَد جَامع التِّرْمِذِيّ

- ‌سَنَد السِّيرَة الشَّرِيفَة لإبن هِشَام عَن البكائي عَن ابْن إِسْحَاق

- ‌سَنَد الشفا بتعريف حُقُوق الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم للْقَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌سَنَد الرَّوْض الْأنف لِلسُّهَيْلِي رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌سَنَد أَخْبَار مَكَّة شرفها الله تَعَالَى للأزرقي

الفصل: ‌ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم الغساني

حرف الْجِيم

‌ذكر إرْسَاله صلى الله عليه وسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم الغساني

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كتب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم ملك غَسَّان بِالشَّام يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَكتب بِإِسْلَامِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأهْدى لَهُ هَدِيَّة ثمَّ لم يزل مُسلما حَتَّى كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَطَافَ بِالْبَيْتِ فوطئ إزَاره رجل من بني فَزَارَة فانحل فَرفع جبلة يَده فَلَطَمَهُ فهشم أَنفه فاستعدى عَلَيْهِ عمر فَقَالَ لَهُ عمر إِمَّا أَن ترْضى الرجل وَإِمَّا أَن أقيده مِنْك قَالَ وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ قيل أسلم وَأهْدى هَدِيَّة كَمَا ذكرنَا وَقيل أَقَامَ على دينه إِلَى أَيَّام عمر ثمَّ أوقع الله الْإِسْلَام فِي قلبه فَأسلم وَقدم على عمر ثمَّ ارْتَدَّ

ص: 242

قَالَ السُّهيْلي قدم شُجَاع بن وهب على جبلة بن الْأَيْهَم بن الْحَارِث بن أبي شمر وَكَانَ طوله اثْنَي عشر شبْرًا وَكَانَ يمسح برجليه الأَرْض وَهُوَ رَاكب فَقَالَ لَهُ يَا جبلة إِن قَوْمك نقلوا هَذَا النَّبِي الْأُمِّي من دَاره إِلَى دَارهم يَعْنِي الْأَنْصَار فآووه ومنعوه وَأَن هَذَا الدّين الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ لَيْسَ بدين آبَائِك وَلَكِنَّك ملكت الشَّام وجاورت بهَا الرّوم وَلَو جَاوَرت كسْرَى دنت بدين الْفرس لملك الْعرَاق وَقد أقرّ بِهَذَا النَّبِي من أهل دينك من أَن فضلناه عَلَيْك لم يغضبك وَإِن فضلناك عَلَيْهِ لم يرضك فَإِن أسلمت أَطَاعَتك الشَّام وهابتك الرّوم وَإِن لم يَفْعَلُوا كَانَت لَهُم الدُّنْيَا وَلَك الْآخِرَة وَكنت قد استبدلت الْمَسَاجِد بِالْبيعِ وَالْأَذَان بالناقوس وَالْجمع بالسعانين والقبلة بالصليب وَكَانَ مَا عِنْد الله خير وَأبقى فَقَالَ لَهُ جبلة إِنِّي وَالله لَوَدِدْت أَن النَّاس اجْتَمعُوا على هَذَا النَّبِي اجْتِمَاعهم على خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَقَد سرني اجْتِمَاع قومِي لَهُ وأعجبني قَتله أهل الْأَوْثَان وَالْيَهُود واستبقاءه النَّصَارَى وَلَقَد دَعَاني قَيْصر إِلَى قتال أَصْحَابه يَوْم مُؤْتَة فأبيت عَلَيْهِ فَانْتدبَ مَالك بن نَافِلَة من سعد الْعَشِيرَة فَقتله الله وَلَكِنِّي لست أرى حَقًا يَنْفَعهُ وَلَا بَاطِلا يضرّهُ وَالَّذِي يمدني إِلَيْهِ أقوى من الَّذِي يختلجني عَنهُ وسأنظر

ص: 243

قَالَ صَاحب زبدة الفكرة وَلما أسلم فِي أَيَّام عمر كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ بِإِسْلَامِهِ ويستأذنه فِي الْقدوم عَلَيْهِ فسر عمر بذلك وَأذن لَهُ فَخرج من خمسين وَمِائَتَيْنِ من أهل بَيته حَتَّى إِذا قَارب الْمَدِينَة عمد إِلَى أَصْحَابه فحملهم على الْخَيل وقلدها قلائد الْفضة وَالذَّهَب وألبسها الديباج الْحَرِير وَوضع على رَأسه تاجه وَكَانَ فِيهِ قرطا مَارِيَة جدته فَلم يبْق بكر وَلَا عانس إِلَّا خرجت تنظر إِلَيْهِ وَإِلَى زيه فَلَمَّا دخل على عمر رضي الله عنه رحب بِهِ وَأدنى مَجْلِسه وَأقَام بِالْمَدِينَةِ مكرما

فجَاء أَوَان الْحَج فَخرج عمر حَاجا وَخرج مَعَه فَبَيْنَمَا هُوَ يطوف بِالْبَيْتِ وَهُوَ محرم وطئ إزَاره رجل من بني فَزَارَة فانحل فَرفع جبلة يَده فلطم الْفَزارِيّ فهشم أَنفه فاستعدى عَلَيْهِ عمر رضي الله عنه فَبعث إِلَى جبلة فَأَتَاهُ فَقَالَ لم هشمت أَنفه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه تعمد حل إزَارِي وَلَوْلَا حُرْمَة الْكَعْبَة لضَرَبْت وَجهه بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ أما أَنْت فقد أَقرَرت إِمَّا أَن ترضيه وَإِلَّا أقدته مِنْك قَالَ جبلة فيصنع بِي مَاذَا قَالَ يهشم أَنْفك كَمَا فعلت بِهِ قَالَ وَكَيف ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وهوسوقة وَأَنا ملك قَالَ إِن الْإِسْلَام جمعك وإياه فلست تفضله إِلَّا بالتقى والعافية قَالَ جبلة قد ظَنَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي أكون فِي الْإِسْلَام أعز مني فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ عمر دع عَنْك هَذَا فَإنَّك إِن لم

ص: 244

ترض الرجل أقدته مِنْك قَالَ إِذا أتنصر قَالَ إِن تنصرت ضربت عُنُقك لِأَنَّك قد أسلمت فَإِن ارتددت قتلتك فَلَمَّا رأى جبلة الصدْق من عمر قَالَ أمهلني اللَّيْلَة حَتَّى أنظر فَلَمَّا أَمْسوا أذن لَهُ عمر فِي الإنصراف

فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل تحمل هُوَ وَأَصْحَابه بخيله وَرِجَاله إِلَى الشَّام فَأَصْبَحت مَكَّة مِنْهُم بَلَاقِع وَسَار على طَرِيق السَّاحِل فَلَمَّا انْتهى إِلَى الشَّام تحمل فِي خَمْسمِائَة من قومه حَتَّى أَتَوا الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَدخل على هِرقل فَتَنَصَّرَ هُوَ وَقَومه فسر بذلك هِرقل وَظن أَنه فتح من الْفتُوح عَظِيم وأقطعه مَا شَاءَ وزوجه ابْنَته وقاسمه ملكه وَجعله من سماره وَأقَام مَدِينَة قلت هِيَ جبلة مَدِينَة فِي سَاحل الشَّام بَين طرابلس واللاذقية يذكر أَن فِيهَا قبر إِبْرَاهِيم بن أدهم دَخَلتهَا فِي عَام تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة

ثمَّ إِن عمر رضي الله عنه كتب كتابا إِلَى هِرقل فِي أَمر يخص الْمُسلمين وَبعث بِهِ مَعَ رَسُول إِلَيْهِ قيل إِن اسْمه جثامة بن مساحق الْكِنَانِي فَلَمَّا قدم الرَّسُول على هِرقل أجَاب بِمَا أَرَادَ عمر فَلَمَّا عزم الرَّسُول على الرُّجُوع قَالَ لَهُ هِرقل هَل لقِيت ابْن عمك جبلة قَالَ

ص: 245

لَا قَالَ فالقه

قَالَ فَأتيت بَاب جبلة فَرَأَيْت عَلَيْهِ من الْبَهْجَة والخدم مَا لم أره على بَاب الْملك فاستأذنت عَلَيْهِ فَأذن لي فَلَمَّا دخلت قَامَ فاعتنقني وعاتبني فِي ترك النُّزُول عَلَيْهِ وَإِذا هُوَ فِي بهو عَظِيم قَالَ الْجَوْهَرِي البهو الْبَيْت الْمُقدم أَمَام الْبيُوت على سَرِير من ذهب وَحَوله من التماثيل مَا لَا أحسن أصفه وَإِذا هُوَ أصهب ذُو سبال وَقد ذَر الذَّهَب فِي لحيته ثمَّ أَمرنِي أَن أَجْلِس على كرْسِي من ذهب فأبيت وَقلت إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَن نجلس على مثل هَذَا ثمَّ سَأَلَني عَن عمر رضي الله عنه وَعَن الْمُسلمين والطف فِي الْمَسْأَلَة وألحف فِي السُّؤَال وَظهر على وَجهه آثَار الْحزن قلت فَمَا يمنعك من الرُّجُوع إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ هَيْهَات هَيْهَات بعد الَّذِي كَانَ قلت نعم ارْتَدَّ الْأَشْعَث بن قيس وجالدهم بِالسُّيُوفِ وَمنع الزَّكَاة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام وزوجه أَبُو بكر رضي الله عنه أُخْته فَقَالَ دع عَنْك هَذَا

وَأَوْمَأَ إِلَى وصيف على رَأسه فولى وَحضر فَمَا شعرنَا إِلَّا بالصناديق تحملهَا الرِّجَال وَوضعت أمامنا مائدة من ذهب فَقلت لَا آكل عَلَيْهَا فَوضعت أَمَامِي مائدة من خلنج ومالوا علينا بالحار والبارد فِي صحاف الذَّهَب وَالْفِضَّة ودارت الْخمر فاستعففت وَغسل يَده فِي طست من ذهب

ثمَّ أَشَارَ إِلَى وصيف آخر فولي فَمَا كَانَ بأسرع من أَن أقبل عشر جوَار فَقعدَ خمس عَن يَمِينه وَخمْس عَن يسَاره على كراسي الذَّهَب

ص: 246

وَأَقْبَلت جَارِيَة وَفِي يَدهَا الْيُمْنَى جَام من ذهب فِيهِ طَائِر أَبيض وَفِي الْجَام مسك وَعَنْبَر سحيقان وَفِي يَدهَا الْأُخْرَى جَام آخر لم أر مثله فتقرب الطَّائِر فتقلب فِي الْجَام ثن انْتقل إِلَى الْجَام الآخر ثمَّ طَار فَسقط على صَلِيب فِي تَاج جبلة ثمَّ حرك جناحيه فنثر ذَلِك الْمسك على رَأس جبلة ولحيته ثمَّ شرب أقداحا واستهل واستبشر ثمَّ قَالَ للجواري أطربنني فحفقن بعيدانهن واندفعن يغنين هَذِه الأبيات

(لله در عِصَابَة نادمتهم

يَوْمًا بجلق فِي الزَّمَان الأول)

(أَوْلَاد جَفْنَة حول قبر أَبِيهِم

قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل)

(يسقون من ورد البريض عَلَيْهِم

بردي يصفق بالرحق السلسل)

(بيض الْوُجُوه كَرِيمَة أحسابهم

شم الأنوف من الطّراز الأول)

(يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم

لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل)

فطرب ثمَّ قَالَ أتعرف هَذَا الشّعْر لمن هُوَ قلت لَا قَالَ لحسان بن ثَابت قَالَه فِينَا وَفِي ملكنا قلت نعم إِنَّه لشيخ كَبِير ضَرِير ثمَّ قَالَ أطربنني فغنين

(لمن الدَّار أقفرت بمعان

بَين فرع اليرموك فالخمان)

ص: 247

(ذَاك مغنى لآل جَفْنَة فِي الدَّهْر محاه تعاقب الْأَزْمَان

)

قَالَ الْبكْرِيّ خمان نَاحيَة بالبثنية من أَرض الشَّام

ثمَّ قَالَ للجواري أبكينني فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن

(تنصرت الْأَشْرَاف من عَار لطمة

وَمَا كَانَ فِيهَا لَو صبرت لَهَا ضَرَر)

(تكنفني فِيهَا لجاج ونخوة

وبعت بهَا الْعين الصَّحِيحَة بالعور)

(فيا لَيْت أُمِّي لم تلدني وليتني

رجعت إِلَى القَوْل الَّذِي قَالَه عمر)

(وَيَا لَيْتَني أرعى الْمَخَاض بقفرة

وَكنت أَسِيرًا فِي ربيعَة أَو مُضر)

(وَيَا لَيْت لي بِالشَّام أدنى معيشة

أجالس قومِي ذَاهِب السّمع وَالْبَصَر)

(أديني بِمَا دانوا بِهِ من شَرِيعَة

وَقد يصبر الْعود الْكَبِير على الدبر)

وَانْصَرف الْجَوَارِي وَوضع كمه على وَجهه وَبكى حَتَّى نظرت إِلَى دُمُوعه تجول على خديه كَأَنَّهَا اللُّؤْلُؤ الرطب وبكيت مَعَه حَتَّى رَحمته قَالَ يَا جَارِيَة هَاتِي خَمْسمِائَة دِينَار هِرَقْلِيَّة فَجَاءَت بهَا فَقَالَ خُذْهَا لَك صلَة فَقلت لَا وَالله لَا لأقبل صلَة رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام

ص: 248