الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا
…
إِلَيْك لم يعد عَنهُ الصَّبْر أَن اضاقا
لَو كَانَ وفى المنى فِي جَمعنَا بكم
…
لَكَانَ من أكْرم الْأَيَّام أَخْلَاقًا
آس ينافحه نيلوفر عبق
…
وَسنَان نبه مِنْهُ الصُّبْح أحداقا
لَا سكن الله قلباً عَن ذكركُمْ
…
فَلم يطر بجناح الشوق خفاقا
لَو شَاءَ حملي نسيم الرّيح نحوكم
…
وافاكم بفتى أضناه مالاقى
كَانَ التجاري بمحض الود مذ زمن
…
ميدان أنس جرينا فِيهِ أطلاقا
فَالْآن أَحْمد مَا كُنَّا لعهدكم
…
سلوتم وَبَقينَا نَحن عشاقا
…
بنى الزهراء النَّاصِر وسكنها ثمَّ سكنها ابْنه الْمُسْتَنْصر وَسكن الْمُؤَيد بن الْمُسْتَنْصر مَدِينَة الزاهرة فَنَذْكُر ترجمي النَّاصِر والمستنصر واعلام دولتيهما
التَّاج
118 -
النَّاصِر لدين الله أَبُو الْمطرف عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم ابْن هِشَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان
ذكر الْحميدِي أَنه ولي بعد جده عبد الله وَكَانَ وَالِده قد قَتله أَخُوهُ الْمطرف بن عبد الله فِي صدر دولة أَبِيهِمَا وَترك ابْنه عبد الرَّحْمَن ابْن عشْرين يَوْمًا فولي وَله اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَت ولَايَته من المستطرف إِذْ كَانَ بالحضرة جمَاعَة أكَابِر من أَعْمَامه وأعمام أَبِيه فَلم يعْتَرض معترض وَكَانَ شهماً صَارِمًا وكل من ذكرنَا من أجداده فَلَيْسَ مِنْهُم من تسمى
بإمرة الْمُؤمنِينَ وَلم يتعدوا فِي الْخطْبَة الْإِمَارَة وَجرى على ذَلِك عبد الرَّحْمَن إِلَى آخر السّنة السَّابِعَة عشرَة من ولَايَته فَلَمَّا بلغه ضعف الْخلَافَة فِي الْعرَاق أَيَّام المقتدر وَظُهُور الشِّيعَة بالقيروان تسمى بأمير الْمُؤمنِينَ وتلقب بالناصر وَلم يزل مُنْذُ ولي يسْتَنْزل المتغلبين حَتَّى اسْتكْمل إِنْزَال جَمِيعهم فِي خمس وَعشْرين سنة من ولَايَته وَصَارَ جَمِيع أقطار الأندلس فِي طَاعَته
وَمن المسهب إِنَّمَا تسمى بأمير المؤنين حِين بلغه أَن المقتدر خطب لَهُ بالخلافة وَهُوَ دون الْبلُوغ وَلما قتل الْمطرف بن عبد الله أَخَاهُ مُحَمَّد بن عبد الله قَتله بِهِ ابوه وَقد فيل أَن اباهما قتل الِاثْنَيْنِ وخلا الجو لعبد الرَّحْمَن وَملك قلب جده بِحسن خدمته وكل مَا يعلم أَنه يُوَافق غَرَضه فَتقدم بعد جده فِي مستهل ربيع الأول سنة ثَلَاثمِائَة فَقَالَ ابْن عبد ربه صَاحب العقد
…
بدا الْهلَال جَدِيدا
…
وَالْملك غض جَدِيد
يَا نعْمَة الله زيدي
…
إِن كَانَ فِيك مزِيد
…
وَصرف من الآراء والحيل فِي الثوار الَّذين اضْطر من بهم الأندلس مَا يطول ذكره حَتَّى صفت لَهُ الجزيرة
قَالَ وأعانه على ذَلِك الْمعرفَة باصطفاء الرِّجَال واستمالة اهوائهم بالمواعيد وبذل الْأَمْوَال مَعَ طول الْمدَّة وهبوب ريح السَّعَادَة وَقد شبهوه بالمعتضد العباسي فِي تلافي الدولة وَكَانَ يَده فِي استنزال العصاة الْقَائِد أَبَا الْعَبَّاس ابْن أبي عَبدة وَبَقِي فِي السلطنة خمسين سنة وَسِتَّة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام
قَالَ ابْن غَالب وجد بِخَطِّهِ أَيَّام السرُور الَّتِي صفت لَهُ فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة يَوْم كَذَا وَيَوْم كَذَا فَكَانَت أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَكَانَت وَفَاته
لَيْلَة الاربعاء لليلتين خلتا من رمصان سنة خمسين وثلاثمائة وَكَانَ مشغوفا يتضخيم الْبُنيان والسلطنة والجند وَقسم اموال جبابيه على ثَلَاثَة قسم للجند والحروب وَقسم للبنيان وَقسم ينْفق مِنْهُ فِي غير هذَيْن من الْمصَالح ويحزن بَاقِيه ذخيرة وَقد تقدّمت أبياته فِي الْبُنيان مِمَّا أنْشدهُ الشقندي والحجاري وَله حكايات دينية ودنياوية فأملح مَا وقفت عَلَيْهِ من حكاياته الدِّينِيَّة مَا حَكَاهُ الحجاري من أَنه حضر يَوْم جُمُعَة فِي جَامع الزهراء فَلَمَّا خطب مُنْذر بن سعيد قَالَ فِي خطبَته أتبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون الاية فَتحَرك النَّاس لذَلِك وَعلم النَّاصِر أَنه عرض بِهِ فَلَمَّا فرغ قَالَ لِابْنِهِ الْمُسْتَنْصر فِيمَا جرى عَلَيْهِ مِنْهُ ثمَّ قَالَ لَكِن عَليّ لله يَمِين أَلا أُصَلِّي خَلفه مَا عِشْت فَلَمَّا جَاءَت الْجُمُعَة الثَّانِيَة قَالَ لِابْنِهِ كَيفَ نصْنَع فِي الْيَمين قَالَ يُؤمر بالتأخر ويستخلف غَيره فاغتاظ النَّاصِر وَقَالَ ابمثل هَذَا الرَّأْي الفائل تُشِير عَليّ وَالله لقد نَدِمت على مَا فرط مني فِي الْيَمين واني لاستحي أَن أجعَل بيني وَبَين الله غير مُنْذر ثمَّ رأى أَن يُصَلِّي فِي جَامع قرطبة فواصل ذَلِك بَقِيَّة مدَّته وَكَانَ لَهُ جلساء ووزراء عُظَمَاء يَأْتِي مِنْهُم تراجم بعد هَذَا وَأعظم من اسْتَعَانَ بِهِ فِي الحروب ابْن عَمه سعيد بن الْمُنْذر بن مُعَاوِيَة بن ابان يحي بن عبيد الله بن مُعَاوِيَة ابْن هِشَام بن عبد الْملك وَهُوَ الَّذِي تولى حَرْب ابْن حفصون كَبِير الْمُنَافِقين وافتتح قلعته وَكَانَ ممدحاً جواداً سعيد الْحَيَاة فقيد الْمَمَات وَحضر لَيْلَة عِنْده وزيره ومولاه أَبُو عُثْمَان بن إِدْرِيس فغنت جَارِيَة
…
أحبكم مَا عِشْت فِي الْقرب والنوى
…
وأذكركم فِي حَالَة الْوَصْل والصد
على انكم لَا تشتهون زيارتي
…
قَرِيبا وَلَا ذكراي فِي فَتْرَة الْبعد
…
واستجاز وزيره فَقَالَ الِابْتِدَاء لأمير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ
…
وَأَنْتُم جعلتم مهجتي مسكن الجوى
…
وانتم جعلتم مقلتي مسكن السهد
…
ثمَّ قَالَ الْوَزير
…
وَمَالِي عَنْكُم جرتم أَو عدلتم
…
على كل حَال فاعلموا ذَاك من بُد
…
وَكَانَت عَلامَة سكره وَأمر ندمانه بِالْقيامِ أَن يمِيل بِرَأْسِهِ إِلَى حجره وَرُبمَا انشد
…
وَكَانَ أشربها وَاللَّيْل معتكر
…
حَتَّى أكب الْكرَى رَأْسِي على قدحي
…
وَكَانَ على حسن خلقه وحلمه رُبمَا حدثت لَهُ على المنادمة وَسْوَسَة كدرت مَا يعْتَاد مِنْهُ وَلما كثرت قطع المنادمة ثمَّ تزهد وَمن قَبِيح مَا يُؤثر عَنهُ حكايته مَعَ الْجَارِيَة الَّتِي كَانَت عِنْده بِمَنْزِلَة حبابة من يزِيد سكر لَيْلَة فَأكْثر من تقبيلها فَأَكْثَرت الضجر والتبرم وقبضت وَجههَا أَمر أَلا يزَال وَجههَا يلثم بألسنة الشمع وَهِي تشتغيث فَلَا يرحمها حَتَّى هَلَكت
قَالَ الحجاري وَرُبمَا كَانَ أَجود من جَمِيع من ملك من بني مَرْوَان وَمِمَّا نسب لَهُ وَقد نسب لِابْنِهِ الْمُسْتَنْصر
…
مَا كل شَيْء فقدت إِلَّا
…
عوضني الله عَنهُ شيا
إِنِّي إِذا مَا منعت خيري
…
تبَاعد الْخَيْر من يديا
من كَانَ لي نعْمَة عَلَيْهِ
…
فَإِنَّهَا نعْمَة عليا
…
وَذكر أَن توقيعاته بليغة كتب لَهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بالشيخ الْمُمْتَنع بحصن لقنت فِي جَوَاب استنزاله لَهُ مَا أوجب أَن كَانَ فِي جَوَاب النَّاصِر لَهُ وَلما رَأَيْنَاك قد تذرعت بِإِظْهَار اتقاء الله رَأينَا أَن نعرض عَلَيْك أَولا مَالا بُد لَك مِنْهُ أخراً وَلَيْسَ من أطَاع بالمقال كمن أطَاع بعد الفعال فبادر مستسلماً إِلَى قرطبة
وَكتب لَهُ ابْن سعيد بن الْمُنْذر وَهُوَ محاصر ابْن حفصون يذكر لَهُ تلون بني حفصون فَأَجَابَهُ بِكِتَاب فِيهِ مهما تحققت من عذر بني حفصون ومكرهم فزد فِيهِ بَصِيرَة واثبت على تحقيقك وَمهما ظَنَنْت فصير
ظَنك تَحْقِيقا فَإِنَّهُم شَجَرَة نفاق أَصْلهَا وفروعها تسقى بِمَاء وَاحِد فاهجر فيهم الْمَنَام والدعة فالعيون إِلَيْهِم تنظر والآذان نحوهم تسمع فَمَتَى اسْتَنْزَلَهُمْ من معلقهم أَغْنَاك ذَلِك عَن مكابدة غَيرهم فَلم يزل بهم حَتَّى غلب عَلَيْهِم
وأقدم عَلَيْهِ رجل وقاح بالشكوى والصياح وَخرج من أمره أَنه اشْترى حمارا فَخرج فِيهِ عيب فَرفع ذَلِك إِلَى القَاضِي فَرد حكمه إِلَى أهل السُّوق فأفتوا أَنه عيب حَدِيث قَالَ فألزموني بِهِ وَأَنا لَا أريده فَقَالَ تجاوزت القَاضِي وَأهل السُّوق إِلَى الْخَلِيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الوضيعة ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب ونودى عَلَيْهِ بذلك مجرساً ورد رَأسه إِلَى وزرائه وَقَالَ أعلمتم أَن الْأَمِير عبد الله جدي بنزوله للعامة فِي الحكم للْمَرْأَة فِي غزلها والحمال فِي ثمن مَا يحملهُ والدلال فِي ثمن مَا يُنَادي عَلَيْهِ أضاع كبار الْأُمُور ومهماتها وَالنَّظَر فِي حروبه ومدارأة المتوثبين عَلَيْهِ حَتَّى اضطرمت جَزِيرَة الأندلس وكادت الدولة أَلا يبْقى لَهَا رسم وَأي مصلحَة فِي نظر غزل امْرَأَة ينظر فِيهِ أَمِين سوق الْغَزل وإضاعة النّظر فِي قطع الطّرق وَسَفك الدِّمَاء وتخريب الْعمرَان وَكَانَ حَاجِبه مُوسَى بن حدير على ذكائه يَقُول مَا رَأَيْت أذكى مِنْهُ كنت وَالله آخذ مَعَه فِي الشَّيْء تحليقاً على سواهُ حَتَّى أخرج إِلَيْهِ فيسبقني لمرادي وَيعلم مَا بنيت عَلَيْهِ تدبيري وَكَانَ لَهُ عُيُون على مَا قرب وَبعد وَصغر وَكبر وَكَانَ مَعْرُوفا بِحسن الْعَهْد وَبِذَلِك انْتفع فِي استنزال المتغلبين
قَالَ الحجاري وَرفع للناصر أَن تَاجِرًا زعم أَنه ضَاعَت لَهُ صرة فِيهَا مائَة دِينَار ونادى عَلَيْهَا وَاشْترط أَن يهب للآتي بهَا عشرَة دَنَانِير فجَاء بهَا رجل عَلَيْهِ سمة خير ذكر أَنه وجدهَا فَلَمَّا حصلت فِي يَده قَالَ إِنَّهَا كَانَت مائَة وَعشرَة وَإِن الْعشْرَة الَّتِي نقصت مِنْهَا أَخذهَا الَّذِي أَتَى بهَا وأبى أَن يدْفع لَهُ مَا شَرط فَوَقع النَّاصِر صدق التَّاجِر وَالرجل الَّذِي