الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن = كتاب تلقيح الآراء فِي حلى الْحجاب والوزراء
128 -
الْمَنْصُور أَبُو عَامر مُحَمَّد بن أبي عَامر الْمعَافِرِي
الَّذِي حجب الْمُؤَيد وَكَانَ فِي منزلَة سُلْطَان هُوَ مَذْكُور فِي كتب كَثِيرَة وَلابْن حَيَّان فِيهِ كتاب مُفْرد قَالَ الْحميدِي أَصله من الجزيرة الخضراء وَله بهَا قدر ابوة وَورد شَابًّا إِلَى قرطبة فَطلب الْعلم وَالْأَدب وتمهر وَكَانَت لَهُ همة لم تزل ترتقى من شَيْء إِلَى شَيْء إِلَى أَن اعتنت بِهِ صبح أم هِشَام الْمُؤَيد فَصَارَت لَهُ الحجابة وَكَانَ لَهُ مجْلِس مَعْرُوف فِي الْأُسْبُوع يجْتَمع فِيهِ أهل الْعلم وغزواته نَيف وَخَمْسُونَ غَزْوَة وَله فتوح كَثِيرَة وَكَانَ فِي اكثر زَمَانه لَا يخل بغزوتين فِي السّنة
وَمن خطّ ابْن حَيَّان هُوَ أَبُو عَامر مُحَمَّد بن عبد الله بن عَامر أبي عَامر مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن سُوَيْد بن عبد الْملك وَعبد الْملك جده هُوَ الدَّاخِل للأندلس مَعَ طَارق فِي أول الداخلين من الْعَرَب وَهُوَ وسيط فِي قومه
وَذكر أَن الْمُسْتَنْصر ولى ابْنه هشاماً الْعَهْد وَهُوَ غُلَام وَلما مَاتَ قَامَ بأَمْره
جَعْفَر المصحفي الْحَاجِب وَعدل عَن الْمُغيرَة الَّذِي أَرَادَ الصقالبة مبايعته وَهُوَ أَخُو الْمُسْتَنْصر وَقَالَ إِن أبقينا بن مَوْلَانَا كَانَت الدولة لنا وَإِن استبدلنا بِهِ استبدل بِنَا وَبعث ابْن أبي عَامر إِلَى الْمُغيرَة فَقتله فِي دَاره وَكَانَ عبد الْعَزِيز أَخُو الْمُسْتَنْصر تقدمه بمديدة واشتغل الْأَصْبَغ ببطالة أزالت عَنهُ التُّهْمَة وَذكر أَن المصحفي اسْتَأْثر بالأموال وَبنى الْمنَازل وَهدم الرِّجَال وعارضه من ابْن أبي عَامر فَتى ماجد أَخذ مَعَه بطرفي نقيض بالبخل جوداً وبالاستبداد أَثَرَة وباقتناء الضّيَاع اصطناع الرِّجَال فَظهر عَلَيْهِ عَمَّا قَلِيل وَكَانَت حَال ابْن أبي عَامر متمكنة عِنْد الْحرم لقديم الِاتِّصَال وَحسن الْخدمَة والتصدي لمواقع الْإِرَادَة وطلاقة الْيَد فِي بَاب الألطاف وأخرجن لَهُ أَمر الْخَلِيفَة هِشَام إِلَى حَاجِبه المصحفي فِي الِاسْتِعَانَة بِهِ والمؤازرة واستراح المصحفي إِلَى كِفَايَته واغتر بخدمته ومكره وَأخذ المصحفي يدْفع الرِّجَال وَابْن أبي عَامر يضمهم إِلَى أَن غلب عَلَيْهِ وَذكر أَنه فِي مُدَّة الْمُسْتَنْصر ولى قَضَاء كورة رية وَقَضَاء إشبيلية وارتقى إِلَى خطة الشرطة بالحضرة وَالسِّكَّة فعلت حَاله وهمته ترتمي أبعد مرمى وَهُوَ فِي ذَلِك كُله يَغْدُو إِلَى بَاب المصحفي وَيروح فَلَمَّا ثبتَتْ قدمه امتثل رسم أُمَرَاء الديلم المتغلبين فِي عصره على بني الْعَبَّاس وَنسخ رجال الدولة بِرِجَالِهِ وَأول عُرْوَة نقضهَا فتكه فِي جمَاعَة الصقلب المتمردين واستخراج الْأَمْوَال الْعَظِيمَة مِنْهُم وَكَانَت النَّصْرَانِيَّة قد جَاشَتْ بِمَوْت الْمُسْتَنْصر وَجَاء صراخهم إِلَى بَاب قرطبة وَظهر من المصحفي جبن وَأمر أهل قلعة رَبَاح بِقطع سد نهرهم يلْتَمس بذلك دفاع الْعَدو عَن حوزته فَأَنف ابْن أبي عَامر من ذَلِك وَقَامَ بِأَمْر الْجِهَاد ووعد من نَفسه الِاسْتِقْلَال بِهِ على أَن يخْتَار الجهاز ويعان بِمِائَة ألف مِثْقَال فَلَمَّا قفل ظافراً وَقد ملك الْجند بِمَا رَأَوْهُ من حسن كرمه سمت همته وَأخذ نَفسه بالتغلب على مَكَان
المصحفي فاستعان بغالب الناصري صَاحب مَدِينَة سَالم شيخ الموَالِي وَفَارِس الأندلس وصاهره وَكَانَ عدوا للمصحفي فَتمكن وَصَارَ عِنْده المصحفي كلا شَيْء إِلَّا أَنه غالطه مديدة وَلم يشك المصحفي فِي الإدبار إِلَى أَن عزل وَسخط السُّلْطَان عَلَيْهِ وعَلى أَوْلَاده وأسبابه وطولبوا بالأموال وَتمكن مِنْهُم ابْن أبي عَامر كَيفَ شَاءَ وَكَانَ لَا يرِيح المصحفي من الْمُطَالبَة وَإِذا سم من أَذَاهُ أسلمه إِلَى عدوه غَالب إِلَى أَن هلك فِي سجنه كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته
ثمَّ حصلت وَحْشَة بَين صبح أم هِشَام الْخَلِيفَة وَبَين الْمَنْصُور آل الْأَمر فِيهَا إِلَى أَن كَانَت الْغَلَبَة لَهُ وَأخذ الْأَمْوَال الَّتِي كَانَت فِي الْقصر مختزنة ونقلها إِلَى دَاره ووكل بِالْقصرِ من أَرَادَ وَصَارَت الدولة بَاطِنا وظاهراً على حكمه
وَكَانَ فِي أثْنَاء ذَلِك مَرِيضا وأرجف أعداؤه بِهِ وَلما أَفَاق وصل إِلَى الْخَلِيفَة هِشَام وَاجْتمعَ بِهِ واعترف بِهِ بالاضطلاع بالدولة فخرست أَلْسِنَة الحسدة وَعلم مَا فِي نفوس النَّاس لظُهُور هِشَام ورؤيته إِذْ كَانَ مِنْهُم من لم يره قطّ فأبرزه وَركب ركبته الْمَشْهُورَة وَقد برزوا لَهُ فِي خلق عَظِيم لَا يحصيهم إِلَّا رازقهم معمما على الطَّوِيلَة سادلاً للذؤابة والقضيب فِي يَده على زِيّ الْخلَافَة وَإِلَى جَانِبه الْمَنْصُور رَاكِبًا يسايره وَعبد الْملك بن الْمَنْصُور رَاجِلا يمشي بَين يَدَيْهِ ويسير الْجَيْش أَمَامه وَخرج الْمَنْصُور إِلَى الْغُزَاة وَقد وَقع فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ مِنْهُ فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة واقتحم أَرض جليقية من تِلْقَاء طليطلة إِلَى أَرض قشتلة بلد شانجه بن غرسية وَهُوَ كَانَ مَطْلُوبه فأحال الْغَارة على بِلَاده وقويت هُنَالك علته فَاتخذ سَرِير خشب يحملهُ السودَان فِي أَعْنَاقهم
واشتدت عَلَيْهِ الخلفة فوصل إِلَى مَدِينَة سَالم وأيقن بِالْمَوْتِ فَقَالَ إِن زمامي يشْتَمل على عشْرين ألف مرتزق مَا أصبح مِنْهُم أَسْوَأ حَالا مني فَأمر ابْنه عبد الْملك بالنفوذ إِلَى قرطبة بعد مَا أَكثر وَصيته وَأمره أَن يسْتَخْلف أَخَاهُ عبد الرَّحْمَن على الْعَسْكَر
وَذكر ابْن حَيَّان أَن أَبَاهُ خلف بن حُسَيْن دخل على الْمَنْصُور حِينَئِذٍ وَهُوَ كالخيال وَأكْثر كَلَامه بِالْإِشَارَةِ وَمَات لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لثلاث بَقينَ من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة وَأوصى أَن يدْفن حَيْثُ يقبض فَدفن فِي قصره بِمَدِينَة سَالم
واضطرب الموَالِي على ابْنه عبد الرَّحْمَن وَقَالُوا إِنَّمَا نَحن فِي حجر آل أبي عَامر الدَّهْر كُله
وَكَانَ عَلَيْهِ فِي قرطبة من الْحزن يَوْم وُصُول الْعَسْكَر مَالا شَيْء فَوْقه وَكَانَ مِمَّا أوصى وَلَده عبد الْملك أَلا يلقى بِيَدِهِ إِلْقَاء الْأمة فينشب فِي حبس بني أُميَّة
قَالَ فَإِن انقادت لَك الْأُمُور بالحضرة وَإِلَّا فانتبذ بِأَصْحَابِك وغلمانك إِلَى بعض الْأَطْرَاف الَّتِي حصنتها لَك وانتظر غدك إِن أنْكرت يَوْمك وَإِيَّاك أَن تضع يدك فِي يَد بني مَرْوَان فَإِنِّي أعرف ذَنبي لَهُم
وَمن فرحة الْأَنْفس دَامَت دولته سِتا وَعشْرين سنة فِيهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ غَزْوَة وَمن المسهب أَنه اسْتَعَانَ أَولا بالمصحفي على الصقالبة ثمَّ بغالب على المصحفي ثمَّ بِجَعْفَر ممدوح ابْن هَانِئ على غَالب ثمَّ بِعَبْد الرَّحْمَن بن هَاشم التجِيبِي على جَعْفَر وَعدا بِنَفسِهِ على عبد الرَّحْمَن وَقَالَ للدهر هَل من مبارز
وعَلى قَبره مَكْتُوب
…
آثاره تنبيك عو أَوْصَافه
…
حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ
…