الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأغْرب الحكم فِي بأسماء حربه هَذِه عِنْدَمَا حمى وطيسها بنادرة مَا سمع لأحد من الْمُلُوك بِمِثْلِهَا وَذَلِكَ أَنه فِي مقَامه بالسطح وَعند بَصَره باشتداد الْحَرْب دَعَا بقارورة غَالِيَة فَجَاءَهُ بهَا خَادِم لَهُ فأفرغها على رَأسه فَلم يملك الْخَادِم نَفسه أَن قَالَ لَهُ وأية سَاعَة طيب هَذِه فَقَالَ اسْكُتْ لَا أم لَك وَمن أَيْن يعرف قَاتل الحكم رَأسه من رَأس غَيره ثمَّ أعتق مماليكه ووالى الْإِحْسَان عَلَيْهِم وَجعل يَقُول مَا استعدت الْمُلُوك بِمثل الرِّجَال وَلَا حامى عَنْهَا كعبيدها وَكَانَ مِمَّن هرب من أهل الربض إِلَى طليطلة الْفَقِيه يحيى بن يحيى ثمَّ أَمنه الحكم وَكَانَ مِنْهُم طالوت بن عبد الْجَبَّار الْمعَافِرِي أحد من لقى مَالك بن أنس استخفى عِنْد يَهُودِيّ أحسن خدمته ثمَّ انْتقل إِلَى الْوَزير الإسكندارني واثقاً بِهِ فسعى بِهِ إِلَى الحكم وَأمكنهُ مِنْهُ فَوَجَدَهُ أغْلظ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قرر عَلَيْهِ ذنُوبه قَالَ لَهُ إِنِّي أبغضتك لله وَحده فَلم ينفعك عِنْدِي مَا صَنعته معي وَأخْبرهُ مَا جرى لَهُ مَعَ الْيَهُودِيّ والوزير فرقق الله قلبه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِن الَّذِي أبغضتني من أَجله قد صرفني عَنْك وَنقص الاسكندراني فِي عين الحكم قَالَ وَلَقَد بلغ من استخفاف أهل الربض بالحكم أَنهم كَانُوا يُنَادُونَهُ لَيْلًا من أَعلَى صوامعهم الصَّلَاة الصَّلَاة يَا مخمور وَلم يتمل بالعيش بعد هَذِه الْوَقْعَة من عِلّة طاولته أَرْبَعَة أَعْوَام فَمَاتَ نَادِما مُسْتَغْفِرًا وَكَانَ مِمَّا نعوه عَلَيْهِ أَن جعل الْعشْر ضريبة على النَّاس بعد أَن كَانَ مصروفاً إِلَى أمانتهم
سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ
بَايع الحكم لابْنَيْهِ بالعهد عبد الرَّحْمَن ثمَّ الْمُغيرَة فانخلع الْمُغيرَة لِأَخِيهِ وَمَات مكرماً فِي حَيَاته وَله عقب كثير وَالْحكم أول من عقد الْعَهْد مِنْهُم وفيهَا توفّي الحكم
حجب لَهُ عبد الْكَرِيم بن عبد الْوَاحِد وَله تَرْجَمَة وَعبد الْعَزِيز ابي ابْن عَبدة بعده وَكَانَ زاهداً كثير الصَّدَقَة صَاحب جيوشه وصوائفه ابْن عَمه عبيد الله بن عبد الله وَمن أشهر وزرائه فطيس بن سُلَيْمَان وَكتب عَنهُ أَيْضا وَكتب عَنهُ حجاج المغيلي وَهُوَ شَاعِر وقضاته مذكورون فِي تراجمهم وَفِي مدَّته مَاتَ شَهِيد بن عِيسَى الَّذِي ينْسب لَهُ بَنو شَهِيد فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَتَمام بن عَلْقَمَة اُحْدُ اكابر النُّقَبَاء وَعبد الْوَاجِد بن مغيث وفطيس بن سُلَيْمَان وحجاج المغيلي فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة والفقيه زِيَاد ابْن عبد الرَّحْمَن اللَّخْمِيّ راوية مَالك سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة والفقيه الْمُفْتِي صعصعة بن سَلام سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس وَمن المجاهرين بِالْمَعَاصِي السفاحين للدماء لدينا الحكم صَاحب الربض وَقد كَانَ من جبروته يخصى من اشْتهر بالجمال من أَبنَاء رَعيته ليدخلهم إِلَى قصره وَأحسن مَا أوردوا لَهُ من الشّعْر قَوْله بعد وقْعَة الربض
…
رأبت صدوع الأَرْض بِالسَّيْفِ راقعاً
…
وقدماً لأمت الشّعب مذ كنت يافعا
فسائل ثغوري هَل بهَا الْيَوْم ثغرة
…
أبادرها مستنصى السَّيْف دارعا
وشافه على الأَرْض الفضاء جماجماً
…
كأقحاف شريان الهبيد لوامعا
تنبيك أَنِّي لم أكن فِي قراعهم
…
بوان وَأَنِّي كنت بِالسَّيْفِ قارعا
وَأَنِّي إِذا حادوا سرَاعًا عَن الردى
…
فَمَا كنت ذَا حيد عَن الْمَوْت جازعا
…
.. حميت ذماري فاستحبت دمارهم
…
وَمن لَا يحامى ظلّ خزيان ضارعا
وَلما تساقينا نهال حروبنا
…
سقيتهم سجلاً من الْمَوْت ناقعا
وَهل زِدْت أَن وفيتهم صَاع قرضهم
…
فوافوا منايا قدرت ومصارعا
…
2 -
ابْنه أَبُو الْمطرف عبد الرَّحْمَن بن الحكم من المقتبس هُوَ بكر وَالِده مولده بطليطلة فِي شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة عمره اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة دولته إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَسِتَّة أشهر وَسِتَّة أَيَّام وَفَاته بقرطبة لَيْلَة الْخَمِيس لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ذكر ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس أَن وَلَده مائَة النّصْف ذُكُور عني أَبوهُ بتعليمه وتخريجه فِي الْعُلُوم الحديثة والقديمة وَوجه عَبَّاس بن نَاصح إِلَى الْعرَاق فِي التمَاس الْكتب الْقَدِيمَة فَأَتَاهُ بالسندهند وَغَيره مِنْهَا وَهُوَ أول من أدخلها الأندلس وَعرف أَهلهَا بهَا وَنظر هُوَ فِيهَا وَكَانَ حسن الْوَجْه بهي المنظر وَمن بديع التَّعَارُض فِي كَمَاله نقض وِلَادَته لِأَنَّهُ ولد لسبعة أشهر وَكَانَ من أهل التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ والاستضهار للْحَدِيث وَأَطْنَبَ فِي ذكره فِي الْعُلُوم وَأَنه كَانَ يداخل كل ذِي علم من فنه وَهُوَ أول من فخم السلطنة بالأندلس بِأُمُور يطول ذكرهَا من انتقاء الرِّجَال والمباني وَغير ذَلِك وَهُوَ الَّذِي بنى جَامع إشبيلية وسورها وتولع جواريه بِبِنَاء الْمَسَاجِد وَفعل الْخَيْر
وَهُوَ الَّذِي ميز ولَايَة السُّوق عَن أَحْكَام الشرطة الْمُسَمَّاة بِولَايَة الْمَدِينَة فأفردها وصير لواليها ثَلَاثِينَ دِينَارا فِي الشَّهْر ولوالي الْمَدِينَة مائَة دِينَار وَكَانَ يُقَال لأيامه أَيَّام الْعَرُوس واستفتح دولته بهدم فندق الْخمر وَإِظْهَار الْبر وتملى النَّاس مَعَه الْعَيْش وخلا هُوَ بلذاته وَطَالَ عمره وَفَشَا نَسْله
وَقَالَ الرَّازِيّ إِنَّه الَّذِي أحدث بقرطبة دَار السِّكَّة وَضرب الدَّرَاهِم باسمه وَلم يكن فِيهَا ذَلِك مذ فتحهَا الْعَرَب وَفِي أَيَّامه أَدخل للأندلس نَفِيس الجهاز من ضروب الجلائب لكَون ذَلِك نفق عَلَيْهِ وَأحسن لجالبيه وَوَافَقَ انتهاب الذَّخَائِر الَّتِي كَانَت فِي قُصُور بَغْدَاد عِنْد خلع الْأمين فجلبت إِلَيْهِ وانتهت جبايته إِلَى الف ألف دِينَار يَفِ السّنة وَهُوَ الَّذِي اتخذ للوزراء فِي قصره بَيت الوزارة ورتب اخْتلَافهمْ إِلَيْهِ فِي كل يَوْم يستدعيهم مَعَه أَو من يخْتَص مِنْهُم اَوْ يخاطبهم برقاع فِيمَا يرَاهُ من امورالدولة وَكَانَ سعيداً قَالَ ابْن مفرج مَا علمنَا أَنه خرج عَلَيْهِ مَعَ طول أَيَّامه خَارج خلا مَا كَانَ من مُوسَى بن مُوسَى بن قسي بِنَاحِيَة الثغر الْأَعْلَى وَلم يشْغلهُ النَّعيم عَن وصل الْبعُوث إِلَى دَار الْمغرب
وَكَانَ مكرماً لأصناف الْعلمَاء محسناً لَهُم وَكَانَ يخلوا بكبير الْفُقَهَاء يحيى بن يحي كثيرا ويشاوره وسرق بعض صقالبته بدرة فلمحه وَلما عدت الْبَدْر نقصت فَأَكْثرُوا التَّنَازُع فِيمَن أَخذهَا فَقَالَ السُّلْطَان قد أَخذهَا من لَا يردهَا وَرَآهُ من لَا يقفحه فإياكم عَن العودة لمثلهَا فَإِن كَبِير الذَّنب يهجم على استنفاد الْعَفو فتعجب من إفراط كرمه وحيائه
وَمن توقيعاته البليغة وَمن لم يعرف وَجه مطلبه كَانَ الحرمان أولى بِهِ وَمن مَشْهُور شعره قَوْله فِي جَارِيَته طروب الَّتِي هام بهَا