الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرية الزحف القاري
Continental Drift:
على الرغم من أن اليابس والماء كانا، كما ذكرنا، موجودين جنبًا إلى جنب على سطح الكرة الأرضية منذ أقدم العصور الجيولوجية؛ فإن توزيعهما كان يتعرض لتغيرات كبيرة خلال بعض العصور نتيجة لعوامل مختلفة، من أهمها حركات الزحف التي يعتقد بعض الباحثين أنها حدثت لكتل اليابس، والتي بلغت أشدها أثناء الزمن الجيولوجي الثاني. وكان الباحث الألماني الفريد فيجينر Alfred Wegener هو أول من تكلم سنة 1922 عن احتمال حدوث مثل هذا الزحف واقترح عندئذ نظريته التي اشتهرت باسم "نظرية الزحف القاري". وعلى الرغم من أن هذه النظرية لم تصادف قبولًا عند بعض الباحثين؛ فإنها ما زالت حتى الآن محتفظة بعظم أهميتها؛ لأنها تتمشى مع الحقائق المعروفة عن تركيب القشرة الأرضية، كما أنها تستطيع أن تفسر بعض أشكال السواحل المتقابلة على جوانب المحيطين الأطلسي والهندي، وأن تفسر كذلك بعض أوجه التشابه في التركيب الجيولوجي، وفي بعض المظاهر الحفرية في بعض المناطق المتقابلة على جانبي هذين المحيطين.
وعلى أساس هذه النظرية يرى فيجنر أن اليابس كله كان متجمعًا خلال الزمن الجيولوجي الأول في كتلة واحدة وأطلق عليها اسم "بانجي Pangae" وقد كانت تضم قارتين رئيسيتين هما قارة جندوانا Gondwana في الجنوب وقارة لوراسيا Laurasia في الشمال. وكانت توجد بداخل هذه الكتلة بحار داخلية من أهمها بحر تيتيس Tethys الذي يمتد عمومًا بين الشرق والغرب وكان القسم الأكبر من كتلة بانجي واقعًا جنوب خط الاستواء حتى أنه كات يمتد حتى القطب الجنوبي. وفي أواسط الزمن الجيولوجي الثاني أخذت قارتا جندوانا ولوراسيا في التمزق نتيجة لحدوث سلسلة من الانكسارات على أطرافها، وبدأت أجزاء كبيرة منها في الزحف بعيدًا عن الكتلتين الأصليتين على طول هذه الانكسارات. وقد سارت حركات الزحف في ثلاثة اتجاهات رئيسية أحدها نحو الشمال، والثاني نحو الشرق، والثالث نحو الغرب.
شكل 43 توزيع الماء واليابس في ثلاثة عصور جيولوجية
أما الزحف نحو الشمال فقد أدى بالتدريج إلى انتقال معظم اليابس بعيدًا عن القطب الجنوبي، فيما عدا الكتلة التي تكونت منها القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا" فقد كانت هذه القارة جزءًا من جندوانا لاند؛ ولكنها تخلفت في مكانها بعد أن زحفت جندوانا لاند مع بقية اليابس نحو الشمال. وهناك أدلة قوية على حدوث هذا الزحف منها:
1-
العثور في جنوب أوروبا ووسطها على رواسب قديمة من الأنواع التي لا توجد إلا في الأقاليم الحارة، ومن أهمها تكوينات من تربة اللاتيريت Laterite، وهي التربة الحمراء التي تتميز بها الأقاليم الاستوائية في الوقت الحاضر.
2-
العثور في نفس الأقاليم على هياكل وبقايا كثيرة لحيوانات قديمة من الأنواع التي لا تعيش إلا في الجو الحار مثل الفيل والخرتيت والنمر والأسد وغيرها.
3-
العثور على كثير من آثار النحت والإرساب الجليدي التي ترجع إلى أواخر الزمن الجيولوجي الأول في جنوب إفريقيا واستراليا والهند والبرازيل، وهي المناطق التي انسلخت من "جندوانا لاند"
ومن الواضح أن وجود مظاهر المناخ المداري في أوروبا ومظاهر المناخ القطبي في جنوب إفريقية يعتبر دليلًا قويًّا على أن اليابس كان أبعد إلى الجنوب منه في الوقت الحاضر؛ حتى أن خط الاستواء كان في ذلك الوقت أي في أواخر الزمن الجيولوجي الثاني يمر في وسط أوروبا تقريبًا؛ بينما كان جنوب إفريقية قريبًا من المنطقة القطبية الجنوبية.
أما الزحف نحو الشرق فقد أدى إلى انفصال الأجزاء التي كونت معظم استراليا وهضبة الدكن، وشبه الجزيرة العربية عن كتلة جندوانا؛ بينما أدى الزحف نحو الغرب إلى انفصال الكتلة التي تكونت منها أمريكا الجنوبية، كما أدى نفس
هذا الزحف إلى انفصال الكتلتين اللتين كونتا جرينلاند وأمريكا الشمالية عن كتلة لوراسيا؛ بينما بقي القسم الأكبر من قارتي أوروبا وآسيا.
شكل "44" إمكانية تطابق السواحل المطلة على المحيط الأطلسي، ويظهر التطابق واضحًا بصفة خاصة على منسوب خط عمق 500 متر "المبين بالشُّرط"، وتبين الشرط السميكة المناطق التي كانت القارات ملتصقة عندها، على حسب نظرية الزحف القاري.
وبنفس الطريقة كان القسم الأكبر من جندوانا لاند قد بقي وتكونت منه إفريقيا.
وتنقسم الأدلة التي أوردها فيجينر على حدوث الزحف في هذين الاتجاهين إلى قسمين هما:
1-
أن اتجاهات وتعاريج السواحل المتقابلة على جانبي المحيط الأطلسي وعلى جانبي المحيط الهندي تجعل من الممكن أن تتداخل هذه السواحل بعضها في بعض بصفة عامة إذا قدر لها أن تتزحزح لتتقابل من جديد؛ مما يوحي بأنها تمثل الجوانب المتقابلة لتصدعات طولية واحدة. ويبدو هذا واضحًا بصفة خاصة بالنسبة لسواحل شمال شرق أمريكا الجنوبية، والسواحل المقابلة لها على خليج غانا بإفريقيا.
2-
أن هناك بعض التشابه بين التركيبات الجيولوجية والآثار الجيومورفولوجية التي ترجع إلى الزمنين الأول والثاني في المناطق المتقابلة التي تفترض نظرية الزحف القاري أنها كانت أجزاءً من جندوانا لاند أو من لوراسيا. وفضلًا عن ذلك فقد عثر في بعض رواسب الزمن الجيولوجي الأول في جنوب إفريقيا والبرازيل والهند وأستراليا على حفريات لأنواع خاصة من القواقع التي لا تستطيع الانتقال عبر مياه البحار. ولذلك فإن وجودها في هذه المناطق المتباعدة يعتبر دليلًا قويًّا على أنها كانت متصلة ببعضها.
ومع ذلك فإن بعض الباحثين مثل هولمز A. Holmes لم يقتنعوا بهذه الأدلة لعدة أسباب منها:
1-
أن هناك احتمالًا كبيرًا بألا تكون السواحل الحالية هي نفس السواحل التي كانت موجودة عند بدء حركة الزحف؛ لأن تأثرها بعوامل التشكيل الفيزغيرافي المختلفة خلال مئات الملايين من السنين كان كفيلًا بتغيير أشكالها.
2-
أن هناك كتلًا ضخمة من السايال "التي تتكون منها كتل اليابس الممتدة فوق قاع المحيط الأطلسي في نطاق طويل من الشمال إلى الجنوب؛ فلو فرض وسلمنا بصحة نظرية الزحف القاري فمن الممكن أن تكون هذه الكتل مجرد أجزاء متخلفة من الكتل اليابسة التي واصلت زحفها نحو الغرب1؛ فلو فرضنا أن
1 يحتمل أن تكون هذه الكتل الغاطسة هي بالفعل بقايا أرض قديمة اختفت منذ زمن بعيد تحت سطح الماء بسبب الحركات الأرضية، وأن تكون هذه الأرض هي القارة القديمة التي أطلق عليها بعض علماء الجغرافية القديمة اسم "قارة أطلانطيس Atlantis" وقد ثبت من دراسة بعض مظاهر =
الأمريكيين وجرينلاند قد زحفت مرة أخرى نحو أوروبا وإفريقيا؛ فمن المرجح أن هذا الزحف سيؤدي إلى انضغاط الكتل الغاطسة، وإلى ظهورها بشكل نطاق من اليابس الذي يفصل السواحل المتقابلة الحالية عن بعضها؛ وبناء على هذا فلن يكون هناك محل للأخذ بفكرة التداخل التي سبقت الإشارة إليها.
3-
على الرغم من وجود بعض التشابه في التركيب الجيولوجي والمظاهر الجيوموروفولوجية وفي بعض البقايا الحفرية بين بعض المناطق المتقابلة على جانبي المحيط الأطلسي؛ فقد تبين أن هناك اختلافًا في مظاهر الحركات التكتونية التي أوجدت المرتفعات القديمة على الجانبين، وأهمها الحركات التي أوجدت المرتفعات القديمة المقابلة لها في شرق أمريكا الشمالية حيث تبين أن هذه الحركات لم تكن متوافقة تمامًا مع بعضها.
أسباب الزحف القاري ونظرية التيارات الصاعدة
بالإضافة إلى أن الأدلة التي أوردها فيجنبر وأنصاره لتدعيم نظرية الزحف القاري حاول بعض الباحثين أن يجدوا تفسيرًا معقولًا للجانب الميكانيكي لعملية الزحف نفسها. وترتبط بهذا الجانب مشكلتان رئيسيتان هما:
أولًا: مشكلة تحديد وضع القارات كجزء من القشرة الأرضية نفسها.
ثانيًا: مشكلة تحديد القوة التي يمكنها أن تحرك هذه القارات.
ففيما يختص بوضع القارات على سطح الكرة الأرضية تعود إلى ما سبق أن ذكرناه عن تركيب قشرتها؛ فقد ذكرنا أنها مكونة من طبقتين هما السيما وهي
= التصريف النهري القديم في ولاية نيو انجلاند بشرق الولايات المتحدة أن هذه المنطقة كانت تصل إليها في عهود قديمة أنهار ضخمة جدًّا من ناحية الشرق، أي من ناحية المحيط الأطلسي، وأن معظم رواسب هذه الولاية قد جاءت من هذا الاتجاه مما يدل على أنه كانت توجد في هذا المحيط أرض يابسة. وقد أطلق بعض الجيولوجيين الأمريكان على هذه الأرض اسم قارة أبلاشيا. وقد اختفت هذه القارة تحت سطح الماء نتيجة لعمليات النحت المستمرة التي نقلت كثيرًا من تكويناتها نحو الغرب، بالإضافة إلى بعض الحركات التكتونية التي أدت إلى هبوطها وأدت في نفس الوقت إلى ارتفاع إقليم نيو انجلاند، فترتب على ذلك انقلاب في نظام التصريف النهري، وأصبحت الأنهار تتصرف نحو الشرق بدلًا من انصرافها نحو الغرب، وهناك بعض الاحتمال بأن تكون قارة "أبلاشيا" هي نفسها قارة "أطلانطيس" وقد وجدت كذلك في اسكتلنده، أي على الجانب الشرقي للمحيط الأطلسي، رواسب فيضية وآثار تصريف نهري قديم كانت أنهاره تأتي من ناحية الغرب، أي من ناحية المحيط الأطلسي، ويعتبر هذا دليلًا آخر يؤيد فكرة وجود أرض يابسة قديمة في هذا المحيط.
الطبقة السفلى وكثافتها من 3 إلى 3.5 والسايال وهي الطبقة العليا وكثافتها من 2.5 إلى 3. وتتكون القارات والجزر الكبرى من السايال. وهي تسبح فوق السيما كما تسبح جبال الجليد في الماء، ولكن نظرًا لأن السيما شديدة الصلابة جدًّا؛ فإن كل ما يحدث فيها هو نوع من المرونة البسيطة التي تسمح لكتل السايال بالتعمق فيها والتحرك فوقها ولكن ببطء شديد جدًّا.
شكل "45" نظرية التيارات الصاعدة
أما عن القوة التي أدت إلى حدوث هذا الزحف فيربطها هولمز1 بحركات التيارات الحرارية التي كانت تصعد من باطن الأرض نحو سطحها في مراحل برودتها الأولى؛ فعندما كانت التيارات تصل إلى السطح كان جزء منها ينطلق إلى الجو بينما كان أغلبها يتوزع على الجوانب مسببًا قوة شد عنيفة عند مركز التوزيع. وكانت هذه القوة هي المسئولة عن تصدع السايال وانقسامها إلى كتل منفصلة. وقد أخذت كل كتلة منها تتحرك في الاتجاه الذي تفرضه التيارات الموزعة، وكانت حركتها تستمر ما دامت لم تصادفها أي عقبة توقفها. أما إذا اعترضتها منطقة ثابتة صلبة مثل قاع أحد المحيطات القديمة أو إحدى الكتل الصلبة الثابتة فإنها كانت تتوقف عن الحركة، وعندئذ كان الضغط الشديد الناتج عن وجود العقبة الثابتة في طريقها يؤدي في غالب الأحيان إلى انثنائها وارتفاعها بشكل نطاق جبلي يمتد على طول منطقة التقائها بالعقبة، وقد تنثنى في نفس الوقت إلى أسفل لتحتل مكانًا أعمق في تكوينات السيما وتتكون في منطقة التقاء النطاق الجبلي بقاعدة المحيط القديم منطقة بحرية أعمق من باقي أجزائه.
ومن هذا يتضح أن نظرية التيارات الصاعدة تحاول أن تفسر عدة ظاهرات في وقت واحد وهي كيفية وصول بعض القارات، مثل الأمريكتين وأستراليا، إلى أماكنها الحالية، وكيفية تكون سلاسل الجبال الانثنائية الكبرى على طول التقائها بقاعدة المحيط الهادي وهى سلاسل جبال روكي وجبال الأنديز كما تحاول في نفس الوقت تفسير الطريقة التي نشأ بها المحيطان الأطلسي والهندي، وهما محيطان حديثان نسبيًّا إذا ما قورنا بالمحيط الهادي.
1 A. Holmes. " Principles of Phusical" Thomas Nelson Ch. 28، London.1694