الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
4-4-
توازن القشرة الأرضية
Isostacy of the Earth،s Crust.
في سنة 1889 اقترح الباحث الجيولوجي الأمريكي داتون C.E.Dutton نظريته التي حاول أن يفسر بها الطريقة التي تتوازن بها كتل اليابس المكونة من السايال SIAL فوق طبقة السيما SIMA. وقد اشتهرت هذه النظرية باسم نظرية التوازن Theory of Isostacy. وقد أدخل هذا التعبير في دراسة قشرة الأرض بعد أن أثبتت دراسات الزلازل والمغناطيسية أن كتل السايال التي تتكون منها كتل اليابس والتي يبلغ متوسط كثافتها 2.7 تتعمق في طبقة السيما التي يبلغ متوسط كثافتها 3.4 إلى أعماق تتناسب طرديًّا مع أحجامها، وإن هذا التعمق هو الذي يؤدي إلى بقائها في حالة توازن بنفس الطريقة التي تتوازن بها الأجسام المختلفة التي تطفو فوق سطح السوائل؛ فكلما كان الجسم ثقيلًا كان الجزء الغاطس منه في السائل كثيرًا؛ نظرًا لأن مواد السيما شديدة الصلابة جدًّا فإن تعمق كتل السايال فيها يحدث ببطء شديد، وتستغرق عمليات التوازن في هذه الحالة وقتًا طويلًا جدًّا بخلاف ما يحدث عند توازن الأجسام التي تطفو فوق السوائل.
شكل "73" نظرية التوازن
وبناء على نظرية التوازن فإن كتل اليابس تتعمق في طبقة السيما إلى أعماق تتناسب مع أحجامها وأوزانها؛ ولذلك فإن هذا التعمق يكون كبيرًا في مناطق الجبال منه في مناطق السهول أو المنخفضات، وكلما زادت ضخامة الجبال كان تعمقها أكبر. وتكون الأجزاء المتعمقة في السيما. بمثابة جذور تحفظ لهذه الجبال أو لكتل اليابس عمومًا توزانها، وقد يصل امتداد هذه الجذور إلى حوالي 40 كيلو مترًا في السيما. وهذا هو ما يحدث في مناطق الجبال الانثائية الكبرى في مختلف القارات، أما في المناطق السهلية فإن هذا التعمق يكون محدودًا جدًّا بسبب قلة سمك طبقة السيما، وصغر وزنها بالنسبة لهما في مناطق الجبال.
وعلى أساس هذه النظرية يمكننا أن نتصور ما يحدث إذا استطاعت عوامل التعرية أن تمحو منطقة جبلية وتنقل تكويناتها إلى منطقة أخرى. إن الذي يحدث في هذه الحالة هو أن المنطقة التي تراكمت عليها التكوينات تهبط تدريجيًّا بسبب الثقل الواقع عليها؛ فيزداد تبعًا لذلك العمق الذي تصل إليه جذورها في طبقة السيما؛ بينما يتناقص تعمق جذور المنطقة التي أزيلت تكويناتها في طبقة السيما بسبب تناقص حجمها ووزنها. ومعنى ذلك أن هناك عمليات توازن مستمرة في قشرة الأرض، وأن هذه العمليات مرتبطة بما يطرأ على السطح من تغيرات بسبب عمليات النحت والنقل والإرساب، أو بسبب أي عوامل أخرى، ومع ذلك فإن عمليات التوازن التي تعقب هذه التغيرات تكون غالبًا بطيئة جدًّا؛ بحيث لا تظهر آثارها إلا بمرور آلاف السنين. وذلك بسبب شدة صلابة السيما، ولهذا فإن ظهور نتائج عمليات التوازن يتخلف عن ظهور نتائج النقل والإرساب بوقت طويل.
وقد صادفت نظرية التوازن كثيرًا من النجاح منذ ظهورها، خصوصًا وأنها استطاعت أن تقدم تفسيرات معقولة لبعض الظاهرات الطبيعية التي كان من الصعب تفسيرها قبل ذلك ومن أمثلتها ما يأتي:
1-
أن الأبحاث الجيولوجية وعمليات مسح الأراضي في المناطق الجبلية أوضحت أن قوة جذب الجبال للثقل المغناطيسي أقل مما كان مقدرًا لها، "حتى مع الأخذ بعين الاعتبار أن السايال التي تتكون منها الجبال قليلة الكثافة وقليلة الجاذبية
نسبيًّا"؛ فالمعروف أن الثقل المغناطيسي يتأثر في المناطق الجبلية بقوتين إحداهما هي قوة الجاذبية الأرضية التي تجذبه رأسيًّا، والثانية هي قوة جذب الجبال التي تشده أفقيًّا؛ فينحرف عن الاتجاه الرأسي بزاوية كان المفروض أن تكون متناسبة مع حجم الجبال. ولم يكن من السهل -قبل ظهور نظرية التوازن- معرفة السبب في صغر زاوية الانحراف عما كان مقدرًا، أما بعد ظهور هذه النظرية فقد أمكن تفسير هذه الظاهرة على أساس أن كتل السايال التي تتكون منها الجبال لا تقتصر على الجزء الذي يظهر منها على السطح؛ بل إنها تشمل كذلك الجذور التي تتعمق في السيما والتي تؤدي، بسبب قلة كثافتها نسبيًّا، إلى تقليل الجاذبية الأفقية عما كان يمكن أن يحدث لو أن السيما كانت ممتدة بدون انقطاع تحت الجبال حتى السطح.
2-
أن أقدم الطبقات الرسوبية التي تتكون منها دلتاوات بعض الأنهار مثل نهر المسيسبي ونهر النيل قد وجدت على أعماق كبير جدًّا؛ بحيث يصعب التصور بأنها أرسبت فيها، ولكن من الممكن تفسير ذلك على أساس نظرية التوازن، بأن التراكم المستمر للرواسب هو الذي أدى بمرور الزمن إلى تزايد الثقل الواقع على الطبقات القديمة وإلى هبوطها بالتدريج إلى مستوى أدنى من المستويات التي أرسبت فيها في المراحل الأولى لتكون الدلتا.