الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: الحركات الباطنية المفاجئة
.
أ- الزلازل EARTHQUAKES
تمهيد- المقصود بالحركات المفاجئة:
المقصود بالحركات المفاجئة هو الحركات التي تحدث فجأة بسبب اضطرابات باطنية سواء في القشرة الأرضية نفسها أو في التكوينات التي ترتكز عليها. وهي لا تستمر إلا وقتًا قصيرًا قد لا يزيد على جزء من الدقيقة الواحدة، وأهمها هي الهزات الزلزالية والثورانات البركانية. وعلى الرغم مما قد تسببه هذه الحركات من كوارث مروعة؛ فإن علاقتها بتشكيل تضاريس سطح الأرض لا تظهر إلا في مواضع محدودة. وذلك بعكس الحركات البطيئة التي لعبت الدور الرئيسي في تكوين معظم التضاريس الكبيرة لسطح الأرض، ومع ذلك فإن الآثار الفيزيوغرافية التي تنتج عن الحركات المفاجئة، وخصوصًا الظواهر المرتبطة بالثورات البركانية، تعتبر من الموضوعات المهمة التي تستحق العناية عند دراسة الجغرافية الطبيعية. ومن الثابت أن نشاط هذه الحركات وتأثيرها كان أقوى بكثير خلال العصور الجيولوجية المختلفة منها في الوقت الحاضر بسبب تزايد استقرار القشرة، ومع ذلك فإن بعض مناطقها لم تصل بعد إلى الاستقرار التام. وهذه هي المناطق التي تسمى أحيانًا بالمناطق الضعيفة. وهي توجد في نطاقات كبيرة تتمشى مع النطاقات التي تكونت فيها سلاسل الجبال الحديثة، والتي ما زالت تتعرض حتى الآن للهزات الزلزالية والثورات البركانية.
تطور المعرفة بالزلازل:
على الرغم من أن الزلازل قديمة قدم الأرض نفسها وأن كوارثها المفجعة كانت كبيرة الحدوث في الماضي وأنها ما زالت تحدث في الوقت الحاضر بين الحين والحين؛ فإن دراستها على أساس علمي سليم لم تبدأ إلا في أواسط القرن التاسع عشر. وقبل ذلك كل محاولات تفسيرها غير مبنية على أي أسس علمية، مما ترك المجال لانتشار التفسيرات الخرافية بين العامة في مختلف بلاد العالم، فما زال بعض العامة حتى في البلاد المتقدمة يربطون حدوثها بوجود حيوان ضخم تحت
الأرض، وبأن هذا الحيوان هو الذي يحركها عندما يقوم بحركات خاصة إلا أن نوع هذا الحيوان يختلف من بلد إلى آخر على حسب طبيعة البيئة السائدة؛ ففي مصر وغيرها من بلاد الشرق الأوسط يقولون أنه ثور ضخم يحمل الأرض على قرنيه، وأن الأرض تهتز عندما ينقلها من قرن إلى آخر، وفي الولايات المتحدة يعتقدون أنه سلحفاة ضخمة، وفي اليابان يعتقدون أنه سمكة ضخمة يمكنها أن تهز الأرض إذا حركت ذنبها.
وتدخل الدراسة الحديثة للزلازل ضمن علوم الطبيعة الأرضية Geophisics والمعروف أن هذه العلوم لها صلات قوية بعلوم طبيعة أخرى، مثل علوم الجغرافية الطبيعية والجيولوجيا والطبيعة. ومع التقدم السريع في كل هذه العلوم وغيرها انسلخت منها علوم كثيرة تخصص كل منها في أحد الفروع الدقيقة، ومن بينها علم السيسموجرافيا Seismography1، أو علم دراسة الزلازل.
ولئن كان الإنسان قد استطاع بفضل التقدم العلمي أن يحمي نفسه من بعض الظاهرات الطبيعية الخطيرة؛ فإنه مازال عاجزًا عن أن يحمي نفسه من خطر الزلازل؛ لأنها تحدث دائمًا فجأة وبغير إنذار. وقد حاول بعض العلماء المهتمين بدراسة الزلازل أن يتوصلوا إلى طريقة يمكن بواسطتها التنبؤ باقتراب حدوثها، ولكن جميع المحاولات لم تصادف نجاحًا يستحق الذكر، ولك ما أمكن عمله لتقليل الخسائر التي تنجم عنها في المناطق التي تتعرض لها هو إقامة المباني بشكل خاص وبمواد معينة تستطيع مقاومة الهزات الأرضية؛ فقد تبين مثلًا أن الأسمنت المسلح هو أصلح مادة للبناء في هذه المناطق. وكلما كان حجم البناء صغيرًا وارتفاعه قليلًا كانت مقاومته للهزات الأرضية كبيرة، والمباني المشيدة على أرض صخرية صلبة والتي يتعمق أساسها في الأرض لمسافة كبيرة تكون كذلك أقدر على
1 الاسم العلمي للزلزال هو Seismos، وهي كلمة يونانية قديمة تستخدم بمشتقاتها المختلفة في الدراسات العلمية الخاصة بهذا الموضوع، وعلى هذا الأساس أطلق اسم سيسوجراف Seismogarph على جهاز قياس الموجات الزلزالية، وظهرت تعبيرات أخرى كثيرة مشتقة من نفس الاسم.
تحمل هذه الهزات من المباني التي تقام على السطح أو التي لا تتعمق في الأرض بالقدر الكافي الذي يحفظ لها توازنها عند حدوث الهزات الأرضية.
أسبابها وتحديد مراكزها
أوضحت الدراسات الحديثة أن هناك نوعين من الزلازل، ينتج أحدهما من حدوث حركات تكتونية مفاجئة، ويطلق عليه لهذا السبب تعبير الزلازل التكتونية Tectonic Earthquakes، وأهم الحركات التي تسبب هذه النوع هي حركات التصدع وما يصاحبها من انزلاق في التراكيب الصخرية تحت سطح الأرض، أما النوع الثاني فيرتبط حدوثه بالثورانات البركانية وما يصاحبها من حركات عنيفة تؤدي إلى اندفاع المواد المنصهرة أو الغازية بقوة بين طبقات الصخور، ويطلق عليه تعبير الزلازل البركانية Volcanic Earthquakes وهي أقل حدوثًا بصفة عامة من الزلازل التكتونية والنقطة التي يبدأ منها الزلزال تكون عادة موجودة على عمق عدة كيلو مترات تحت سطح الأرض. وهذه النقطة هي التي تعرف باسم البؤرة الزلزالية Seismic Focus ومن هذه البؤرة تنتشر الموجات الزلزالية في جميع الاتجاهات تقريبًا. وأول نقطة تصل إليها على السطح هي النقطة التي تقع فوق البؤرة، ويطلق عليها اسم المركز السطحي Epicenter.
وقد تبين من دراسة عدد كبير من الزلازل، أن البؤرة في معظمها كانت على أعماق تقل عن ثمانية كيلو مترات تحت سطح الأرض وأنه من النادر جدًّا أن يزيد عمقها عن 45 كيلو مترًا، وبمجرد مولد الزلزال في بؤرته تنتشر موجاته في كل الاتجاهات ويظهر تأثيرها على السطح في كل المنطقة المتأثرة به، ويتوقف اتساع هذه المنطقة على درجة شدة الزلزال؛ فقد يصل اتساع هذه المنطقة في الزلازل العنيفة إلى بضعة ملايين من الكيلو مترات المربعة؛ بل وقد يصل تأثيرهما أحيانًا إلى كل بقاع سطح الكرة الأرضية. ولكن لا يشترط أن يشعر بها الإنسان في كل هذه البقاع؛ وإنما تسجلها أجهزة القياس فقط في البقاع النائية.
والذي يهمنا على أي حال هو المنطقة التي تؤثر فيها الهزات الزلزالية بشكل محسوس، وهذه المنطقة يمكن تحديدها على الخريطة بواسطة خطوط توصل
بها الأماكن التي تتساوى فيها آثار الزلزال، كما تدل عليها مظاهر التدمير والتخريب أو مجرد الحركات التي تحدث في المباني وغيرها من الأجسام، وكما تدل عليها كذلك أجهزة القياس، ويطلق على هذه الخطوط اسم خطوط الشدة الزلزالية المتساوية Lsoseismal Lines. وتكون هذه الخطوط غالبًا بشكل دوائر غير منتظمة حول المركز العلوي، ويلاحظ أن هذا المركز لا يكون معروفًا لأول وهلة، وأن هذه الخطوط هي التي تساعد بعد رسمها على تحديده. وترسم بنفس الطريقة خطوط أخرى توصل بها الأماكن التي تصل إليها الهزات الزلزالية في وقت واحد. ويطلق عليها اسم خطوط الوقت الزلزالي المتساوي Homoseismal Lines ويمكن بواسطتها كذلك تحديد مركز الزلزال
شكل "61" خطوط الشدة الزلزالية المتساوية
انتقال موجاتها:
تنتقل الهزات الزلزالية بشكل موجات تختلف في سرعتها وفي أطوالها وأشكالها على حسب الوسط الذي تخترقه، ويؤدي تباين سرعتها إلى أن بعضها يسبق بعضها الآخر، ويسجلها جهاز القياس "السيسموجراف" بنفس ترتيب وصولها. وهي تظهر على خريطة بشكل خط متعرج تتمثل فيه على الترتيب ثلاثة أنواع من الموجات يشغل كل منهما قسمًا معينًا منه. وهذه الموجات على حسب ترتيب وصولها إلى الجهاز هي:
أ- موجات ابتدائية P Primary:
وهي أسرع الموجات وأولها وصولًا إلى الجهاز، ويمثلها القسم الأول من الخط. وهي موجات تضاغطية Compressional، تشبه ذبذبات انتقال الصوت في الهواء، أي أنها تنتقل في حركة أمامية خلفية، وهي تسير تحت السطح مخترقة الطبقات السفلى للقشرة، وتؤدي إلى ذبذبة الوسط الذي تخترقه في نفس اتجاه سيرها. وتترواح سرعتها بين 5.5 و 13.8 كيلو مترًا في الثانية؛ ولكنها تزداد كلما تعمقت في باطن الأرض.
ب- موجات اهتزازية S Shake or Shear Waves:
وهي التي تسمى كذلك بالموجات الثانوية. وهي موجات سريعة؛ ولكنها أقل سرعة من الموجات الابتدائية؛ ولذلك فإنها تأتي بعدها مباشرة، ويمثلها القسم الأوسط من الخط الذي يسجله السيمسوجراف. وهي موجات مستعرضة Transverse تأخذ في حركتها اتجاهات متعامدة على الاتجاه العام لسيرها. وهي تشبه التموجات التي تحدث في حبل مشدود عند اهتزازه اهتزازًا رأسيًّا. وهي تسير تحت السطح مخترقة الطبقات السفلى من القشرة، شأنها في ذلك شأن الموجات الابتدائية. وتتراوح سرعتها بين 3.2 و 7.4 كيلو مترًا في الثانية. وتزداد سرعتها كلما تعمقت في باطن الأرض، ولكنها تتكسر عند اختراقها للنواة بسبب اختلاف تركيبها. وقد استفاد الباحثون من دراسة الموجات الزلزالية الأولية والاهتزازية في معرفة كثير من الحقائق عن تركيب باطن الأرض.
شكل "62" خريطة رسمها السيسموجراف لأحد الزلازل
شكل "63" انتقال الموجات من البؤرة إلى إحدى محطات الرصد المتأثرة بالزلزال مباشرة.
شكل "64" اختراق الموجات الزلزالية للكرة الأرضية.
ج- موجات طويلة L Long Waves:
وهي موجات مستعرضة تتحرك بنظام يشبه النظام الذي تنتقل به الأمواج على سطح الماء، وهي تخترق الطبقات السطحية وتأخذ في سيرها خطًّا مموجًا تتردد تموجاته بالانعكاس بين أسفل الطبقات وأعلاها؛ ولذلك فإنها تقطع في رحلتها طريقًا أطول من النوعين الآخرين فتصل لهذا السبب متأخرة نسبيًّا، ويمثلها القسم الأخير من الخط الذي يرسمه السيمسوجراف. وتبلغ سرعتها حوالي أربعة كيلو مترات في الثانية. ونظرًا لأنها تتحرك عند سطح الأرض؛ فإنها هي المسئولة عن معظم ما يسببه الزلزال من تدمير وتخريب.
درجات الشدة الزلزالية:
على الرغم من أن الكوارث الزلزالية لا تحدث في الوقت الحاضر إلا في أوقات متباعدة نسبيًّا، وبمعدل لا يزيد عمومًا عن كارثتين أو ثلاث في السنة؛ فإن الهزات الزلزالية الخفيفة كثيرة الحدوث جدًّا لو حسبناها في كل أنحاء العالم حتى أنه لا يكاد يمر أي يوم دون أن تحدث عدة هزات في مناطق متفرقة؛ ولكن أكثر الهزات يمر دون أن تكون له آثار محسوسة، بل إن كثيرًا منها يكون أضعف من أن يشعر بها الإنسان ولكنه يسجل بواسطة السيسموجراف.
وتحسب شدة الزلزال في الوقت الحاضر على أساس المقياس الذي ابتكره الباحث الجيوفيزيقي الأمريكي تشارلز ريتشر Richer في سنة 1935 والذي اشتهر في الإعلام العربي باسم مقياس ريختر*، وبمقتضاه قسمت الزلازل على حسب شدتها إلى درجات تبدأ بالدرجة "1" التي توصف بها أضعف الزلازل وهي التي لا يشعر بها عادة الشخص العادي؛ وإنما يسجلها جهاز السيسموجراف، ويوصف الزلزال الذي بهذه الدرجة بأنه زلزال جهازي، وتتزايد الدرجة كلما زادت شدة الزلزال حتى تصل إلى ما يقرب من درجة 9، وهي درجة لم تسجل لأي زلزال في العصر الحديث، ولعل أعلى درجات وصلت إليها شدة بعض الزلازل هي درجة 8.6 التي سجلت لزلزال منطقة كانجارا في الهند سنة 1905
*ريتشر عالم أمريكي: ولد في عام 1900 في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة.
ومات بسببه 19 ألف شخص، ثم درجة 8.3 لزلزال منطقة كونسيبسيون في شيلي سنة 1928 ومات بسببه 25 ألف شخص، ثم درجة 8.1 لزلزال عاصمة المكسيك في سنة 1985 ومات بسببه عشرة آلاف شخص.
ولا تتوقف الخسائر البشرية والعمرانية وغيرها من الأضرار التي يحدثها الزلزال على درجته بمقياس ريشتر فقط؛ بل تتوقف كذلك على الظروف الطبيعية والعمرانية والسكانية للمناطق التي يحدث بها؛ فإذا ما كان حدوثه في مناطق صحراوية أو سهلية يقل فيها العمران، وينتشر فيها السكان على مسافات متباعدة؛ فإن أضراره منها كانت شديدة تنحصر في تدمير الطرق والجسور وحدوث بعض الفيضانات وانهيارات التربة والتصدعات في القشرة الأرضية؛ بينما لا تكون خسائره البشرية أو العمرانية كبيرة. وعلى العكس من ذلك فإن الزلزال الذي يضرب مدينة مزدحمة العمران ومتكدسة السكان يؤدي عادة، حتى ولو كان متوسط الشدة، إلى تدمير واسع النطاق للمباني وسقوط عشرات الآلاف من القتلى. خصوصًا إذا كانت المباني في جملتها من الطرز القديمة التي لا تستخدم فيها المواد والأساليب المقاومة للزلازل مثل البناء بالخرسانة المسلحة. وفي مثل هذه الحالة يكون عدد الضحايا وحجم التدمير العمراني غير متناسب مع شدة الزلزال، وينطبق هذا مثلًا على الزلزال الذي حدث في مصر في يوم 12 أكتوبر سنة 1992؛ فعلى الرغم من أن قوته بمقياس ريشتر كانت 5.9 أي أنه كان متوسطًا في شدته فإن الأضرار العمرانية والخسائر البشرية التي نتجت عنه كانت كبيرة حيث انهارت وتصدعت بسببه آلاف المباني وزاد عدد من قتلوا بسببه أكثر من خمسمائة شخص. وينطبق هذا بصورة أوضح على الزلازل التي ضربت مدنًا ومناطق مختلفة من العالم في العهود الماضية حيث كان ضحاياها يعدون بعشرات بل بمئات الآلاف، ومثال ذلك الزلزال الذي ضرب منطقة الشرق الأدنى في سنة 1201 ومات بسببه حوالي مليون ومائتا ألف نسمة، وهذا هو أكبر عدد من ضحايا الزلازل الذي ضرب منطقة شانسكي بالصين سنة 1556 وبلغ عدد من ماتوا بسببه ثلثمائه ألف، وزلزال مدينة لشبونة البرتغالية في سنة 1755 ومات بسببه خمسون ألف
شخص، وزلزال طوكيو ويوكوهاما باليابان سنة 1923 ومات بسببه حوالي ربع مليون شخص.
وتحدد منطقة الزلزال على الخريطة بواسطة خطوط الشدة الزلزالية المتساوية التي سبق أن تكلمنا عنها. وتقسم المنطقة التي تغطيها هذه الخطوط إلى نطاقات يرقم كل منها بالرقم الذي يدل على شدة الهزات التي تصيبه، كما توضحها الآثار الناجمة عنها حسب ما ورد في التقسيم السابق. ويستعان على معرفتها بالتقارير التي تصل من المناطق المختلفة التي تأثرت بالزلزال. وأشد النطاقات تأثرًا بالهزات هو النطاق الذي يقع حول المركز مباشرة، وتتناقص شدتها كلما ابتعدنا عن هذا المركز، ويمكن الاستدلال على قوة الزلزال بصفة عامة من الرقم الذي يمثل درجة الشدة في نطاقه المركزي؛ ففي الزلازل المتوسطة الشدة يكون رقم النطاق المركزي 4 أو 5، ويتناقص كلما اتجهنا إلى الخارج؛ بينما يكون رقمه في الكوارث المفجعة 8 أو أكثر بمقياس ريشتر. وقد لوحظ عمومًا أن التخريب الذي يحدث في المركز نفسه يكون أقل نوعًا ما منه في النطاق المحيط بهذا المركز. والسبب في ذلك هو أن الموجات التي تصل إلى هذا المركز تكون من أسفل إلى أعلى، وتؤدي إلى اهتزاز المباني في اتجاه رأسي. وتكون هذه الحركات الرأسية أقل تخريبًا من الحركات الأفقية.
أهم الآثار الجغرافية للزلازل:
تدمير المدن: تشترك الكوارث الزلزالية في أغلب مظاهر التخريب والتدمير وفقدان الأرواح، ومعظم الخسائر بصفة خاصة إذا حلت الكارثة بمدينة كبيرة يزدحم فيها السكان وترتفع فيها المباني؛ حيث تؤدي الكارثة إلى دفن آلاف السكان تحت أنقاض المباني المنهارة وتشتعل الحرائق بسبب انفجار المواقد وأنابيب الغاز وخزانات الوقود، وقد تتفشى الأوبئة بسبب تراكم الحثث واختفائها تحت
1 لمزيد من الأمثلة راجع كتاب الجغرافيا الطبيعية " أشكال سطح الأرض" لنفس المؤلف 1984 ص 231-233
الأنقاض وعدم إخراجها بالسرعة الكافية، فضلًا عن طفح المجاري، وإغراق الطرق بسبب تكسر أنابيب المجاري والمياه.
الانهيارات والفيضانات:
إذا حلت الكارثة بمناطق ريفية فربما تكون الخسارة في الأرواح أقل نسبيًّا منها في المدن بسبب صغر القرى، وصغر المباني وانتشارها ووجود مناطق خلوية يمكن أن يلجأ إليها السكان بسرعة، ومع ذلك فقد تكثر الحرائق وتنهار جسور الأنهار والقنوات، فتغرق الحرث والنسل، وكثيرًا ما يحدث في المناطق الجبلية أن تنهار طبقات التربة السميكة أو طبقات الصخور أو الجليد أو تنهار السدود الخزانات. وكثيرًا ما تؤدي هذه الانهيارات إلى دفن القرى أو إغراقها. وقد كان ذلك واضحًا على سبيل المثال في كارثتي مقاطعة كانسو بالصين في سنتي 1920 و 1927 حيث انهارت الطبقات السميكة لتربة اللويس الطينية؛ فدفنت العديد من القرى، وسدت مجاري الأنهار والقنوات فيضانات مدمرة، وكانت كارثة أخرى أشد عنفًا من هاتين الكارثتين قد حدثت كذلك في مقاطعة شانتونج بالصين في سنة 1853 وأدت إلى تحويل نهر هوانجهو الكبير عن مجراه الأصلي في قسمه الأدنى إلى مجرى آخر جديد. وقد حدث كذلك في شمالي شيلي أثناء زلزال سنة 1956 أن انهار أحد السدود فأغرق إحدى المدن المجاورة، كما حدثت في إكوادور سنة 1949 انهيارات أرضية أدت إلى دفن عدد من القرى تحت تكويناتها، كما انسد مجرى أحد الأنهار وتكونت مكانه بحيرة كبيرة.
تدمير المواصلات:
ومما يزيد من هول الكوارث الزلزالية وكثرة ضحاياها أن هذه الكوارث تؤدي غالبًا إلى تدمير طرق المواصلات ووسائل الانتقال البرية والنهرية؛ حيث تلتوي خطوط السكك الحديدية، وتدمر الطرق أو تطغى عليها مياه الفيضانات أو الانهيارات المختلفة، كما أن نقص الأيدي العاملة في المدن التي تصيها الكوارث، نتيجة لمقتل الآلاف من سكانها، يعتبر كذلك من العوامل التي تعرقل عمليات الإنقاذ وإزالة الأنقاض؛ ولذلك فكثيرًا ما تلجأ الحكومات إلى قوات الجيش للمعاونة في هذه العمليات.
تشقق الأرض وتصدعها:
كثيرًا ما تؤدي الكوارث الزلزالية إلى تشقق طبقات القشرة وتصدعها، وقد تهبط بعض المناطق وترتفع غيرها، وإذا كانت المنطقة الهابطة مجاورة للبحر؛ فقد يؤدي هبوطها إلى اختفائها تحت مياهه، كما حدث مثلًا في مدينة بورت رويال في جامايكا سنة 1964 حيث هبط جزء كبير من المدينة وغمرته مياه البحر. وكانت حركات الهبوط واضحة كذلك في حوض المسيسيي سنة 1811؛ حيث هبطت مناطق واسعة من ولايتي ميسوري وتينيسي، وتكونت في أجزاء منها بحيرات جديدة. وفي الزلزال الذي ضرب مدينتي طوكيو ويوكوهاما سنة 1923 هبطت أجزاء من قاع خليج ساجامى الذي نشأ الزلزال تحت قاعه بأكثر من 300 متر. أما حركات الرفع فقد كانت واضحة في زلزال ياكوتات في ألاسكا سنة 1899؛ حيث ارتفعت بعض المناطق الساحلية حوالي 15 مترًا. وقد يحدث في حالات نادرة أن تنشق الأرض، وتبتلع بعض ما على السطح من مظاهر ثم تنطبق على ما ابتلعته، وقد قيل أن هذا قد حدث بشكل واضح أثناء زلزال لشبونة سنة 1755. وقد كانت هذه الحادثة بالذات واحدة من الدوافع القوية التي حملت الباحثين على توجيه اهتمام أكبر إلى دراسة الزلازل على أساس علمي صحيح.
التوزيع الجغرافي للزلازل:
على الرغم من أن الهزات الزلزالية يمكن أن تسجل في أية بقعة من العالم، فإن المراكز التي تنشأ فيها الزلازل تقتصر بصفة عامة على النطاقات الضعيفة من قشرة الأرض، وهي نطاقات الانثناءات والانكسارات الحديثة التي ظلت حتى عصر البليستوسين عرضة لحركات تكتونية كثيرة، من أهمها الحركات الألبية الحديثة التي تنتمي إليها أعظم السلاسل الجبلية في العالم، ونفس هذه النطاقات هي التي تشتهر كذلك بكثرة ثوراناتها البركانية. ويدل توزيع الزلازل في العالم على أن هناك نطاقين رئيسيين لحدوثها ونطاقين آخرين أقل منهما أهمية.
والنطاقان الرئيسيان هما رقم 1 ورقم 2، أما النطاقان الصغيران فهما رقم 3 ورقم 4 فيما يلي:
1-
نطاق يمتد حول المحيط الهادئ ويشمل المناطق الساحلية في غرب الأمريكتين، وغرب آسيا، بما في ذلك نطاقات الجزر القريبة منها، وكذلك الجزر الواقعة إلى الشرق من استراليا. ويمكننا أن نضم إلى هذا النطاق كذلك جزر الهند الغربية، وقد تبين أن حوالي 68% من الزلازل التي سجلت في العالم قد نشأت في هذا النطاق. وهو نفس النطاق الذي يشتهر باسم الحلقة النارية Ring Fire بسبب كثرة براكينه.
2-
نطاق يمتد في قلب العالم القديم بين الشرق والغرب. وهو يبدأ على سواحل المحيط الأطلسي في الغرب، ما بين جزر الرأس الأخضر "كيب فرد Cape Verde" في غرب أفريقيا حتى شمال البرتغال، ومن هنا يواصل امتداده نحو الشرق، في جنوب أوروبا، وإقليم جبال أطلس، ويستمر حتى شرق البحر المتوسط؛ ليشمل كل آسيا الصغرى وإيران والنطاقات الجبلية الواقعة جنوب بحر فزيون، وجبال هيمالايا ثم يتفرع نحو الشرق إلى فرعين أحدهما يواصل امتداده شرقًا إلى الصين؛ بينما ينحرف الثاني نحو الجنوب الشرقي في أسام وماليزيا والجزر الأندونيسية، حيث يلتقي بالنطاق الأول، وقد نشأ في هذا النطاق حوالي 21% من الزلازل التي سجلت في العالم.
3-
نطاق يمتد في وسط المحيط الأطلسي من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه متميشًّا مع الشق الطولي الذي يوجد
في وسط السلسلة المرتفعة الممتدة في وسط هذا المحيط، ويواصل هذا الشق امتداده نحو الجنوب، ثم يدور حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، ويتجه نحو الشمال في غرب المحيط الهندي.
شكل "65" النطاقات الرئيسية للزلازل
ب- النشاط البركاني Volcanic Activity Vuicanicity
مظاهر النشاط البركاني:
المقصود بالنشاط البركاني بأوسع معانيه هو خروج أي مادة من المواد من باطن الأرض، أو من طبقات القشرة، نتيجة لحدوث تغيرات أو حركات أرضية من أي نوع، أما بمعناه الضيق فإن المقصود به هو خروج المواد الباطنية المنصهرة إلى السطح، وهي في درجة حرارة عالية، سواء أكان هذا الخروج مصحوبًا بانفجارات عنيفة أو كان بصورة انسيابات هادئة.
وعلى أساس المدلول الواسع لهذا النشاط فإنه يشمل المظاهر الآتية:
1-
البراكين المركزية أو العادية Volcanoes:
وفيها تندفع المواد المنصهرة الحارة "اللافا" من فتحة واحدة، وتتراكم بشكل مخروط حول هذه الفتحة.
2-
غطاءات اللافا Lava Sheets:
وفيها تنساب المواد المنصهرة بهدوء من شقوق في القشرة وتنتشر فوق منطقة واسعة.
3-
العيون والنافورات الحارة Hot Springs & Geysers.
4-
البراكين البطيئة.
وكما هي الحال في الزلازل فإن النشاط البركاني كان أكثر حدوثًا، وأشد عنفًا خلال العصور الجيولوجية المختلفة؛ بل وخلال العهود التاريخية القديمه منه في الوقت الحاضر، تبعًا لما كانت عليه حالة الأرض من عدم استقرار. والمعروف أن هذا النشاط هو المسئول عن بناء الهضاب والجبال البركانية التي توجد في جهات كثيرة فوق اليابس؛ بل وفوق قاع المحيطات. وعلى الرغم من أن النشاط البركاني الذي مازال يحدث في الوقت الحاضر في أماكن متفرقة من العالم لم يعد يساهم بنصيب يستحق الذكر في المظهر التضاريسي العام لسطح الأرض عمومًا، فإن دراسة هذا النشاط تعتبر جزءًا مهمًّا جدًّا من الدراسات الطبيعية، وأهمها الدراسات الجغرافية والجيولوجية والجيوفيزيقية.
البراكين:
المخروطات البركانية:
إن اندفاع المواد المنصهرة من فتحة محدودة في سطح الأرض وتراكمها بشكل تل مخروطي هو المظهر الشائع للنشاط البركاني. وهو في الواقع المظهر الذي نقصده عادة عند الكلام على البراكين، كما أنه هو المظهر الذي ترتبط به الكوارث البركانية العنيفة التي تهز العالم من وقت إلى آخر. وعلى الرغم من أن المخروطات البركانية تتباين فيما بينها من بعض الوجوه، مثل الشكل ونوع اللافا والمواد الصلبة التي تتكون منها؛ فإنها تشترك في الصفات الرئيسية العامة؛ فالمخروط البركاني له عدة أجزاء معروفة تشترك فيها كل المخروطات تقريبًا، وأهم الأجزاء هي:
1-
القصبة Conduit:
وهي القناة التي تندفع عن طريقها الماجما المنصهرة، وغيرها من المواد البركانية من باطن الأرض إلى السطح، وتكون غالبًا دائرية وأشبه بالأنبوب الطويل المتسع. وهي تواصل امتدادها إلى أعلى وسط المخروط، ويزداد طولها كلما ازداد ارتفاعه. وتمتد القصبة عادة في اتجاه رأسي؛ ولكن قد يحدث مع ذلك أن تفتح المواد المندفعة لنفسها قصبة أو قصبات أخرى جانبية. ويحدث ذلك إذا توقف ثوران البركان لفترة من الزمن، وتصلبت اللافا في القصبة الأصلية وسدتها تمامًا؛ فإذا عاد البركان إلى الثوران فإن المواد المندفعة قد تعجز عن شق طريقها عبر القصبة الأصلية فتشق لنفسها قصبة أو أكثر في جانب المخروط.
2-
العنق البركاني Volcanic Neck:
وهو كتلة صخرية شديدة الصلابة، تبرز في أعلى بعض المخروطات البركانية القديمة، وتمثل جزءًا من القصبة البركانية التي تتكون من اللافا المتصلبة بعد أن أزيل المخروط من حولها بواسطة التجوية والتعرية.
3-
الفوهة Vent:
هي الطرف العلوي للقصبة
4-
القمع Crater:
وهو الحوض المخروطي الصغير الذي يبدأ من الفوهة ويتسع إلى أعلى ليحتل قمة البركان.
5-
المخروط Cone:
وهو جسم البركان نفسه، وكثيرًا ما يشار إليه باسم "البركان" أو الجبل البركاني. وقد يكون المخروط بسيطًا، وهذا هو الغالب؛ ولكنه قد يحمل على جانبيه مخروطًا صغيرًا أو أكثر. ويكون له في هذه الحالة أكثر من قصبة واحدة. ويحدث هذا إذا انسدت القصبة الأصلية واستطاعت المواد المندفعة أن تفتح قصبات جانبية جديدة؛ حيث تتراكم المواد البركانية حول فوهات القصبات الجديدة، وتتكون نتيجة لذلك مخروطات جانبية. ويطلق على المخروط في هذه الحالة اسم المخروط المركب Composite Cone.
وتتباين المخروطات البركانية فيما بينها تباينًا كبيرًا في الحجم؛ فمنها ما لا يزيد ارتفاعه عن مائة متر، ومنها ما يصل ارتفاعه إلى أكثر من خمسة آلاف متر؛ ففي أفريقيا يبلغ ارتفاع مخروط جبل كليمانجارو 6010 أمتار، وجبل كينيا 5600 متر، وفي أوروبا يبلغ ارتفاع مخروط بركان إتنا 3500 متر وبركان فيزوف 1200 متر.
الكولديرا Caldera:
وهي حوض كبير متسع، جوانبه شديدة الانحدار، ويتكون في أعلى بعض المخروطات البركانية. ويرجع تكونه بصفة خاصة إلى اتساع القمع بفعل عوامل التعرية وعوامل التجوية وانهيار جوانبه؛ ولذلك فإن الكولديرا توجد غالبًا فوق المخروطات البركانية القديمة التي مضى على هدوئها وقت طويل، ولكنها قد تتكون كذلك فوق بعض المخروطات الحديثة، إذا ما حدث وهذأ البركان لفترة من الزمن ثم ثار مرة أخرى ثورانًا عنيفًا، بدرجة تؤدي إلى الإطاحة بقمته كلها، وفي هذه الحالة قد يمتلئ التجويف الذي تركته القمة المتطايرة بالمقذوفات الجديدة أو يتكون في وسط مخروط جديد صغير.
شكل "66" أشكال بركانية
1-
مخروط من الرماد البركالي.
2-
قبة من اللافا الحمضية.
3-
مخروط من اللافا القاعدية.
4-
مخروط ثانوي داخل قمع بركاني قديم.
5-
مخروط بركاني مركب.
6-
كولديرا.
7-
عنق بركاني كشفته التعرية.
8-
بحيرة لـ كالديرا.
وإذا سقطت الأمطار في منطقة البركان فإن الكولديرا تتحول إلى بحيرة بركانية جوانبها شديدة الانحدار. ويتحول المخروط الذي بوسطها "إن وجد" إلى جزيرة صخرية. وأكبر كولديرا من هذا النوع في العالم هو كولديرة آسو Aso في اليابان ويبلغ قطرها 22 كيلو مترًا. ولا يزال يوجد في وسطها بركان نشط. ومن البحيرات البركانية التي تستحق الذكر كذلك، والتي تكونت وسط كولديرات بحيرة أوريجون في الولايات المتحدة. وتوجد في وسطها جزيرة صغيرة تمثل مخروطًا بركانيًّا حديثًا، وكذلك بحيرة توبا Toba في شمال غرب جزيرة سومطرة.
مخروطات اللافا الحمضية Aeidic L واللافا القاعدية "أو البازلتية" Basic L:
تشترك اللافا التي تنطلق من فوهات البراكين في أنها تكون عند بدء خروجها شديدة الحرارة جدًّا؛ بحيث تزيد درجة حرارتها عادة عن 1000 ْ درحة مئوية؛ إلا أنها تتباين فيما بينها من حيث درجة السيولة التي تتوقف على نسبة السيلكا التي تدخل في تركيبها، وعلى هذا الأساس تنقسم اللافا إلى نوعين رئيسيين هما: اللافا الحمضية التي تدخل السليكا في تركيبها بنسبة كبيرة، واللافا القاعدية التي تدخل فيها السليكا بنسبة صغيرة. واللافا الحمضية تكون عادة ثقيلة ولزجة، وتتحرك لهذا السبب ببطء شديد، وسرعان ما تتصلب بمجرد خروجها إلى السطح فتتكون منها مخروطات مرتفعة؛ ولكنها صغيرة المساحة، وكثيرًا ما تأخذ شكل القباب. ومن أمثلتها المخروطات البركانية الموجودة في هضبة بوهيميا والقباب التي توجد في جزر ري بونيون Reunion في المحيط الهندي، والقباب الموجودة في منطقة ناشونال بارك National Park، في جبال روكي بالولايات المتحدة، أما اللافا القاعدية "البازلتية" فتكون أكثر سيولة وتنساب لمسافات كبيرة قبل أن تبدأ في التصلب. وتكون مخروطاتها لهذا السبب قليلة الارتفاع وتغطي مناطق أوسع بكثير من مخروطات اللافا الحمضية، ومن الطبيعي أن تتزايد درجة السيولة كلما زادت قاعدية اللافا "أي نقصت نسبة السليكا بها" ويؤدي ذلك إلى انسيابها بعد خروجها
بسرعة كبيرة مما يؤدي إلى اتساع المناطق التي تغمرها، ومن أمثلتها معظم المخروطات البركانية في جزر هوائي.
واللافا الحمضية مكونة أساسًا من مواد جرانيتية ألوانها فاتحة، ومائلة إلى البياض أو الرمادي الفاتح أو الاحمرار، وعندما تتصلب على السطح تتكون منها صخور الريوليت Phiotite أو الانديسيت. ويتكون الريوليت إذا كانت اللافا شديدة الحموضة، وهو يتميز بألوانه الفاتحة، أما الانديست فيتكون إذا كانت اللافا متوسطة الحموضة وتكون ألوانه داكنة نوعًا ما. أما اللافا القاعدية فتتكون أساسًا من مواد بازلتية مائلة إلى السواد. وعندما تتصلب تتكون منها صخور البازلت.
وتختلط باللافا عند خروجها غازات مختلفة إلا أن غازات اللافا القاعدية تكون أكثر من غازات اللافا الحمضية؛ ولذلك فإن البازلت الناتج عنها يحتوي عادة على كثير من الثقوب التي سببها خروج الغازات منها ويؤدي خروج هذه الغازات من اللافا، وخصوصًا اللافا القاعدية إلى تكون كثير من الفقاقيع فوق سطحها، ويكون مظهرها شبيهًا بمظهر الزبد "الرغوة" وعندما تتصلب هذه الفقاقيع فإنها تكون الصخر المعروف باسم صخر الخفاف Pomice وهو صخر خفيف جدًّا تكثر به الثقوب والمسام. وإذا تكون من اللافا الحمضية فإن لونه يكون مائلًا إلى البياض، أما إذا تكون من اللافا القاعدية؛ فإن لونه يكون مائلًا إلى السواد. وكثيرًا ما تتكون فوق سطح اللافا القاعدية طبقة متصلة من الفقاقيع المتصلبة التي تبدو في هذه الحالة بشكل الزبد، ويطلق على هذه الطبقة لهذا السبب اسم الزبد الصخري Scoriae.
المقذوفات البركانية الأخرى "غير اللافا":
تنطلق من فوهات البراكين، بالإضافة إلى اللافا السائلة، مواد أخرى صلبه وغازية تختلف في أنواعها وكمياتها من بركان إلى آخر، وفيما يلي وصف لأهم هذه المواد
المقذوفات الصلبة:
تتكون هذه المقذوفات من حبات صلبة وقطع صخرية مختلفة الأشكال والأحجام، وأهم أنواعها هي:
1-
البريشيا البركانية Volcanic Broccia وهي قطع صخرية ذات زوايا وجوانب حادة، وهي تنشأ من تكسر الصخور الصلبة التي كانت تسد القصبة والفوهة قبل الثوران، ويؤدي انفجار البركان عادة إلى ارتفاعها في الجو مئات الأمتار.
2-
القذائف البركانية Volcanic Broccia وهي عبارة عن كرات ملساء شكلها قريب من شكل الكمثرى، ويبلغ قطر الواحدة منها حوالي ثلاثة سنتيمترات أو أكثر قليلًا، وهي تتكون من انطلاق قطع من اللافا المنصهرة في الهواء وتصلبها أثناء هبوطها، وهذا هو السبب في أخذها شكل الكمثرى.
3-
الجمرات Cinders أو اللاب Lapilli ويقصد بها القذائف البركانية الصغيرة التي يتراوح قطرها بين ثلاثة سنتيمترات ونصف سنتيمتر.
4-
الرماد Volcanic Ashes وهو عبارة عن حبات حصوية صغيرة يتراوح قطرها بين ربع ملليمتر ونصف سنتيمتر، وهي تتراكم فوق مخروط البركان نفسه، أو تنتشر في مساحات واسعة حوله، وقد تتكون منها طبقة سميكة تكسو سطح الأرض.
5-
الغبار البركاني Volcanic Dust ويشمل أدق المواد الصلبة التي تنطلق من البركان والتي لا يزيد قطر حبيباتها عن ربع ملليمتر، ونظرًا لخفتها؛ فإنها ترتفع عند انفجار البركان إلى علو كبير في الجو، وقد تبقى عالقة بالهواء مدة طويلة، وتحملها الرياح العليا إلى مسافات بعيدة جدًّا، ومن أشهر الأمثلة على ذلك الغبار الذي انطلق من بركان كراكاتوا عند ثورانه سنة 1883 فقد ذكر الباحثون أن بعض هذا الغبار ظل عالقًا بالجو لمدة عام كامل، وأنه دار حول الكرة الأرضية كلها. وإذا حدث وسقطت الأمطار في منطقة البركان "وهو ما يحدث في غالب الأحيان"؛ فإنها تسقط عادة بغزارة متناهية وتختلط عند سقوطها بالغبار فتتحول إلى أمطار طينية وتتكون منها سيول جارفة على جوانب البركان فتغمر المناطق المجاورة، وتصيبها بخسائر كبيرة؛ ولكنها قد تؤدي كذلك إلى تكوين طبقات جديدة من التربة البركانية الخصبة.
وقد يكون المخروط البركاني مكونًا بأكمله من المواد الصلبة التي سبق ذكرها، وخصوصًا من الرماد والجمرات. وتشتهر أيسلنده بصفة خاصة بوجود هذا النوع من المخروطات ومن أشهرها المخروطات القريبة من العاصمة ريكيافيك وعددها حوالي تسعون مخروطًا، وتترواح ارتفاعاتها بين 40 و 50 مترًا، وكلها مكونة من الرماد البركاني. ويعتبر بركان دي فويجو Volcans de Fuego في جواتيمالا أعلى مخروط مكون من الرماد البركاني في العالم. ويبلغ ارتفاعه حوالي 3300 متر، ومن أمثلة هذه المخروطات أيضًا مخروط بركان مونت، نوفو Monte Novo إلى الغرب من نابولي في إيطاليا، وهو بركان حديث العهد جدًّا، ويبلغ ارتفاعه حوالي 500 متر. وكذلك المخروط الذي تكون في سنة 1937 عند خليج بلانش Blancho Bay قرب راباول Rabaul في أرخبيل بسمارك، وقد وصل ارتفاعه خلال الأيام الثلاثة الأولى من عمره 224 مترًا، وكذلك بركان باريكوتين Paricutin الذي بدأ ثورانه في سنة 1943 ووصل ارتفاعه 455 مترًا.
المقذوفات الغازية:
إن المواد الغازية التي تنطلق من البراكين كثيرة ومتنوعة؛ إلا أن أهمها هو بخار الماء وبعض غازات الكبريت والكلور والأيدروجين وثاني أكسيد الكربون، وتقدر نسبة المواد الغازية التي تخرج من البراكين عمومًا بنحو 5% من مجموع المقذوفات البركانية، وأهم المواد الغازية على الإطلاق هو بخار الماء، الذي يكون وحده ما بين 75% و 95% من مجموعها ولهذا السبب؛ فإن ثوران البراكين يصحبه غالبًا انهمار الأمطار بغزارة متناهية فوق منطقة البركان.
وما زال مصدر بخار الماء الذي تطلقه البراكين غير معروف بالضبط؛ ولكن من الممكن أن يكون مستمدًا من المياه المحجوزة في صخور باطن الأرض منذ نشأتها الأولى، أو أنه ينشأ نشأة جديدة عندما يمتزج الأيدروجين الذي ينطلق من البراكين، والذي كان واقعًا تحت ضغط شديد، بأوكسجين الهواء. وقد يكون بعض البخار المنطلق من البركان مستمدًا كذلك من مياه البحار أو غيرها من المياه السطحية التي استطاع
بعضها أن يتسرب إلى أعماق كبيرة في قشرة الأرض، وهكذا فإن المياه التي تتكون من البخار المنطلق من البراكين تعتبر، ولو بصورة جزئية، مياهًا جديدة تضاف إلى مياه سطح الأرض، وهذا يؤكد القول بأن الثورانات البركانية العنيفة التي حدثت بكثرة في المراحل الأولى لتاريخ الأرض قد ساهمت مساهمة كبيرة في تكوين مياه البحار والمحيطات.
أما بقية الغازات فبعضها قابل للاشتعال مثل الأيدروجين. وعندما تختلط هذه الغازات بأوكسجين الهواء؛ فإنها تشتعل فجأة ويتكون من اشتعالها اللهب، الذي يشاهد فوق الفوهة. ويلاحظ أن الغازات التي تنطلق من البراكين ليست ثابتة لا في أنواعها ولا في كمياتها؛ فهي تختلف من بركان إلى آخر بل، وفي البركان الواحد أثناء مراحل ثورانه في المرة الواحدة، أو في المرات المختلفة. كما أن خروجها قد يستمر بهدوء نسبيًّا من بعض فوهات البراكين لعشرات بل لمئات السنين. ومثال ذلك بركان استرامبولي في جزر لاباري في جنوب إيطاليا، حيث تنطلق منه بعض الغازات باستمرار فتشتعل عند قمته معطية ضوءًا مستمرًا. وقد اشتهر هذا البركان لهذا السبب باسم فنار البحر المتوسط، وقد يصحب الغازات التي تخرج منه في بعض الأحيان خروج اللافا المنصهرة بشكل ثورانات خفيفة متقطعة.
السحابة البيلية Pelean Cloud:
وقد يحدث أن تكون الغازات المنطلقة من فوهة البركان كثيفة جدًّا، ومختلطة بكميات كبيرة من الغبار والرماد وغيرها من المقذوفات الصلبة؛ فيظهر هذا الخليط بشكل سحابة ضخمة كثيفة داكنة وشديدة الحرارة جدًّا. فإذا كانت الغازات مندفعة من فتحة جانبية، فإن هذه السحابة تندفع أفقيًّا فوق سطح الأرض بسرعة شديدة فتقضي عند اندفاعها على كل مظاهر الحياة والعمران التي في طريقها. وتشتهر بعض البراكين بهذه السحب وخصوصًا بركان بيليه Mont Pelee في جزيرة المرتين Martinique في البحر الكاريبي؛ ففي إحدى ثورانات هذا البركان "سنة 1902" تكونت سحابة ضخمة من هذا النوع، واندفعت بغازاتها السامة وحرارتها المرتفعة، وبما تحمله من مواد صلبة كثيرة بسرعة تفوق سرعة أقوى العواصف فقضت في ثوان معدودة على كل ما صادفها من
مظاهر الحياة والعمران بما في ذلك مدينة سانت بيير St. Pierre التي تبعد عن البركان بحوالي ثمانية كيلومترات؛ فدمرتها وقتلت كل سكانها البالغ عددهم حوالي ثلاثين ألفًا. وهذه الحادثة بالذات هي التي وجهت نظر بعض العلماء إلى الاهتمام بدراسة هذا النوع من البراكين؛ فأعطوا له اسمًا علميًّا إنجليزيًّا منسوبًا إلى بركان بيليه وهو "السحابة البيلية" ويقابله في اللغة الفرنسية التعبير العلمي "نووي أردنت Noee Ardente".
والمعتقد أن هذه الظاهرة تحدث نتيجة لتجمع كميات ضخمة من المواد الغازية في منطقة الماجما التي تغذي البركان خلال مدة طويلة مع انسداد طرق خروجها إلى السطح؛ ففي هذه الحالة تتزايد كمياتها ويتزايد ضغطها حتى تستطيع في النهاية أن تشق لنفسها طريقًا إلى السطح، وقد تؤدي قوة اندفاعها وضغطها إلى القذف بالمخروط البركاني كله أو بقمته إلى أعلى، وقد كان تكون السحب البركانية الكثيفة واضحًا كذلك في ثورانات بركانية أخرى غير ثورانات بركان بيليه، ومنها بعض ثورانات بركان كراكاتوا وبركاني فالكان Vulcan وفيزوف في جزر لاباري بجنوب إيطاليا؛ ولكن سحب الغازات الكثيفة كانت في أغلب هذه الثورانات ترتفع إلى أعلى "بخلاف ما حدث في بركان بيليه"، وكانت في بعض الأحيان تأخذ الشكل الذي يشبهه بعض الكتاب بشكل ثمرة القنبيط.
تقسيم البراكين على حسب نشاطها:
لما كانت البراكين من المظاهر التي لازمت الأرض منذ نشأتها الأولى فمن الطبيعي أن يكون بعضها أقدم بكثير من بعضها الآخر وأن يكون بعضها قد انتهى منذ زمن بعيد بعد أن استقرت المنطقة التي ظهر فيها؛ بينما يكون بعضها الآخر حديث العهد، ويكون معرضًا للثوران بسبب وجوده في منطقة مازالت غير مستقرة. وعلى هذا الأساس قسمت البراكين تقسيمًا عامًّا إلى ثلاثة أنواع هي:
1-
البراكين الخامدة Extict:
ويقصد بها البراكين التي ظهرت في العصور الجيولوجية المختلفة، ثم توقف نشاطها منذ زمن بعيد ولم يعد يبدو عليها أي مظهر من مظاهر النشاط؛ بل ولم يعد من المحتمل أن يظهر عليها أي نشاط في
المستقبل بعد أن استقرت المناطق التي توجد فيها. ومثل هذه البراكين كثيرة جدًّا ومنتشرة في كل القارات، وتقدر أعدادها بالآلاف ولا يزال معظمها محتفظًا بشكله المخروطي الواضح.
2-
البراكين الهادئة Dormant:
ويقصد بها البراكين التي هدأت منذ وقت قريب نسيًّا مثل البراكين التي ظهرت خلال العهود التاريخية القديمة أو الوسيطة؛ فمثل هذه البراكين لا تزال معرضة لأن تجدد نشاطها وتثور خصوصًا إذا كانت موجودة في منطقة من مناطق الضعف المعروفة في قشرة الأرض، وهي مناطق الإنشاءات والانكسارات الحديثة.
3-
البراكين النشطة Active:
ويقصد بها البراكين التي ثارت في عهد قريب، أو التي تبدو عليها بعض مظاهر النشاط مثل خروج بعض الغازات من فوهاتها. ومثل هذه البراكين معرضة للثوران في أية لحظة. ومن أمثلتها معظم براكين جنوب إيطاليا، وأهمها براكين فيزوف وإتنا واسترامبولي وبعض براكين إندونيسيا مثل بركان أجونج وبركان كراكاتوا، وغير ذلك من البراكين الأخرى المنتشرة في العالم. ويبلغ مجموع هذا النوع من البراكين الهادئة "التي مازال هناك احتمال عودة نشاطها رغم طول مدة هدوئها" 800 بركان موزعة في كل القارات، ونصف هذا العدد تقريبًا عبارة عن براكين نشطة بالفعل.
أسباب ثوران البراكين:
من الثابت أن ثوران البراكين ينتج عن قوى وتغيرات معينة تحدث في قشرة الأرض أو تحتها؛ ولكن ليس من السهل تحديد الدور الذي تقوم به القوى والتغيرات المختلفة وعلاقة كل منها بتركيب الباطن وحركات القشرة. خصوصًا وأن الثورانات البركانية لا تأخذ كما رأينا شكلًا واحدًا؛ بل إنها تختلف من بركان إلى آخر، ومع ذلك فمن المؤكد أن العوامل التكتونية وما يترتب عليها من تكسر وانثناء لها علاقة قوية بثوران البراكين لأنها قد تؤدي إلى زيادة الضغط الواقع على الماجما في بعض المواضع الأخيرة إن لم تكن منصهرة بالفعل، ثم اندفاعها إلى أعلى بتأثير الضغط الذي تتعرض له. وهذا يتفق مع ما هو معروف من وجود كل
البراكين النشطة في الوقت الحاضر في مناطق الضعف من قشرة الأرض، وهي المناطق التي ما زالت غير مستقرة تمامًا والتي ما زالت معرضة لحدوث الزلازل، ولذلك فإن هناك تطابقًا كبيرًا بين توزيع البراكين وتوزيع الزلازل في العالم.
وبالإضافة إلى العوامل التكتونية هناك عوامل أخرى يمكن أن تتدخل في الثوران البركاني وفي تحديد طبيعته ومن أهمها التركيب الصخري للمنطقة، وتجمع الغازات والأبخرة في تركيبات خاصة تحتبس فيها ويكون لها في هذه الحالة ضغط شديد جدًّا؛ فإذا ما سنحت لها الفرصة للانطلاق فإنها تنطلق بقوة وتندفع وراءها كميات من الماجما المنصهرة، كما تحمل عند انطلاقها كثيرًا من الأتربة وأجزاء الصخور التي توجد في طريقها، وإذا حدث وتسربت المياه السطحية وخصوصًا مياه البحار إلى أعماق كبيرة، ووصلت إلى تكوينات الماجما؛ فإنها تبخر فجأة ويؤدي تجمع البخار إلى تزايد ضغطه مما يساعد على حدوث الثوران البركاني. ومن الأدلة المهمة التي تذكر لترجيح هذا الرأي أن معظم البراكين النشطة موجودة بالقرب من البحر، وأن بخار الماء ينطلق منها عند ثورانها بكميات ضخمة تؤدي إلى سقوط الأمطار بغزارة في منطقة البركان.
غطاءات اللافا LAVASHEETS:
وهي عبارة عن هضاب متسعة مكونة من اللافا المستمدة من الماجما المنصهرة بعد خروجها إلى السطح عن طريق شق أو أكثر من شقوق القشرة Fissures، وأهم ما يميزها عن المخروطات البركانية أن المواد المنصهرة التي كونتها لا تخرج إلى السطح عن طريق فتحة مركزية؛ بل عن طريق شقوق عديدة، وأن خروجها لا يكون مصحوبًا بأي انفجارات، بل يكون بشكل انسيابات هادئة، وأنها لا تشكل أي مخروطات ظاهرة بل تتوزع على مساحة كبيرة من سطح الأرض، وتتراكم منها طبقات متتالية كلما تكرر خروج اللافا القاعدية "البازلتية" التي تتميز بسيولتها، وهذا هو السبب في انتشارها على مساحات كبيرة، وقد يصل سمك كل طبقة من الطبقات المتراكمة إلى بضعة أمتار؛ إلا أن سمكها الكلي قد
يصل إلى ألف متر أو أكثر، وتتكون منها في هذه الحالة هضاب عظيمة الارتفاع والامتداد.
ومن أمثلة غطاءات اللافا التي تكونت بهذه الطريقة الغطاء الضخم الذي يشغل مساحة كبيرة في غرب الولايات المتحدة ويشغل قسمًا كبيرًا من ولايات واشنطن وأورجون وأيداهو، ويبلغ سمكه حوالي نصف مليون كيلو متر مربع، وكذلك الغطاء الذي يشغل مساحة واسعة في شمال غرب هضبة الدكن، ويطلق عليه اسم مصائد الدكن Deccsan Traps وتبلغ مساحته حوالي نصف مليون كيلو متر مربع، وكذلك الغطاءات التي تغطي منطقة واسعة في شمال شرق أيرلنده والتي تغطي منطقة واسعة كذلك في جزيرة أيسلنده.
النطاقات الرئيسية للبراكين:
إن أهم النطاقات البركانية في العالم هو النطاق الذي يمتد حول المحيط الهادي، والذي يشتهر لهذا السبب باسم الحلقة النارية؛ ففي هذا النطاق يوجد حوالي 88% من براكين العالم، بعضها نشط وبعضها خامد أو هادئ.
ويمكننا أن نتتبع هذا النطاق من البراكين إبتداء من جنوب أمريكا الجنوبية نحو الشمال على طول جبال الأنديز حتى أمريكا الوسطى والمكسيك. ويوجد في جبال روكي عدد كبير من البراكين الخامدة، ولكن أغلبها لم يخمد إلا في أزمنة حديثة نسبيًّا. ثم تظهر البراكين النشطة مرة أخرى في ألاسكا. ومن هنا يواصل النطاق امتداده في جزر ألوشيان وشبه جزيرة كمتشتكا ثم في جزر كوريل واليابان وفرموزا والفلبين حتى مجموعة جزر Moluccas.
وهناك نطاق آخر يمتد عبر جرز أندونيسيا ويكاد يتصل بالنطاق السابق عند جزر ملقا. وهو يبدأ في جنوب برما ويمتد عبر جزر اندمان وسومطرة وجاوة وإيريان وجزر سليمان حتى نيوزيلندة. ويعتقد البعض أن مجموعة البراكين الخامدة التي توجد في القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا"، ومن أبزرها إريبوس Mount Erebus ليست امتدادًا لهذا النطاق.
وهناك عدد من البراكين النشطة في مجموعات الجزر التي تنتشر في وسط المحيط الهادي، كما هي الحال في جزر ساندوتش Sandwich، وتنجا Tonga وساموا Samoa. ويلاحظ أن مجموعات الجزر التي في وسط هذا المحيط يرجع بعضها إلى أصل بركاني بينما ينتمي بعضها الآخر إلى أصل مرجاني، وتعتبر جزر فيجي من نوع الجزر البركانية، ولكن لم يعد يظهر بها أي نشاط بركاني في الوقت الحاضر.
ويوجد في نطاق آخر من البراكين يمتد من الشرق إلى الغرب في جنوب قارتي آسيا وأوروبا؛ ففي آسيا يوجد عدد من المخروطات البركانية في المنطقة التي تلتقي عندها حدود إيران بحدود أفغانستان وبلوخستان، ومعظمها براكين خامدة؛ ولكن بعضها ما زالت تخرج منه بعض الغازات الكبريتية من وقت إلى آخر. ويوجد كذلك عدد من البراكين الخامدة في بلاد القوقاز، ومن أشهرها جبل البرز Elburz في القوقاز أرارات في أرمينيا.
وتعتبر مجموعة من البراكين التي في جنوب إيطاليا، وأهمها فيزوف وإتنا واسترامبولي من أشهر براكين العالم التي ما زالت نشطة. ويشتهر بركان استرامبولي في الوقت الحاضر باسم فنار البحر المتوسط بسبب اللون الأحمر للحمم التي ما زالت تخرج من فوهته، والتي ينعكس ضوؤها على سحب الدخان التي فوقه. ويوجد هذا البركان في جزر لاباري Lapari Isl ands الواقعة قرب الطرف الجنوبي الأقصى لشبه الجزيرة الإيطالية، وتنبثق اللافا من فوهته انبثاقًا هادئًا بمعدل مرة كل ساعة أو أقل قليلًا.
ويوجد في جزر الهند الغربية عدد من المخروطات البركانية وخصوصًا في جزر انتيل الصغرى التي ترجع في جملتها إلى أصل بركاني. ومعظم البراكين هنا من النوع الخامد، ولئن كان بعض منها ما زالت تبدو عليه مظاهر النشاط.
وبالإضافة إلى النطاقات البركانية الكبرى التي تم وصفها، يوجد عدد من البراكين في أيسلنده التي تعتبر في الواقع جزءًا من نطاق بركاني قديم كان يمتد من جرينلاند في الغرب حتى شمال أيرلنده في الشرق، وتعتبر جزر آزور ومديرا
والرأس الأخضر "كيب فرد" والكناريا كلها من أصل بركاني، ولكن كل براكينها قد خمدت في الوقت الحاضر، ومع ذلك فقد حدثت خلال بعض العهود التاريخية بعض الثورانات البركانية في جزر الكناريا.
شكل "67" توزيع البراكين في العالم
بعض مظاهر النشاط الاخرى الشبيهة بالبراكين:
ذكرنا أن النشاط البركاني بمعناه الواسع يمكن أن يشمل خروج أي مادة من باطن الأرض إلى السطح أو من طبقات القشرة العميقة؛ نتيجة لحدوث أي تغيرات لها علاقة بالباطن؛ ولهذا فمن الممكن أن نضم إليه بعض الظاهرات الأخرى الشبيهة بالبراكين أهمها:
1-
البراكين الطينية:
وهي عبارة عن براكين تخرج منها مياه طينية تختلط بها كثير من الغازات الكربونية فعند اندفاع هذه الغازات من الطبقات للقشرة، تندفع معها أحيانًا بعض المياه الجوفية؛ فإذا ما صادفت هذه المياه عند خروجها رواسب طينية فإنها تختلط بها وتخرج إلى السطح بشكل نافورة مياه طينية شديدة الحرارة وتوجد هذه
البراكين عادة في المناطق الغنية بالبترول بسبب تجمع كثير من الغازات الكربونية تحت طبقات القشرة؛ ولذلك فإن ظهورها يعتبر في الغالب دليلًا قويًّا على وجود البترول في المنطقة
وقد يكون انفجار البركان الطيني قويًّا جدًّا، كما يحدث في الثورانات البركانية العادية، مع اختلاف المواد التي تخرج في الحالتين. وقد حدث في شهر مارس سنة 1959 أن ظهر بركان طيني في جزيرة سخالين في بقعة لم يكن قد حدث فيها أي ثوران بركاني من قبل. وقد بدأت الظاهرة بحدوث ارتفاع في قشرة الأرض في قاع أحد الوديان وظهوره بشكل قبة. وبعد ذلك بدأ اندفاع الغازات والمواد الطينية بكثرة وصحبها حدوث انفجارات عنيفة.
2-
العيون والنافورات الحارة Hot Springs & Geysers:
تعتبر هذه العيون والنافورات من الظاهرات التي لها من غير شك علاقة بباطن الأرض ومصدر المياه الحارة هو المياه التي تتسرب في شقوق القشرة الأرضية، وتصل إلى أعماق كبيرة درجة حرارتها مرتفعة، وتظهر العيون والنافورات إذا وجدت هذه المياه طريقًا يوصلها إلى السطح، وقد تذيب المياه عند خروجها بعض الأملاح مثل أملاح الكبريت، التي جعلت لها قيمة طيبة في بعض الأماكن، ومن أمثلتها مياه عيون حلوان في مصر، وعين السخنة في جنوب السويس وعين حمام فرعون في شبه جزيرة سيناء، وتخرج المياه الكبريتية من العين الأخيرة في درجة حرارة 73 ْ درجة مئوية تقريبًا.
وإذا كانت المياه الحارة واقعة تحت ضغط شديد؛ فإنها تندفع بعد وصولها إلى سطح الأرض إلى ارتفاع قد يصل إلى 90 مترًا أو أكثر. وأشهر المناطق بنافوراتها الحارة هي جزيرة أيسلنده التي يوجد بها حوالي مائة نافورة من هذا النوع، كما يوجد عدد من هذه النافورات في منطقة يلوستون بارك Yellowstone Park في إقليم جبال روكي بالولايات المتحدة، ويوجد عدد آخر في نيوزيلندا وفي مناطق أخرى كثيرة متفرقة في العالم.