الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستوائي الشمالي، أما في فصل الصيف فتنعكس الدورة بسبب تغير اتجاه الرياح الموسمية، التي تهب على شبه جزيرة الهند، والبحر العربي في هذا الفصل من الجنوب الغربي بصفة عامة، فتدفع أمامها المياه الساحلية على شكل تيار يتجه نحو الشرق، فإذا ما وصل إلى ساحل الملايو والهند الصينية غير اتجاهه نحو الجنوب، وأخيرًا يتحول إلى تيار استوائي يتجه من الشرق إلى الغرب، ومن الواضح أن شكل الساحل الهندي له تأثير واضح على اتجاه التيار البحري الذي يضطر للدوران حوله عند انتقاله من خليج بنغال إلى البحر العربي في فصل الشتاء أو العكس في فصل الصيف.
أما إلى الجنوب من خط الاستواء، فلا يختلف نظام التيارات البحرية في المحيط الهندي عن نظامها في المحيط الأطلسي الجنوبي أو المحيط الهادي الجنوبي؛ ففي الشرق يوجد تيار غرب أستراليا الذي تدفعه الرياح التجارية الجنوبية الشرقية نحو خط الاستواء، ثم يتكون منه التيار الاستوائي الجنوبي الذي يتحرك غربًا حتى يصل إلى الساحل الشرقي لإفريقية، وينحرف نحو الجنوب على شكل تيار دافئ يطلق عليه اسم تيار موزمبيق، نسبة إلى إقليم موزمبيق في شرق أفريقيا، وأخيرًا يغير اتجاهه نحو الشرق بتأثير الرياح العكسية الشمالية الغربية حتى يلتحم بتيار غرب أستراليا، وتبدأ الدورة من جديد.
تيارات البحر المتوسط:
يتميز البحر المتوسط ببعض التيارات السطحية التي تختلف في طبيعتها وأسبابها عن التيارات الرئيسية في المحيطات الكبرى؛ لأن العامل الرئيسي الذي يحرك مياه المحيطات هو الرياح العامة، أما المياه السطحية في البحر المتوسط فتتحرك نتيجة لعوامل أخرى من أهمها ارتفاع درجة ملوحة مياه هذا البحر، وارتفاع درجة حرارتها بالنسبة لمياه المحيطات عمومًا. ويرجع ذلك إلى دفء البحر المتوسط وسرعة تبخر مياهه من ناحية، وعدم كفاية ما ينصب فيه من مياه الأنهار أو
شكل "83" التيارات البحرية في المحيط الهندي في فصل الشتاء
شكل "83" التيارات البحرية في المحيط الهندي في فصل الصيف.
الأمطار لتعويض ما يضيع من مياهه بالتبخر من ناحية أخرى. وليس من شك في أن تضاريس الحوض لها كذلك دخل كبير في أحواله المائية؛ إذ إن امتداد الجبال بجوار الساحل في معظم أجزائه قد يقلل من فرصة وجود أنهار كبيرة تحمل إليه ما يكفي لتعويض المفقود منه بالتبخر، ويقدر مجموع ما تلقي به الأنهار التي تصب في البحر المتوسط مباشرة بنحو 4.9% فقط من المياه التي تضيع منه بالتبخر أما الباقي فيعوض بثلاث وسائل أخرى هي:
1-
زيادة ما يدخل إلى هذا البحر من المحيط الأطلسي عن طريق بوغاز جبل طارق عما يخرج منه من نفس الطريق، وهذا يعوض 70.6% من مجموع المياه المتبخرة.
2-
الأمطار وغيرها من مظاهر التكثف وهذه تعوض 21.3%.
3-
زيادة ما يدخل البحر المتوسط من البحر الأسود عن طريق بوغازي البوسفور والدردنيل عما يخرج منه إلى نفس البحر، وهذا يعوض 3.2% من قيمة المياه المتبخرة.
ومن هذا تتبين بوضوح أهمية بوغاز جبل طارق الضيق بالنسبة لمياه البحر المتوسط؛ إذا لولا المياه التي تصل عن طريقه إلى هذا البحر لجف بسبب كثرة التبخر، كما أنه لولا ضيق هذا البوغاز وضحولته بسبب وجود عتبة صخرية عند
مدخله لا يزيد ارتفاع الماء فوقها عن 400 متر لاختلطت مياهه بمياه المحيط الأطلسي ولما عادت لها صفاتها الأولى التي تتميز بها.
شكل "84" حركة المياه بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط
وقد ترتب على وصول المياه السطحية إلى البحر المتوسط من الغرب ومن الشرق تكون دورة عامة تتحرك بمقتضاها المياه السطحية لهذا البحر في اتجاه مضاد لحركة عقرب الساعة؛ حيث تتحرك من الشرق إلى الغرب أمام سواحله الشمالية، ومن الغرب إلى الشرق أمام سواحله الجنوبية، ولو أنها تتأثر في حركتها بشكل السواحل؛ ففي جنوب أوروبا مثلًا نلاحظ أن التيار يتحرك من الجنوب إلى الشمال أمام السواحل الغربية لأشباه الجزر ومن الشمال إلى الجنوب أمام سواحلها الشرقية، كما هي الحال أمام سواحل إيطاليا وإسبانيا.
وقد كان لهذه التيارات السطحية أثر في نشأة المواني المهمة القريبة من مصبات الأنهار؛ حيث يلاحظ أن هذه الموانئ تنشأ دائمًا في الجهة التي لا تتأثر بالرواسب التي يجلبها النهر ويحملها التيار البحري، وهذا هو السبب في نشأة سالونيكا إلى الشرق من مصب الواردار، والبندقية إلى الشمال من مصب نهر البو ومرسيليا إلى الشرق من مصب الرون، وبرشلونة في شمال شرق دلتا الأيرو،
وليس من شك في أن حركة التيارات أمام الساحل الشمالي لمصر من الغرب إلى الشرق قد ساعد على حماية ميناء الإسكندرية من الرواسب الطينية التي تحملها مياه نهر النيل وتلقي بها في البحر خصوصًا في موسم الفيضان.
أما التيار السفلي الذي يتحرك على عمق يتراوح بين 100 و 150 مترًا فيتجه نحو بوغاز جبل طارق في معظم أجزاء البحر ما عدا بحر إيجة؛ حيث يتحرك نحو البحر الأسود.
وحركة المياه في بوغاز جبل طارق تسير في اتجاهين متضادين؛ فهناك تيار سطحي قوي يندفع من المحيط إلى البحر المتوسط بسرعة تبلغ حوالي خمسة كيلو مترات في الساعة، ويتراوح عمقه بين 50 و 100 متر من سطح الماء، ويقابل هذا التيار السطحي تيار آخر سفلي يتحرك على عمق يتراوح بين 100 و 200 متر وتنحدر بواسطته مياه البحر المتوسط ذات الكثافة والملوحة المرتفعتين على حافة العتبة الصخرية نحو قاع المحيط، ويواصل التيار السطحي الذي يحمل مياه المحيط الأطلسي ذات الكثافة والملوحة المنخفضتين نسبيًّا حركته نحو الشرق، أمام الساحل الشمالي لإفريقية حتى الساحل الشمالي لمصر؛ إلا أن سرعته تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا شرقًا. أما التيار السفلي الذي يخرج من البحر المتوسط فتنتشر مياهه الكثيفة على قاع المحيط في اتجاهات مختلفة أمكن تتبعها لمسافات طويلة أمام ساحل البرتغال وساحل المغرب، بل وفي عرض المحيط. والمياه التي تغذي هذا التيار السفلي تشمل الطبقة التي يتراوح عمقها بين 300 و 500 متر في معظم أجزاء البحر المتوسط؛ حيث يلاحظ أن هذه الطبقة تتحرك بصفة عامة نحو الغرب، أما الطبقات الأعمق من ذلك فلا تتأثر تأثرًا ظاهرًا بهذه الحركة، ويرجع ذلك إلى تأثير بوغاز جبل طارق الذي أشرنا إليه.
ومن الممكن أن نلاحظ نفس حركة المياه كذلك في البوغاز الذي يفصل جزيرة صقلية عن تونس؛ فهنا يوجد تياران أحدهما سطحي يتجه نحو الشرق، والثاني سفلي يتجه نحو الغرب، ولكنهما أضعف بكثير من تياري بوغاز جبل طارق.
وفي الطرف الشمالي الشرقي للبحر المتوسط يوجد تياران آخران في بوغازي البسفور والدردنيل؛ أحدهما سطحي يتحرك من البحر الأسود إلى البحر المتوسط، والثاني سفلي يتحرك في الاتجاه المضاد، وهذان التياران لا يبلغان كذلك من القوة مبلغ تياري بوغاز جبل طارق.
ولما كانت التيارات الدافئة تعمل دائمًا على تدفئة السواحل التي تمر بها بينما تعمل التيارات الباردة على برودتها؛ فقد ترتب على الظاهرتين السابقتين أن اختلفت درجة حرارة السواحل الشرقية للقارات عن درجة حرارة سواحلها الغربية التي تقع في نفس العروض، ويظهر هذا بوضوح عند مقارنة السواحل المتقابلة في القارة الواحدة أو السواحل المشرفة على محيط واحد في القارات المختلفة.