الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكل "111"
نظام الضغط الجوي والرياح في الشتاء والصيف على قارة توضيحية تحيط بها البحار
4-
2-4-
الرياح والكتل الهوائية
.
أولاً: الرياح
.
نظام هبوب الرياح حول مناطق الضغط المختلفة:
المقصود بالرياح هو حركة الهواء في الطبقة السفلى من الجو، وهي تهب دائمًا من المناطق ذات الضغط المرتفع إلى المناطق ذات الضغط المنخفض؛ إلا أنها لا تهب من مركز الضغط المرتفع إلى مركز الضغط المنخفض مباشرة بل تدور حولهما بتأثير حركة الأرض الدورانية حول نفسها، ويكون هبوبها حول الضغط المنخفض في اتجاه مضاد لاتجاه حركة عقرب الساعة في نصف الكرة الشمالي ومتفقًا معه في نصفها الجنوبي. ويحدث العكس تمامًا عند هبوب الرياح حول مناطق الضغط المرتفع. وهناك قانون معروف يوضح هذه الظاهرة ويعرف باسم قانون فرل "Ferrel Law"، وملخصه أن الهواء المتحرك يميل دائمًا للانحراف إلى اليمين من هدفه في نصف الكرة الشمالي وإلى اليسار منه في نصفها
الجنوبي؛ فمثلًا إذا كانت الرياح في نصف الكرة الشمالي متجهة في الأصل نحو الشمال فإنها تنحرف نحو الغرب، ويوضح "الشكل 112" حركة الرياح حول مراكز الضغط المختلفة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي. وإذا طبقنا هذا القانون على سطح الكرة الأرضية بصفة عامة استطعنا أن ندرك السر في أن الرياح العامة مثل الرياح التجارية والرياح العكسية تهب في اتجاهاتها المعروفة، ويظهر ذلك بوضوح في "شكل 113".
ويرجع انحراف الرياح بالصورة المذكورة إلى عاملين هما:
1-
دوران الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق.
2-
تناقص سرعة دوران أي نقطة على سطحها من خط الاستواء نحو القطب؛ بمعنى أن سرعة دوران أي نقطة فوق سطح الأرض عند خط الاستواء تكون أعظم من سرعة دوران أي نقطة أخرى بعيده عنه1، وتتناقص هذه السرعة تدريجيًّا كلما اقتربنا من القطبين؛ ولذلك فإن الرياح عند هبوبها نحو القطبين تنتقل من جهات سريعة الدوران إلى أخرى بطيئة؛ ولهذا فإنها تسبق هذه الجهات الأخيرة في دورانها وتنحرف نحو الشرق "لأن دوران الأرض حول نفسها يكون من الغرب إلى الشرق" أما الرياح التي تهب نحو خط الاستواء فتنتقل من جهات بطيئة إلى جهات سريعة؛ ولذلك فإنها تتخلف وتنحرف نحو الغرب. والقوة التي تؤثر على اتجاه الرياح وتؤدي إلى انحرافها بالصورة التي شرحناها هي التي يطلق عليها تعبير "التأثير الكوريولي" أو "القوة الكوريولية"2.
1 تحسب سرعة دوران أي نقطة على سطح الأرض بقسمة طول دائرة العرض التي تقع عليها هذه النقطة على 24 وهي المدة التي تتم فيها الأرض دورة كاملة حول نفسها، وتبلغ هذه السرعة أقصاها عند خط الاستواء حيث تبلغ 1700 كيلو متر في الساعة ثم تتناقص ناحية القطبين فتنقص إلى نصفها عند خط عرض 60 ْ وإلى الصفر عند القطب نفسه.
2 هذا التعبير منسوب إلى عالم فرنسى اسمه كوريوليس G.G. Coriolis الذي اكتشف هذه الظاهرة في سنة 1844 واقترح عندئذ طريقة خاصة لقياسها.
شكل "112"
نظام هبوب الرياح حول مناطق الضغط المرتفع والضغط المنحفض في نصفي الكرة
شكل "113" انحراف الرياح العامة
قياس سرعة الرياح:
تقاس سرعة الرياح "Wind Velocity" بواسطة جهاز خاص يعرف باسم "الأنيمومتر أو جهاز قياس الرياح" ومن أشهر أنواعه وأكثرها استخدامًا ذلك الجهاز المعروف باسم جهاز روبنسون ذي الطاسات Robinson Cup Anemometer "شكل 114" وهو يتركب من أربع طاسات معدنية مثبتة فوق عامود، وتدور حوله في مستوى أفقي بواسطة الهواء، ويكون دورانها سريعًا إذا كانت الرياح قوية وبطيئًا إذا كانت ضعيفة، ويسجل عدد مرات دورانها بواسطة عداد مثبت في أسفل العامود، وتستخرج سرعة الرياح في فترة ما بإيحاد الفرق بين قراءة العداد عند بداية هذه الفترة وقراءته عند نهايتها، ثم قسمة هذا الفرق على عدد الساعات إذا كنا نريد حساب السرعة في الساعة، أو على عدد الدقائق إذا كنا نريد أن نحسبها في الدقيقة. وتحسب السرعة عادة بالعقدة/ ساعة "1" ولكن من الممكن حسابها كذلك بالكيلو متر/ ساعة.
شكل "114" مقياس الرياح "الأنيمومتر"
1 العقدة Knot هي الوحدة المستخدمة لقياس سرعة السفن، وقد أصبحت تستخدم كذلك في غالب الأحيان، لقياس سرعة الرياح لأن معرفة هذه السرعة كان يهم الملاحين أكثر من غيرهم. والعقدة مرادفة تقربًا للميل البحري Nautical Mile وهي تساوي المسافة التي تشغلها الدقيقة الواحدة على خط الاستواء أو على أحد خطوط الطول- وهي تساوي 1.15 ميلًا قياسيًّا أو 1.84 كيلو مترًا
تحديد اتجاه الرياح:
يبين هذه الاتجاه بواسطة الجهاز المعروف باسم دوارة الرياح Wind Vane شكل 115، وهو يتركب من ذراع من الحديد على شكل سهم يرتكز على عامود رأسي من الحديد أيضًا، ويدور مع السهم بسهولة، ويرتكز العامود والسهم معًا على عامود آخر غير متحرك ومثبت عليه ذراعان أفقيان يشيران إلى الجهات الأصلية؛ ونظرًا لأن مؤخرة السهم عريضة ومبططة فإن الرياح تدفعها باستمرار نحو الجهة التي تنطلق إليها بنيما تبقى رأس السهم مشيرة إلى الجهة التي تأتي منها.
شكل "115" دوارة الرياح
ويسجل اتجاه الرياح في محطات الأرصاد في ساعات معينة كل يوم وتستخرج له متوسطات يومية وشهرية تبين فيها النسب المئوية لمرات هبوب الرياح من الاتجاهات المختلفة بالنسبة لمجموع عدد مرات الرصد. ويمكن أن توضح هذه النسب على الخريطة المناخية بواسطة رسم خاص يطلق عليه اسم وردة الرياح Wind Rose كما في شكل 116 الذي يبين النسب المئوية لاتجاه الرياح في بعض بلاد الساحل الشمالي الغربي لمصر في فصلي الشتاء والصيف، وفيه يتبين أن حوالي 65% من مجموع الرياح في فصل الصيف تهب من الشمال
والشمال الغربي، أما في فصل الشتاء فإن الرياح تهب من جميع الاتجاهات بنسب متقاربة جدًّا، ويعتبر هذا دليلًا على أن الأحوال الجوية في هذا الفصل تكون كثيرة الاضطراب، وعلى أن الرياح تكون كثيرة التغير؛ وذلك بخلاف الحال في فصل الصيف الذي يتميز بعدم تغير الأحوال الجوية خلاله تغيرًا يذكر من يوم إلى آخر.
شكل "116" وردات الرياح لبعض بلاد الساحل الشمالي الغربي لمصر في الشتاء والصيف. والأرقام التي في الدوائر تمثل النسب المئوية حالات السكون.
توضيح سرعة الرياح واتجاهها على خرائط الطقس:
ذكرنا أن اتجاه الرياح ومعدلات مرات هبوبها من الاتجاهات المختلفة يمكن أن توضح برسوم تخطيطية تعرف باسم "وردات الرياح". وهي تستخدم خرائط الطقس، التي ترسم يوميًّا أكثر من مرة لتوضيح حالة الطقس في ساعات معينة؛ فيوضح اتجاه الرياح في الساعة المعينة بواسطة خط قصير يمثل الاتجاه الذي تأتي منه الرياح، وينتهي على محيط الدائرة الممثلة للمحطة. وفي حالة السكون ترسم دائرة حول دائرة المحطة. وعند تبادل البيانات الخاصة باتجاه الرياح أو تسجيلها في
الجداول فإن الاتجاه يعين بالدرجات شرق الشمال الجغرافي، على اعتبار أن الدائرة مقسمة إلى 360 ْ، وأن الشمال يقع على درجة صفر أو 360 والشرق على درجة 90 والجنوب 180 والغرب 270؛ ولكن المتبع في إرسال الإشارات هو قسمة الدرجات على عشرة، وعلى ذلك تكون درجة اتجاه الشرق هي 9 ودرجة اتجاه الغرب هي 27 وهكذا "شكل 117"
شكل "117" توضيح اتجاهات الرياح حول الدائرة بعشرات الدرجات.
أما سرعة الرياح فتوضح على خريطة الطقس بواسطة ريشات Feathers ترسم على طرف خط الاتجاه؛ بحيث تكون على جانبه الأيسر بالنسبة للناظر إلى المحطة. ويميل عليه بزاوية 120 ْ درجة. وتمثل كل ريشة كاملة سرعة قدرها 8-12 عقدة في الساعة أو زيادة في السرعة بنفس القدر، أما إن كانت السرعة أو الزيادة قدرها 3 إلى 7 عقدات فتمثل بواسطة نصف ريشة- أما إن كانت بين 48 و 52 عقدة فتمثل بواسطة مثلث يوضع بنفس طريقة وضع الريشات وتكون قاعدته على الخط الممثل للاتجاه، انظر الجدول رقم "5".
جدول "5" الرموز المستخدمة لتوضيح سرعة الرياح على خرائط الطقس
.......................................................................................
الرمز السرعة بالعقدات الرمز السرعة بالعقدات الرمز السرعة بالعقد
اسكون 23 - 27 53 - 57
0 -
2 28 - 32 58 - 62
3 -
7 33 - 37 63 - 67
8 -
12 38 - 42 68 - 72
13 -
17 43 - 47 73 - 77
18 -
22 48 - 52 103 - 107
.......................................................................................
الأنواع الرئيسية للرياح:
تنقسم الرياح عمومًا إلى أربعة أقسام رئيسية هي:
أ- رياح دائمة:
وهي التي تهب بنظام ثابت طول السنة تقريبًا، ولو أنها قد تختلف في سرعتها ومدى انتشارها من فصل إلى آخر، وأهم أنواعها هي الرياح التجارية والرياح العكسية "الغربية".
ب- رياح موسمية أو فصلية:
وهي التي تهب في فصل معين نتيجة لتغيرات فصلية في توزيع درجة الحرارة والضغط الجوي، وقد يتغير نظامها تغيرًا تامًا في فصل الصيف عنه في فصل الشتاء.
ج- رياح محلية:
وهي لا تهب بنظام ثابت كما أنها لا تدوم إلا لفترات قصيرة لا تعدو بضعة أيام؛ ولكنها قد تنشط في بعض الفصول عنها في فصول أخرى، ويقتصر أثرها غالبًا على مناطق محدودة من العالم، ومن أشهرها الرياح التي تحدث نتيجة لمرور المنخفضات الجوية.
د- رياح يومية:
وهي غالبًا رياح خفيفة يتغير اتجاهها أثناء الليل عنه أثناء النهار، ومن أشهرها نسيم البر ونسيم البحر، ثم نسيم الجبل ونسيم الوادي.
والنوعان الأولان "الرياح الدائمة والرياح الموسمية" هما اللذان نقصدهما عند الكلام على الرياح العامة، وهما اللذان سنتكلم عليهما في هذا الفصل، أما النوعان الآخران فسيأتي بحثهما في مواضع أخرى إن شاء الله.
أ- الرياح الدائمة:
1-
الرياح التجارية The Trades:
تهب هذه الرياح نحو نطاق الضغط المنخفض الاستوائي من منطقتي الضغط المرتفع وراء المدارين، ويكون اتجاهها شماليًّا شرقيًّا1 في نصف الكرة الشمالي، وجنوبيًّا شرقيًّا في نصفها الجنوبي؛ إلا أن درجة انحرافها تقل كلما اقتربنا من خط الاستواء حتى يصبح اتجاهها عند هذا الخط نفسه من الشمال إلى الجنوب مباشرة "أو العكس".
وتمتاز الرياح الجنوبية عمومًا باعتدال سرعتها وقلة تغير اتجاهها من فصل إلى آخر خصوصًا على المحيطات؛ ولذلك فإن لها أهمية كبيرة بالنسبة للملاحة الشراعية، ويلاحظ أن منطقة الركود الاستوائي نفسها تمتاز بنشاط التيارات الهوائية الصاعدة فيها مما يضعف من أثر الرياح التجارية بصورة واضحة، ويعتبر عبور هذه المنطقة من أشق مراحل السفر بالنسبة للسفن الشراعية التي كثيرًا ما تعجز عن التحرك فيها بسبب سكون الهواء.
2-
الرياح العكسية "الغربيات" The Westerlies:
تختلف هذه الرياح اختلافًا واضحًا عن الرياح التجارية من بعض الوجوه؛ فبينما تهرب الرياح التجارية من نطاق الضغط المرتفع وراء المداري نحو خط الاستواء نجد أن الرياح الغربية تهب من هذين النطاقين نحو الدائرتين القطبيتين، ومعنى ذلك أن المناطق التي تنتقل إليها الرياح التجارية تكون غالبًا أشد حرارة من المناطق التي تأتي منها؛ مما يجعلها تساعد على تخفيف شدة الحرارة، أما الرياح العكسية فإنها تعمل غالبًا على تدفئة المناطق التي تنتقل إلهيًّا تكون آتية من مناطق أدفأ منها نسبيًّا.
1 تسمى الرياح دائمًا باسم الجهة التي تهب منها؛ فالرياح الشمالية الشرقية مثلًا هي التي تهب من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي، والشمالية هي التي تهب من الشمال إلى الجنوب، وهكذا.
واتجاه الرياح العكسية يكون في نصف الكرة الشمالي جنوبيًّا غربيًّا بصفة عامة، أما في نصفها الجنوبي فإنه يكون شماليًّا غربيًّا، ورغم أن المناطق التي تهب عليها هذه الرياح عظيمة الاتساع جدًّا فإن هبوبها يكون أقل انتظامًا وثباتًا من الرياح التجارية، ويرجع ذلك إلى ما ينتاب العروض التي تظهر فيها الرياح العكسية من اضطرابات كثيرة في الضغط الجوي يترتب عليها اختلال نظام هبوبها كما يحدث عادة عند مرور المنخفضات الجوية التي سيأتي الكلام عليها في فصل آخر.
ب- الرياح الموسمية The Monsoons:
أهم ما تتميز به هذه الرياح هو أن اتجاهها يتغير تغيرًا تامًّا في معظم الأحيان ما بين الصيف والشتاء، وهي تظهر غالبًا فيما بين المدارين على المناطق الشرقية للقارات؛ إلا أن امتدادها قد يتعدى المدارين إلى وراءهما في بعض المناطق؛ فعلى الساحل الشرقي لآسيا مثلًا تظهر الرياح الموسمية حتى خط عرض 60 ْ شمالًا تقريبًا. والواقع أن القارة الآسيوية هي أعظم ميدان تظهر فيه هذه الرياح، وما ذلك إلا لعظم اتساعها، وتنقسم الرياح الموسمية إلى:
1-
موسمية شتوية:
تهب من قلب القارة نحو المحيطين الهادي والهندي؛ حيث يكون الضغط مرتفعًا على القارة بسبب البرودة؛ بينما يكون منخفضًا على معظم هذين المحيطين بسبب دفئهما النسبي. وهي رياح باردة جافة. ولا تسقط أي أمطار إلا على الجزر والسواحل التي تصلها هذه الرياح بعد مرورها على مسطحات مائية مثل اليابان والفلبين وسواحل الهند الصينية.
2-
موسمية صيفية:
تهب من المحيطين الهادي والهندي نحو قلب آسيا؛ حيث يكون الضغط عليه منخفضًا بسبب شدة الحرارة؛ بينما يكون مرتفعًا على المحيطين، وهي رياح دافئة عظيمة الرطوبة، ولهذا فإنها تسقط أمطار غزيرة على شرق آسيا وجنوبها.
شكل "119" الرياح الموسمية على الهند في الصيف "أ" وفي الشتاء "ب"
ج- الرياح المحلية:
تنقسم هذه الرياح إلى قسمين رئيسين هما:
1-
الرياح المحلية التي تصاحب المنخفضات الجوية:
ومن أشهرها الخماسين في مصر والسموم في شبه الجزيرة العربية، والقبلى في ليبيا والسيروكو في البلقان والمسترال في جنوب فرنسا، والفهن في سويسرا1:
2-
الرياح المحلية اليومية:
التي تنتقل بين منطقتين مختلفتين في ظروفهما الطبيعية أثناء النهار وأثناء الليل، وتشمل:
أ- نسيم البر ونسيم البحر.
ب- نسيم الجبل ونسيم الوادي.
نسيم البر ونسيم البحر:
وهما حركتان يوميتان تحدثان في هواء المناطق الساحلية بنفس الطريقة التي تحدث بها الرياح الموسمية؛ ففي أثناء الليل يكون الضغط الجوي على اليابس أعلى منه على الماء المجاور له، بسبب سرعة فقدان الأول لحرارته بالإشعاع؛ مما يؤدي إلى برودة الهواء الذي فوقه وزيادة كثافته، وهبوطه نحو سطح الأرض؛ بينما يكون الضغط الجوي على الماء منخفضًا نسبيًّا؛ ولهذا فإن الهواء يتحرك من اليابس إلى البحر، وهذا هو ما يعرف باسم نسيم البر Land Breeze أما أثناء النهار فيحدث العكس حيث يسخن اليابس أسرع من الماء فيتمدد الهواء الذي فوقه ويرتفع إلى أعلى، وعندئذ يتحرك هواء البحر نحو البر ليحل محل الهواء الذي تمدد وارتفع، وهذا هو ما يعرف باسم نسيم البحر Sea Breeze. وينشط هذان النسيمان بصفة خاصة في الأيام الصافية التي يميل فيها الهواء للسكون.
وتعتبر الأقاليم الاستوائية من أكثر أقاليم العالم تعرضًا لظهور نسيمي البر والبحر، اللذين يحدثان هناك بنظام ثابت تقريبًا، وفي ساعة معينة من كل يوم وقد استفاد الأهالي وخصوصًا صيادي الأسماك في بعض المناطق بهذا النظام في حياتهم
1 لن نتحدث هنا عن هذه الرياح لأنها مرتبطة بموضوع المنخفضات الجوية التي لم ندرسها في هذا الكتاب. ولهذا فسيكون كلامنا مقصورًا على الرياح المحلية اليومية.
اليومية حيث أنهم يستعينون بنسيم البر في الخروج إلى البحر ليلًا، وبنسيم البحر في العودة إلى البر نهارًا، ويعتبر نسيم البحر بالذات من الظاهرات المناخية المحبوبة جدًّا عند سكان البلاد الساحلية في النطاق المداري؛ لأن هبوبه يؤدي إلى تلطيف الجو وتخفيف حدة الحرارة؛ ولهذا السبب نجد أن المساكن تبنى عادة بحيث تستقبل أكبر مقدار ممكن من نسيم البحر، وقد لوحظ على بعض السواحل أن درجة الحرارة تهبط بنحو 11 ْ مئوية؛ بينما ترتفع الرطوبة نسبيًّا بنحو 42% بعد هبوب نسيم البحر بفترة قصيرة.
ويظهر نسيما البر والبحر بكثرة في بعض الأقاليم المحصورة بين المدارين، وكذلك في الأقاليم المعتدلة الدافئة. كما هي الحال على السواحل التي تحيط بحوض البحر المتوسط، ولو أنه لا يشترط أن يكون ظهورهما مقصورًا على سواحل البحار والمحيطات؛ لأنهما يظهران كذلك على سواحل البحيرات التي توجد في داخل اليابس.
ويقل ظهور هذين النسيمين قلة واضحة في الأقاليم الباردة؛ لأن اختلاف درجة حرارة اليابس والماء في تلك الأقاليم لا يكون كبيرًا بدرجة تؤدي إلى اشتداد حركة الهواء بينهما؛ سواء في الليل أو في النهار.
نسيم الجبل ونسيم الوادي:
وهما حركتان يوميتان في الهواء تشتهر بهما الأقاليم الجبلية وتظهران بصفة خاصة في الأيام التي تضعف فيها حركة الرياح العامة؛ ففي مثل هذه الأيام يهبط الهواء الذي يبرد على منحدرات الجبال أثناء الليل نحو قيعان الوديان على شكل نسيم يطلق عليه اسم نسيم الجبل Mountain Breeze، أما أثناء النهار فيحدث العكس؛ حيث يتمدد الهواء الذي يسخن في قيعان الوديان، ويرتفع إلى أعلى. وهذا هو ما يعرف باسم نسيم الوادي Valley Breeze.
ويجب عدم الخلط بين هذه الحركات اليومية، وبين الرياح الحارة التي تظهر أحيانًا على جوانب الجبال بسبب المنخفضات الجوية ومن أمثلتها "رياح الفهن" في جبال الألب.
وينشأ نسيم الجبل نتيجة لسرعة فقدان قمم الجبال ومنحدراتها المرتفعة لحرارتها بالإشعاع أثناء الليل؛ مما يؤدي إلى برودة الهواء الملاصق لها وازدياد كثافته ولهذا فإنه يهبط نحو السفوح المنخفضة ويتراكم في قاع الوديان والمنخفضات، ويحل محله هواء أدفأ منه نسبيًّا يأتي من طبقة الهواء المجاورة لقمم الجبال ومنحدراتها العليا، التي تكون لهذا السبب أدفأ نسبيًّا من قاع الوديان والمنخفضات.
ونسيم الجبل:
له أهمية كبيرة في الأقاليم المعتدلة والباردة؛ لأنه يجعل الحقول التي على الجوانب المرتفعة للجبال أقل تعرضًا لخطر الصقيع من الحقول التي في قاع الوديان. ولهذا فكثيرًا ما يعمد الزراع إلى بناء حوائط أو سدود أو غرس صفوف متقاربة من الأشجار على جوانب الوديان لوقف انحدار الهواء البارد إلى الحقول المنخفضة.
أما نسيم الوادي:
وهو غالبًا أقل قوة وأضعف أثرًا من نسيم الجبل؛ فيحدث نتيجة لارتفاع الحرارة بسرعة في قاع الوديان أثناء النهار؛ مما يؤدي إلى تمدد هوائها أو ارتفاعه إلى أعلى.
ويتوقف ظهور نسيمي الجبل والوادي وقوتهما على عوامل مختلفة أهمها:
1-
حالة الرياح التي تهب على الأقاليم بصفة عامة:
فإذا كانت هذه الرياح قوية فإنها تطغى غالبًا على هذين النسيمين.
2-
صفاء الجو:
لأن هذا الصفاء يساعد على سرعة انخفاض درجة الحرارة اليابس أثناء الليل وسرعة تسخينه أثناء النهار؛ ولهذا فإن أصلح الأيام لنشاطهما هي الأيام الصافية.