الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنطلق على هذه النظريات عمومًا اسم "نظريات المد الغازي" أو "المد النجمي"، ومن أشهرها النظريات الآتية:
1-
نظرية الكويكبات Planitesimal Hypothesis، التي اقترحها العالمان الأمريكيان تشمبرلين Chamberlain ومولتون Moulton سنة 1905.
2-
النظرية التي أوردها العالمان البريطانيان جينز وجيفريز Jeans & Jeffreys، وهي في الواقع عبارة عن تعديل لنظرية الكويكبات بقصد تجنب بعض الانتقادات التي وجهت إليها.
أولاً:
نظرية الجزيئات الكونية والسدم
.
1-
نظرية كانت:
يقول كانت: إن المجموعة الشمسية نشأت في الأصل من جزيئات صلبة كانت تسبح منذ الأزل في الفضاء بكميات مهولة، وكانت الجزيئات في حركة مستمرة؛ مما أدى إلى كثرة تصادمها وتزايد حرارتها حتى تحولت بالتدريج إلى كتلة ملتهبة، ثم أخذت هذه الكتلة تنكمش ويصغر حجمها بقوة الجاذبية، كما بدأت في نفس الوقت تأخذ حركة دورانية حول نفسها. وكانت سرعة دورانها صغيرة في أول الأمر؛ ولكنها أخذت في التزايد بسبب استمرار تناقص حجمها حتى أصبحت هذه الكتلة خاضعة لقوتين متعارضتين، الأولى هي قوة جاذبيتها والثانية هي قوة الطرد التي نشأت من دورانها حول نفسها. وقد أخذت قوة الطرد في التزايد تبعًا لتزايد سرعة الدوران مما أدى إلى انبعاج الحزام الأوسط الخارجي للكتلة، وكان هذا الانبعاج شديدًا لدرجة أدت إلى انفصال حلقات متتالية منه واندفاعها بعيدًا عن الكتلة الأصلية، ووصلت كل حلقة منها إلى البعد الذي تتساوى عنده قوة الطرد التي أبعدتها مع قوة جذب الكتلة لها، وبهذه الطريقة توزعت الحلقات حول هذه الكتلة وبدأت تدور حول نفسها، وقد أدى دورانها حول نفسها إلى اندماجها وتكورها فتكونت منها الكواكب، وقد ساعدها على ذلك أنها لم تكن
قد تصلبت بعد بل كانت لا تزال في حالة شبه غازيّة، وقبل أن يتم تصلبها انفصلت عنها بنفس الطريقة حلقات صغيرة تكونت منها الأقمار.
ولكن هذه النظرية واجهت اعتراضات كثيرة أهمها:
1-
أنها تتعارض مع الحقيقة المعروفة عن البطء الشديد لدوران الشمس حول نفسها؛ فلو سلمنا بأن سرعة دوران الكتلة الأصلية حول نفسها كانت تتزايد باستمرار بسبب تناقص حجمها "نتيجة لاندماجها وانفصال الكواكب عنها"؛ فقد كان المفروض أن تكون السرعة الحالية لدوران الشمس حول نفسها كبيرة جدًّا، وهذا مخالف للواقع.
2-
أنها لا تعطي تفسيرًا معقولًا لتولد الحركة الدورانية في الكتلة السديمة؛ إذ لا يعقل أن تكون عمليتي التصادم والتجاذب بين جزيئات المادة الكونية هي السبب في تولد هذه الحركة.
2-
نظرية لابلاس "السديمية" Nebular Hypothesis:
ليست هذه النظرية في الواقع إلا تطويرًا لنظرية "كانت". وأهم فارق بينهما أن لابلاس لا يجد داعيًا للافتراض بأن المادة الأزلية الأولى كانت عبارة عن جزيئات صلبة باردة ثم تحولت إلى سديم ملتهب؛ وإنما يفترض أنها كانت منذ البداية سديمًا ضخمًا يدور حول نفسه، وبهذا الافتراض تجنب لابلاس أحد الانتقادات التي وجهت إلى تفسير "كانت" لتكوين السديم واكتسابه للحركة الدورانية حول نفسه، ومع ذلك فإن نظرية لابلاس واجهت نفس النقد الذي واجهته نظرية كانت بخصوص عجزها عن تفسير بطء الحركة الدورانية للشمس حول نفسها. فلو فرضنا صحة ما افترضه لابلاس من أن السديم الأزلي كان يدور حول نفسه منذ البداية فلا بد أن سرعة دورانه كانت ستزداد باستمرار نتيجة لتناقص حجمه، وبناء على ذلك فقد كان المفروض أن تكون سرعة دوران الكتلة التي بقيت بعد انفصال الكواكب والتي كونت الشمس كبيرة، وهذا مخالف للحقيقة.
3-
نظرية سحابة الغبار Dust- Cloud Hypothesis:
وهي من أحدث النظريات التي وردت في تفسير نشأة المجموعة الشمسية وقد اقترحها الباحث الأمريكي ويبل Whipple في سنة 1918 "1" وهي من أساسها امتداد لنظرية الجزيئات الكونية التي جاء بها كانت وللنظرية السديمية التي جاء لابلاس؛ ولكنها تتميز عنهما بأن صاحبها حاول أن يدعمها ببعض نتائج البحث العلمي الحديث، وهو ما لم يكن متوفرًا لكل من كانت ولابلاس.
والحقيقة العلمية التي بنى ويبل عليها نظريته هي أن الفضاء الكوني ليس فارغًا تمامًا كما كان يظن من قبل؛ ولكنه يحتوي على كميات من غبار ميكروسكوبي مبعثر على مسافات متباعدة جدًّا لدرجة يبدو معها الفضاء وكأنه فارغ تمامًا، ولكن بالنظر إلى ضخامة هذا الفضاء بصورة لا يتصورها العقل فإن الغبار المبعثر فيه يكفي لبناء ملايين النجوم؛ حتى أنه ليقدر مثلًا أن الغبار المبعثر في سكة التبانه وحدها يكفي لبناء مائة ألف مليون نجم في حجم الشمس. وجزيئات هذا الغبار متناهية في الدقة، ولا يزيد قطر الواحدة منها عن 1/50.000 من البورصة، ومع ذلك فقد تبين من تحليل بعضها أنها مكونة من معظم العناصر المعروفة لنا، ومنها الأيدروجين والهيليوم والأكسوجين والنيتروجين والكربون وغيرها، كما تبين أنها تتجمع أحيانًا ببطء شديد تحت ظروف خاصة فتتكون منها في بعض المواضع سحب ضخمة جدًّا، وأصلح الأماكن لتجميعها بهذا الشكل هي الأماكن التي يضعف فيها ضوء النجوم؛ لأن الضغط الضوئي يستطيع "على الرغم من ضآلته المتناهية" أن يحرك الغبار الميكروسكوبي بعيدًا عن مصدر الضوء.
1 Freed LWhipple، The Dust Cloud Hypothesis، in Scientific Amenrican Incorporation May 1984
وعلى أساس هذا الرأي فإن جزيئات الغبار الكوني تميل للتجمع ببطء شديد حيثما يضعف الضوء، وتتكون منها في البداية سحب صغيرة، ولكن هذه السحب لا تلبث أن تنمو بسرعة لأن ظلها يساعد على تجمع الغبار حولها؛ فإذا لم يطرأ على هذه السحب أي طارئ يشتت غبارها كأن يمر بوسطها نجم ضوؤه بالغ الشدة فإنها تستمر في النمو ويتزايد حجمها كما تتزايد في نفس الوقت درجة كثافتها وجاذبيتها حتى تصل إلى درجة يصبح معها ضغط الضوء عاجزًا عن تشتيتها، ويرى ويبل أن السحابة التي تصل إلى هذه الحالة يكون غبارها كافيًا لبناء نجم في حجم الشمس وتكون منتشرة في منطقة قدرها حوالى 9000 مليون كيلو متر "وهو ما يعادل البعد بين الأرض والشمس 60 ألف مرة". وفي هذه الحالة يبدأ ترسيب غبار السحابة نحو مركزها بقوة جاذبيتها، وتكون عملية الترسيب بطيئة في أول الأمر ولكنها تتزايد تدريجيًّا كلما انكمشت السحابة واندمجت جزيئاتها؛ حيث أن الاندماج يؤدي إلى تزايد مستمر في درجة حرارتها حتى تتحول بمرور السنين إلى نجم ملتهب. وهذه هي الطريقة التي تكونت بها الشمس. وقد حافظت الشمس على حرارتها نتيجة للتفاعلات الذرية القوية التي أخذت تتولد في باطنها بسبب حرارته البالغة الشدة.
أما عن دوران الشمس حول نفسها وبطء هذا الدوران فيفسرهما ويبل بأن هذا الدوران لم يبدأ إلا في المراحل النهائية لتكوين الشمس؛ ففي المراحل الأولى لعمليات الترسيب نشأت في السحابة تيارات كثيرة متعارضة لم تساعد على تكوين أي حركة دورانية، ولكن هذه التيارات أخذت تتناقص فاختفت معظم التيارات المتعارضة ولم يبق منها إلا تيارات رئيسية متجهة نحو المركز، وهذه التيارات هي التي ساعدت على بدء الحركة الدورانية البطيئة.
ويرى ويبل أن الكواكب السيارة قد نشأت من نفس سحابة الغبار التي نشأت منها الشمس وذلك في المراحل الأولى لعمليات الترسيب. ففي هذه المراحل انسلخت من هذه السحابة سحابات صغيرة، وكانت هذه السحابات منتشرة على طول التيار الرئيسي في السحابة الكبرى، فكان لذلك مرتبة على