الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
لا شك أن الجغرافيا الطبيعية بمختلف فروعها هي القاعدة التي لا يمكن أن يقوم بدونها أي بناء جغرافي مهما كانت أهدافه. ولئن كانت الجغرافيا البشرية بفروعها المختلفة تدور حول الإنسان ونشاطاته؛ فإنها لا يمكن أن تحقق أهدافها بغير أساس متين من الجغرافيا الطبيعية؛ إلا أن اتساع الميادين التي تعالجها الجغرافية الطبيعية وتشعبها يجعل من المتعذر على غير المتخصصين فيها أن يلموا بتفاصليها، ولهذا فقد كان من الضروري وضع حد أدنى للأسس التي يجب على كل جغرافي أن يكون ملمًا بها مهما كان مستواه أو تخصصه، ومن هنا جاءت فكرة المقدمات التي نقدمها الآن وهي:
مقدمة
في الجغرافيا الفلكية
ومقدمة في الفيزيوغرافيا
ومقدمة في جغرافية البحار
ومقدمة في الطقس والمناخ
ومقدمة في الجغرافيا الحيوية
والله أسأل أن نكون قد وفقنا لتحقيق الهدف المنشود.
إنه هو السميع المجيب
عبد العزيز طريح شرف
حتى الآن إلى الأرض غير الشمس هو الأقرب القنطورى Proima Cantaur الذى يرى في نصف الكرة الجنوبي وهو أحد نجوم كوكبة قنطورس. ومن هنا جاءت تسميته بالقنطورى. ويبلغ بعد هذا النجم عن الأرض حوالي 4.27 سنة ضوئية؛ وهو أقل من نصف بعد الشعرى اليمانية عنها، ومع ذلك فإن الضوء الذي تبعثه الشعرى اليمانية إلى الأرض يعادل الضوء الذي يبعثه هذا النجم 70 ألف مرة. وهذا هو السبب في أن اكتشافه لم يتم إلا منذ عهد قريب. وهناك غير الأقرب القنطورى خمسة نجوم أقرب إلى الأرض من الشعرى اليمانية؛ ولكنها لا تبدو بنفس لمعانها ووضوحها لأنها أقل منها إضاءة.
تجمعات النجوم:
وتوجد النجوم أحيانًا منفردة ولكنها كثيرًا ما توجد في مجموعات تشتهر باسم الكوكبات Constellations. ويتبع كل نجم من النجوم في الغالب عدد من الكواكب والأقمار. وتعتبر شمسنا -رغم ضخامتها- واحدة من النجوم الصغيرة نسبيًّا. وهناك ملايين من النجوم الأخرى الأكبر منها. وعلى الرغم من ابتكار مناظر فلكية تستطيع أن تتوغل في الفضاء إلى أبعاد شاسعة؛ فإن أقوى هذه المناظر لم تستطع حتى الآن أن تظهر أي نجم من النجوم "غير الشمس" بأكثر من نقطة محدودة من الضوء بسبب الأبعاد الشاسعة التي تفصلها عنا.
وقد كانت كثير من النجوم ومجموعاتها معروفة بين المهتمين بدراسة الفلك منذ زمن طويل؛ فقد كان الفلكيون العرب في العصور الوسطى يرصدونها ويعرفون كثيرًا من الحقائق عن حركاتها وعن مواقعها بالنسبة للأرض في الفصول المختلفة، وإليهم يرجع الفضل في اكتشاف عدد من النجوم ومجموعاتها وما زالت الأسماء العربية التي أطلقوها عليها ظاهرة في كثير من اللغات الأخرى. وقد وضع بعض الفلكيين العرب جداول فلكية خاصة لها قيمة علمية كبيرة في تحديد مسارات النجوم والكواكب ومواعيد شروقها وغروبها على مدار السنة. وفي عهد اليونايين القدماء كان لبعض التجمعات النجمية أهمية خاصة في أساطيرهم وعقائدهم الدينية مثل مجموعة الفارس "أوالجبار" Orion وذات الكرسي Cassiopeio، وذات الشعور Coms Berenices والمرأة المسلسلة Andromeda بلييادس Pleiades
والدب الأكبر والدب الأصغر وفرساوس والتنين والزرافة وغيرها. وقد لوحظ أن أفراد كل مجموعة من هذه المجموعات متشابهة في تركيبها وأنها تتحرك دائمًا بترتيب ثابت، ولذلك فإن الفلكيين يطلقون عليها اسم الكوكبات "أو التشكيلات" المتحركة Moving Clusters. وهناك أيضًا مجموعات نجمية تعرف باسم الجموع الكروية Globular Clusters وتضم كل منها عدة ملايين من النجوم التي تبدو متكدسة في الوسط ثم تتباعد نحو الخارج بحيث تبدو المجموعة كلها وكأنها سرب من النحل. ويوجد في الكون أكثر من مائة تجمع من هذا النوع، وكلها بعيدة جدًّا عن الأرض بحيث يصعب تمييزها بالعين المجردة. ويبلغ بعد أقربها إلينا 18400 سنة ضوئية1.
ويطلق تعبير "البروج" على الكوكبات التي تمر بها الشمس أثناء مسارها الظاهري في السماء على مدار السنة. ويطلق على هذا المسار اسم دائرة البروج بسبب مروره بكل هذه الكوكبات. وتوصف "دائرة البروج" بتعبير آخر بأنها هي تقاطع مستوى فلك الأرض حول الشمس مع الكرة السماوية. ويطلق تعبير منطقة البروج على كل المنطقة الواقعة على طول هذه الدائرة. وتنقسم هذه المنطقة إلى 12 برجًا يشغل كل برج منها 30 درجة من درجات الطول، وهذه البروج وفصول ظهورها هي: الحمل والثور والجوزاء "التوءمان" وتظهر في الربيع، ثم السرطان والأسد "الليث" والسنبلة وتظهر في الصيف، ثم الميزان والعقرب والقوس وتظهر في الخريف ثم الجدي والدلو والحوت وتظهر في الشتاء "انظر شكل2"2.
1 محمد عبد السلام الكرداني، "النجوم في مسالكها" سنة 1933 ص113.
2 ورد في أدب الفلك العربي بيتان مشهوران جمعت فيهما أسماء البروج الاثني عشرة كما يلي:
حمل الثور جوزة السرطان ورغى الليث سنبل الميزان ورى عقرب بقوس الجدي
نزخ الدلو بركة الحيتان
شكل (1) تجمع نجمى كروى
شكل (2) مواقع البروج في الفصول المختلفة
النجم القطبي "أو القطبية" Polar Star Or Polaris:
هو أحد نجوم المجموعة المعروفة باسم "الدب الأصغر". وهي كوكبة من سبعة نجوم تظهر دائمًا في الليالي الصافية من الجهة الشمالية من القبة السماوية، وهي مرتبة بحيث تظهر أربعة منها بشكل مستطيل؛ ولكنه ضيق قليلًا في أحد جوانبه، ومن أحد ركني هذا الجانب تتوزع النجوم الثلاثة الأخرى على طول خط مقوس. وآخرها على الخط هو "النجم القطبي أو القطبية". وهذه النجوم السبعة ومعها نجوم أخرى لا حصر لها بالقرب منها هي التي تتكون منها كوكبة الدب الأصغر. وقد سميت بذلك لأنها تأخذ في تجمعها شكلًا قريبًا من شكل الدب، حيث يتمثل جسمه بالشكل المستطيل بينما يتمثل ذيله بالخط الذي يقع النجم القطبي في طرفه.
وقد كانت للنجم القطبي منذ القدم أهمية كبيرة وخصوصًا للمسافرين في البحار والصحارى؛ حيث إنه كان مرشدهم الرئيسي إلى الاتجاه الشمالي، بسبب وقوعه على امتداد محور الأرض من القطب الشمالي. فلو فرضنا أن هذا المحور قد امتد في الفضاء بدون حدود فإنه سيمر بنقطة لا تبعد عن هذا النجم إلا بدرجة واحدة تقريبًا.
ولكن يجب أن نلاحظ مع ذلك أن اتجاه محور الأرض نحو القطب القطبي ليس ثابتًا على مر العصور؛ بل إنه يتغير من عصر إلى آخر ولكن ببطء شديد جدًّا؛ فقد أثبتت الدراسات الفلكية أنه كان في عهد قدماء المصريين، أي منذ حوالي خمسة آلاف سنة، لا يشير إلى هذا النجم؛ بل كان يشير إلى نجم آخر من نجوم مجموعة "قيفاوس"، أما سبب هذا التحول فيرجعه الفلكيون إلى الظاهرة المعروفة باسم ظاهرة طواف القطب "انظر شكل 3".
شكل "3" طواف القطب
الحرف الأبجدي الموضوع بجوار كل نجم يدل على ترتيبه من حيث الحجم في مجموعته.
والمقصود "بطواف القطب" هو عدم ثبات النقطة التي يشير إليها قطب محور الأرض في السماء، وتزحزح هذه النقطة بانتظام على محيط دائرة وهمية؛ ولكنها معروفة. ويرى الفلكيون أن سبب هذا الطواف هو انبعاج الأرض قليلًا عند خط الاستواء، وتفرطحها عند القطبين؛ حيث أن جذب الشمس للجزء المنبعج يكون أكبر قليلًا من جذبها للأجزاء الباقية، ويترتب على ذلك تغير بطيء جدًّا؛ ولكنه مستمر في اتجاه المحور؛ بحيث تتزحزح النقطة التي يشار إليها في السماء على مسار دائري، وقد تبين أن كل دورة كاملة على هذا المسار تستغرق 25.800 سنة. ويجب ألا نخلط بين ظاهرة طواف القطب هذه وبين ظاهرة أخرى تعرف باسم ظاهرة "تمايل أو ترنح المحور" فظاهرة طواف القطب تنتج عن جاذبية الشمس، وهي عبارة عن حركة متئدة وبطيئة جدًّا، أما التمايل أو الترنح فهو حركة سريعة نسبيًّا، وسببها هو جاذبية القمر. وهي شبيهة بحركة تمايل أو ترنح النحلة التي يلعب بها الأطفال عندما يديرونها بسرعة.
الكوكبات النجمية التي ترى دائمًا في نفس مواقعها:
المقصود بهذه الكوكبات هي الكوكبات التي ليس لها شروق ولا غروب بالنسبة لنا؛ لأنها تظهر دائمًا في نفس مواقعها تقريبًا في كل ليلة على مدار السنة ما دامت السماء صافية، وأهمها هو الدب الأصغر، بما في ذلك النجم القطبي والكوكبات القريبة منه مثل الدب الأكبر وذات الكرسي وفرساوي والزرافة والتنين، وهي تختلف عن كثير من الكوكبات الأخرى الأبعد منها مثل: الجبار والأكبر والشجاع والأسد والجاثي والثعبان (الحية) والعقاب (النسر) والدجاجة (البجعة) والجدي والفرس الأعظم؛ فهذه الكوكبات تشرق في الشرق وتعبر السماء حتى تغرب في الغرب ثم تختفي لتعود للظهور في الليلة التالية. وهناك كوكبات أخرى تظهر في الشتاء وتختفي في الصيف أو العكس، ويظهر ذلك بوضوح عندما تقارن خريطتي القبة السماوية لهذين الفصلين في نصف الكرة الشمالي مثلًا:
المتغيرات القيفاوية Cepheid Variables:
على الرغم من أن معظم النجوم تتميز بقوة إشعاعية ثابتة؛ فقد لاحظ الفلكيون منذ وقت طويل أن بعضًا
منها سواء في داخل المجرة أو خارجها، لا تثبت على حال واحدة وأن قوتها الإشعاعية تتغير من وقت إلى آخر، لا تبت على حال واحدة وأن قوتها الإشعاعية تتغير من وقت إلى آخر. ولكن بينما تحدث التغيرات في بعض النجوم بشكل دورات منتظمة يشتد الإشعاع في بعضها ويضعف في بعضها الآخر، فإنها تحدث في بعضها الآخر بشكل غير منتظم. ومن أشهر النجوم التي لوحظ منذ زمن بعيد أن قوتها الإشعاعية تتغير بنظام دقيق النجم المعروف باسم قيفاوس أو الملتهب Cepheus وهذا هو السبب في تسمية هذا النوع من النجوم باسم "المتغيرات القيفاوية". وقد ساعد التغير المنتظم لهذه النجوم على تحديد أبعادها في الفضاء بدرجة كبيرة من الدقة.
النجوم الجديدة Novaea:
وهي نجوم متفجرة؛ فقد لاحظ الفلكيون أن بعض النجوم قد تتعرض للانفجار، وأنها عندما تنفجر تنطلق منها طاقات إشعاعية غير عادية تعادل طاقاتها الإشعاعية الأصلية ملايين المرات. وقد يكون السبب في انفجار هذه النجوم هو حدوث تغيرات في تركيبها الداخلي فيترتب على ذلك حدوث حالة من عدم التوازن في داخلها، مما يؤدي إلى تضخم النجم فجأة وانفجاره وانطلاق الطاقة الإشعاعية الهائلة منه. وليس معنى انفجار النجم بهذا الشكل هو نهايته؛ بل إنه يعود للالتئام مرة أخرى بحيث يظهر وكأنه نجم جديد. وبعض النجوم أكثر تعرضًا للانفجار من غيرها، ولذلك فإن انفجارها قد يتكرر أكثر من مرة1.
وتدل الأرصاد الفلكية على أن عدد النجوم التي أمكن رصد انفجاراتها بالفعل يبلغ في المتوسط ستة نجوم سنويًّا. ولا يدخل في هذا العدد النجوم التي انفجرت دون أن تلاحظ انفجاراتها بسبب بعد المسافة أو لأي أسباب أخرى، ولا بد أنها كثيرة. ويمكننا أن نتصور ماذا يحدث للأرض لو أن شمسنا انفجرت بهذا
1 James Jeans، "The Univers Around US،" C. U. P.1969
إمام إبراهيم أحمد " عالم الأفلاك" 1962، المكتبة الثقافية، صفحة: 121-125.