الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصيام
الصيام في اللغة: الإمساك. قال الله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوماً} [مريم: 26] أي صمتاً؛ لأنه إمساك عن الكلام.
قال الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة
…
تحت العَجاج وأخرى تعلك اللجمان
وفي الشرع: إمساك عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص. وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى.
قال المصنف رحمه الله: (يجب صوم شهر رمضان يرؤية الهلال. فإن لم يُر مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ثم صاموا. وإن حال دون منظره غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب. وعنه لا يجب. وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا).
أما كون شهر رمضان يجب فالأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم -إلى قوله تعالى-: فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 183 - 185].
وأما السنة فما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» (1) متفق عليه.
وروي «أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا فرض الله عليّ من الصيام؟ فقال: شهر رمضان
…
مختصر» (2) رواه البخاري.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (8) 1: 12 كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (16) 1: 45 كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإيمان كلاهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (46) 1: 25 كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام.
وأخرجه مسلم في صحيحه (11) 1: 40 كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.
وأما كون الإجماع فأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان.
وأما كونه يجب برؤية الهلال فلما تقدم من قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185].
ولقوله عليه السلام: «صوموا لرؤيته
…
مختصر» (1) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأما كون الناس يُكْمِلون عدة شعبان إذا لم يُر الهلال مع الفجر فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصيام عند رؤيته» ولم يوجد.
ولأن الأصل بقاء شعبان ولم يوجد ما يعارض فيه ولا ما يحتمل معه خروجه فوجب تكميله كسائر الأشهر.
وقول المصنف رحمه الله: فإن لم ير مع الصحو يحترز به عما إذا لم ير مع الغيم فإنه لا يجب إكمال شعبان لما يذكر بعد إن شاء الله تعالى.
وقوله: ثلاثين يوماً بيان للعدة التي تكمل.
وأما كونهم يصومون إذا كملوا عدة شعبان فلأن عدة شعبان إذا تكملت تحقق دخول شهر رمضان.
وأما كونهم إذا حال دون منظر الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان يجب عليهم صيامه في ظاهر المذهب؛ فلما يأتي.
وأما كونهم لا يجب عليهم صيامه في روايةٍ؛ فلما روى أبو هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً» (2) رواه البخاري.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (688) 3: 72 كتاب الصوم، باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1810) 2: 674 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» .
و «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك» (1)، وهذا يوم شك.
ولأن الأصل بقاء شعبان.
وأما كون الناس تبعاً للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا في روايةٍ فلقوله عليه السلام: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون» (2). قال الترمذي: هو حديث حسن غريب.
والأول هو الصحيح في المذهب. واختاره أكثر شيوخنا لما روى نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الشهر تسعة وعشرون يوماً فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه. فإن غم عليكم فاقدروا له» (3) متفق عليه.
قال نافع: «كان عبدالله بن عمر إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوماً يبعث من ينظر له الهلال فإن رؤي فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب أو قتر أصبح مفطراً. وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائماً» (4) رواه أبو داود.
ومعنى: اقدروا له ضيقوا له العدد. ومنه قوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه، {وقَدِّرْ في السَّرْد} [سبأ: 11] أي ضيق. والتضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً وقد فسره ابن عمر بفعله وهو أعلم بمعاني كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب الرجوع إليه كما رُجع إليه في تفسير خيار المتبايعين.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (2334) 2: 300 كتاب الصوم، باب كراهية صوم يوم الشك. بلفظ: عن صلة قال: «كنا عند عمار في اليوم الذي يُشك فيه فأتى بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» .
وأخرجه الترمذي في جامعه (686) 3: 70 كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك. نحوه.
وأخرجه النسائي في سننه (2188) 4: 153 كتاب الصيام، صيام يوم الشك. نحوه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1645) 1: 527 كتاب الصيام، باب ما جاء في صيام يوم الشك. نحوه.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2324) 2: 297 كتاب الصوم، باب إذا أخطأ القوم الهلال.
وأخرجه الترمذي في جامعه (697) 3: 80 كتاب الصوم، باب ما جاء الصوم يوم تصومون
…
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1808) 2: 674 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (1080) 2: 759 كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال
…
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (2320) 2: 297 كتاب الصوم، باب الشهر يكون تسعاً وعشرين.
وعن عائشة وأبي هريرة: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان» (1).
وحديث أبي هريرة الأول رواه عنه سعيد بن المسيب: «فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين» (2) وروايته أولى بالتقديم جمعاً بينه وبين حديث ابن عمر، وليس هذا بيوم شك وفاقاً لأن الشك ما استوى طرفاه وليس هذا اليوم كذلك لأنه عندنا راجح الرمضانية وعند الغير راجح الشعبانية.
فعلى هذا يجب عليهم صيامه بنيةٍ من رمضان لأنه منه لما تقدم. أشبه ما لو ثبت بالرؤية.
قال: (وإذا رؤي الهلال نهاراً قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة).
أما كون الهلال المرئي نهاراً لليلة المقبلة فلما روى أبو وائل شقيق بن سلمة قال: «جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين: إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا، حتى تمسوا، إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية» (3). رواه الدارقطني.
وأما كون الرؤية المذكورة قبل الزوال وبعده لليلة المقبلة فلشمول قول عمر ذلك.
وفي تصريح المصنف رحمه الله: بقبل الزوال وبعده إشارة إلى الرد على القاضي فإنه يقول: إن كان قبل الزوال في أول الشهر فهو لليلة الماضية لقربة منها ووجود الاحتياط للصوم وإن كان في آخره ففيه روايتان:
إحداهما: هو للماضية نظراً إلى القرب.
والثانية: هو للمستقبلة نظراً إلى الاحتياط في الصوم.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 211 كتاب الصيام، باب من رخص من الصحابة في صوم يوم الشك.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1081) 2: 762 كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال
…
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (10) 2: 169 كتاب زكاة الفطر، باب الشهادة على رؤية الهلال.
قال: (وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان).
أما كون الناس كلهم يلزمهم صوم رمضان برؤية أهل بلد من البلاد فلأنه بذلك ثبت كونه من رمضان فيجب صومه لما تقدم من النصوص الدالة على وجوب ذلك.
ولأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين وهذا اليوم بين الهلالين.
ولأنه من الشهر في سائر الأحكام من حلول الديون ووجوب النذور ووقوع الطلاق والعتق وغير ذلك من الأحكام وكذلك في الصوم.
وأما كون قول العدل الواحد في هلال شهر رمضان يقبل فلما روى ابن عمر قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام» (1) رواه بمعناه أبو داود.
وروى ابن عباس «أن أعرابياً من الحرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني رأيت الهلال. قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال! أذن في الناس فليصوموا غداً» (2) رواه بمعناه أبو داود والنسائي.
ولأنه خبر فيما طريقه المشاهدة يدخل به في الفريضة فقبل من واحد كوقت الصلاة.
وأما كونه لا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان فلأن ابن عمر وابن عباس قالا: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجيز على شهادة الإفطار إلا شهادة رجلين» (3).
ولأن ذلك ليس بمال ولا يقصد به المال ولا احتياط فيه فلم يقبل فيه إلا شهادة رجلين كالحدود والقصاص، وكان القياس يقتضي أنه لا يقبل في رمضان إلا ذلك لكن ترك للاحتياط كالغيم.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (2342) 2: 302 كتاب الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2340) 2: 302 كتاب الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.
وأخرجه النسائي في سننه (2113) 4: 132 كتاب الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان وذكر الاختلاف فيه.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (3) 2: 156 كتاب الصيام. قال الدراقطني: تفرد به حفص بن عمر الأبلي أبو إسماعيل، وهو ضعيف الحديث.
قال: (وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً فلم يروا الهلال أفطروا، وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين. وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا).
أما كون الناس إذا صاموا ثلاثين يوماً بشهادة عدلين ولم يروا الهلال يفطرون فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وإن شهد شاهدان [فصوموا وأفطروا» (1) رواه النسائي.
وأما الفطر إذا صاموا بشهادة واحد لا يجوز] (2) على وجهٍ فلأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» يدل على أنه لا يفطر بشهادة الواحد لأنه صوم يستند إلى شهادة واحد فلم يجز كما لو شهد برؤية هلال شوال.
وأما كونهم يفطرون على وجهٍ فلأن الصوم إذا ثبت وجب الفطر لاستكمال العدة لا بالشهادة، كالولادة تثبت بشهادة النساء ويترتب عليها النسب، وإن لم يثبت بشهادتهن.
وأما كونهم إذا صاموا لأجل الغيم لا يفطرون فلأن صومهم كان لأجل الاحتياط فلا يجوز الخروج منه بمثل ذلك.
قال: (ومن رأى هلال رمضان وحده ورُدّت شهادته لزمه الصوم، وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر).
أما كون من رأى هلال رمضان وحده ورُدّت شهادته يلزمه الصوم فلأنه تيقن أنه من رمضان فلزمه صومه كما لو حكم به الحاكم.
وأما كون من رأى هلال شوال وحده لا يفطر فلما روى أبو رجاء مولى أبي قلابة «أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال وقد أصبح الناس صياماً فأتيا عمر فذكرا ذلك له. فقال لأحدهما: أصائم أنت؟ قال: لا بل مفطر. قال: ما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال. وقال للآخر قال: أنا صائم. قال: ما حملك
(1) أخرجه النسائي في سننه (2116) 4: 132 كتاب الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان.
وأخرجه أحمد في مسنده (18416) ط إحياء التراث. وفيه: «وإن شهد شاهدان مسلمان
…
». كلاهما عن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
ساقط من ب.
على هذا؟ قال: لم أكن لأفطر والناس صيام فقال للذي أفطر: لولا مكان هذا لأوجعت رأسك. ثم نودي في الناس أن اخرجوا» (1).
وإنما أراد ضربه لإفطاره برؤيته، ورفع الضرب عنه لأجل كمال الشهادة به وبصاحبه ولو جاز الفطر لما أنكر عليه ولا توعده.
قال: (وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزئه).
أما كون الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر يتحرى. وهو: أن يجتهد في معرفة شهر رمضان فلأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد فلم يجز بدونه كاستقبال القبلة.
وأما كونه إذا اجتهد فوافق الشهر يجزئه فكما إذا اجتهد في القبلة وصلى فوافق القبلة.
وأما كونه إذا اجتهد فوافق بعده يجزئه فكما إذا اجتهد في دخول الصلاة فوافق بعده.
وأما كونه إذا اجتهد فوافق قبله لا يجزئه فلأنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم تجزئه كالصلاة.
قال: (ولا يجب الصوم إلا على المسلمِ العاقلِ البالغِ القادرِ على الصوم، ولا يجب على كافر ولا مجنون ولا صبي ولكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده).
أما كون الصوم لا يجب على غير المسلم البالغ العاقل القادر فلأن الإسلام والبلوغ والعقل والقدرة شروط لوجوب الصوم ولم يوجد.
أما كون الإسلام من شروطه فلأن الصوم عبادة محضة، يفتقر إلى النية فكان من شروطها الإسلام كالصلاة.
وأما كون البلوغ والعقل من شروطه فلقوله عليه السلام: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق
…
الحديث» (2).
(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (7338) 4: 165 كتاب الصيام، باب أصبح الناس صياماً وقد رُئي الهلال.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (4401) 4: 140 كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً، عن ابن عباس.
وأخرجه النسائي في سننه (3432) 6: 156 كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2041) 1: 658 كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، كلاهما من حديث عائشة.
وأما كون القدرة من شروطه فلأن العاجز عن الشيء لا يكلف به. قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286].
وأما كون الصبي يؤمر به إذا أطاقه فلأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان» (1).
فإن قيل: أمر الصبي أمر إيجاب أو لا؟
قيل: ظاهر المذهب أنه أمر استحباب لما تقدم من اشتراط البلوغ في وجوب
الصوم، والحديث من باب إطلاق الواجب على المندوب كقوله عليه السلام:«الوتر حق» (2) لأن فيه جمعاً بينه وبين قوله: «رفع القلم
…
الحديث» (3).
وقال بعض أصحابنا: هو واجب لظاهر الحديث، وقياساً على الصلاة.
والأول أصح لما فيه من الجمع بين الأدلة.
وأما كونه يضرب على الصوم ليعتاده فلما علل المصنف رحمه الله من الاعتياد. وقد تقدم ذكره في الصلاة.
وأما كون الصوم يجب على من اجتمع فيه الإسلام والبلوغ والعقل والقدرة فللأدلة الدالة على وجوبه السالمة عن معارضة ما ذكر في غير مَن هذا شأنه.
(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (7300) 4: 154 كتاب الصيام، باب متى يؤمر الصبي بالصيام. عن محمد بن عبدالرحمن بن لبيبة عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة، فقد وجب عليه صيام شهر رمضان» .
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1419) 2: 62 كتاب الوتر، باب فيمن لم يوتر.
وأخرجه النسائي في سننه (1711) 3: 238 كتاب قيام الليل وتطوع النهار.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1190) 1: 376 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع.
(3)
سبق تخريجه قريباً.
قال: (وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك والقضاء. وإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي فكذلك. وعنه لا يلزمهم شيء).
أما كون الإمساك يلزم الناس إذا قامت البينة في أثناء النهار فلأن الصوم الشرعي عبارة عن الإمساك عن المفطرات بنية من الليل فإذا لم يمكن أن يأتوا بجميع ذلك وجب أن يأتوا بما يقدرون عليه من إمساك بقية اليوم لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (1).
ولأنه من رمضان فلزمهم إمساك بقيته كما لو تعمدوا الأكل في يوم آخر منه.
وأما كون القضاء يلزمهم فلأنه ثبت كون هذا من رمضان ولم يأتوا فيه بصوم صحيح فلزمهم قضاؤه لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185].
وأما كون الإمساك والقضاء إذا أسلم كافر في أثناء النهار أو أفاق مجنون أو بلغ صبي كما إذا قامت البينة بالرؤية على المذهب؛ فلأنه وجد سبب إيجاب الصوم في أثناء اليوم أشبه المسلم قبلها.
وأما كونهم لا يلزمهم شيء على روايةٍ فلأنه نهار أبيح لهم فطر أوله ظاهراً وباطناً فلم يلزمهم إمساكه ولا قضاؤه كما لو استمر العذر.
وظاهر المذهب الأول: أما الإمساك فلحرمة رمضان، وأما القضاء فلأنهم أدركوا جزءاً من وقت العبادة فلزمهم قضاؤه كما لو أدركوا جزءاً من وقت الصلاة.
قال: (وإن بلغ الصبي صائماً أتم ولا قضاء عليه عند القاضي، وعند أبي الخطاب عليه القضاء).
أما كون الصبي المذكور يتم فلأنه نوى الصوم وقد صار من أهله.
ولأنه لو كان مفطراً لزمه إمساك بقية يومه فلأن يلزمه إتمامه وهو صائم بطريق الأولى.
وأما كونه لا قضاء عليه على الخلاف فمبني على إجزاء ذلك اليوم وفيه وجهان:
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6858) 6: 2658 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1337) 2: 975 كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر.
أحدهما: يجزئه. قاله القاضي لأنه حصلت له نية رمضان من الليل فيجزئه كالبالغ.
وثانيهما: لا يجزئه. قاله أبو الخطاب لأنه ببلوغه يلزمه صوم جميعه والماضي قبل بلوغه نفل فلا يجزئ عن الفرض كما لو بلغ في أثناء الصلاة.
قال: (وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر مفطراً فعليهم القضاء. وفي الإمسساك روايتان).
أما كون من ذكر عليهم القضاء فلأنه يجب على الحائض والنفساء والمسافر مع استمرار العذر لقوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185]، وقول عائشة:«كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» (1) فمع انقطاعه بطريق الأولى.
وأما كونهم عليهم الإمساك في روايةٍ فلأنه وجد ما يوجب الصوم في أثناء النهار أشبه ما لو ثبتت الرؤية في أثناء النهار.
وأما كونهم لا إمساك عليهم في روايةٍ فلأنه روي عن ابن مسعود: «من أكل أول النهار فليأكل آخره» (2).
ولأن من ذكر يباح له الأكل أول النهار ظاهراً وباطناً بخلاف ما إذا ثبتت الرؤية في أثناء النهار.
قال: (ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً).
أما كون من عجر عن الصوم لكبر يفطر فلما تقدم من أنه لا يجب عليه.
ولأن الفطر إذا جاز للمريض فلأن يجوز للعاجز بطريق الأولى.
(1) أخرجه مسلم في الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة 1: 265/ 335.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (9343) 2: 310 كتاب الصيام، في المسافر يقدم أول النهار من رمضان.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 216 كتاب الصيام، باب من أكل وهو يرى أن الفجر لم يطلع ثم بان أنه كان قد طلع.
وأما كون من عجز عنه لمرض لا يرجى برؤه يفطر فلأنه إذا جاز للمريض الذي يرجى برء مرضه فلأن يجوز للمريض الذي لا يرجى برء مرضه بطريق الأولى.
وأما كون الكبير يطعم عن كل يوم مسكيناً فلأن الله تعالى قال: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184].
قال ابن عباس: «نسخت إلا في حق الشيخ الكبير والعجوز» (1).
ولأنه صوم واجب في الأصل فجاز أن ينوب عنه المال كصوم الكفارة.
وأما كون المريض يطعم كذلك فلأنه في معنى العاجز لكبر.
قال: (والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر وإن صاما أجزأهما. ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره).
أما كون المريض والمسافر يستحب لهما الفطر فيقتضي أمرين:
أحدهما: جوازه. والآخر: رجحانه. أما الجواز فلأن الله تعالى قال: {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخَر} [البقرة: 185].
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن المسافر الصوم» (2) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.
وللجواز المذكور في المريض شرط وهو أن يخاف الضرر مثل أن يخاف زيادة مرضه أو تباطؤ برؤه. فإن لم يخف ذلك لم يبح له الفطر لأن المبيح له العذر وهو مفقود هنا.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4235) 4: 1638 كتاب التفسير، باب قوله: {أيام معدودات فمن كان منكم مريضاً
…
وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (7574) 4: 221 كتاب الصيام، باب الشيخ الكبير. عن مجاهد عن ابن عباس «أنه كان يقرؤها:{وعلى الذين يُطَوَّقُونَه} ويقول: هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام، فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً
…
».
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه (715) 3: 94 كتاب الصوم، باب ما جاء في الرخصة في الأفطار للحبلى والمرضع.
فإن قيل: الآية عامة.
قيل: تخصص بما ذكر.
وأما رجحان الفطر فلأنه أخف عليهما وفيه قبول رخصة الله تعالى ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما خيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما» (1).
وفي الحديث: «ليس من البر الصوم في السفر» (2) متفق عليه.
وقال عليه السلام: «خيركم الذي يفطر في السفر» (3).
وأما كون المريض والمسافر إذا صاما أجزأهما فلأن الصوم عزيمة فإذا تحملاها أجزأتهما كالذي تسقط عنه الجمعة لمرضه فتكلف وحضر، وكالذي يعجز عن القيام في الصلاة فيتكلف ويقوم.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمزة بن عمرو الأسلمي وقد سأله عن الصوم في السفر: «ومن أحب أن يصوم في السفر فلا جناح عليه» (4) رواه مسلم.
وعن أنس: «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يَعِب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» (5).
وعن عائشة قالت: «يا رسول الله! أفطرتَ وصمتُ قال: أحسنتِ» (6).
وأما كونهما لا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره فلأن الفطر أبيح تخفيفاً فإذا لم يريدا التخفيف لزمهما الإتيان بالأصل.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3367) 3: 1306 كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (2327) 4: 1813 كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام
…
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1844) 2: 687 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر:«ليس من البر الصوم في السفر» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (1115) 2: 786 كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان
…
(3)
ذكره المتقي الهندي في صلاة المسافر، القصر 8: 244/ 22755.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (1121) 2: 790 كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (1845) 2: 687 كتاب الصوم، باب: لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في الصوم والإفطار.
(6)
أخرجه النسائي في سننه (1456) 3: 122 كتاب تقصير الصلاة في السفر، باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة.
قال: (ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر. وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر. وعنه لا يجوز).
أما كون من نوى الصوم في سفره له الفطر فلما روى جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه. فقيل: إن الناس قد شق عليهم الصيام. فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب فأفطر بعض الناس وصام بعضهم فبلغه أن ناساً صاموا فقال: أولئك العصاة» (1) رواه مسلم.
وأما كون من نوى الصوم في الحضر ثم سافر في أثنائه له الفطر على المذهب فلما روي عن أبي بصرة الغفاري «أنه ركب في سفينة من الفُسْطاط في شهر رمضان فَرُفِع ثم قُرّب غداءه. ثم قال: اقترب. قيل: ألست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأكل» (2) رواه أبو داود.
ولأن السفر مبيح للفطر فأباحه في أثناء النهار كالمرض.
وأما كونه لا يجوز ذلك على روايةٍ فلأن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة.
قال: (والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا. وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا لكل يوم مسكيناً).
أما كون الحال والمرضع إذا خافتا على أنفسهما تفطران فلأن ذلك بمنزلة المرض ولذلك لا كفارة عليهما؛ لأن الفطر لمرض لا كفارة فيه.
وأما كونهما يقضيان فلعموم قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185]، وقياساً على المرض.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1114) 2: 785 كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان
…
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2412) 2: 318 كتاب الصوم، باب متى يفطر المسافر إذا خرج. ولفظه: عن عبيد قال جعفر بن جبر: «كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعفر في حديثه فأكل» .
وأخرجه أحمد في مسنده (23337) ط إحياء التراث. نحوه.
وأما كونهما إذا خافتا على ولديهما يفطران فلأن خوفهما خوف على آدمي أشبه خوفهما على أنفسهما.
وأما كونهما يقضيان فلما تقدم من الآية والقياس.
وأما كونهما يطعمان لكل يوم مسكينا فلأنهما يطيقان الصوم فيدخلان في عموم قوله تعالى: {وعلى الذين يُطِيقُونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184].
وقد رروي عن ابن عباس أنه قال: «نزلت رخصة للشيخ الكبير والحامل والمرضع» (1).
قال: (ومن نوى قبل الفجر ثم جُنّ أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه، وإن أفاق جزءاً منه صح صومه، وإن نام جميع النهار صح صومه، ويلزم المغمى عليه القضاء دون المجنون).
أما كون من نوى قبل الفجر ثم جُنّ أو أغمي عليه جميع النهار لا يصح صومه فلأنه لم يوجد منه الإمساك المضاف إليه، والواجب إمساك مضاف إليه لقوله صلى الله عليه وسلم:«يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي» (2) متفق عليه.
أضاف ترك الطعام والشراب إلى الصيام.
ولأن النية أحد الركنين فإذا انفردت عن الإمساك لم يجز كما لو انفرد الإمساك عن النية.
وأما كون من ذكر يصح صومه إذا أفاق جزءاً منه فلأنه وجد الإمساك المضاف إليه.
وأما كون من نام جميع النهار يصح صومه فلأن النوم جِبِلّة وعادة ولا يزيل العقل بالكلية وهو في حكم المنتبه لكونه ينتبه إذا نُبِّه، ويجد الألم في حال نومه. وبه يظهر الفرق بينه وبين من زال عقله بجنون أو إغماء.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (2318) 2: 296 كتاب الصوم، باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1805) 2: 673 كتاب الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شُتِم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1151) 2: 806 كتاب الصيام، باب فضل الصيام.
وأما كون المغمى عليه يلزمه القضاء فلأن الإغماء لا يزيل التكليف، ويجوز على الأنبياء عليهم السلام، ولا تثبت الولاية على صاحبه أشبه المريض.
وأما كون المجنون لا يلزمه القضاء فلقوله عليه السلام: «رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق
…
الحديث» (1).
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
فصل [النية في الصوم]
قال المصنف رحمه الله: (ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل معيناً. وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان).
أما كون الصوم الواجب لا يصح إلا أن ينويه فاعله فلقوله تعالى: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5]، ولقوله عليه السلام:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى» (1) وقوله عليه السلام: «لا عمل إلا بنية» (2).
وأما كونه لا يصح إلا بنية من الليل فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» (3) أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي.
وأما كونه في غير صوم رمضان كالقضاء عنه والكفارة والنذر لا يصح إلا معيناً رواية واحدة فلأنه لا يتميز عن غيره إلا بالتعيين.
وأما كونه في صوم رمضان لا يصح إلا معيناً على المذهب فلأنه صوم واجب أشبه القضاء والنذر.
ولأن صوم رمضان عبادة يجب فيها أصل النية فوجب تعيينها كالصلاة.
وأما كون صوم رمضان لا يجب تعيين النية له على روايةٍ فلأن الزمان يتعين بخلاف القضاء والنذر.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1) 1: 3 باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنية» .
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 41 كتاب الطهارة، باب الاستياك بالأصابع. عن أنس، ولفظه:«لا عمل لمن لا نية له» .
(3)
أخرجه النسائي في سننه (2334) 4: 197 كتاب الصيام، ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك. واللفظ له.
وأخرجه أبو داود في سننه (2454) 2: 329 كتاب الصوم، باب النية في الصيام.
وأخرجه الترمذي في جامعه (730) 3: 108 كتاب الصوم، باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل، ولفظهما:«من لم يُجْمِعِ الصيامَ قبل الفجر فلا صيام له» .
قال: (ولا يحتاج إلى نية الفرضية. وقال ابن حامد: يجب ذلك).
أما كون صوم الواجب لا يحتاج إلى نية الفرضية على قول غير ابن حامد فلأن الواجب لا يكون إلا فرضاً.
وأما كون ذلك يجب على قوله فقياس له على الصلاة.
قال: (ولو نوى إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل لم يجزئه. وعنه يجزئه. ومن نوى الإفطار أفطر).
أما كون من نوى ما تقدم ذكره لا يجزئه على روايةٍ ويجزئه على أخرى؛ فمبني على وجوب تعيين النية: فمن أوجبه لم تجزئ عنده هذه النية لأنه لم يجزم بها، والنية عزم جازم، ومن لم يوجبه جعلها مجزئة لأنه نوى الصوم ونيته كافية.
وأما كون من نوى الإفطار أفطر؛ فلأن النية شرط في جميع النهار فإذا قطعها في أثنائه خلا ذلك الجزء عن النية ففسد الكل لفوات الشرط.
قال: (ويصح صوم النفل بنيةٍ من النهار قبل الزوال وبعده. وقال القاضي: لا يجزئه بعد الزوال).
أما كون النفل يصح بنيةٍ من النهار قبل الزوال فلما روت عائشة قالت: «دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم من شيء؟ قلنا: لا. قال: إني إذاً صائم» (1) رواه مسلم. ولأن في ذلك تكثيراً للصيام لأنه قد تعرض له النية من النهار فجاز؛ كما سومح بترك القيام والاستقبال في النافلة.
وأما كونه يصح بنية منه بعد الزوال على المذهب فلأنه نوى في النهار أشبه قبل الزوال.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1154) 2: 809 كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلاً.
وأخرجه أبو داود في سننه (2455) 2: 329 كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك.
وأخرجه الترمذي في جامعه (734) 3: 111 كتاب الصوم، باب صيام المتطوع بغير تبييت.
وأخرجه النسائي في سننه (2330) 4: 195 كتاب الصيام، النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة.
وأخرجه أحمد في مسنده (25772) 6: 207.
ولما ذكر من المعنى المؤدي إلى كثرة العبادة
وأما كونه لا يصح على قول القاضي فلأن النية لم تصحب العبادة في معظمها أشبه ما لو نوى مع الغروب.