الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرهن
الرهن في اللغة: الثبوت. يقال: ماء راهن أي راكد، ونعمة راهنة أي ثابتة دائمة. قال الشاعر:
وفارقتك برهن لا فكاك له
…
يوم الوداع فأضحى الرهن قد غلقا
وفي الشرع: المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى منه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه.
وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة} [البقرة: 283].
وأما السنة فما روت عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه» (1) متفق عليه.
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظهرُ يُرْكَبُ بِنفقتهِ إذا كانَ مَرهوناً، وعلى الذي يَركبُ ويشربُ النفقة» (2) رواه البخاري.
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَغْلَقُ الرهن» (3) رواه ابن ماجة.
وأما الإجماع فأجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2378) 2: 888 كتاب الرهن، باب الرهن عند اليهود وغيرهم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1603) 3: 1226 كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (2377) 2: 888 كتاب الرهن، باب الرهن مركوب ومحلوب.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2441) 2: 816 كتاب الرهون، باب لا يغلق الرهن. قال في الزوائد: في إسناده محمد بن حميد الرازي، وإن وثقه ابن معين في الرواية فقد ضعفه في أخرى. وضعفه أحمد والنسائي والجوزجاني. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المقلوبات. وقال ابن معين: كذاب.
قال المصنف رحمه الله: (وهو وثيقة بالحق لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن يجوز عقده مع الحق وبعده ولا يجوز قبله إلا عند أبي الخطاب).
أما كون الرهن وثيقة بالحق؛ فلأن الحق يستوفى منه عند تعذر الوفاء من المدين.
وأما كونه لازماً في حق الراهن؛ فلأن الحظ في الرهن لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن.
ولأنه وثيقة أشبه الضمان.
وأما كونه جائزاً في حق المرتهن؛ فلأن الحظ فيه له وحده فكان له فسخه كالمضمون له.
وأما كونه جائزاً مع الحق مثل أن يقول: بعتك ثوبي هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك فلاناً فيقول: اشتريت منك ورهنتك عبدي؛ فلأن الحاجة داعية إلى جوازه لأنه لو لم يجز مع ثبوت الحق كان من عليه الحق بالخيار بين أن يرهن وبين أن لا يرهن.
وأما كونه جائزاً بعد الحق فبالإجماع.
ولأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به.
ولأن الله قال: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] جعله بدلاً عن الكتابة فيكون في محلها وكتابة الدين تكون صحيحة بعد وجوبه وفي الآية ما يدل على ذلك وهو قوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282] ذكره بفاء التعقيب.
وأما كونه لا يجوز قبله على المذهب؛ فلأن الرهن وثيقة بحق فلم يجز قبل ثبوته كالشهادة.
ولأن الرهن بيع فلم يجز أن يتقدم الحق كالثمن لا يتقدم المبيع (1).
وأما كونه يجوز عند أبي الخطاب؛ فلأنه وثيقة بحق فجاز قبل الحق كالضمان، أو فجاز على حق يحدث في المستقبل كضمان الدرك.
فإن قيل: ما صورة المسألة؟
(1) في و: البيع.
قيل: هي أن يدفع إلى رجل ثوباً ويقول: رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها غداً ثم يقرضه الدراهم المذكورة.
قال: (ويصح رهن كل عين يجوز بيعها إلا المكاتب إذا قلنا استدامة القبض شرط لم يجز رهنه).
أما كون رهن كل عين يجوز بيعها ما خلا المكاتب يصح؛ فلأن مقصود الرهن الاستيثاق ليتوصل إلى استيفاء الحق من ثمنه عند تعذر الوفاء من الراهن وهو حاصل في رهن كل عين يجوز بيعها.
وأما كون رهن المكاتب إذا قيل استدامة القبض شرط لا يصح؛ فلأن استدامة القبض تنافي عقد الكتابة لأن المكاتب يحتاج إلى التصرف والتنقل والتسبب في أداء كتابته.
وأما قول المصنف رحمه الله: إذا قلنا استدامة القبض شرط فمشعر بأن في الاستدامة خلافاً وسيأتي ذكر ذلك مفصلاً إن شاء الله تعالى.
قال: (ويجوز رهن ما يسرع إليه الفساد بدين مؤجل ويباع ويجعل ثمنه رهناً).
أما كون رهن ما يسرع إليه الفساد بدين كالعنب والرطب والبطيخ؛ فلأنه يجوز بيعه فيحصل مقصود الرهن.
وقول المصنف رحمه الله: بدين مؤجل ليس قيداً في المسألة بل ذكره تنبيها على أن التأجيل لا أثر له في منع صحة ذلك وذلك أنه ربما توهم أن عقد الرهن يقتضي بقاء المرهون إلى استحقاق الاستيفاء فإذا كان الدين مؤجلاً أدت الصحة إلى مخالفة الاقتضاء المذكور وليس كذلك لأن بيع ما ذكر وجعل ثمنه مكانه يقوم مقام العين لأن الثمن بدل العين وبدل الشيء يقوم مقامه.
وأما كونه يباع؛ فلأن تركه يؤدي إلى تلفه وضياعه وذلك منهي عنه.
ولم يفرق المصنف رحمه الله بين ما يمكن تجفيفه كالعنب والرطب وبين ما لا يمكن تجفيفه كالبطيخ والطبيخ. وصرح في المغني بأن ما يمكن تجفيفه يجب على الراهن أن يجففه لأن ذلك من مؤونة حفظه وتبقيته فكان على الراهن كنفقة الحيوان وأن ما لا
يمكن تجفيفه يباع لما في تركه من ضياع المال وهذا صحيح يجب حمل كلام المصنف عليه.
وأما كونه يجعل ثمن الرهن رهناً؛ فلأنه بدل عن رهن وحكم البدل حكم المبدل.
قال: (ويجوز رهن المشاع ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز وإن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين أمانة أو بأجرة).
أما كون رهن المشاع يجوز؛ فلأنه يجوز بيعه فجاز رهنه كالمفرز.
وأما كونه إذا رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما يجوز؛ فلأن الحق لهما لا يعدوهما.
وأما كون الحاكم يجعل ذلك في يد أمين أمانة أو بأجرة إذا اختلف الشريك والمرتهن؛ فلأن قبض المرتهن واجب ولا يمكن ذلك منفرداً لكونه مشاعاً فيتعين ما ذكر؛ لكونه وسيلة إلى القبض الواجب.
قال: (ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون قبل قبضه إلا على ثمنه في أحد الوجهين).
أما كون رهن المبيع غير المكيل والموزون قبل قبضه على غير ثمنه يجوز؛ فلأنه يجوز بيعه قبل قبضه، وما جاز بيعه جاز رهنه لما تقدم ذكره قبل (1).
وأما كون رهنه قبل قبضه على ثمنه يجوز في وجهٍ؛ فلأن الثمن صار ديناً في الذمة والمبيع صار ملكاً للمشتري فجاز رهنه بالثمن كغيره من الديون.
وأما كونه لا يجوز في وجهٍ؛ فلأن المبيع محبوس بالثمن فلا فائدة في صيرورته رهناً.
ولأن بين الرهن والبيع تنافيا لأن حكم الرهن أن يباع في الدين عند التعذر وحكم البيع إيفاء الثمن من غيره.
ولأن البيع يقتضي تسليم المبيع أولاً والرهن يقتضي تسليم الدين أولاً.
وأما كون رهن المكيل والموزون قبل قبضه لا يجوز فمبني على الرواية التي
(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
اختارها المصنف رحمه الله وهي أن المنع من بيع المبيع قبل قبضه مختص بالمكيل والموزون وقد تقدم في ذلك أربع روايات (1):
إحداها: أن المنع مختص بهما.
والثانية: أن ذلك مختص بالمبيع غير المعين كقفيز من صبرة.
فعلى هذه لا يجوز رهن المعين قبل قبضه ويجوز رهن ما عداه على غير ثمنه، وفي رهنه على ثمنه الخلاف.
والثالثة: أن المنع من البيع مختص بالمطعوم.
فعلى هذه لا يجوز رهن المطعوم قبل قبضه ويجوز رهن ما عداه على غير ثمنه، وفي رهنه على ثمنه الخلاف.
والرابعة: أن المنع يعم كل مبيع.
فعلى هذه لا يجوز رهن كل مبيع قبل قبضه على غير ثمنه وفي رهنه على ثمنه الخلاف.
قال: (وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه إلا الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع في أحد الوجهين).
أما كون رهن ما لا يجوز بيعه -غير الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع- كأم الولد والوقف والعين المرهونة لا يجوز؛ فلأن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه وما لا يجوز بيعه لا يمكن ذلك فيه.
وأما كون رهن الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع لا يجوز في وجهٍ؛ فلأنه لا يجوز بيعها.
وأما كونه يجوز في وجهٍ وهو الأصح؛ فلأن الرهن لا يصح قياسه على البيع لأن النهي عن البيع إنما كان لعدم الأمن من العاهة وقد تقدم ما يدل عليه وحكمته أن بتقدير وجودها يفوت مال المشتري مجاناً ولهذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح وهذا مفقود هنا لأن بتقدير وجود العاهة لا يفوت حق المرتهن من الدين لتعلقه بذمة المدين.
(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
ولأن رهن المرتد وما يسرع إليه الفساد يجوز؛ فلأن يجوز هذا بطريق الأولى.
قال: (ولا يجوز رهن العبد المسلم لكافر إلا عند أبي الخطاب إذا شرطا كونه في يد مسلم).
أما كون رهن العبد المسلم لكافر مع عدم شرط كونه في يد مسلم لا يجوز؛ فلأن مقتضى الرهن أن يكون المرهون في يد المرتهن والمرتهن هاهنا ليس أهلاً لذلك.
وأما كون رهنه مع شرط ذلك لا يجوز -قاله القاضي-؛ فلأن القبض واستدامته شرط والكافر لا يكون له يد على مسلم ولذلك أُمِر ببيع عبده إذا أسلم.
وأما كونه يجوز عند أبي الخطاب؛ فلأنه مال فجاز رهنه عند الكافر كسائر الأموال وما ذكر مندفع بالاشتراط المذكور.
قال: (ولا يلزم الرهن إلا بالقبض واستدامته شرط في اللزوم. فإن أخرجه المرتهن باختياره إلى الراهن زال لزومه. فإن رده إليه عاد اللزوم. ولو رهنه عصيراً فتخمر زال لزومه فإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق. وعنه: أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط، فمتى امتنع الراهن من تقبيضه أُجبر عليه).
أما كون رهن غير المتعين لا يلزم بغير القبض؛ فلأن الله قال: {فرهان مقبوضة} [البقرة: 283]. وصفه بكونه مقبوضاً.
ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول فافتقر إلى القبض كالقرض.
ولأنه رهن لم يقبض فلم يلزم إقباضه (1) كما لو مات الراهن.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وصرح به في المغني لعموم ما ذكر. وحكي في المغني أيضاً عن بعض الأصحاب (2) أنه قال: المكيل والموزون لا يلزم فيهما إلا بالقبض وفيما عداهما روايتان كالبيع. وهذا القياس ليس بصحيح لأنه يوهم أن البيع في غير المكيل والموزون لا يلزم في روايةٍ ولا خلاف في لزومه لأن أحد المتبايعين لو أراد فسخه لم يملكه بخلاف الرهن وإنما الخلاف في ضمانه هل هو
(1) في هـ: اقتباضه.
(2)
في و: أصحابنا.
على البائع أو على المشتري فإذاً حكم المقيس والمقيس عليه مختلف لأن الكلام في الرهن في اللزوم وفي البيع في الضمان.
وأما كون رهن المتعين لا يلزم إلا بالقبض على المذهب فكغيره.
وأما كونه يلزم بمجرد العقد على روايةٍ؛ فلأن تعيينه قائم مقام قبضه ولذلك قام مقام قبضه في البيع في رواية.
وأما كون استدامة القبض شرطاً في اللزوم على المذهب؛ فلما تقدم من قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} [البقرة: 283].
ولأنها إحدى حالتي الرهن. فكان القبض فيها شرطاً؛ كالابتداء.
ولأن الرهن يراد للوثيقة (1) ليتمكن من بيعه واستيفاء دينه من ثمنه فإذا لم يكن في يده لم يتمكن من بيعه ولم يحصل وثيقة.
فعلى هذه الرواية إن أخرجه المرتهن باختياره زال اللزوم؛ لأن استدامة القبض شرط في اللزوم وقد زالت. فوجب أن يزول اللزوم لزوال شرطه. وقيد إخراج المرتهن الرهن باختياره احترازاً من خروجه لا باختياره؛ كالغصب والسرقة ونحوهما؛ لأن ذلك لا يزيل اللزوم؛ لأن يد المرتهن ثابتة عليه حكماً فكان حكمه حكم من لم يزل يده. وإن رده عاد اللزوم بحكم العقد السابق. ولا يحتاج إلى تجديد عقد؛ لأن العقد قد وجد، ولم يوجد ما يبطل الصحة. أشبه ما لو تراخى القبض عن العقد.
ولو كان الرهن عصيراً فتخمر زال لزومه أيضاً؛ لأن تخمير العصير بمنزلة إخراجه من يده في زوال يده؛ لأنه لا يد لمسلم على خمر.
ولأن صيرورته خمراً يخرجه عن صحة العقد؛ فلأن يخرجه عن اللزوم بطريق الأولى. وإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق؛ لأن صيرورته خمراً شارك إخراج الرهن من يد المرتهن في زوال اللزوم فوجب أن يشارك عوده خلاً عود الرهن إلى يد المرتهن في عود اللزوم. ولقائل أن يفرق بين إعادة الراهن الرهن وبين تخلل الخمر؛ لأن العقد مقتض للصحة واستدامة القبض شرط في اللزوم، فإذا زالت الاستدامة بقيت الصحة، فإذا عادت
(1) في هـ: للتوثيقة.
الاستدامة عاد اللزوم مستنداً إلى العقد المقتضي للصحة بخلاف ما إذا تخلل الخمر فإنه لما صار خمراً خرج عن اللزوم وعن الصحة إذْ لا يصح رهن الخمر فارتفع موجب العقد، فإذا تخلل لم يجد اللزوم ما يستند إليه. وقد صرح المصنف رحمه الله ببطلان الرهن بصيرورته خمراً وبأن اللزوم يعود بتخلله، وأورد ما ذكر من الإشكال. وأجاب عنه: بأن العقد إذا وقع صحيحاً ثم حدث بالمعقود معنى أخرجه من حكم العقد، ثم زال ذلك لا يمتنع (1) عود حكم العقد؛ كزوجة الكافر إذا أسلمت فإنه يحرم وطؤها ويخرج عن حكم العقد فإذا أسلم الزوج في العدة عاد حكم العقد. وفي هذا الجواب نظر فإن الزوج إذا أسلم بعد زوجته يحكم ببقاء النكاح لا بعوده. بناء على أن الفرقة تتوقف على انقضاء العدة على الصحيح من المذهب. وعلى روايةِ وقوع الفرقة باختلاف الدين لا يحكم بعود النكاح؛ لأنه انفسخ فكيف يعود بعد (2) فسخه. ولقائل أن يقول في مسألة التحلل: إن الصحة تبقى مراعاة؛ كالكافرة إذا أسلمت. إلا أنه يناقض منصوص المصنف في المغني بالبطلان. ويجاب عنه: بأن مقتضى الدليل أن لا يثبت صحة شيء مع ما ينافيها خولف ذلك في إسلام أحد الزوجين؛ لأن جماعة من الصحابة أسلم الأزواج قبل النساء وبالعكس فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.
قال: (وتصرف الراهن في الرهن لا يصح إلا العتق فإنه ينفذ ويؤخذ منه قيمته رهناً مكانه. وعنه: لا ينفذ عتق المعسر.
وقال القاضي: له تزويج الأمة ويمنع الزوج وطئها ومهرها رهن معها. والأول أصح).
أما كون تصرف الراهن في الرهن بغير العتق والتزويج كالبيع والهبة والإجارة والوقف والرهن لا يصح؛ فلأنه تصرف يبطل حق الوثيقة، وليس بمبني على السراية والتغليب فلم يصح كما لو فسخ عقد الرهن.
(1) في هـ: يمنع.
(2)
ساقط من هـ.
وأما كون تصرف الموسر بالعتق ينفذ؛ فلأنه إعتاق من مالك جائز التصرف تام الملك فنفذ كعتق المستأجر.
ولأن الرهن عين محبوسة لاستيفاء الحق فنفذ فيها عتق المالك كالمبيع في يد البائع.
ولأن العتق مبني على السراية والتغليب وينفذ في ملك الغير؛ فلأن ينفذ في ملكه بطريق الأولى.
فعلى هذا يجب عليه قيمته لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة فوجبت عليه قيمته كما لو أتلفه ويؤخذ منه فيجعل رهناً لأنها نائبة عن العين أو بدل عنها.
وأما كون تصرف المعسر بالعتق ينفذ على المذهب فلما ذكر في الموسر.
فعلى هذا تبقى القيمة (1) في ذمته كما إذا أتلف شيئاً من مال غيره.
فإن قيل: فأيّ فائدة في بقاء القيمة في ذمته والدين ثابت فيها؟
قيل: فائدته أنه إذا أيسر قبل حلول الدين ملك المرتهن مطالبته بالقيمة ليكون رهناً.
وتعتبر القيمة حال الإعتاق لأنها حال الإتلاف.
وأما كونه لا ينفذ عتق المعسر على روايةٍ؛ فلأن نفوذ عتقه يسقط الوثيقةَ وبدلَها فلم ينفذ لما فيه من الإضرار بالمرتهن، وكما لو أعتق شِرْكاً له في عبد وهو معسر. وذكر أبو الخطاب هذه الرواية في الهداية احتمالاً. وذكرها المصنف رحمه الله في المغني عن أبي الخطاب تخريجاً.
وأما تصرفه في التزويج فقال القاضي وجماعة من أصحابنا: إذا زوج الأمة المرهونة صح؛ لأن محل عقد النكاح غير محل عقد الرهن بدليل صحة رهن الأمة المزوجة.
ولأن الرهن لا يزيل الملك فلم يمنع التزويج كالإجارة.
فعلى هذا يكون المهر رهناً معها لأنه من نماء الرهن فكان رهناً لما يأتي إن شاء الله تعالى. ويمنع الزوج وطئها لئلا تحبل فتنقص قيمتها وربما تلفت بسبب الحمل. واختار أبو الخطاب أن التزويج لا يصح لأنه تصرف ينقص قيمتها ويشغل بعض منافعها فلم
(1) في و: قيمته.
يملكه الراهن بغير رضى المرتهن كالإجارة. وصحح المصنف اختيار أبي الخطاب لما ذكر.
ولأن التزويج يذهب رغبات المشترين فيها فينقص من أجل ذلك ثمنها وليس للراهن ذلك كما لو فسخ عقد الرهن.
قال: (وإن وطئ الجارية فأولدها خرجت من الرهن وأُخِذت منه قيمتها فجعلت رهناً).
أما كون الجارية المرهونة تخرج من الرهن بالإيلاد؛ فلأنها تصير به أم ولد.
وأما كون قيمتها تؤخذ من الواطئ؛ فلأنه فوت على المرتهن الرهن فوجب أن يؤخذ منه بدله كما لو أتلفه.
وأما كون القيمة تجعل رهناً؛ فلأنها بدله والبدل يعطى حكم مبدله.
قال: (وإن أذن المرتهن له في بيع الرهن أو هبته ونحو ذلك ففعل صح وبطل الرهن. إلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهناً أو يعجل له (1) دينه من ثمنه).
أما كون فعل ما ذكر بإذن المرتهن يصح؛ فلأن المنع منه كان لحقه فإذا أَذِن زال المنع.
وأما كون الرهن يبطل في غير المستثنى؛ فلأنه لا يجتمع مع ما ينافيه.
وأما كونه لا يبطل إذا أذن المرتهن في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهناً أو يعجل له دينه من ثمنه؛ فلأنه لو شرط ذلك بعد حلول الحق جاز. فكذلك قبله.
قال: (ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن ومؤونته على الراهن وكفنه إن مات وأجرة مخزنه إن كان مخزوناً).
أما كون نماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن؛ فلأن الرهن عقد وارد على العين فيدخل فيه ما ذكر كالبيع والهبة.
ولأن ما ذكر تبع للأصل فكان رهناً كأساسات الحيطان.
(1) ساقط من هـ.
وأما كون مؤونته وكفنه وأجرة مخزنه على الراهن؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه» وجميع ما ذكر من غرمه.
ولأن الرهن ملك الراهن فكان عليه جميع ما ذكر كغير المرتهن.
قال: (وهو أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه. وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين).
أما كون الرهن أمانة في يد المرتهن؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرهن: «لصاحبه غنمه وعليه غرمه» (1).
ولأن الرهن لو ضمن لامتنع الناس من فعله خوفاً من الضمان وذلك وسيلة إلى تعطيل القروض والمداينات غالباً وفي ذلك ضرر عظيم والضرر منفي (2) شرعاً.
ولأن الرهن مقبوض بعقد واحد بعضه أمانة فكان كله أمانة كالوديعة.
وأما كونه لا شيء على المرتهن إذا تلف بغير تعد منه؛ فلأنه أمانة في يده فلم يكن في تلفه شيء كالوديعة.
وأما قول المصنف رحمه الله: إذا تلف بغير تعد منه ففيه إشعار بأنه يضمنه مع التعدي؛ لأن الوديعة إذا تعدى فيها ضمن فكذا هاهنا.
وأما كون شيء من الدين لا يسقط بهلاكه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَغْلَقُ الرهن لصاحبه غُنمه وعليه غُرمه» (3) رواه الأثرم.
ولأنه مقبوض على وجهِ الأمانة فلم يسقط الحق كالوديعة إذا تلفت في يد من له عند صاحبها دين.
وأما كون باقي الرهن رهناً بجميع الدين؛ فلأن الدين كله يتعلق بجميع أجزاء الرهن. لما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (127) 3: 32 كتاب البيوع.
(2)
في هـ: منتفى.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
قال: (ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين. وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه. وإن رهنه رجلان شيئاً فوفاه أحدهما انفك في نصيبه).
أما كون الرهن لا ينفك شيء منه حتى يقضي جميع الدين؛ فلأنه عين تعلق به حق فلا ينفك من الرهن بحساب ما قضى كالمكاتب لا يعتق بعضه إذا أدى بعض المكاتبة.
ولأن الأعيان تزيد قيمتها وتنقص باختلاف الأسعار ورغبة الطلاب فلو خرج من الرهن شيء بقدر ما قضي لم يؤمن أن الباقي لا يفي ببقية الحق لنقصان سعره.
وأما كونه ينفك في نصيب من وفى إذا كان الرهن عند رجلين فوفى أحدهما؛ فلأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفرداً.
وقال أبو الخطاب في الهداية: يكون ذلك رهناً عند الآخر حتى يوفيه نظراً إلى أن العقد واحد.
وقال المصنف في المغني: كلام أحمد وأبي الخطاب -يعني في ذلك- محمول على أنه ليس للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه فيه من الضرر لا بمعنى أن العين كلها تكون رهناً إذ لا يجوز أن يقال: رهنه نصف العبد فصار جميعه رهناً.
وأما كون ينفك في نصيب من وفى إذا كان الراهن رجلين فوفى أحدهما؛ فلأن الراهن متعدد فتعلق ما على هذا بنصيبه وما على هذا بنصيبه لأن الرهن لا يتعلق بملك الغير إلا إذا كان مأذوناً في رهنه ولم يوجد ذلك.
قال: (وإذا حل الدين وامتنع الراهن من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو للعدل في بيعه باعه ووفى الدين وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه).
أما كون المرتهن أو العدل يبيع الرهن إذا حل الدين وامتنع الراهن من وفائه وكان الراهن قد أذن في بيعه؛ فلأنه مأذون له في ذلك.
وأما كونه يوفي الدين؛ فلأن ذلك هو المقصود من البيع.
وأما كونه يرفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على الوفاء أو بيع الرهن إذا لم يكن الراهن أذن في بيعه؛ فلأن شأن الحاكم ذلك.
وظاهركلام المصنف أن الحاكم لا يبيع الرهن بنفسه هنا لأنه قال: يجبره على الوفاء أو بيع الرهن.
وقال في المغني: إن رأى حبسه وتعزيره فعل وإن رأى بيعه بنفسه أو بأمينه فعل.
وأما كون الحاكم يبيع ذلك إذا امتنع الراهن من كل واحد من الأمرين؛ فلأن ذلك تعين طريقاً إلى أداء الحق الواجب أداؤه.
وأما كونه يقضي دينه؛ فلما تقدم.
فصل
قال المصنف رحمه الله: (وإذا شرط في الرهن جعله على يد عدل صح، وقام قبضه مقام قبض المرتهن. وإن شرط جعله في يد اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه).
أما كون شرط جعل الرهن على يد عدل يصح؛ فلأنه قبض في عقد فجاز التوكيل فيه كقبض الموهوب.
وأما كون قبض العدل يقوم مقام قبض المرتهن؛ فلأنه وكيله، وقبض الوكيل يقوم مقام قبض الموكل.
وأما كون أحد الاثنين لا يكون له الانفراد بحفظ الرهن إذا شرط جعله في يد اثنين؛ فلأن الراهن لم يرض إلا بحفظهما فلم يجز لأحدهما الانفراد بحفظه كالوصيين.
قال: (وليس للراهن ولا المرتهن إذا لم يتفقا ولا للحاكم نقله عن يد العدل إلا أن تتغير حاله وله رده عليهما ولا يملك رده إلى أحدهما فإن فعل فعليه رده إلى يده فإن لم يفعل ضمن حق الآخر).
أما كون كل واحد من الراهن والمرتهن ليس له نقل الرهن عن يد العدل إذا لم تتغير حاله؛ فلأنهما رضيا به ابتداء.
وقول المصنف رحمه الله: إذا لم يتفقا مشعر بأنه مع الاتفاق منهما يجوز نقله. وصرح به في المغني؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما.
وأما كون الحاكم ليس له ذلك؛ فلأن الراهن إذا لم يملك ذلك وهو صاحب الحق؛ فلأن لا يملكه الحاكم بطريق الأولى.
وأما كون كل واحد من الراهن والمرتهن له نقل الرهن عن يد العدل إذا تغيرت حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو عداوة ونحو ذلك؛ فلأن في مقامه في يده ضرراً على الطالب.
فعلى هذا إن اتفقا على شخص يضعانه عنده جاز لأن الحق لهما وإن اختلفا وضعه الحاكم عند عدل لأن الحاكم شأنه قطع التنازع وذلك طريق إليه.
وأما كون العدل له رده على الراهن والمرتهن؛ فلأنه أمين متطوع بالحفظ فكان له رده كسائر الأمانات.
وأما كونه لا يملك رده إلى أحدهما؛ فلأن للآخر حظا في إمساكه في يده. وفي رده إلى أحدهما تضييع له.
وأما كون العدل عليه أن يرده إلى يده؛ فلأن في ذلك عوداً للحق إلى مستحقه.
وأما كونه يضمن حق الآخر إذا لم يفعل الرد؛ فلأنه فوّت عليه ما استحقه بعقد الرهن أشبه ما لو أتلفه.
قال: (وإن أذنا له في البيع لم يبع إلا بنقد البلد. فإن كان فيه نقود باع بجنس الدين فإن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح).
أما كون العدل ليس له أن يبيع إلا بنقد البلد إذا أذن له في البيع من غير تعيين؛ فلأن الحظ في ذلك للرواج فيه.
وأما كونه يبيعه بجنس الدين إذا كان في البلد نقود؛ فلأنه أقرب إلى وفاء الحق.
وأما كونه يبيعه بما يرى أنه أصلح إذا لم يكن في النقود جنس الدين؛ فلأن عليه الاحتياط فيما هو متوليه أشبه الحاكم. واعلم أن المصنف قال في المغني: إذا تعددت (1) النقود باع بأغلبها لأنه راجح على غيره. فيجب حمل كلامه هنا على ما إذا كانت النقود متساوية جمعاً بين نقليه (2) في كتابيه.
وقال في المغني أيضاً بدل قوله: باع بما يرى أنه أصلح عين له الحاكم ما يبيعه به. وهو أولى لأنه أعرف بالأحظ وأبعد من التهمة. قال: (وإن قبض الثمن فتلف في يده فهو من ضمان الراهن. وإن استحق المبيع رجع المشتري على الراهن. وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة
(1) في هـ: تعدد.
(2)
في و: نقله.
ضمن. وعنه: لا يضمن إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل. وهكذا الحكم في الوكيل).
أما كون الثمن التالف في يد العدل من ضمان الراهن؛ فلأنه وكيله في البيع والثمن ملكه وهو أمين له في قبضه أشبه سائر الأمانات.
وأما كون المشتري يرجع على الراهن إذا استحق المبيع؛ فلأن المبيع له فالرجوع بالعهدة عليه كما لو باع بنفسه. واشترط المصنف رحمه الله في المغني في الرجوع على الراهن دون العدل أن (1) يكون العدل قد أعلم المشتري أنه وكيل؛ لأنه إذا لم يعلم كان هو البائع ظاهراً فإذا ادعى بعد ذلك أنه وكيل لم يقبل لمخالفته الظاهر وللتهمة.
وأما إذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولا بينة للعدل عليه فعلى ضربين:
أحدهما: أن يكون أمره بالإشهاد فيضمن لتفريطه ومخالفة أمر موكله.
وثانيهما: أن يطلق ولم يأمره بإشهاد ولا غيره وفيه روايتان:
إحداهما: يضمن؛ لأنه فرط حيث لم يُشْهِد.
ولأنه إنما أذن له في قضاء مبر ولم يحصل.
والثانية: لا يضمن؛ لأنه أمينه.
وقيّد المصنف رحمه الله رواية الضمان بعدم البينة بينهما.
على أن القضاء إذا كان ببينة لا يضمن لعدم التفريط. ولا فرق في عدم الضمان بين أن تكون البينة قائمة أو ميتة أو غائبة لما ذكر. ولا بد أيضاً من قيد ثان وهو: أن لا يكون قضاؤه بحضرة الموكل صرح بذلك جماعة من أصحابنا؛ لأنه لا يعد مفرطاً. واشترط في روايةِ عدم الضمان: أن لا يكون الموكل أمره بالإشهاد. فلم يفعل يضمن قولاً واحداً؛ لما تقدم من أنه يعد مخالفاً مفرطاً.
وأما كون حكم الوكيل حكم العدل فيما ذكر؛ فلأنه في معناه.
(1) في هـ: قد.
قال: (وإن شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح. فإن عزلهما صح عزله. وإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إن جاءه بحقه وإلا فالرهن له لم يصح الشرط. وفي صحة الرهن روايتان).
أما كونه إذا شرط أن يبيع المرتهن أو العدل الرهن يصح؛ فلأن كل واحد منهما أهل للوكالة أشبه الأجنبي.
ولأن ما صح توكيل غيرهما فيه صح توكيلهما فيه كبيع عين أخرى.
وأما كونه يصح عزلهما؛ فلأن الوكالة عقد جائز فلم يلزم المقام عليها كسائر الوكالات.
وقال المصنف في المغني: قال ابن أبي موسى: يتوجه أن لا يصح؛ لأن الوكالة هنا صارت من حقوق الرهن.
والأول المنصوص؛ لما ذكر. وكونها من حقوق الرهن لا يمنع جوازه كما لو شرطا الرهن في البيع فإنه لا يصير لازماً؛ كما لو مات الراهن بعد الإذن فإنه تنفسخ الوكالة.
وأما كونه إذا شرط أن لا يبيعه عند الحلول لا يصح؛ فلأنه شرط ينافي مقتضى عقد الرهن.
وأما كونه إذا شرط إن جاءه بحقه وإلا فالرهن له لا يصح فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْلَقُ الرهن» (1).
قال الأثرم: قلت لأحمد: ما معنى قوله: لا يَغْلَق الرهن؟ قال: لا يدفع رهناً إلى رجل ويقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وإلا فالرهن لك.
وروي «أن رجلاً رهن داراً بالمدينة إلى شيء مسمى. فمضى الأجل. فقال الذي ارتهن: منزلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يَغْلَقُ الرهن» رواه الأثرم.
ولأنه علق البيع على شرط لأنه جعله مبيعاً بشرط أن لا يوفيه الحق في محله والبيع المعلق بشرط لا يصح.
وأما كون الرهن صحيحاً ففيه روايتان مبنيتان على الروايتين في البيع.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وقال المصنف رحمه الله في المغني: قال القاضي: يحتمل فساد الرهن بالشرط الفاسد بكل حال لأن العاقد إنما بذل ملكه بهذا الشرط فإذا لم يسلم له أفضى إلى أخذ ماله بغير رضاه. والقياس يقتضي ذلك في البيع لكن ترك فيه للأثر (1) فيبقى فيما عداه على مقتضى القياس.
ولأنه شرط فاسد فأفسد عقد الرهن كما لو وقته. ونصر أبو الخطاب في رؤوس المسائل صحته استدلالاً بقوله عليه السلام: «لا يَغْلَقُ الرهن» (2). وهو مشروط فيه شرط فاسد ولم يحكم بفساده. [وقيل: ما يَنْقص بفساده](3) حق المرتهن (4) يُبْطله وجهاً واحداً، وما لا يَنْقص به فعلى وجهين.
(1) في و: الأثر.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
ساقط من هـ.
(4)
في هـ: الرهن.
فصل
قال المصنف رحمه الله: (إذا اختلفا في قدر الدين أو الرهن أو رده، أو قال: أقبضتك عصيراً قال: بل (1) خمراً فالقول قول الراهن).
أما كون القول قول الراهن إذا اختلف هو والمرتهن في قدر الدين فقال المرتهن: لي عليك ألف رهنتني عليها عبدك فلاناً فقال الراهن: بل مائة، أو في قدر الرهن فقال المرتهن: رهنتني هذا العبد وهذه الجارية فقال الراهن: بل أحدهما؛ فلأن الراهن منكر والقول قول المنكر.
ولأن القول قوله في أصل العقد. فكذلك في صفته.
وأما كون القول قوله إذا اختلفا في رد الرهن فقال المرتهن: رددته إليك، وقال الراهن: لم أقبضه فلما ذكر.
ولأن الأصل معه والمرتهن قبض العين لمنفعته فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر.
وأما كون القول قوله إذا قال: أقبضتك عصيراً فقال المرتهن: بل خمراً؛ فلأن المرتهن معترف بعقد وقبض ويدعي فساده. والأصل فيه السلامة.
قال: (وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه عتق وأخذت منه قيمته رهناً. وإن أقر أنه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قُبِل على نفسه، ولم يقبل على المرتهن إلا أن يصدقه).
أما كون العبد المقر بعتقه يعتق؛ فلأن السيد غير متهم في الإقرار بعتقه لأنه لو أنشأ العتق بعد لزوم الرهن عتق لما تقدم.
(1) في هـ: قال لا بل.
وأما كون القيمة تؤخذ من المقر رهناً؛ فلأنه فوت عليه الوثيقة بالعتق فلزمته القيمة تجعل رهناً جبراً لما فاته من الوثيقة.
وأما كونه إذا أقر أنه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه يقبل قوله على نفسه؛ فلأنه مقر على نفسه فقبل كما لو أقر له بدين.
وأما كونه لا يقبل قوله على المرتهن مع تكذيبه إياه؛ فلأنه متهم في حقه.
ولأن قول الغير على الغير غير مقبول.
فعلى هذا يلزم المقر أرش الجناية إن كان موسراً؛ لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني بفعله أشبه ما لو قتله، ويتعلق حق المجني عليه برقبته إذا انفك الرهن إن كان معسراً ويستحق المشتري والمغصوب منه الرهن إذا انفك منه؛ لأن اعترافه مقتض لذلك في الحال وفي المآل. خولف في الحال لأجل حق المرتهن. فمتى زال: عَمِلَ المقتضي عملَه، وإن صدقه المرتهن ثبت ذلك في الحال؛ لأن المقتضي قائم والمانع زائل.
فصل
قال المصنف رحمه الله: (وإذا كان الرهن مركوباً أو محلوباً فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحرياً للعدل في ذلك، وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع، وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين).
أما كون المرتهن له أن يركب ويحلب فيما ذكر بقدر نفقته فلما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظهرُ يُرْكَبُ بِنفقتهِ إذا كانَ مَرهوناً، ولبنُ الدرِّ يُشرَبُ بِنفقتهِ إذا كانَ مَرهوناً، وعلى الذي يَركبُ ويشربُ النفقة» (1) رواه البخاري.
ولأن الحيوان نفقته واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه من منافعه مع بقاء عينه فجاز كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند عدم الإنفاق عليها.
فإن قيل: المراد به أن الراهن ينفق وينتفع.
قيل: هذا لا يصح لوجهين:
أحدهما: أنه روي في بعض الألفاظ إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها.
والثاني: أن قوله: بنفقته فيه إشارة إلى أن الانتفاع عوض النفقة والراهن النفقة عليه لا بطريق المعاوضة وهذا الإنفاق لا فرق فيه بين تعذر النفقة من الراهن بعينه أو امتناع أو مع القدرة على أخذ النفقة منه أو استئذانه لعموم الحديث.
ويجب أن يكون الانتفاع بما ذكر بقدر النفقة لأن فيه معنى المعاوضة.
وعن أحمد لا ينتفع بما ذكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه» .
ولأنه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به ولا الإنفاق عليه فلم تكن له ذلك كغير المرتهن.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
والأول أصح؛ لما ذكر من الحديث.
وقوله: «غنمه» نقول به؛ لأن النماء عندنا للراهن لكن للمرتهن الانتفاع بما ذكر بشرط النفقة لما تقدم.
وفي قول المصنف رحمه الله: وإذا كان الرهن مركوباً أو محلوباً إشعار بأن المرتهن ليس له أن ينتفع بغيرهما. وقد صرح بذلك المصنف رحمه الله في بقية كتبه وغيره من الأصحاب فيما عدا الخدمة وحكوا في الخدمة روايتين، والأصح أنه لا ينتفع من الرهن إلا بالركوب والحلب؛ لأن القياس يقتضي أن لا ينتفع بشيء من ذلك. ترك ذلك في الركوب والحلب؛ للأثر. فيبقى فيما عداه على مقتضى القياس.
وأما كون المرتهن متبرعاً إذا أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه؛ فلأنه مفرط حيث لم يستأذن المالك.
ولأن الرجوع فيه معنى المعاوضة فافتقر إلى الإذن والرضى كسائر المعاوضات.
وأما كونه إذا عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم يرجع على روايةٍ؛ فلأنه فعل ما يجب عليه وهو محتاج إليه لحراسة حقه أشبه الشريك إذا أنفق على الدابة المشتركة مع غيبة شريكه.
وأما كونه لا يرجع على روايةٍ؛ فلأن النفقة معاوضة فافتقرت إلى رضا المالك وإذنه كسائر المعوضات.
قال: (وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمّال وتركها في يد المكتري. وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة).
أما كون حكم الإنفاق على الوديعة والجمال التي هرب جمّالها عنها حكم الإنفاق على الرهن على ما ذكر من التفصيل؛ فلتساوي الكل معنى الموجب للتساوي حكماً.
وأما كون المرتهن لا يرجع بما غرمه في الدار المرهونة بغير إذن الراهن رواية واحدة؛ فلأن العمارة لا تجب على الراهن بخلاف نفقة الحيوان. وذكر صاحب النهاية فيها بعد قوله في هذه المسألة لا يرجع قولاً واحداً أن ابن عقيل قال: يحتمل أن يرجع؛ لأن غرضه حفظ وثيقته. أشبه الحيوان.
فصل
قال المصنف رحمه الله: (وإذا جنى الرهن جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو بيعه في الجناية أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه. وعنه: إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش، فإن فداه فهو رهن بحاله، وإن سلمه بطل الرهن).
أما كون أرش الجناية تتعلق برقبة الرهن الجاني؛ فلأن الجناية مقدمة على حق المالك، والملك أقوى من الرهن فأولى أن تقدم على الرهن.
فإن قيل: المرتهن أيضاً مقدم على حق المالك.
قيل: حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده بخلاف حق الجناية فإنه ثبت بغير اختياره مقدماً على حقه فيقدم على ما ثبت بعقده.
ولأن حق الجناية مختص بالعين بفواتها وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ولا يختص بها فكان تعلقه بها أخف وأدنى.
وأما كون السيد له الخيرة بين فدائه وبين بيعه وبين تسليمه؛ فلأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه.
وأما كونه يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته على المذهب؛ فلأنه إن كان الأرش أقل فالمجني عليه لا يستحق أكثر من أرش الجناية عليه، وإن كانت القيمة أقل فلا يلزم السيد أكثر منها؛ لأن ما يدفعه عوض عن العبد فلا يلزمه أكثر من قيمته كما لو أتلفه.
وأما كونه يلزمه جميع الأرش إن اختار فداءه على روايةٍ؛ فلأنه ربما رغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته.
وأما كونه إذا فداه رهناً بحاله؛ فلأن الرهن لم يبطل، وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن.
وأما كونه إذا سلمه يبطل الرهن؛ فلأن الجناية تعلقت بالعبد وبالتسليم استقر كونه عوضاً عنها فبطل كونه مَحَلاًّ للرهن. أشبه ما لو مات أو ظهر مستحقاً لغيره.
قال: (فإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه رهن. وقيل: يباع جميعه، ويكون باقي ثمنه رهناً).
أما كون الجاني الذي لا يستغرق أرش جنايته قيمته يباع منه بقدر أرش الجناية فقط على المذهب؛ فلأن المقصود يحصل بذلك.
وأما كون باقيه رهناً؛ فلزوال المعارض.
وأما كونه يباع جميعه على قولٍ؛ فلأن تعلق الجناية كتعلق دين الرهن، ودين الرهن ينبسط على جميع أجزائه. فكذلك دين الجناية.
فعلى هذا إذا بيع دفع منه أرش الجناية والباقي رهن؛ لأنه بدل عن الرهن وعوض عنه فتعلق به ما كان متعلقاً بمبدله.
قال: (وإن اختار المرتهن فداءه ففداه بإذن الراهن رجع به، وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به؟ على روايتين).
أما كون المرتهن يرجع بالفداء إذا فداه بإذن الراهن؛ فلأنه غرمه بإذن مالكه فوجب أن يستحق الرجوع به عليه كما لو أذن المضمون عنه لضامنه في الوفاء.
وأما كونه إذا فداه بغير إذنه هل يرجع به على روايتين؛ فلأنه في معنى ما إذا قضى دين الغير بغير إذنه. وسيذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى.
ويشترط في الخلاف المذكور: أن يكون المرتهن يعتقد الرجوع لأنه إذا فداه وهو لا يعتقد ذلك يكون متبرعاً. ولم يذكر المصنف رحمه الله اعتقاد الرجوع؛ لأنه قد تقرر أن المتبرع ليس له أن يرجع. واعتمد هنا على لحظ ذلك.
فإن قيل: فلو بذل المرتهن الفداء لتكون العين رهناً عليه وعلى الدين الأول هل كان له ذلك؟
قيل: نعم؛ لأنه في مقابلة جناية ملك الراهن وذلك لازم له، ولهذا تعلق برقبة ملكه. ذكره ابن عقيل.
وقال صاحب النهاية فيها بعد ذكر قول ابن عقيل: يحتمل أن لا يصير رهناً بالفداء بل يكون ديناً بغير رهن؛ لأن الزيادة في دين الرهن لا يجوز.
قال: (وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فلسيده القصاص، فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه، وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته)(1).
أما كون السيد له القصاص؛ فلأن حاجته داعية إلى ذلك صيانة لماله وزجراً لتعدي الغير عليه.
وقال أبو الخطاب في الهداية: ليس له القصاص بغير رضا المرتهن لما فيه من إسقاط حقه من الوثيقة ويندفع ذلك بإيجاب القيمة تجعل رهناً؛ لأن فيه تعويضاً عن العين فلم يسقط حقه.
وأما كون القيمة عليه إذا اقتص؛ فلأنه أتلف مالاً استحق بسبب إتلاف الرهن. فغرم قيمته؛ كما لو كانت الجناية موجبة للمال.
وأما كون القيمة أقل القيمتين ومعناه أن الرهن لو كان يساوي عشرة والجاني خمسة أو بالعكس لم يكن عليه إلا الخمسة؛ فلأن في الأولى لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر، وفي الثانية لم يكن حق المرتهن متعلقاً إلا بذلك القدر.
وقال المصنف في المغني: إن اقتص أخذت منه قيمته فجعلت مكانه رهناً. وظاهره أنه يجب على الراهن جميع قيمة الجاني وهو متجه؛ لأنه بدل عن الرهن فكان كله رهناً.
وأما كون القيمة تجعل مكانه؛ فلأن ذلك بدل الرهن وعوض عنه.
وأما كون الحكم إذا جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته كالحكم إذا جنى عليه أجنبي فاقتص الراهن منه؛ فلأنهما مستويان معنى فوجب أن يستويا حكماً.
(1) في هـ: هو وورثته.
قال: (فإن عفى السيد على مال أو كانت الجناية موجبة للمال فما قبض منه جعل مكانه فإن عفى السيد عن المال صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن، فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني. وقال أبو الخطاب: يصح وعليه قيمته).
أما كون ما قبض من الفداء إذا عفى السيد على مال أو كانت الجناية موجبة له يجعل مكانه؛ فلأن ذلك بدل عنه فوجب أن يعطى حكمه.
وأما كون السيد إذا عفى عن المال يصح في حقه دون المرتهن على الأول؛ فلأن عفوه صادف حقاً له وحقاً لغيره فصح في حقه؛ لأنه لا مانع منه ولم يصح في حق الغير لما فيه من إبطال حقه.
فعلى هذا إذا انفك الرهن رد إلى الجاني؛ لزوال المانع.
وأما كونه يصح مطلقاً على قول أبي الخطاب؛ فلأنه إبراء صدر من مالك فوجب أن يصح كما لو لم يكن بدلاً عن رهن وحق المرتهن مجبور بإيجاب القيمة على الراهن.
فعلى هذا عليه قيمته ليحصل الجبر.
وقال بعض أصحابنا: لا يصح مطلقاً؛ لأن حق المرتهن متعلق به. أشبه ما لو وهبه أو ما لو عصبه فأبرأ الغاصب منه.
قال: (وإن وطئ المرتهن الجارية من غير شبهة فعليه الحد والمهر، وولده رقيق. وإن وطئها بإذن الراهن، وادعى الجهالة، وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه ولا مهر وولده حر لا تلزمه قيمته).
أما كون المرتهن عليه الحد والمهر إذا وطئ الجارية المرهونة بغير شبهة؛ فلأنه وطء حرام لا شبهة فيه فأوجب ذلك كما لو لم يكن رهناً.
وأما كون ولده رقيقاً؛ فلأن الجارية ملك لغير الواطئ.
وأما كونه لا حد عليه إذا وطئ بإذن الراهن وادعى الجهالة ومثله يجهل ذلك؛ فلأن ذلك شبهة والحد يدرأ بالشبه.
وأما كونه لا مهر عليه؛ فلأن المهر يجب للسيد بسبب الوطء وقد أذن فيه. أشبه قيمة الجارية إذا أذن في قتلها.
وأما كون ولده حراً؛ فلأنه اعتقد حل الوطء وأن ولده حر وكان حراً كولد المغرور.
وأما كونه لا تلزمه قيمته بخلاف المغرور؛ فلأن ذلك حدث عن وطء ما دون فيه. فلم تلزمه قيمة الولد؛ كالمهر.
وقال صاحب النهاية فيها: قال ابن عقيل: لا تسقط قيمة الولد؛ لأنه أحال بين الولد وبين مالكه باعتقاده فلزمه قيمته كالمغرور.
وفرّق بين المهر والولد من حيث: إن الإذن صريح في الوطء الموجب للمهر فأسقطه بخلاف الولد فإن الإذن في الوطء ليس بصريح في الإحبال فلم يسقطه. ثم قال صاحب النهاية: والأول أصح؛ لأن الإذن في الوطء إذن فيما يترتب عليه، والإحبال والولد مما يترتب عليه فكان إذناً فيه. فلم تلزمه قيمة الولد؛ كالمهر.