المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الشركة (1) الشركة هي: الاجتماع في استحقاق أو تصرف. وهي ثابتة - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌كتاب الشركة (1) الشركة هي: الاجتماع في استحقاق أو تصرف. وهي ثابتة

‌كتاب الشركة

(1)

الشركة هي: الاجتماع في استحقاق أو تصرف.

وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {فهم شركاء في الثلث} [النساء: 12]، وقوله:{وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض} [ص: 24]. والخلطاء هم الشركاء.

وأما السنة فما روي «أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين. فاشتريا فضة بنقد ونسيئة. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه، وما كان بنسيئة فردوه» (2) رواه البخاري بمعناه.

وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا» (3).

وروي أنه كان يقول: «إن الله يقول: أنا ثالثُ الشريكينِ ما لم يخنْ أحدهما صاحبه، فإذا خانَ أحدهما صاحبهُ خَرجتُ من بينهما» (4) رواه أبو داود.

وأما الإجماع فأجمعت الأمة في الجملة على جواز الشركة.

(1) ورد العنوان في هـ: باب الشركة.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1955) 2: 726 كتاب البيوع، باب التجارة في البر. بمعناه.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1589) 3: 1212 كتاب المساقاة، باب النهي عن بيع الورق بالذهب ديناً. بمعناه.

وأخرجه أحمد في مسنده (18820) ط إحياء التراث. واللفظ له.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (140) 3: 35 كتاب البيوع.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3383) 3: 256 كتاب البيوع، باب في الشركة.

ص: 695

قال المصنف رحمه الله: (وهي على (1) خمسة أضرب:

أحدها: شركة العنان. وهي: أن يشترك اثنان بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما وربحه لهما. فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه).

أما كون الشركة على خمسة أضرب؛ فلأنها شركة عنان، ومضاربة، ووجوه، وأبدان، ومفاوضة. وتلك خمسة.

وأما كون أحدها: شركة العنان فظاهر. وهي صحيحة بالإجماع. وسميت بذلك لأن الشريكين فيها متساويان في المال والتصرف؛ كالفارسين إذا استويا (2) فرسيهما وتساويا في السير.

وقال الفراء: هي مشتقة من عَنّ الشيء إذا عرض. يقال عنّت لي حاجة إذا عرضت. فسميت الشركة بذلك لأن كل واحد منهما عَنّ له أن يشارك صاحبه.

وقيل: هي مشتقة من المعاننة وهي المعارضة يقال: عاننت فلاناً إذا عارضته بمثل ماله أو فعاله. فكل واحد من الشريكين معارض بماله وفعاله.

وأما كون صفتها كما ذكر المصنف رحمه الله؛ فلأنها تجمع مالاً وعملاً من كل جانب لأن المال لو كان من جانب والعمل من آخر لكانت مضاربة.

وأما كون الربح لهما؛ فلأنه نماء ملكهما وعملهما.

وليس مراد المصنف رحمه الله التسوية في الربح بل الربح هاهنا على ما شرطاه. ويجوز متساوياً ومتفاضلاً لأن الربح يستحق بالمال تارة وبالعمل أخرى دليله المضارب فإنه يستحق جزءاً من الربح ولا مال له بل عمل، والعمل قد يتفاوت فيجوز أن يتفاوت الربح لذلك.

وأما كون تصرف كل واحد منهما ينفذ في نصيبه بالملك وفي نصيب شريكه بالوكالة أما الأول فظاهر، وأما الثاني؛ فلأنه متصرف بجهة الإذن وذلك معنى الوكالة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في و: سويا.

ص: 696

قال: (ولا تصح إلا بشرطين:

أحدهما: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير. وعنه: تصح بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد. وهل تصح بالمغشوش والفلوس؟ على وجهين).

أما كون شركة العنان لا تصح إلا بشرطين فلما يأتي ذكره فيهما.

وأما كون أحد الشرطين: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير على المذهب؛ فلأن الشركة بغير ذلك: إما أن تقع على الأعيان، أو على القيمة، أو على الثمن. والأول باطل لأن العقد يقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال ولا مثل له فيرجع به، والثاني مثله لأن القيمة [قد تزيد بحيث يستوعب جميع الربح وقد تنقص بحيث يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.

ولأن القيمة] (1) غير متحققة المقدار فيفضي إلى التنازع.

والثالث مثله لأن الثمن معدوم حال العقد.

وأما كونها تصح بالعروض (2) على روايةٍ؛ فلأن مقصود الشركة أن يملك كل واحد منهما نصف مال الآخر وينفذ تصرفهما فيه، وهذا موجود في العروض فوجب أن يصح فيهما كالأثمان.

فعلى هذا يُقَوَّم وقت العقد وتجعل القيمة رأس المال ليتمكن العامل من رد رأس المال عند التفاصل.

والأول المذهب. قاله المصنف رحمه الله في المغني. وفيما تقدم تنبيه على الفرق بين الأثمان والعروض فلا يصح قياسها عليه.

وأما كون الشركة بالمغشوش والفُلوس لا تصح على وجهٍ؛ فلأن المغشوش لا ينضبط غشه فلا يمكن رد مثله، والفلوس تزيد وتنقص قيمتها. أشبهت العروض.

وأما كونها تصح على وجهٍ؛ فلأن المغشوش يصير غشه كالمستهلك، والفلوس تشبه الثمن. ولهذا منع الإمام رضي الله عنه من السَّلَم فيها.

(1) ساقط من هـ.

(2)

مثل السابق.

ص: 697

قال: (والثاني: أن يشترطا لكل واحد جزءاً (1) من الربح مشاعاً معلوماً. فإن قالا: الربح بيننا فهو بينهما نصفين. فإن لم يذكرا الربح، أو شرطا لأحدهما جزءاً مجهولاً أو دراهم معلومة، أو ربح أحد الثوبين لم يصح. وكذلك الحكم في المساقاة والمزارعة).

أما قول المصنف رحمه الله: والثاني أن يشترطا لكل واحد جزءاً من الربح فظاهره أن ذلك شرط لصحة الشركة. وقوله بعد ذلك: فإن لم يذكرا الربح أو شرطا لأحدهما جزءاً مجهولاً أو دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم يصح صريح فيه. ووجهه (2) أن عقد الشركة مبني على أن الربح مستحق لهما بحسب الاشتراط فلم يكن بد من ذكره؛ كالمضاربة.

فعلى هذا لو تشاركا ولم يذكرا الربح كانت الشركة باطلة لفوات شرطها.

وأما كونه يشترط كون الجزء مشاعاً؛ فلأنه لو عين له دراهم معلومة لاحتمل أن يربح غيرها فيأخذ جميع الربح، واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءاً، وقد يربح كثيراً فيستضر من شرطت له الدراهم.

وأما كونه يشترط كون الجزء معلوماً؛ فلأن الجهل به يفضي إلى التنازع.

وأما كون الربح بين الشريكين نصفين إذا قالا: الربح بيننا؛ [فلأن لفظ بيننا](3) لا رجحان فيه لأحد الشريكين على الآخر. ولهذا لو كانت دار في يد شخص فقال: هي بين زيد وعمرو (4) كانت لهما نصفين.

وأما كونه لا يصح إذا لم يذكرا الربح أو شرطاه غير مشاع أو مجهولاً؛ فلما تقدم من اشتراط ذلك كله.

وأما كون الحكم في المساقاة والمزارعة كالحكم في الشركة في اشتراط ذلك كله؛ فلاشتراك الكل في المعنى الموجب للاستواء حكماً. هذا تعليل (5) كلام المصنف. وفيما

(1) في هـ: جزء.

(2)

في هـ: ووجه.

(3)

ساقط من هـ.

(4)

في هـ: وعمر.

(5)

في هـ: التعليل.

ص: 698

قاله نظر نقلاً ودليلاً: أما النقل فذكر المصنف في المغني كلاماً يتضمن صحة العقد إذا لم يذكرا الربح فقال جواباً عن قول الشافعي رحمه الله: الربح على قدر المال بدليل أنه يصح عقد الشركة وإطلاق الربح فلا يجوز تغييره بالشرط كالخسران: أما حالة الإطلاق فإنه لما لم يكن شرطٌ يُقَسَّم الربحُ عليه ويتقدر به قدرناه بالمال فإذا وجد الشرط فهو الأصل. وهذا يتضمن صحة العقد مع عدم الاشتراط من وجهين:

أحدهما: أنه لم يجبه بالمنع.

والثاني: أنه قسم الربح على قدر المال ولم يذكر الرجوع بأجرة العمل على وجه.

وقال في موضع آخر: والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة في معرفة ما لكل واحد منهما من الربح. ثم قال: إلا أنهما إذا أطلقا الربح اقتضى أن يكون بينهما على قدر المالين وشركة الوجوه على قدر ملكيهما في المشترى لأن لهما أصلاً يرجع إليه ويقدر الربح به بخلاف المضاربة.

وأما الدليل فما ذكره المصنف من أن رأس المال في الشركة يتقدر به الربح فلا يؤدي إلى المنازعة بخلاف المضاربة فإنه إذا لم يكن يذكر نصيب العامل من الربح أدى إلى جهالة ما يستحقه العامل من الربح؛ لأنه لا مال له يرجع في نصيبه إليه.

قال: (ولا يشترط أن يخلطا المالين، ولا أن يكونا من جنس واحد).

أما كون الشركة لا يشترط فيها أن يخلط الشريكان المالين؛ فلأنه (1) عقد يقصد به الربح فلم يشترط فيه خلط المال كالمضاربة، أو يقال: عقد على (2) التصرف فلم يكن من شرطه الخلط؛ كالوكالة.

وأما كونها لا يشترط فيها أن يكونا من جنس واحد؛ فلأنهما من جنس الأثمان فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد.

فعلى هذا يصح أن يخرج الواحد دراهم والآخر دنانير وإذا أرادا القسمة أخذ صاحب الدراهم دراهمه وصاحب الدنانير دنانيره ثم يقتسمان ما فضل بشرطه.

(1) في هـ: فلأنها.

(2)

في هـ: يفيد.

ص: 699

قال: (وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما. وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما. والوضيعة على قدر المال).

أما كون ما يشتريه كل واحد من الشريكين بعد عقد الشركة بينهما؛ فلأنهما لو اشتريا ذلك بعد الاختلاط لكان الحكم كذلك فكذا إذا لم يختلطا.

وأما كون تلف أحد المالين من ضمانهما؛ فلأنه صار في حكم مالهما بعقد الشركة فوجب أن يكون من ضمانهما كالمختلط.

وأما كون الوضيعة على قدر المال؛ فلأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بالقدر فيكون النقص منه دون غيره.

ص: 700

فصل [في أحكام شركة العنان]

قال المصنف رحمه الله: (ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع، ويشتري، ويَقبض، ويُقبض، ويطالب بالدين، ويخاصم فيه، ويحيل، ويحتال، ويرد بالعيب، ويقر به، ويقايل، ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما).

أما كون كل واحد من الشريكين يجوز له البيع والشراء؛ فلأنه بالنسبة إلى شريكه وكيل، فَمَلكهما كالوكيل.

وأما كونه يجوز له القبض والإقباض؛ فلأنه مؤتمن في ذلك فَمَلكهما. بخلاف الوكيل في قبض الثمن لما تقدم (1) فإنه قد لا يأتمنه.

وأما كونه يجوز له المطالبة بالدين والمخاصمة فيه؛ فلأن من ملك قبض شيء ملك المطالبة به والمخاصمة فيه. دليله ما لو وكله في قبض دينه.

وأما كونه يجوز له الحوالة والاحتيال؛ فلأنهما عقد معاوضة وهو يملك المعاوضة.

وأما كونه يجوز له الرد بالعيب؛ فلأن الوكيل يرد به فالشريك بطريق الأولى.

وأما كونه يجوز له الإقرار بالعيب؛ فلأن الوكيل يُقبل إقراره على موكِّله بذلك. نص عليه لأنه تولى بيع السلعة فقبل إقراره بالعيب كمالكها.

وأما كونه يجوز له المقايلة؛ فلأنها قد يكون الحظ فيها. وظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا أنه يجوز له الإقالة مطلقاً.

وقال في المغني: إن قلنا هي بيع ملكها؛ لأنه يملك البيع وإن قلنا هي فسخ لم يملكها لأن الفسخ ليس من التجارة. ثم قال: وقد ذكرنا أن الصحيح أنها فسخ فلا يملكها.

وأما كونه يجوز له فعل كل ما هو من مصلحة التجارة؛ فلأن ذلك عادة التجار، وقد أُذِن له في التجارة.

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 701

قال: (وليس له أن يكاتب الرقيق، ولا يزوجه، ولا يعتقه بمال، ولا يهب، ولا يقرض، ولا يحابي، ولا يضارب بالمال، ولا يأخذ سفتجة، ولا يعطيها إلا بإذن شريكه).

أما كون كل واحد من الشريكين ليس له فعل شيء مما ذكر إذا لم يأذن شريكه له؛ فلأن الشركة تنعقد على التجارة، وليست هذه الأشياء تجارة فلا يملكها.

وأما كونه له ذلك إذا أذن شريكه له؛ فلأنه يكون بمنزلة الوكيل.

قال: (وهل له أن يودع، أو يبيع نسأ، أو يبضع، أو يوكل فيما يتولى مثله، أو يرهن، أو يرتهن؟ على وجهين).

أما كون كل واحد من الشريكين له الإيداع والبيع نسأ والإبضاع على وجهٍ؛ فلأن ذلك عادة التجار.

وأما كونه ليس له ذلك على وجهٍ فلما في ذلك من الغرر.

وأما كونه له أن يوكل وكونه ليس له ذلك فمبني على توكيل الوكيل وقد تقدم (1).

وقيل: يجوز هنا بخلاف الوكيل لأن وكيل الوكيل يستفيد مثل عقد موكله بخلاف وكيل الشريك فإنه لا يستفيد مثل عقد موكله بل يستفيد ما هو أخص منه.

وأما كونه له الرهن على ما عليهما والارتهان على مالهما في وجه؛ فلأن الرهن يراد للإيفاء وهو يملكه، [والارتهان يراد للاستيفاء وهو يملكه](2).

وأما كونه ليس له ذلك على وجهٍ؛ فلما فيه من الخطر.

قال: (وليس له أن يستدين على الشركة. فإن فعل فهو عليه وربحه له إلا أن يأذن شريكه).

أما كون الشريك ليس له أن يستدين على مال الشركة إذا لم يأذن شريكه في ذلك؛ فلأنه إذا استدان أدخل في الشركة أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه. فعلى

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

ساقط من هـ.

ص: 702

هذا ربحه له وضمانه عليه؛ لأنه لم يقع للشركة فكان ربحه له وضمانه عليه كما لو لم ينوه للشركة.

وأما كونه له أن يستدين على الشركة إذا أذن له شريكه في ذلك؛ فلأنه مأذون له في ذلك. أشبه البيع والشراء.

فعلى هذا يكون ربحه لهما وضمانه عليهما كسائر أموال الشركة.

قال: (وإن أخر حقه من الدين جاز. وإن تقاسما الدين في الذمة لم يصح في إحدى الروايتين. وإن أبرأ من الدين لزم في حقه دون صاحبه. وكذلك إن أقر بمال. وقال القاضي: يقبل إقراره على مال الشركة).

أما كون الشريك يجوز له أن يؤخر حقه من الدين؛ فلأنه إسقاط لحقه من المطالبة فجاز أن ينفرد به كالإبراء.

وأما كون الشريكين إذا تقاسما الدين في الذمة -وهو: أن يكون على جماعة دين فيتفق الشريكان على أن يكون لأحدهما ما على فلان وللآخر ما على فلان-: لا يصح في روايةٍ؛ فلأن الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل والقسمة تقتضي التعادل وإذا لم يحصل التعادل تكون القسمة بمنزلة البيع، وبيع الدين بالدين لا يجوز.

وأما كونه يصح في روايةٍ؛ فلأن الاختلاف لا يمنع القسمة قياساً على اختلاف الأعيان.

وقول المصنف رحمه الله: في الذمة ظاهر في الذمة الواحدة كإنسان عليه دين لهما، ويجوز أن يشمل ما فسرناه أولاً، ويجب حمله عليه؛ لأنه قال في المغني بعد ذكر قَسْم ما في الذمم: هذا إذا كان في ذمم فأما في الذمة الواحدة فلا يمكن القسمة؛ لأن معنى القسمة إفراز، ولا يتصور ذلك في ذمة واحدة.

وأما كون الشريك تلزمه البراءة في حقه دون صاحبه فيما إذا أبرأ من الدين؛ فلأن شريكه إنما أذن له في التجارة وليس الإبراء داخلاً فيها.

وأما كون حكم إقراره بمال حكم إبرائه من الدين على المذهب؛ فلما ذكر في الإبراء.

ص: 703

وأما كونه يقبل إقراره على مال الشركة على قول القاضي؛ فلأنه يجوز له الشراء نسأ وهو إقرار ببقاء الثمن.

قال: (وعلى كل واحد منهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإحرازه. فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجرة عليه. وما جرت العادة أن يستنيب فيه فله أن يستأجر من يفعله. فإن فعله ليأخذ أجرته فهل له ذلك؟ على وجهين).

أما كون كل واحد من الشريكين عليه أن يتولى ما جرت عادة الشريك أن يتولاه؛ فلأن ذلك هو المعتاد فحمل الإطلاق عليه كالحِرْز والقبض.

وأما قول المصنف: من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإحرازه فبيان لصورٍ جرت العادة أن يتولاها كل واحد من الشريكين.

وأما كون الأجرة عليه إذا استأجر من يفعل ذلك؛ فلأن العمل عليه. فكذلك بدله.

وأما كونه له أن يستأجر من يفعل ما جرت العادة أن يستنيب فيه كالنداء وحمل المتاع ونحوهما؛ فلأن العادة لم تجر بفعل الشريك ذلك بنفسه، ولا بد من فعله لأن الحاجة تدعو إليه.

فعلى هذا إن فعله متبرعاً فلا شيء له، وإن فعله ليأخذ أجرته فهل له ذلك؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا شيء له؛ كما لو فعله متبرعاً.

والثاني: له ذلك لأنه فعل ما لا بد من فعله فاستحق الأجرة عليه كما لو دفعه إلى من يفعله.

وحكى المصنف في المغني هذين الوجهين روايتين ثم قال: والصحيح أنه لا شيء له؛ لأنه عمل عملاً في مال غيره لم يجعل له في مقابلته شيء. فلم يستحق شيئاً؛ كالأجنبي.

ص: 704

فصل [في شروط الشركة]

قال المصنف رحمه الله: (والشروط في الشركة ضربان:

صحيح؛ مثل: أن يشترط أن لا يتجر إلا في نوع من المتاع، أو بلد بعينه، أو لا يبيع إلا بنقد معلوم، أو لا يسافر بالمال، أو لا يبيع إلا من فلان.

وفاسد؛ مثل: أن يشترط ما يعود بجهالة الربح، أو ضمان المال، أو أنّ عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله، أو أن يوليه ما يختار من السلع، أو يرتفق بها، أو لا يفسخ الشركة مدة بعينها. فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد. ويُخَرَّج في سائرها روايتان).

أما كون شروط الشركة ضربين صحيحاً وفاسداً؛ فلأنها عقد فكان فيها شروط صحيحة وأخرى فاسدة كالبيع.

وأما كون شرط أن لا يتجر إلا في نوع من المتاع، أو بلد بعينه، أو لا يبيع إلا بنقد معلوم، أو لا يسافر بالمال، أو لا يبيع إلا من فلان من الشروط الصحيحة؛ فلأن تصرف الشريك في مال شريكه إنما هو بطريق الوكالة، وغير ما ذكر غير موكل فيه فلم يكن شرط عدم التصرف فيه فاسداً.

وأما كون باقي الشروط المذكورة فاسداً: أما ما يعود بجهالة الربح، كما مثّل المصنف رحمه الله؛ فلأنه يفضي إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح، ومن شرط صحة الشركة كونه معلوماً.

وأما ضمان المال وأن (1) عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله؛ فلأنه ينافي مقتضى العقد لما تقدم من أن الوضيعة على قدر المال.

(1) في هـ: فإت.

ص: 705

وأما توليته ما يختار من السلع وارتفاقه بها؛ فلأن ذلك لا مصلحة للعقد فيه. أشبه ما ينافيه.

وأما كونه لا يفسخ الشركة مدةً بعينها؛ فلأن الشركة عقد جائز، واشتراط لزومها ينافي مقتضاها؛ كالوكالة.

وأما كون ما يعود بجهالة الربح يَفسد به العقد؛ فلأن الفساد لمعنى (1) في العوض المعقود عليه فأفسد العقد؛ كما لو جُعل رأس المال خمراً أو خنزيراً.

وأما كون سائرها يُخَرَّج فيه روايتان؛ فبالقياس على الروايتين في فساد البيع بذكر الشرط الفاسد فيه (2).

قال: (وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين. وهل يرجع أحدهما بأجرة عمله؟ على وجهين).

أما كون الربح يقسم على قدر المالين إذا فسد العقد؛ فلأن الربح تابع للمال.

وأما كون كل واحد يرجع بأجرة عمله على وجهٍ؛ فلأنه إنما عمل في مقابلة ما يحصل له، فإذا فات الربح تعينت الأجرة.

وأما كونه لا يرجع على وجهٍ؛ فلأنه عمل (3) عملاً لغيره لم يجعل له في مقابلته شيء. أشبه الأجنبي.

(1) في هـ: في المعنى.

(2)

ر ص: 64.

(3)

ساقط من هـ.

ص: 706

فصل [في المضاربة]

قال المصنف رحمه الله: (الثاني: المضاربة. وهي: أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه، والربح بينهما).

أما كون الثاني من أضرب الشركة المضاربة؛ فلأنها تلي الأول. والمضاربة مشتقة من الضرب في الأرض والسفر بها للتجارة. قال الله تعالى: {وآخرُون يَضربون في الأرض يبتغون من فضلِ الله} [المزمل: 20]. ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح ويسمى قراضاً. واشتقاقه من القطع يقال: قرض الفأر الثوب أي قطعه. فكأن صاحب المال قطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من الربح.

وقيل: اشتقاقه من المساواة والموازنة. يقال: تقارض الشاعران (1) إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره. وهاهنا من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا.

وأجمع أهل العلم على صحتها في الجملة.

وروى حميد بن عبدالله عن أبيه عن جده «أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيمٍ مضاربة يعمل به في العراق» (2).

وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه «أن عبدالله وعبيدالله ابني عمر بن الخطاب خرجا في جيشٍ إلى العراق فتسلفا من أبي موسى مالاً وابتاعَا به متاعاً وقدمَا به إلى المدينة فباعَاهُ وربحا فيه. فأراد عمرُ أخذَ رأسِ المال والربح كله. فقالا: لو تلف كان ضمانُه علينا فَلِمَ لا يكونُ ربحهُ لنا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين! لو جعلتَهُ قِراضاً. قال: قد جعلته. وأخذ منهما نصف الربح» (3). وهذا يدل على صحة القراض.

(1) في هـ: الشاعر.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (21361) 4: 395 كتاب البيوع، في مال اليتيم يدفع مضاربة.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (1) 2: 529 كتاب القراض، باب ما جاء في القراض.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 110 كتاب القراض.

ص: 707

وروي «عن عثمان (1)، وعلي (2)، وابن مسعود، وحكيم بن حزام (3) أنهم قارضوا» . ولا مخالف لهم في الصحابة فكان إجماعاً.

ولأن بالناس حاجة إلى المقارضة فإن الدراهم والدنانير لا تنمى إلا بالتقليب والتجارة، وليس كلُّ من يملكها يحسن التجارة، [ولا كل من يحسن التجارة](4) له رأس مال (5) فاحتيج إليها من الجانبين فشرعها الله تعالى لدفع الحاجتين.

وأما قول المصنف: وهي أن يدفع ماله

إلى آخره فبيان لمعنى المضاربة شرعاً.

قال: (فإن قال: خذه فاتجر به والربح كله لي فهو إبضاع. وإن قال: والربح كله لك فهو قرض. وإن قال: والربح بيننا فهو بينهما نصفين).

أما كون قول رب المال: خذه فاتجر به والربح كله لي فهو إبضاعاً؛ فلأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه.

وأما كون قوله: فاتجر به والربح كله لك قرضاً؛ فلأن اللفظ يصلح له وقد قرن به حكمه فانصرف إليه.

وأما كون الربح بينهما نصفين فيما إذا قال: الربح بيننا؛ فلأنه أضافه إليهما إضافة واحدة لم يترجح فيها أحدهما على صاحبه فاقتضى التسوية كما تقدم في الشركة (6)، وكما لو قال: هذه الدار بيني وبين عمرو.

(1) أخرج مالك في موطئه عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه: «أن عثمان أعطاه مالاً مقارضة» . كتاب القراض، باب: ما جاء في القراض.

(2)

أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن الشعبي عن علي: «في المضاربة: الوضيعة على المال، والربح على ما اصطلحوا عليه» . (15087) 8: 248 كتاب البيوع، باب: نفقة المضارب ووضيعته.

(3)

أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن حكيم بن حزام: «أنه كان يدفع المال مضاربة إلى أجل» . 6: 111 كتاب البيوع.

(4)

ساقط من هـ.

(5)

في هـ: المال.

(6)

ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 708

قال: (وإن قال: خذه مضاربة والربح كله لك أو لي لم يصح. وإن قال: لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال. وإن قال: ولي ثلث الربح فهل يصح؟ على وجهين. وإن اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل).

أما كون قول رب المال: خذه مضاربة والربح كله لك أو لي لا يصح؛ فلأن المضاربة تقتضي كون الربح بينهما، فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح فقد شرط ما ينافي مقتضاها. أشبه ما لو شرط الربح في شركة لأحدهما.

وأما كون قوله: لك ثلث الربح يصح؛ فلأن نصيب العامل معلوم.

وأما كون الباقي لرب المال؛ فلأنه لا يحتاج إلى ذكر نصيبه لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماؤه وفرعه.

وأما كون قوله: ولي ثلث الربح يصح على وجهٍ؛ فلأن الربح لا يستحقه غيرهما فإذا شرط لأحدهما شيء علم أن الباقي للآخر كما علم كون ثلث الميراث للأب من قوله: {وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء: 11].

وأما كونه لا يصح على وجهٍ؛ فلأن العامل إنما يستحق بالشرط ولم يشرط له شيء.

وأما كون الجزء المشروط للعامل إذا اختلفا لمن هو؛ فلأن الشرط له لأن رب المال يستحق الربح بماله والعامل بعمله والعمل يقل ويكثر وإنما تتقدر حصته بالشرط فكان له.

قال: (وكذلك حكم المساقاة والمزارعة. وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله وما يلزمه فعله (1) وفي الشروط. وإن فسدت فالربح لرب المال وللعامل الأجرة. وعنه: له الأقل من الأجرة أو ما شرط له من الربح).

أما كون حكم المساقاة والمزارعة حكم المضاربة؛ فلأن كل واحد من العامل في المساقاة والمزارعة والمضاربة إنما يستحق بفعله وفي ذلك مساواة بينهم معنى فوجب أن يحصل التساوي بينهم حكماً.

فإن قيل: ما المقصود بالتشبيه هنا؟

(1) ساقط من هـ.

ص: 709

قيل: هو أن صاحب الشجر والأرض إذا قال: الثمرة أو الزرع بيننا فالثمرة أو الزرع بينهما نصفين، وإذا قال: لك ثلث ذلك صح والباقي لرب الشجرة أو الأرض، وإذا قال: ولي ثلث ذلك فعلى وجهين.

وأما كون حكم المضاربة حكم الشركة فيما تقدم ذكره؛ فلاشتراكهما في التصرف بالإذن.

وأما كون الربح لرب المال إذا فسدت المضاربة؛ فلأنه نماء ملكه والعامل إنما يستحق بالشرط فإذا جهل لم يستحق المشروط.

وأما كون العامل له أجرة المثل على المذهب؛ فلأن عمل العامل إنما كان في مقابلة المسمى فإذا لم تصح التسمية وجب رد عمله عليه، وذلك متعذر فوجب له أجرة المثل كما لو اشترى شراء فاسداً فقبضه وتلف.

وأما كونه له الأقل من الأجرة أو ما شرط له من الربح؛ فلأنه إن كان الأقل الأجرة فهو لا يستحق غيرها لبطلان الشرط، وإن كان الأقل المشروط فهو قد رضي به.

قال: (وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد؟ على روايتين).

أما كون المضاربة تفسد بشرط تأقيتها على روايةٍ؛ فلأنه شرط ينافي مقتضى العقد.

وأما كونها لا تفسد على روايةٍ؛ فلأن ذلك قد يكون فيه لرب المال غرض صحيح.

فإن قيل: الحكم المذكور داخل فيما تقدم من قوله: وحكم المضاربة حكم الشركة لأنه قال: وفي الشروط. وقد تقدم في الشركة (1): أن من الشروط الفاسدة أن يشترط أن لا يفسخ الشركة مدة بعينها وهو المعنيّ بالتأقيت؟

قيل: ليس الأمر كذلك؛ لأن معناهما (2) مختلف، ولذلك حكى المصنف رحمه الله الخلاف المذكور في الكافي في صحة التأقيت لا في فساد الشرط المتقدم ذكره.

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: معناها.

ص: 710

قال: (وإن قال: بع هذا العرض وضارب بثمنه، أو اقبض وديعتي وضارب بها، أو إذا قدم الحاج فضارب بهذا صح. وإن قال: ضارب بالدَّين الذي عليك لم يصح).

أما كون المضاربة تصح فيما إذا قال: بع هذا العرض وضارب بثمنه؛ فلأنه إذا باعه صار الثمن في يده أمانة فصار كما لو كان المال عنده وديعة.

وأما كونها تصح فيما إذا قال: اقبض وديعتي وضارب بها؛ فلأن الوديعة إذا قبضها صارت أمانة في يده فوجب أن تصح المضاربة بها كما تقدم، وكما لو قال: ضارب بهذه الألف التي في زاوية البيت.

وأما كونها تصح فيما إذا قال: إذا قدم الحاج فضارب بهذا؛ فلأنها عقد يتصرف فيه بالإذن فجاز أن يقع معلقاً كالوكالة.

وأما كونها لا تصح فيما إذا قال: ضارب بالدين الذي عليك؛ فلأن المال الذي في يد الغريم له، وإنما يصير لغريمه بقبضه، وما قبضه، ولا يصح قبض الإنسان من نفسه.

قال: (وإن أخرج مالاً ليعمل هو فيه وآخر والربح بينهما صح. ذكره الخرقي.

وقال القاضي: إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح، وإن شرط عمل غلامه فعلى وجهين).

أما كون ما ذكر يصح على قول الخرقي؛ فلأن العمل أحد ما يتم به المضاربة فصح أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كما لو كان من أحدهما مال ومن الآخر عمل ومال.

وأما كونه لا يصح إذا شرط المضارب عمل رب المال معه على قول القاضي؛ فلأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل لم يتسلمه؛ لأن يده عليه وذلك يخالف مقتضاها.

وأما كونه يصح إذا شرط عمل غلامه على وجهٍ؛ فلأن عمل الغلام يصح أن يكون تابعاً لعمل العامل بخلاف عمل سيده.

ص: 711

ولأن (1) عمل الغلام مال لسيده فصح ضمه إليه كما يصح أن يضم إليه بهيمة يحمل عليها.

وأما كونه لا يصح على وجهٍ؛ فلأن يد الغلام كيد سيده وعمله كعمله.

(1) في هـ: فلأن.

ص: 712

فصل

قال المصنف رحمه الله: (وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال. فإن فعل صح وعتق وضمن ثمنه. وعنه: يضمن قيمته علم أو لم يعلم.

وقال أبو بكر: إن لم يعلم لم يضمن. ويحتمل أن لا يصح البيع).

أما كون العامل ليس له شراء من يعتق على رب المال؛ فلأن عليه في ذلك ضرراً.

ولأن المضاربة عقدت للربح حقيقة أو مظنة وذلك منتف في شراء من ذكر.

وأما كون الشراء يصح إذا فعل ذلك على المذهب؛ فلأنه مال متقوم، قابل للعقود فصح شراء العامل له كما لو اشترى من نذر رب المال حريته إذا ملكه.

وأما كون المشتري يعتق؛ فلأن رب المال ملكه وذلك موجب للعتق لما يأتي في موضعه.

وأما كون العامل يضمن ثمنه على المذهب؛ فلأن التفريط فيه حصل.

وأما كونه يضمن قيمته على روايةٍ؛ فلأنه تلف بفعله. أشبه ما لو قتله.

وأما كونه يضمن عَلِمَ أو لم يَعْلم على المذهب؛ فلأن الإتلاف لا فرق فيه بينهما.

وأما كونه لا يضمن على قول أبي بكر إن لم يعلم؛ فلأنه معذور حيث لم يعلم.

والأول أصح. قاله في المغني لما تقدم.

وأما كونه يحتمل أن لا يصح البيع؛ فلأن الإذن في المضاربة إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه والربح فيه، ومن يعتق على رب المال ليس كذلك.

والأول أصح؛ لأن ما ذكر ثانياً ينتقض (1) بشراء من نذر رب المال حريته إذا ملكه.

(1) في هـ: ذكرنا يناقض.

ص: 713

قال: (وإن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحها).

أما كون شراء المضارب من ذكر يصح؛ فلأنه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه فصح كما لو اشترى أجنبية.

وأما كون النكاح ينفسخ؛ فلأن المرأة دخلت في ملك زوجها وذلك موجب للفسخ لما يأتي.

ولم يذكر المصنف رحمه الله هنا وجوب الضمان على العامل وصرح في المغني بأن ما يجب على الزوج يرجع (1) به على العامل إذا كان قبل الدخول لأنه قرره عليه فرجع به عليه كما لو أفسدت المرأة النكاح بالرضاع.

قال: (وإن اشترى من يعتق على نفسه ولم يظهر ربح لم يعتق، وإن ظهر ربح فهل يعتق؟ على وجهين).

أما كون من ذكر لا يعتق مع عدم ظهور الربح؛ فلأن العامل لا يملك العبد وإنما هو ملك رب المال.

وأما كونه يعتق مع ظهور الربح ففيه وجهان مبنيان على أن العامل هل يملك نصيبه من الربح بالظهور أو بالقسمة وفيه روايتان.

فإن قيل: إنه يملكه بالظهور عتق عليه لأنه ملكه بفعله فعتق عليه كما لو اشتراه بماله.

وأطلق المصنف رحمه الله العتق وظاهره عتق كله.

وقال في المغني: يعتق عليه بقدر حصته من الربح إن كان معسراً ويقوم عليه باقيه إن كان موسراً.

وعلى اليسار أو أن له من الربح ما يقابل قيمة العبد المعتق يجب حمل كلام المصنف رحمه الله هنا.

وإن قيل: لا يملك إلا بالقيمة لم يعتق عليه لأنه ما ملكه.

(1) في هـ: ويرجع.

ص: 714

وحكى في المغني وجهاً ثالثاً: أنه لا يعتق وإن قيل أنه يملك بالظهور؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق لأن ملكه لم يتم عليه.

قال: (وليس للمضارب أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول. فإن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول).

أما كون المضارب ليس له أن يضارب لآخر مع الضرر على الأول؛ فلأن المضاربة تنعقد على الحفظ والنماء، فإذا فعل ما يمنعه من ذلك لم يكن له؛ كما لو أراد التصرف بالعين.

وأما كونه يرد نصيبه من ربح المضاربة الثانية في المضاربة الأولى؛ فلأنه استحق ذلك بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول فكان بينهما كالأول.

وفي تقييد المصنف رحمه الله قوله: وليس للمضارب أن يضارب لآخر بكونه فيه ضرر على الأول إشعار بأنه إذا لم يكن فيه ضرر على الأول له ذلك وهو صحيح؛ لأن المانع الضرر ولا ضرر هنا.

ولأن عقد المضاربة لا يقتضي ملك كل منافع العامل.

قال: (وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئاً لنفسه. وعنه: يصح. وكذلك شراء السيد من عبده المأذون).

أما كون رب المال ليس له أن يشتري من مال المضاربة شيئاً لنفسه على المذهب؛ فلأنه ملكه فلم يكن له شراءه؛ كما لو اشترى ذلك من وكيله أو عبده المأذون الذي لا دين عليه.

وأما كونه يصح على روايةٍ؛ فلأنه قد تعلق حق المضارب به فجاز له شراءه؛ كما لو اشترى من مكاتبه.

والأول أصح؛ لما ذكر. والفرق بين مال المضاربة وبين المكاتب أن السيد لا يملك ما في يده ولهذا لا يزكي ما في يده ويؤخذ منه بالشفعة.

وأما كون شراء السيد من عبده المأذون كشراء رب المال من مال المضاربة؛ فلأن ما ذكر جار فيه.

ص: 715

فإن قيل: ظاهر التشبيه جريان الخلاف في شراء السيد من عبده مطلقاً.

قيل: مُسَلَّم. لكن يجب حمل الجواز على ما إذا كان عليه دين بقدر قيمته لأن المسألة قد تقدمت في باب المأذون مقيدة بذلك.

قال المصنف في المغني: والصحيح الأول لما تقدم من أنه ملكه. واستحقاق أخذ ما في يده لا يوجب زوال الملك. دليله مال المفلس.

قال: (وإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح. وإن اشترى الجميع بطل في نصيبه. وفي نصيب شريكه وجهان. ويتخرج أن يصح في الجميع).

أما كون شراء أحد الشريكين نصيب شريكه يصح؛ فلأنه ملك غيره فصح شراؤه له كالأجنبي.

وأما كونه يبطل في نصيبه إذا اشترى الجميع؛ فلأنه مِلْكُه، ولا يصح شراء الإنسان ذلك.

وأما كون نصيب شريكه فيه وجهان فمبنيان على تفريق الصفقة.

وأما كونه يتخرج أن يصح في الجميع فمبني على أن لرب المال الشراء من مال المضاربة. ذكره المصنف في المغني.

قال: (وليس للمضارب نفقة إلا بشرط. فإن شرطها له وأطلق فله جميع نفقته من المأكول والملبوس بالمعروف. فإن اختلفا رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة، وفي الملبوس إلى أقلِّ ملبوسِ مثله).

أما كون المضارب ليس له نفقة مع عدم الشرط؛ فلأنه دخل على أنه يستحق من الربح الجزء المسمى فلم يكن له غيره.

ولأنه لو استحق النفقة لأفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه.

وأما كونه له النفقة مع الشرط فلقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون على شروطهم» (1) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1352) 3: 634 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس.

ص: 716

وتصح مقدرة ولا نزاع فيه، ومطلقاً لأن له معهود يرجع فيه إليه فإذا أطلقا كان له نفقة مثله بالمعروف لأنه كذلك تجب لمن تجب عليه نفقته.

وأما كونه يرجع مع الاختلاف في القوت إلى الإطعام في الكفارة (1)، وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله؛ فلأن المطلق من كلام الآدميين محمول على المقيد من كلام الشرع وهو كذلك.

وفيما ذكره المصنف رحمه الله نظر؛ لأنه إن لحظت الكفارة في ذلك فليرجع في القوت والملبوس إليها، وإن لحظ حاله فليرجع فيهما إلى قوت (2) مثله وملبوس مثله؛ كالزوجة. وهو أشبه. وحكاه صاحب المحرر فيه ولم يحك ما تقدم ذكره.

قال: (وإن أذن له في التسري فاشترى جارية ملكها وصار ثمنها قرضاً. نص عليه).

أما كون العامل يملك الجارية؛ فلأن رب المال أذن له في التسري، والإذن في التسري يستدعي الإذن في الوطء، والوطء لا يجوز في غير عقد نكاح أو ملك يمين لقوله تعالى:{إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6]، ولا عقد نكاح هنا. فيتعين الملك.

وأما كون ثمنها يصير قرضاً؛ فلأن المال لربه ولم يوجد منه ما يدل على تبرعه فوجب كونه قرضاً لأنه المتيقن.

قال: (وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال. وإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى، أو تلفت جُبرت الوضيعة من الربح).

أما كون المضارب ليس له ربح حتى يستوفي رأس المال؛ فلأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال فإذا لم يفضل فليس بربح.

(1) في هـ: في الإطعام.

(2)

في هـ: فليرجع فيها قوت.

ص: 717

وأما كون الوضيعة تجبر من الربح في صورتي الخسران والتلف؛ فلأن تلك مضاربة واحدة فجبرت الوضيعة من الربح؛ كما لو اشترى شيئاً فربح فيه في وقت وخسر فيه في آخر قبل فسخ المضاربة.

قال: (وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة. وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه إلا أن يجيزه رب المال. وإن تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال).

أما كون المضاربة تنفسخ في التالف فيما إذا تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه؛ فلأنه تلف قبل التصرف. أشبه التالف قبل القبض.

وأما كون السلعة المشتراة للمضاربة بعد تلف المال للمضارب إذا لم يجز الشراء رب المال؛ فلأن المضاربة انفسخت بالتلف فالشراء بعده شراء غير مستند إلى إذن.

فعلى هذا يكون ثمنها عليه لأن الثمن على من له الملك.

وأما كونها لرب المال إذا أجاز ذلك فمبني على تصرف الفضولي إذا أجازه المالك وفيه خلاف تقدم ذكره وتعليله (1).

وأما كون المضاربة بحالها إذا كان التلف بعد الشراء؛ فلأن الموجب لفسخ المضاربة التلف ولم يوجد حين الشراء ولا قبله.

فعلى هذا يكون الثمن على رب المال لأن الشراء صادف المضاربة بحالها وذلك يوجب كون الشراء له فيكون الثمن عليه.

قال: (وإذا ظهر الربح لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال. وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة؟ على روايتين).

أما كون العامل ليس له أن يأخذ شيئاً من الربح مع عدم إذن رب المال فيه فلثلاثة أوجه:

أحدها: أن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي ينجبر بالربح.

وثانيها: أن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه بغير إذنه.

(1) ص: 386.

ص: 718

وثالثها: أن ملكه متزلزل لأنه بعرضية أن يخرج عن يده بجبران خسارة المال.

وأما كونه له ذلك مع الإذن؛ فلأن الحق لهما غير خارج عنهما.

وأما كون العامل يملك حصته من الربح قبل القسمة على روايةٍ؛ فلأن الشرط صحيح ويقتضي أن يكون له (1) جزء من الربح فإذا وجد وجب أن يملكه بحكم الشرط؛ كما يملك المساقي حصته من الثمرة بعد ظهورها، وقياساً على كل شرط صحيح في عقد.

وأما كونه لا يملكها إلا بالقسمة على روايةٍ؛ فلأنه لو ملكها بالظهور لكان ربحها له، ولوجب أن يكون شريكاً لرب المال كشريكي العنان.

والأولى أصح.

قال صاحب المغني فيه: ظاهر المذهب أنه يملك بالظهور ودليله ما مر.

ولأنه يملك المطالبة بالقسمة فلو لم يكن له ملك لم يملك المطالبة بملك غيره. ولا يمتنع أن يملك وتكون وقاية لرأس المال كنصيب رب المال من الربح.

قال: (وإن طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر إن كان فيه ربح، وإلا فلا).

أما كون رب المال يجبر على البيع إذا طلبه العامل وكان في المال ربح؛ فلأن مع الربح له فيه حق فأجبر الممتنع من أدائه؛ كسائر الحقوق.

وأما كونه لا يجبر إذا لم يكن فيه ربح؛ فلأنه لا حق له فيه. أشبه ما لو لم يضاربه.

قال: (وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضاً أو طلب البيع فله ذلك، وإن كان ديناً لزم العامل تقاضيه).

أما كون رب المال له أن يأخذ بماله عرضاً إذا انفسخ القراض والمال عرض؛ فلأن غاية ما في ذلك أنه يحتاج إلى التقويم لأن العامل يستحق الربح إلى حين الفسخ وذلك لا يضر. دليله المستعير إذا غرس أو بنى، والمشتري إذا فعل ذلك فإن المعير يأخذ ذلك بالقيمة إذا رجع، والشفيع يأخذه بها إذا طلب الشفعة. أو يقال: إذا أخذ المعير والشفيع ملك غيره بالقيمة؛ فلأن يأخذ رب المال ماله بالقيمة بطريق الأولى.

(1) ساقط من هـ.

ص: 719

وأما كونه له طلب البيع؛ فلأن رب المال استحق على المضارب أن يرد المال ناضاً كما أخذه وفي البيع تحصيل لذلك.

وأما كون العامل يلزمه تقاضي الدين؛ فلأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته، والديون لا تجري مجرى المال الناضّ فلزمه أن ينضه؛ كما يلزمه بيعه لو كان عرضاً.

قال: (وإن قارض في المرض فالربح من رأس المال وإن زاد على أجرة المثل، ويقدم به على سائر الغرماء).

أما كون الربح من رأس المال فيما ذكر؛ فلأنه عوض عن عمله.

وأما كون الزيادة منه أيضاً؛ فلأن ما يحدث من الربح يحدث على ملك العامل بخلاف ما لو حابى المستأجر الأجير فإنه يحتسب (1) بما حاباه من ثلثه لأن الأجرة تؤخذ من ماله.

وأما كون العامل يقدم بذلك على سائر الغرماء؛ فلأنه يملك الربح بالظهور فكان شريكاً فيه.

ولأن حقه متعلق بعين المال دون الذمة فكان مقدماً على ما تعلق بالذمة؛ كحق الجناية. أو يقال: حقه متعلق بالمال قبل الموت فكان أسبق فقدم؛ كالرهن.

قال: (وإن مات المضارب ولم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركته وكذلك الوديعة).

أما كون مال المضاربة يصير ديناً في تركة الميت إذا لم يعرف بعينه؛ فلأن الأصل بقاء المال في يده، ولا سبيل إلى معرفة عينه، فتعين جعله متعلقاً بالتركة.

وأما كون الوديعة كالمضاربة فلاشتراكهما في الدليل المذكور فيها.

(1) في هـ: يحسب.

ص: 720

فصل

قال المصنف رحمه الله: (والعامل أمين، والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران، وما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للقراض، وما يدعى عليه من خيانة).

أما كون العامل أمين؛ فلأنه متصرف في مال غيره بإذنه لا لمحض منفعته فكان أميناً؛ كالوكيل. وفارق المستعير فإن قَبْضَه لمنفعته (1) خاصة.

وأما كون القول قوله فيما يدعيه من جميع ما ذكر؛ فلأن تأمينه يقتضي ذلك.

ولأنه يدعى عليه ذلك وهو ينكره، والقول قول المنكر مع يمينه.

قال: (والقول قول رب المال في رده إليه، والجزء المشروط للعامل، وفي الإذن في البيع نسأ أو الشراء بكذا. وحكي عنه: أن القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل).

أما كون القول قول رب المال في رده إليه؛ فلأن العامل قبض المال لمنفعة نفسه فلم يقبل قوله في رده؛ كالمستعير. وفارق المودع من حيث إن قبضه لمنفعة غيره.

وأما كون القول قول رب المال في الجزء المشروط للعامل؛ مثل أن يقول العامل: شرطتَ لي النصف، فيقول رب المال: بل الثلث على المذهب؛ فلأنه ينكر الزائد والعامل يدعيه والقول قول المنكر.

وأما كون القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل أو زيادة يتغابن الناس بمثلها على روايةٍ؛ فلأن الظاهر صحة قول من ادعى ذلك. ولم يذكر المصنف قبول قوله في زيادة يتغابن الناس بمثلها فيحتمل أنه لم يره، ويحتمل أنه تركه ليعلم من الكتب المطولة. وقد صرح في المغني والكافي بقبول قوله مع ذلك على الرواية المذكورة.

(1) في و: لمنفعة.

ص: 721

وأما الإذن في البيع نسأ فالمنقول فيه أن القول قول العامل. كذا ذكره في المغني، ولم يحك فيه خلافاً. وذكره بقية الأصحاب. ووجهه: أن العامل أمين، فقبل قوله في ذلك. ولم أجد بما قاله المصنف رواية ولا وجهاً عن أحد من المتقدمين. غير أن صاحب المستوعب حكى بعد قوله: القولُ قول العامل أن ابن أبي موسى قال: ويتجه أن يكون القول قول رب المال. وربما حكى بعض المتأخرين في ذلك وجهاً. وأظنه أخذه من كلام المصنف رحمه الله هنا، أو ظن قول ابن (1) أبي موسى يقتضي ذلك. وفي (2) الجملة لقبول قول رب المال وجه من الدليل لو وافق رواية أو وجهاً لأن رب المال يدعي عليه العامل أنه أذن له في البيع نسأ وهو ينكره والقول قول المنكر.

وأما كون القول قول رب المال في الشراء بكذا؛ مثل أن يقول العامل: أذنت لي في شراء كذا بعشرة فيقول رب المال: بل أذنت فيه بخمسة؛ فلأنه منكر للإذن فكان القول قوله.

ولأن قول العامل لو قبل لألزمنا رب المال بخمسة لم يعترف بها ولا دليل عليها لأن الإذن في النسأ كالإذن في المقدار.

فإن قيل: لم قُبِل قول رب المال في المقدار دون النسأ على المنصوص؟

قيل: لم يوجد في الإذن في المقدار قرينة تدل على صدق العامل، والأصل ينفي قوله، فوجب العمل به لأنه مقتض، سلم عن المعارض. بخلاف الإذن في النسأ فإن فيه قرينة تدل على صدق العامل فعارضت الأصل. بيان القرينة: أن عقد المضاربة مبني على الربح والنسأ مظنته فمن ادعى ما يقتضي حصوله يكون معه قرينة حالية دالة (3) على صدقه.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: في.

(3)

في هـ: عن دالة.

ص: 722

قال: (وإن قال العامل ربحت ألفاً ثم خسرتها أو هلكت قُبِل قوله. وإن قال: غلطت لم يقبل قوله).

أما كون العامل يقبل قوله في دعوى الخسارة والهلاك بعد الإقرار بالربح؛ فلأنه أمين يقبل قوله في تلف المال وخسارته فقبل قوله في خسارة الربح وهلاكه لاشتراك الكل في المعنى الموجب لاشتراكه حكماً.

وأما كونه لا يقبل قوله في دعوى الغلط؛ فلأنه مقر فلا يقبل قوله في الرجوع عن إقراره كغيره من المقرين.

ص: 723

فصل [في شركة الوجوه]

قال المصنف رحمه الله: (الثالث: شركة الوجوه. وهي: أن يشتركا على أن يشتريا بجاههما دينا فما ربحا فهو بينهما. فكل واحد منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن. والملك بينهما على ما شرطاه، والوضيعة على قدر ملكيهما فيه والربح على ما شرطاه (1). ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما. وهما في التصرفات كشريكي العنان).

أما كون الثالث من أضرب الشركة: شركة الوجوه؛ فلأنها تلي الثاني.

وأما كونها تصح؛ فلأن معناها وكالة كل واحد منهما صاحبه في الشراء والبيع والكفالة بالثمن وكل ذلك صحيح.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهي أن يشتركا

إلى كفيل عنه بالثمن فبيان لمعناها.

وأما كون الملك بينهما على ما شرطاه؛ فلأن العقد مبناه على الوكالة فتقيد بما أذن فيه.

وأما كون الوضيعة على قدر ملكيهما؛ فلأنها كذلك في شركة العنان فليكن هاهنا كذلك.

وأما كون الربح على ما شرطاه (2) على المذهب؛ فلأن العمل بينهما قد يتساويا فيه بحسب الشرط كالعنان.

(1) في هـ: شرطا.

(2)

في هـ: شرطا.

ص: 724

وأما كونه يحتمل أن يكون على قدر ملكيهما؛ فلأن الربح هاهنا يستحق بالضمان وهو لا يضمن بطريق الأصالة إلا قدر ملكه فلا يكون له من الربح إلا قدر ملكه «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن» (1).

وأما كون تصرفهما كتصرف شريكي العنان؛ فلأن كل واحد من شريكي العنان متصرف في نصيبه بطريق الأصالة وفي نصيب شريكه بطريق الوكالة، وبعد أخذ شريكي الوجوه المال بجاههما يكون تصرف كل واحد منهما في نصيبه بطريق الأصالة وفي نصيب شريكه بطريق الوكالة، فوجب جعل تصرفهما كتصرف شريكي العنان. ضرورة استوائهما في جهة التصرف.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3504) 3: 283 كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1234) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.

وأخرجه النسائي في سننه (4631) 7: 294 كتاب البيوع، شرطان في بيع وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2188) 2: 737 كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن.

وأخرجه أحمد في مسنده (6628) 2: 175.

ص: 725

فصل [في شركة الأبدان]

قال المصنف رحمه الله: (الرابع: شركة الأبدان. وهي: أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما. فهي شركة صحيحة، وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما، يطالبان به ويلزمهما عمله. وهل يصح مع اختلاف الصنائع؟ على وجهين).

أما كون الرابع من أضرب الشركة شركة الأبدان؛ فلأنه يلي الثالث.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما فبيان لمعنى شركة الأبدان.

وأما كونها صحيحة فلما روي عن عبدالله قال: «اشتركتُ أنا وسعدٌ وعمارٌ يومَ بدرٍ. فلمْ أَجئْ أنا وعمارٌ بشيء وجاءَ سعدٌ بأسيرين» (1) رواه أبو داود والأثرم.

ومثل هذا لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: الغنائم مشتركة بين الغانمين بحكم الله فكيف يصح اختصاص هؤلاء بالشركة فيها؟ وقال بعض الشافعية: غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له أن يدفعها إلى من شاء فيحمل أن يكون إقراره لهم على ذلك لذلك.

قيل: أما الأول فلا يصح لأن غنائم بدر كانت قبل أن يشرك الله بين الغانمين فيها ولهذا نقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ شيئاً فهو له» (2). فكان ذلك من قِبَل المباحات مَنْ سَبَقَ إلى أخذ شيءٍ فهو له.

وأما الثاني فهو مثل الأول؛ لأن الشركة كانت قبل نزول قوله تعالى: {قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1]. ويدل على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تخل:

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3388) 3: 257 كتاب البيوع، باب في الشركة على غير رأس مال.

وأخرجه النسائي في سننه (4697) 7: 319 كتاب البيوع، الشركة بغير مال.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2288) 2: 768 كتاب التجارات، باب الشركة والمضاربة.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 316 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب الوجه الثالث من النفل.

ص: 726

إما أن يكون قد أباحها لهم فتكون كالمباحات، أو لم (1) يبحها لهم فكيف يشتركون في شيء لغيرهم.

ولأن العمل أحد جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال.

وأما كون ما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله؛ فلأن شركة الأبدان لا تنعقد إلى على ذلك لأنه لا شيء فيها غير ذلك تنعقد عليه.

وأما كونها تصح مع اختلاف الصنائع؛ مثل: أن يكون أحدهما خياطاً والآخر قَصّاراً وما أشبه ذلك على وجهٍ وهو للقاضي؛ فلأنهما اتفقا في مكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع.

وأما كونها لا تصح على وجهٍ وهو لأبي الخطاب؛ فلأن مقتضى الشركة لزوم كل واحد منهما ما يتقبله الآخر ولا يمكن القيام بذلك مع اختلاف الصنعة لأنه لا قدرة له عليه.

قال: (ويصح في الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات).

أما كون الشركة تصح في الاحتشاش؛ فلأنه اشتراك في مكسب مباح فصح كالاشتراك في القصارة والخياطة.

وأما كونها في الاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات؛ فلأن ذلك كما تقدم معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

قال: (وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما. فإن طالبه الصحيح أن يقيم (2) مقامه لزمه ذلك).

أما كون الكسب بينهما مع مرض أحدهما؛ فلأنه لو لم يعمل معه وهو صحيح يكون الكسب بينهما لحديث سعد المتقدم (3). فمع العذر بطريق الأولى.

(1) في هـ: ولم.

(2)

في هـ: يقوم.

(3)

سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 727

وأما كون المريض يلزمه أن يقيم مقامه إذا طلب الصحيح ذلك؛ فلأنهما دخلا على أنهما يعملان فإذا تعذر العمل بنفسه لزمه ما يقوم مقامه توفية للعقد ما يقتضيه.

قال: (وإن اشتركا ليحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح. فإن تقبلا حمل شيء فحملاه عليهما صحت الشركة، والأجرة على ما شرطاه. وإن أجّراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته. وإن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح).

أما كونه يصح أن يشترك الشريكان ليحملا على دابتيهما؛ فلأن الحمل قد يكون في الذمة فوجب صحة الشركة عليه؛ كشركة الوجوه.

وأما كون الأجرة على ما شرطاه إذا تقبلا حمل شيء معلوم إلى مكان معلوم في ذممهما ثم حملاه على الدابتين؛ فلأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان عليهما فكانت الأجرة على ما شرطاه كشريكي الوجوه.

وأما كون كل واحد منهما له أجرة دابته إذا أجراهما بأعيانهما؛ فلأنه لم يجب ضمان الحمل في ذممهما وإنما استحق المستأجر منفعة البهيمة التي استأجرها فوجب أن يكون لمالكها عوض المنفعة وذلك أجرة دابته وفي كون كل واحد من الشريكين له أجرة دابته إشعار بأن الشركة على عين الدواب لا تصح وصرح به المصنف في المغني وعلله بما تقدم وبأن الشركة تتضمن الوكالة والوكالة على الوجه المذكور لا تصح ثم قال: ولهذا لو قال: أجر عبدك وتكون أجرته بيني وبينك لم يصح ولو قال: بع دارك وثمنها بيننا لم يصح.

وأما كونه يصح الجمع بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة؛ فلأن كل واحدة تصح منفردة وضم الصحيح بعضه إلى بعض لا يوجب الفساد كما لو ضم ماء طهور إلى مثله.

ص: 728

فصل [في شركة المفاوضة]

قال المصنف رحمه الله: (الخامس: شركة المفاوضة. وهي: أن يَدخلا في الشركة الأكساب النادرة؛ كوجدان لقطة، أو ركاز، وما يحصل لهما من ميراث، وما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش جناية ونحو ذلك. فهذه شركة فاسدة).

أما كون الخامس من أضرب الشركة شركة المفاوضة؛ فلأنه يلي الرابع.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهي أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة فبيان لمعنى شركة المفاوضة.

وأما قوله: كوجدان لقطة

إلى ونحو ذلك فتعداد لصور من صور الأكساب النادرة وبيان لها.

وأما كونها فاسدة؛ فلأن ذلك عقد يكثر فيه الغرر فلم يصح كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها. ودليل الغرر: أن (1) ما يلزم أحدهما من غرم يلزم الآخر وقد يفسد العقد بدون هذا.

ولأنه عقد لم يرد الشرع بمثله فلم يصح. أو عقد لا يصح بين المسلم والكافر فلم يصح بين المسلمين كسائر العقود الفاسدة.

فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة» .

ولأنها نوع شركة مختص باسم فكانت صحيحة كشركة العنان.

قيل: أما الخبر فلا يعرف، ولا رواه أصحاب السنن ثم ليس فيه ما يدل على إرادة هذه الشركة. فتحمل على المفاوضة في الحديث، ولهذا روي فيه (2):«ولا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان» .

(1) ساقط من هـ.

(2)

مثل السابق.

ص: 729

وأما القياس فلا يصح واختصاص الشيء باسم لا يقتضي صحته. دليله بيع المنابذة والملامسة ونحوهما.

ص: 730