المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يلزم الإمام والجيش - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌باب ما يلزم الإمام والجيش

‌باب ما يلزم الإمام والجيش

قال المصنف رحمه الله: (يلزم الإمامُ عند مسيرِ الجيش تعاهدَ الخيل والرجال، فما لا يصلح للحرب يمنعه من الدخول، ويمنع المُخذّلَ والمرجِفَ والنساءَ إلا طاعنةً في السن لسقيِ الماء ومعالجةِ الجرحاء)(1).

أما كون الإمام يلزمه تعاهدَ الخيل والرجال عند مسير الجيش فلأن ذلك من مصالح الجيش فلزمه فعله كبقية المصالح.

وأما كون ما لا يصلح للحرب يمنعه من الدخول فلئلا يُقطع في دار الحرب.

ولأن دخول مثل ذلك معه ربما كان سبباً للهزيمة.

والمراد بما لا يصلح من الخيل: الفرس الحطيم والكبير والضعيف والأعجف. ومن الرجال الزمن والأشل والمفلوج والمريض وما أشبه ذلك.

وأما كونه يمنع المخذل وهو: الذي يُضَعّف قلوب الناس فيقول: إن في عدونا كثرة وقوة ونحن ضعفاء ولا طاقة لنا بهم.

والمرجف: وهو الذي يقول: هلكت سرية المسلمين التي مضت، أو يقول: للمشركين مدد وورائهم جيش وما أشبه ذلك؛ فلقوله تعالى: {ولكن كَره الله انبعاثهم فَثَبَّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} [التوبة: 46].

وقوله تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خَبالاً ولأَوْضعوا خِلَالَكم} [التوبة: 47].

ولأن هؤلاء مضرة على المسلمين فيلزم الإمام منعهم: إزالةً للضرر.

وأما كونه يمنع النساء غير طاعنة في السن كالشَّواب فلما في ذلك من الافتتان بهن مع أنهن لسن من أهل القتال لاستيلاء الخَوَر والجبن عليهن.

(1) في المقنع: الجرحى.

ص: 288

ولأنه لا يؤمن ظَفَر العدو بهن فيستحلون منهن ما حرم الله.

وأما كونه لا يمنع طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحاء فلما روى أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوةٍ معها من الأنصار يستقين الماء ويداوين الجرحاء» (1) قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

قال: (ولا يستعين بمشركٍ إلا عند الحاجة إليه).

أما كون الإمام لا يستعين بمشرك عند عدم الحاجة إليه فلما روت عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر، فتبعه رجل من المشركين. قال: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال: فارجع فلن أستعين بمشرك» (2) متفق عليه.

وأما كونه يَستعين به عند الحاجة إليه فـ «لأن صفوان بن أمية شهد حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك» رواه سعيد.

فإن قيل: الحديثان مطلقان فينبغي أن يتعارضا.

قيل: يجب حملهما على ما ذُكر جمعاً بينهما ونفياً للتعارض.

قال: (ويَرفُق بهم في السير، ويُعد لهم الزاد، ويُقوي نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب النصر).

أما كون الإمام يَرفق بالجيش في السير. والمراد به أنه في السير يسير بهم سير أضعفهم فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمير القوم أقطعهم» . أي أقلهم سيراً.

ولئلا ينقطع منهم أحد أو يشق عليه.

فإن قيل: الرفق المذكور مطلقاً أو مع عدم الحاجة؟

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1575) 4: 139 كتاب السير، باب ما جاء في خروج النساء في الحرب.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1817) 3: 1450 كتاب الجهاد والسير، باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر. ولم أره عند البخاري.

وأخرجه أبو داود في سننه (2732) 3: 75 كتاب الجهاد، باب في المشرك يسهم له.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1558) 4: 127 كتاب السير، باب ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2832) 2: 945 كتاب الجهاد، باب الاستعانة بالمشركين. مختصر.

وأخرجه أحمد في مسنده (24431) 6: 68.

ص: 289

قيل: بل مع عدم الحاجة إلى العجلة. فإن دعتنا الحاجة جاز «لأن النبي صلى الله عليه وسلم جَدَّ حين بلغه قولَ عبدالله بن أبي: {ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 8]» (1) لِيَشغل الناس عن الخوض فيه.

وأما كونه يُعد الزاد لهم فلأنهم ربما طال سفرهم عما عزموا عليه فيهلكون إذا لم يكن لهم زاد.

وأما كونه يقوي نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب النصر فلأن ذلك مما تستعين النفوس به على المصابرة ويعينها على القتال. وقد نبه الله تعالى على ذلك في القرآن حيث قال تعالى فيه: {وعدكم الله مغانمَ كثيرةً

الآية} [الفتح: 20].

قال: (ويعرّف عليهم العرفاء، ويَعقد لهم الألوية والرايات، ويجعل لكل طائفة شِعاراً يتداعون به عند الحرب).

أما كون الإمام يُعرّف العرفاء على جيشه؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف عام خيبر على كل عشرة عريفاً» .

ولأنه أقرب في جمعهم.

وأما كونه يعقد لهم الألوية والرايات؛ فلما روى ابن عباس «أن أبا سفيان حين أسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها. قال: فحبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرت به القبائل على راياتها» .

والمراد بالألوية المطارد. قاله الجوهري. وبالرايات الأعلام.

وأما كونه يجعل لكل طائفة شعاراً يتداعون به عند الحرب؛ فلأن الإنسان ربما احتاج إلى نصرة صاحبه فإذا كان بينهم شِعار وهو العلامة دعى أحدهم صاحبه بها.

ولأن الإنسان ربما ضل فيهتدي بالشعار.

قال: (ويَتَخير لهم المنازل، ويتبع مكامنها فيحفظها، ويبعث (2) العيون على العدو حتى لا يخفى عليه أمرهم).

أما كون الإمام يتخير لجيشه المنازل فلأن ذلك أرفق بهم، وفيه إعانة على السير.

(1) ذكره السيوطي في الدر المنثور 8: 178 وعزاه إلى ابن أبي شيبة في تفسيره.

(2)

في المقنع: ويبث.

ص: 290

وأما كونه يتبع مكامنها فيحفظها فليأمن هجوم العدو عليهم.

وأما كونه يبعث العيون على العدو فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث حُذافة بن اليمان في غزاة الخندق ودحية الكلبي في بعض غزواته» (1).

ولأنه إذا فعل ذلك لا يخفى عليه أمرهم. وقد نبه المصنف رحمه الله على ذلك بقوله: حتى لا يخفى عليه أمرهم.

قال: (ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي، ويَعِد ذا الصبر بالأجر والنّفَل، ويشاور ذا الرأي).

أما كون الإمام يمنع جيشه مما ذُكر فلأن ذلك داع للنصر وسبب للظفر.

وأما كونه يَعِد ذا الصبر بالأجر والنفَل فلأن ذلك وسيلة إلى بذل جهده وازدياد صبره.

وأما كونه يشاور ذا الرأي فلقوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 159].

ولقوله عليه السلام: «ما خاب من استشار» (2).

ولقوله: «لن يهلك قوم عن مشورة» (3).

ولأن في ذلك تطييباً لقلوبهم. وربما ظهر له بالمشاورة ما خفي عليه. ولذلك قال الشاعر:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

قال: (ويصُفُّ جيشه، ويجعل في كل جنبة كفؤاً. ولا يميل مع قريبه وذي مذهبه على غيره).

أما كون الإمام يصف جيشه فلأن ذلك من مصالح الحرب.

(1) حديث بعث حذافة بن اليمان في غزوة الخندق أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9: 148 كتاب السير، باب بعث العيون والطلائع من المسلمين.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد» . وعزاه إلى الطبراني في الصغير من طريق عبدالسلام بن عبدالقدوس وكلاهما ضعيف جداً. 8: 96 كتاب الأدب، باب ما جاء في المشاورة.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم الرازي في علله عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يهلك امرؤ عن مشورة» (2178) 2: 231 علل أخبار في الأدب والطب. وقال: إنما روى هذا الحديث هشيم عن علي بن زيد بن جدعان فنرى أنه أخذه عن أشعث أو عن رجل عن أشعث وأشعث بن براز ضعيف الحديث.

ص: 291

وأما كونه يجعل في كل جنبة كفؤاً؛ فلما روى أبو هريرة قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خالداً على إحدى المجنبتين، وجعل الزبير على الأخرى، وجعل أبا عبيدة للساقة» (1).

ولأن ذلك أحوط للحرب وأبلغ في إرهاب العدو.

وأما كونه لا يميل مع قريبه وذي مذهبه على غيره؛ فلئلا ينكسر قلب من يميل عليه فيخذله عند الحاجة.

ولأن ذلك يُفسد القلوب ويشتت الكلمة.

قال: (ويجوز له أن يَبذل جُعلاً لمن يدله على طريق أو قلعة أو ماء. ويجب أن يكون معلوماً إلا أن يكون من مال الكفار فيجوز مجهولاً).

أما كون الإمام يجوز له أن يبذل جُعلاً فيما ذُكر فلأنه من مصالح المسلمين فجاز بذله كسائر المصالح.

وأما كون الجُعل يجب أن يكون معلوماً إذا كان من مال المسلمين؛ فلأنه جُعل فوجب أن يكون معلوماً كالجعل في المسابقة ورد الضالّة.

وأما كونه يجوز أن يكون مجهولاً إذا كان من مال الكفار فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلث والربع وسلب المقتول» . وهو مجهول.

قال: (فإن جعل له جارية منهم فماتت قبْل الفتح فلا شيء له، وإن أسلمت قبل الفتح فله قيمتها، وإن أسلمت بعده سُلمت إليه. إلا أن يكون كافراً فله قيمتها. وإن فتحت صلحاً ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها. فإن أبى إلا الجارية وامتنعوا من بذلها فُسخ الصلح. ويحتمل أن لا يكون له إلا قيمتها).

أما كون من جُعلت له الجارية لا شيء له إذا ماتت قبل الفتح فلأن حقه متعلق بمعيّن فيسقط بتلفه من غير تفريط كالوديعة.

وأما كونه له قيمتها إذا أسلمت قبل الفتح فلأنها عَصَمت نفسها بالإسلام فوجب له قيمتها لأن الحق إذا تعذر ردُّ عينه وجب رد قيمته أشبه ما لو أتلف مال غيره الذي لا مثل له.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1780) 3: 1405 كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة.

ص: 292

و «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل مكة عام الحديبية على أن من جاءه مسلماً رده إليهم فجاء نساء مسلمات منعه الله ردهن وأمره برد مهورهن» (1).

وأما كون الجارية تُسَلّم إليه إذا أسلمت بعد الفتح وكان مسلماً فلأنه أمكن الوفاء بما شرط له فكان واجباً لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم» (2).

وأما كونها لا تُسلم إليه إذا كان كافراً فلأن الكافر لا يجوز له أن يبتدئ الملك على مسلم.

وأما كون الكافر له قيمتها فلأنه تعذر تسليمها إليه فوجب الرجوع إلى بدلها وهو القيمة لما تقدم.

وأما كونه له قيمتها إذا فُتحت القلعة صلحاً ولم يشترط المسلمون الجارية فلأن رد عينها متعذر لكونها تدخل تحت الصلح، وإذا تعذر رد عينها تعين رد قيمتها لأنها بدلها.

وفي قول المصنف رحمه الله: ولم يشترطوا الجارية إشعار بأنه لو شُرط في الصلح تسليم الجارية لزم تسليم عينها لا قيمتها. وهو صحيح لما فيه من الوفاء بالشرط.

وأما كون الصلح ينفسخ إذا لم يرض من جُعلت له الجارية بقيمتها وامتنع أهلها من بذلها على المذهب فلأنه تعذر إمضاؤه لأن حق الدالّ سابق.

وأما كونه يحتمل أن لا يكون له إلا القيمة فلأنه تعذر تسليمها فوجب له قيمتها أشبه ما لو أسلمت.

قال: (وله أن يُنفّل في البُداءة الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده. وذلك إذا دخل الجيش بَعَث سريةً تُغير، فإذا رجع بعث أخرى؛ فما أتت به أخرج خُمُسه وأعطى السرية ما جعل لها وقسم الباقي للجيش والسرية معاً).

أما كون الإمام له أن يُنَفّل ما ذُكر فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نَفّل الربع في البَدْأَة والثلث في الرجعة» (3).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2765) 3: 85 كتاب الجهاد، باب في صلح العدو.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1352) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2750) 3: 80 كتاب الجهاد، باب فيمن قال: الخمس قبل النفل.

ص: 293

وفي لفظ: «كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قَفَل» (1). رواهما أبو داود.

فإن قيل: لم أزيد في الرجعة على البداءة؟

قيل: لمشقة الرجعة؛ لأن الجيش في البداءة ردء للسرية بخلاف الرجعة.

وأما قول المصنف رحمه الله: وذلك إذا دخل

إلى آخره فبيان لما يَفعل الإمام عند الدخول والرجوع من بعث السرية.

وأما قوله: فما أتت به أَخرج خمسه فتنبيه على أن السرية يخمس ما غنمت كالجيش؛ لأنه مال مغتنم فيدخل في قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خُمُسَه} [الأنفال: 41].

وأما قوله: وقسم الباقي للجيش والسرية فتنبيه على أن الجيش يشارك سراياه فيما غنمت. وسيأتي ذكره في باب قسم الغنائم (2).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2749) الموضع السابق.

(2)

ص: 304.

ص: 294

فصل [فيما يلزم الجيش]

قال المصنف رحمه الله: (ويلزم الجيشُ طاعةَ الأمير، والنصحَ له، والصبرَ معه)

أما كون الجيشِ يلزمه طاعةَ الأمير فلقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59].

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصاني فقد عصا الله، ومن عصى أميري فقد عصاني» (1) رواه النسائي.

وأما كونهم يلزمهم النصحَ له؛ فلأن نصحه نصح للمسلمين.

ولأنه وُضع للدفع عن المسلمين فإذا نصحوه كثر دفعه.

وفي الحديث: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» ومعناه يكف.

وأما كونهم يلزمهم الصبر معه فلقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا} [آل عمران: 200].

ولأن الصبر من أقوى أسباب النصر والظفر.

قال: (ولا يجوز لأحد أن يتعلف، ولا يحتطب، ولا يبارز، ولا يخرج من العسكر (2)، ولا يحدث حدثاً إلا بإذنه).

أما كون أحدٍ لا يجوز له أن يتعلف، وهو: تحصيل العلف للدواب. ولا يحتطب، وهو: تحصيل الحطب بغير إذن الإمام؛ فلقوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه} [النور: 62].

ولأن الأمير أعرف بحال الناس والمواضع والمكامن وقربِ العدو وبعدِه فإذا خرجوا بغير إذنه لم يؤمن أن يكون في موضع ذهابِهم عدوٌ فيظفر بهم.

وربما ارتحل الأمير وبقي الخارج فيضيع.

(1) أخرجه النسائي في سننه (4193) 7: 154 كتاب البيعة، الترغيب في طاعة الإمام.

(2)

في المقنع: المعسكر.

ص: 295

وأما كونه لا يجوز أن يبارز بغير إذنه فلأن الأمير أعرف بفرسانه وشأنِ عدوه فإذا برز بغير إذنه فربما برز إلى من لا يُطيقه فلا يؤمن ظفَر العدو به فينكسر قلوب المسلمين.

وأما كونه لا يجوز أن يخرج من العسكر بغير إذنه فلأنه ربما كان للعدو كمين فيأخذوه وينكسر قلوب المسلمين، وربما دخل الأمير وأدى خروجه إلى ضياعه.

وأما كونه لا يجوز أن يحدث حدثاً بغير إذنه فلما ذُكر قبلُ.

قال: (فإن دعا كافر إلى البراز استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير، فإن شرط الكافر أن لا يقاتله (1) غير الخارج إليه فله شرطه. فإن انهزم المسلم أو أُثخن بالجراح جاز الدفع عنه. وإن قتله المسلم فله سلبه).

أما كون مبارزة من يعلم من نفسه ما ذُكر يستحب بإذن الأمير فـ «لأن حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بارزوا يوم بدر بإذن النبي صلى الله عليه وسلم» (2).

و«بارز ابنُ الأكوع مرحباً يوم خيبر ثم بارزه علي» (3).

وقيل: «بارزه محمد بن مسلمة» (4).

ولم يزل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبارزون في حروبهم. روي عن البراء بن مالك أنه قال: «قتلت تسعة وتسعين رئيساً من المشركين مبارزة» (5).

وأما كون الكافر له شرطه إذا شرط أن لا يقاتله غير الخارج إليه؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم» (6).

وأما كون الدفع عن المسلم يجوز إذا انهزم فلأن المسلم إذا صار إلى هذه الحالة فقد انقضى قتاله وربما أثخنه فقتله.

(1) في هـ: أن يقاتله.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2665) 3: 52 - 53 كتاب الجهاد، باب: في المبارزة.

وأخرجه أحمد في مسنده (951) ط إحياء التراث. كلاهما عن علي رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (23081) 5: 358.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (15173) 3: 385.

(5)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (9469) 5: 233 كتاب الجهاد، باب السلب والمبارزة.

(6)

سبق تخريجه ص: 293.

ص: 296

وأما كونه يجوز إذا أُثخن بالجراح فـ «لأن حمزة وعلياً أعانا عُبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أُثخن عبيدة» (1).

وأما كون المسلم له سلب الكافر إذا قتله فلأن القاتل يستحق سلب المقتول؛ لما سيأتي بعد.

قال: (وكل من قَتل قتيلاً فله سلبه غير مخموس إذا قتله حال الحرب منهمكاً على القتال غير مثخن، وغرر بنفسه في قتله. وعنه: لا يستحقه إلا من شُرط له).

أما كون من قتل قتيلاً له سلبه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل كافراً فله سلبه» (2).

وقال عليه السلام: «من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه» (3) متفق عليه.

وأما كون السلب غيرَ مخموس «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن طليعة الكفار: من قتله؟ قالوا: ابن الأكوع قال: له سلبه أجمع» (4) رواه أبو داود.

وروى عوف بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل، ولم يخمس السلب» (5). روه أبو داود.

وأما قول المصنف رحمه الله: إذا قتله

إلى آخره؛ فبيان لما يشترط في كون السلب للقاتل، وهو أشياء:

أحدها: أن يَقتله حال الحرب، فإن قتله بعد انقضائها فلا سلب له؛ «لأن عبدالله بن مسعود وقف على أبي جهل، وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو (6) بن الجموح» (7)؛ لأنه أثبته.

(1) سبق تخريجه قريبا من حديث علي رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2718) 3: 71 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2973) 3: 1144 أبواب الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب

وأخرجه مسلم في صحيحه (1751) 3: 1370 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل. كلاهما عن أبي قتادة.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (2654) 3: 49 كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (2721) 3: 72 كتاب الجهاد، باب في السلب لا يخمس.

(6)

في هـ: عمر.

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه (3745) 4: 1458 كتاب المغازي، باب: قتل أبي جهل.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1800) 3: 1424 كتاب الجهاد والسير، باب: قتل أبي جهل.

ص: 297

وثانيها: أن يكون مُقبلاً على القتال فإن كان مدبراً فلا سلب له؛ لأنه لم يغرر بنفسه في قتله.

وثالثها: أن يغرر بنفسه في قتله كالمبارز. فإن قتله بسهم من صف المسلمين فلا سلب له؛ لأن الخبر إنما ورد في المبارزة ونحوها.

ورابعها: أن يكون القاتل ذا حق في المغنم حراً كان أو عبداً، رجلاً أو صبياً. فإن لم يكن له حق كالمخذل والمرجف والكافر إذا حضر بغير إذن فلا سلب له؛ لأنه لا حق له في المغنم فغيره أولى. ولم يذكر المصنف رحمه الله هذا الشرط هنا، ونص عليه في الكافي.

وأما كونه لا يشترط في ذلك إذن الأمير على المذهب فلعموم ما تقدم من الأحاديث.

وأما كونه يُشترط على رواية؛ فلما روى عوف بن مالك «أن مددا غزا معهم فقتل علجاً فأعطاه خالد بعض سلبه وأمسك سائره. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تعطه يا خالد» (1) رواه أبو داود.

والأول أصح؛ لما تقدم.

ولأن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «من قتل قتيلاً فله سلبه» (2) عام في غزوته وغيرها. ولذلك احتج به عوف بن مالك على خالد حين أخذ سلب المددي. فقال له عوف: «أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى» .

ص: 298

وقول عمر: «كنا لا نخمس السلب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1) يدل على أن هذا من قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورة العامة.

وأما أمر خالد بعدم الإعطاء فعقوبة لعوف حين أغضبه بتقريعه خالداً بين يديه.

قال: (فإن قطع أربعته، وقتله آخر فسلبه للقاطع. وإن قتله اثنان فسلبه غنيمة، وقال القاضي: هو لهما).

أما كون السلب لقاطع أربعته دون قاتله بعد ذلك؛ فلأن القاطع هو الذي أثبته، ولذلك «أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عمرو (2) بن الجموح سلبَ أبي جهل» (3)، و «لم يعطه ابن مسعود مع أنه تمم قتله» (4).

وأما كون سلبه غنيمة إذا قتله اثنان على المذهب فلأن السلب يُستحق للتغرير ولا يحصل ذلك بالاشتراك، وإذا لم يستحقه القاتل وجب كونه غنيمة كسائر أموال الكفار.

وأما كونه لهما على قول القاضي فلأنهما قتلاه فاستحقا سلبه لدخولهما في عموم الأحاديث المتقدمة. وكالواحد.

قال: (وإن أسره فقتله الإمام فسلبه غنيمة، وقال القاضي: هو لمن أسره).

أما كون سلب من أسره فقتله الإمام غنيمة على الأول فلأن الذي أسره لم يقتله والإمام لم يغرر بنفسه في قتله.

وأما كونه لمن أسره على قول القاضي فلأنه غرر بنفسه في أسره أشبه ما لو قتله.

فإن قيل: ظاهر هذا التعليل أنه يستحق السلب سواء قتله الإمام أو فاداه.

(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (9468) 5: 233 كتاب الجهاد، باب السلب والمبارزة.

وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2708) 2: 263 كتاب الجهاد، باب ما يخمس في النفل.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 310 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في تخميس السلب.

(2)

في هـ: عمر.

(3)

سبق تخريجه ص: 297.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (12123) 11: 399 عن ابن عباس قال: «انتهى عبدالله بن مسعود إلى أبي جهل يوم بدر وهو وقيذ فاستل سيفه فضرب عنقه فبدر رأسه

» وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: فيه إسماعيل بن أبي إسحاق أبو إسرائيل الملائي وهو ضعيف. وقال أحمد: يكتب حديثه. 5: 331.

ص: 299

قيل: نعم. وصرح المصنف به في الكافي.

قال: (وإن قطع يده ورجله، وقتله آخر فسلبه غنيمة. وقيل: هو للقاتل).

أما كون السلب في ما ذكر غنيمة على الأول فلأن القاطع والقاتل اشتركا فيه ولا تغرير مع الشركة، وهو شرط في استحقاق القاتل السلب، وإذا لم يستحقه القاتل تعين كونه غنيمة لما تقدم.

وأما كونه للقاتل على قولٍ؛ فلدخوله في عموم قوله عليه السلام: «فمن قتل قتيلاً فله سلبه» (1).

قال: (والسلب: ما كان عليه من ثيابٍ وحلي وسلاح والدابة بآلتها. وعنه: أن الدابة ليست من السلب. ونفقته ورحله وخيمته غنيمة).

أما كون ما على المقتول من الثياب من السلب فلا شبهة له فيه لدخول ذلك في مفهوم السلب.

وأما كون ما عليه من حلي وسلاح من السلب فلما روي «أن عمرو بن معد يكرب حمل على أسوار وطعنه فدق صلبه فصرعه، فنزل إليه فقطع يديه وأخذ سوارين كانا عليه ويَلْمَق من ديباج وسيفاً ومِنطقة فسلم ذلك له» (2).

و«بارز البراء مُرزُبان الزأرة فقتله فبلغ سواره ومنطقته ثلاثين ألفاً» (3).

وأما كون الدابة وآلتها من السلب على المذهب؛ فلأنهما يُستعان بها في الحرب أشبها السلب.

وأما كونهما ليست منه على روايةٍ؛ فلأن السلب ما كان على البدن، والدابةُ وآلتُها ليستا كذلك.

(1) سبق تخريجه ص: 297.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2691) 2: 257 كتاب الجهاد، باب النفل والسلب في الغزو والجهاد.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (9468) 5: 233 كتاب الجهاد، باب السلب والمبارزة.

وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2716) 2: 265 كتاب الجهاد، باب ما يخمس في النفل.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 311 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في تخميس السلب.

ص: 300

وأما كون نفقته وخيمته ورحله غنيمة فلأنه ليس من الملبوس ولا مما يُستعان به في الحرب فكان غنيمة كبقية أموال الكفار.

قال: (ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام (1) إلا أن يَفْجَأهم عدوٌّ يخافون كَلَبَه).

أما كون الغزو بغير إذن الأمير لا يجوز إذا لم يَفجأهم العدو الموصوف بما ذُكر فلأنه إذا لم تجز المبارزة إلا بإذنه فلأن لا يجوز الغزو إلا بإذنه بطريق الأولى.

وأما كونه يجوز بغير إذنه إذا فَجأهم عدو يخافون شره وأذاه، وهو المعني بقول المصنف رحمه الله: كَلَبه فلأن الحاجة تدعو إليه لما في التأخير من الضرر.

قال: (فإن دخل قوم لا مَنَعَة لهم دار الحرب بغير إذنه فغنموا: فغنيمتهم فيء. وعنه: هي لهم بعد الخمس. وعنه: هي لهم لا خُمُس فيها).

أما قول المصنف رحمه الله: لا منعة لهم فالمراد بها القوة والدفع، وهي محركة الميم والنون والعين وقد تسكن نونها.

وأما كون غنيمتهم فيئاً على المذهب فلأنها: مال وُصل إليه بقوة الإسلام فكان فيئاً كما لو هربوا وتركوه.

وأما كونها بعد الخمس على رواية فلأنها: مال أُخذ بقتال وجهاد فكان كذلك كسائر الغنائم. فلا اعتبار بالقلة؛ لأن الله تعالى قال: {كم من فِئَةٍ قليلةٍ غلبت فِئَة كثيرة} [البقرة: 249].

وأما كونها لهم لا خُمُس فيها فلأنهم أخذوه لا بقوة أشبه ما لو سرقوه.

قال: (ومن أَخذ من دار الحرب طعاماً أو علفاً فله أكله وعلفُ دابته بغير إذن، وليس له بيعه. فإن باعه رد ثمنه في المغنم. وإن فضل معه منه شيء فأدخله البلد رده في الغنيمة، إلا أن يكون أسيراً فله أكله في إحدى الروايتين).

أما كون من أخذ من دار الحرب ما ذُكر له أكله فلما روى عبدالله بن أبي أوفى قال: «أصبنا طعاماً يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينصرف» (2) رواه أبو داود.

(1) في المقنع: الأمير.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2704) 3: 66 كتاب الجهاد، باب في النهي عن النهبى

ص: 301

وعن عمر «أن صاحب جيش الشام كتب إليه: إنا فتحنا أرضاً كثيرة الطعام والعلف. فكتب إليه: دع الناس يعلفون ويأكلون» (1) رواه سعيد.

وأما كونه له علف دابته فلما ذُكر في حديث عمر.

ولأن الحاجة تدعو إلى هذا، وفي المنع منه ضرر بدوابّ الجيش.

وأما كونه ليس له بيعه فلأنه إنما أبيح أكله لفعل الصحابة ولم ينقل عنهم بيعه.

ولأنه لا حاجة في بيعه بخلاف الأكل.

وأما كونه يَرُدُّ ثمن المبيع في المغنم فلأن فيما كتب عمر: «فمن باع منهم شيئاً بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين» (2).

وظاهر لفظ المصنف: أنه ممنوع من البيع فإذا باع صح بيعه ويرد الثمن في المغنم؛ لأن الغرض أن لا يضيع حق الغانمين وفي رد الثمن تحصيل لذلك الغرض.

وقال القاضي: إن باعه لغير غازٍ فالبيع باطل ويرد الثمن على المشتري؛ لأنه بيع من غير ولاية ولا نيابة، وإن باعه لغاز بطعام أو علف من دار الحرب فليس ببيع حقيقة بل يكون كل واحد منهما أحق بما صار إليه. وإن باعه بذهب أو فضة أو غير الطعام والعلف فالمشتري أحق به لثبوت يده عليه ويجب على البائع رد الثمن لعدم انعقاد البيع.

وأما كون ما فضل معه إذا أدخله البلد وكان كثيراً يرده؛ فلأنه إنما أخذه للحاجة وقد زالت.

ولأنه فضل (3) لما تبين أنه أخذ أكثر من حاجته.

وأما كونه له أكل اليسير في رواية فلأنه يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأَخْرِجَتنا منه مملاة» (4) رواه أبو داود.

وأما كونه ليس له ذلك في رواية فبالقياس على الكثير.

(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2750) 2: 274 كتاب الجهاد، باب ما بيع من متاع العدو من ذهب أو فضة.

(2)

هو تكملة للحديث السابق.

(3)

سقط لفظ فضل من هـ.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (2706) 3: 66 كتاب الجهاد، باب في حمل الطعام من أرض العدو.

ص: 302

قال: (ومن أخذ سلاحاً فله أن يقاتل به حتى (1) تنقضي الحرب، ثم يرده. وليس له ركوب الفرس في إحدى الروايتين).

أما كون من أخذ سلاحاً له أن يقاتل به حتى تنقضي الحرب فلأن الحاجة إليه أعظم من الطعام.

ولأن شرر استعماله أقلُّ من ضرر أكل الطعام لأن عينه لا تزول بالاستعمال.

وأما كونه يرده بعد انقضاء الحرب فلزوال الحاجة.

وأما كونه ليس له ركوب الفرس في روايةٍ؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه» (2).

ولأن الغالب أن الفرس تعطب في القتال.

وأما كونه له ذلك في رواية؛ فلأنه آلة يستعان به في الحرب فكان له ذلك كالسلاح.

والأول أصح؛ لما ذُكر.

(1) في المقنع: يقاتل حتى.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2708) 3: 67 كتاب الجهاد، باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء. عن رويفع بن ثابت الأنصاري.

ص: 303