الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإحرام
قال المصنف رحمه الله: (يستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين إزاراً ورداء).
أما استحباب الاغتسال لمن أراد الإحرام فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل» (1) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن غريب.
و«لأنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها أن تغتسل عند الإهلال بالحج وهي حائض» (2).
و«أمر أسماء أن تغتسل عند الإحرام وهي نفساء» (3) رواه مسلم.
وأما استحباب التنظف له. وهو: إزالة الشعث، وقطع الرائحة، وحلق شعر العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، ونحو ذلك فلأنه عبادة يسن له الاغتسال والطيب فسن له التنظيف كالجمعة.
وأما استحباب الطيب له فلقول عائشة رضي الله عنها: «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت» (4).
وقالت: «كأني أنظرُ إلى وَبِيصِ الطيبِ في مفارقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم» (5) رواه البخاري.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (830) 3: 193 كتاب الحج، باب ما جاء في الإغتسال عند الإحرام.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1213) 2: 881 كتاب الحج، باب إحرام النفساء
…
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (1210) 2: 869 كتاب الحج، باب إحرام النفساء
…
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (1465) 2: 558 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (1189) 2: 846 كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (5574) 5: 2213 كتاب اللباس، باب الفرق.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1190) 2: 847 كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام.
وأما لبس الثوبين الإزار والرداء فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وليحرم أحدكم في إزار ورداء» (1).
وأما استحباب كونهما أبيضين فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير ثيابكم البياض فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم» (2).
وأما استحباب كونهما نظيفين فلأنه يستحب له النظافة في بدنه فكذلك في لباسه.
ولبس الثوبين إن قصد مطلقه فهو واجب لأن المحرم يجب عليه التجرد من المخيط مع أنه يجب عليه ستر عورته، وإن قصد كونه إزاراً ورداء أو موصوفاً بالبياض والنظافة فهو مستحب. وحمل كلام المصنف رحمه الله على الثاني أولى لوجهين:
أحدهما: أنه ذكر ذلك في سياق المستحب.
والثاني: أنه يَذكر بعدُ التجرد عن المخيط.
قال رحمه الله: (ويتجرد عن المخيط ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما).
أما تجرده عن المخيط فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله» (3) رواه الترمذي.
وأما صلاته ركعتين وإحرامه عقيبهما فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم في دبر الصلاة» (4) رواه البخاري.
قال: (وينوي الإحرام بنسك معين، ولا ينعقد إلا بالنية. ويشترط فيقول: اللهم! إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني).
أما نيته الإحرام بنسك معين فلأن أحكام ذلك تختلف. فإذا نوى معيناً أمكن أن يرتب على ذلك ما يقتضيه.
(1) أخرجه أحمد في مسنده (4899) 2: 34 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (3566) 2: 1181 كتاب اللباس، باب البياض من الثياب.
وأخرجه أحمد في مسنده (2479) 1: 274.
(3)
سبق تخريجه قريباً.
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه (819) 3: 17 كتاب الحج، باب ما جاء متى أحرم النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه النسائي في سننه (2754) 5: 162 كتاب مناسك الحج، العمل في الإهلال.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (12743) 3: 128 كتاب الحج، من كان يستحب أن يحرم في دبر الصلاة. ولم أره في البخاري.
وأما عدم انعقاد ذلك بغير النية فلأن النسك عمل فلم يكن بد فيه من النية لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» (1). و «لا عمل إلا بنية» (2).
ولأنه عبادة محضة فافتقر إلى النية كالصلاة.
وأما اشتراطه «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير وهي شاكية: حجي واشترطي أن مَحِلّي حيث حبستني» (3) متفق عليه.
وأما قول المصنف رحمه الله: فيقول إلى آخره فتفسير لقوله ويشترط.
فإن قيل: ما يفيد هذا الاشتراط؟
قيل: شيئين: أحدهما: أنه إذا عاقه عائق من عدو أو مرض أو ذهاب نفقة له التحلل.
والثاني: إذا حل لعذر لا دم عليه ولا صوم.
قال رحمه الله: (وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران. وأفضلها التمتع ثم الإفراد. وعنه: إن ساق الهدي فالقران أفضل ثم التمتع).
أما تخيير مريد الإحرام بين التمتع والإفراد والقران فلما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج» (4) متفق عليه.
وأما كون التمتع أفضل من الإفراد والقران الخالي عن سوق الهدي فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا أن يحلوا ويجعلوها عمرة» (5). أمرهم بنقل الإفراد والقران إلى العمرة ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل الأكمل.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1) 1: 3 بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنية» .
(2)
لم أجده هكذا وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 1: 41 كتاب الطهارة، باب الاستياك بالأصابع. عن أنس:«إنه لا عمل لمن لا نية له» .
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (4801) 5: 1957 كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1207) 2: 868 كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض وغيره.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (4146) 4: 1600 كتاب المغازي، باب حجة الوداع.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1211) 2: 873 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام
…
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (1568) 2: 594 كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى بقوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] بخلاف الإفراد والقران.
ولأن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج كاملين غير متداخلين على وجه السهولة مع زيادة نسك هو الدم فكان ذلك أفضل من نسك لا يجتمع فيه ذلك.
وأما القران مع سوق الهدي فهل التمتع أفضل منه؟ فيه روايتان:
أحدهما: التمتع أفضل لما تقدم.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تأسف على فعله فقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة» (1).
والثانية: القران أفضل «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً» (2).
والأول أصح لما تقدم.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه كان متمتعاً مع أن ذلك فعله والأمر بالتمتع قوله والقول مقدم على الفعل لاحتمال اختصاصه به.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6933) 6: 2681 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 891 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1476) 2: 562 كتاب الحج، باب: التحميد والتسبيح والتكبير، قبل الإهلال ..
قال رحمه الله: (وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة أو من قريب منها في عامه.
والإفراد: أن يحرم بالحج مفرداً.
والقران: أن يحرم بهما جميعاً، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج.
ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها).
أما كون الإحرام بالعمرة في أشهر الحج فلأن ذلك قول جابر.
ولأنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج فلم يكن متمتعاً كالمفرد.
ولأنه لو حل في أشهر الحج لم يكن متمتعاً فكذلك إذا أحرم فيها.
وأما اعتبار الفراغ منها. ومعناه: أنه يَحِل من الإحرام بالعمرة قبل الإحرام بالحج فلأنه لو أحرم بالحج قبل الحل من العمرة لكان قارناً. واجتماع النسكين ممتنع.
وأما اعتبار الإحرام بالحج من مكة أو من موضع قريب منها فلما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع. وإن خرج ورجع فليس بمتمتع» . وعن ابن عمر نحوه (1).
وأما اعتبار الإحرام بالحج من عامه فلأن الله تعالى قال: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] إذ ظاهر ذلك يقتضي الموالاة بينهما.
ولأن العلماء أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه لا يكون متمتعاً فإذا لم يحج من عامه بطريق الأولى.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا يشترط في المتمتع غير ذلك.
واشترط أبو الخطاب والقاضي أن ينوي التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها لأنه جمع بين عبادتين فافتقر إلى النية كالجمع بين الصلاتين.
وقال المصنف رحمه الله في المغني والكافي: ظاهر الآية يدل على عدم الاشتراط.
ولأن التمتع التَّرَفّه بأحد السفرين وهو موجود بدون النية.
وأما كون الإفراد أن يحرم بالحج مفرداً فلأن من أفرد من الصحابة هكذا فعل. ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: «ومنا من أهل بحج» (2).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (13004) 3: 152 كتاب الحج، في الرجل يعتمر في أشهر الحج ثم يرجع ثم يحج.
(2)
سبق تخريجه ص: 88.
ولأنه مفرد فوجب أن يكون فعله الإفراد.
وأما كون القران أحد الأمرين المذكورين من الإحرام بهما أو الإحرام بعمرة ثم إدخال الحج عليها: أما الأول فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرن هكذا فعل.
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرن بين حج وعمرة فليهرق دماً» . والقران ظاهر في الجمع بينهما.
وأما الثاني فلأن عائشة رضي الله عنها قالت: «أهللت بالعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا» (1).
وفي حديث آخر أن عائشة رضي الله عنها قالت: «أهللنا بالعمرة ثم أدخلنا عليها الحج» .
وفي آخر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة لما قرنت بين الحج والعمرة: يسعكِ طوافكِ لحجكِ وعمرتكِ» (2).
ويشترط في إدخال الحج على العمرة في حق من لم يسق الهدي أن يكون قبل الطواف فلو طاف للعمرة ثم أدخل عليها الحج لم يصح لأنه قد أتى بمقصود العمرة وشرع في التحلل منها فإن كان ساق الهدي لم يمتنع ذلك لعموم ما تقدم.
ولأن من ساق الهدي لا يجوز له التحلل حتى ينحر لقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} [البقرة: 196] وإذا لم يجز له التحلل لم يكن شارعاً فيه.
وأما عدم صحة الإحرام بالعمرة إذا أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة فلأنه لم يَرد بذلك أثر ولا هو في معنى ما جاء به الأثر. وإحرامه لا يزيد عملاً على ما لزمه بإحرام الحج ولا يغير ترتيبه بخلاف إدخال الحج على العمرة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1481) 2: 563 كتاب الحج، باب كيف تهل الحائض والنفساء.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1211) 2: 870 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام
…
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1211) 2: 879 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام
…
قال رحمه الله: (ويجب على المتمتع والقارن دم نسك إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام. وهم أهل مكة، ومن كان منها دون مسافة القصر).
أما وجوب الدم على المتمتع فلقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196].
وأما وجوبه على القارن فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرن بين حج وعمرة فليهرق دماً» .
ولأنه تَرَفَّهَ بأحد السفرين فلزمه دم كالمتمتع.
وأما اشتراط كون المتمتع والقارن من غير حاضري المسجد الحرام لوجوب الدم عليهما: أما في المتمتع فلأن تكملة الآية {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196].
وأما في القارن فلأنه في معنى المتمتع.
ولأن وجوب الدم عليه لترفهه بأحد السفرين فإذا كان من حاضري المسجد الحرام لم يوجد الترفه فيجب أن ينتفي الوجوب لانتفاء مقتضيه.
وأما قول المصنف رحمه الله: وهم أهل مكة
…
إلى آخره فتفسير لحاضري المسجد الحرام؛ لأن الحاضر القريب، وذلك المكي ومن هو منها دون مسافة القصر دون غيرهما.
قال رحمه الله: (ومن كان قارناً أو مفرداً أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، إلا أن يكون قد ساق هدياً فيكون على إحرامه).
أما استحباب فسخ القارن والمفرد نسكهما وجعله عمرة في الجملة فلأنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه أمر أصحابه الذين أفردوا بالحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي» (1) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1568) 2: 594 كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. كلاهما عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
وروي عن سلمة بن شبيب أنه قال لأحمد: كل شيء منك حسن جميل إلا خلة واحدة. فقال: وما هي؟ قال: تقول: بفسخ الحج. قال: قد كنت أرى أن لك عقلاً. عندي ثمانية عشر حديثاً صحاحاً جياداً كلها في فسخ الحج أتركها لقولك.
ولأنه قلب للحج إلى العمرة فجاز. دليله من لحقه الفوات.
وأما ما يشترط للفسخ فأمران:
أحدهما: أن لا يكون معه هدي؛ للحديث المتقدم.
ولقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} [البقرة: 196].
وثانيهما: أن لا يكون قد وقف بعرفة؛ لأن الواقف بها قد أتى بمعظم العبادة وأيِس من فواتها بخلاف غيره.
ولم يصرح المصنف رحمه الله بهذا الشرط اكتفاء بقوله: إذا طاف وسعى؛ لأن ذلك يكون قبل الوقوف.
فإن قيل: قول المصنف رحمه الله: إذا طاف وسعى شرط في استحباب الفسخ أم لا؟
قيل: ظاهره ذلك. وليس الأمر كذلك؛ لأن الأخبار الواردة في ذلك تقتضي الفسخ قبل الطواف والسعي.
ولأنه إذا طاف وسعى ثم فسخ يحتاج إلى طواف وسعي لأجل العمرة ولم يرد مثل ذلك فيما ذكر.
ويمكن تأويل كلام المصنف رحمه الله على أن إذا ظرف. ويكون المراد: أحببنا له أن يفسخ وقت طوافه أي وقت جواز طوافه.
قال رحمه الله: (ولو ساق المتمتع هدياً لم يكن له أن يحل. والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة).
أما عدم حل المتمتع إذا ساق الهدي فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: من كان منكم معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليتحلل» (1) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1606) 2: 607 كتاب الحج، باب من ساق البدن معه.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1227) 2: 901 كتاب الحج، باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج.
وأما إحرام المتمتعة بالحج إذا حاضت فخشيت فوات الحج فـ «لأن عائشة رضي الله عنها كانت متمتعة فحاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أهلي بالحج
…
مختصر» (1) رواه مسلم.
ولأن إدخال الحج على العمرة يجوز من غير خشية الفوات فلأن يجوز مع الخشية أولى.
فإن قيل: ما وجه خشية فوات الحج بالحيض؟
قيل: لأن المتمتعة لا تحل من عمرتها ما لم تطف فإذا حاضت لم يمكنها الطواف لأنها ممنوعة من دخول المسجد.
وأما صيرورتها قارنة فلأن أحد نوعي القران إدخال الحج على العمرة وذلك موجود هاهنا.
قال رحمه الله: (ومن أحرم مطلقاً صح، وله صرفه إلى ما شاء. وإن أحرم بمثل ما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله).
أما صحة الإحرام مطلقاً فلأن الإحرام يصح مع الإبهام لما يأتي فلأن يصح مع الإطلاق بطريق الأولى.
وأما صرفه إلى أي الأنساك شاء فلأنه له أن يبتدئ بأيها شاء فكان له صرف المطلق إلى أيها شاء.
فعلى هذا يعينه قبل الطواف.
فإن طاف قبل التعيين لم يجزئه طوافه؛ لأنه طاف لا في حج ولا في عمرة.
وأما انعقاد إحرامه إذا أحرم بمثل ما أحرم به فلان فلما روى أبو موسى رضي الله عنه قال: «قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء. فقال لي: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلالٍ كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أحسنت. وأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة. ثم قال: أحل» (2) متفق عليه.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1213) 2: 881 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام
…
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1637) 2: 616 كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1221) 2: 894 كتاب الحج، باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قال لعلي: ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال قلت: اللهم! إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن معي الهدي فلا تَحِل» (1) رواه مسلم.
فعلى هذا يفعل مثل ما يفعل من أحرم بمثل إحرامه لما تقدم في الحديث.
ولأنه جعل نفسه تبعاً له.
فإن لم يعلم بما أحرم به فلان كان كما لو نسي ما أحرم به فلان وسيذكر، وإن علم أن فلاناً لم يحرم أو شك هل أحرم أم لا؟ كان كما لو أطلق الإحرام. وقد تقدم.
قال رحمه الله: (وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بأحدهما (2)، وإن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة.
وقال القاضي: يصرفه إلى أيها (3) شاء).
أما انعقاد الإحرام بإحدى الحجتين أو العمرتين إذا أحرم بهما فلأن انعقاد الإحرام بهما لا يمكن لتعذر أداء العبادتين في حالة واحدة، وإبطالهما مفضٍ إلى إبطال العمل المنوي فلم يبق إلا انعقاد أحدهما.
وأما جعل النسك عمرة إذا أحرم بنسك ونسيه على المذهب فلأنها أفضل.
ولأنه له أن يصرف الإفراد والقران إليها مع العلم فلأن يكون له أن يصرفهما مع الإبهام بطريق الأولى.
وأما صرفه إلى أيها شاء على قول القاضي فلأنه إن صادف ما أحرم به فقد أصاب، وإن صرفه إلى عمرة وكان إحرامه بغيرها جاز؛ لأن فسخه إليها جائز مع العلم فمع الجهل أولى، وإن صرفه إلى قران وكان إحرامه بعمرة فقد أدخل عليها الحج وهو جائز، وإن كان مفرداً فقد أدخل العمرة على الحج وهو لغو لا يفيد ولا يقدح في حجه كما لو فعله مع العلم، وإن صرفه إلى الإفراد وكان معتمراً فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارناً ولا تبطل العمرة بترك نيتها لأنه ليس من شرط صحة العبادة استدامة النية فيها، وإن كان قارناً فهو على حاله كذلك.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
في المقنع: بإحداهما.
(3)
في المقنع: أيهما.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: إن كان شك بعد الطواف لم يجز صرفه إلا إلى العمرة خاصة لأن إدخال الحج على العمرة بعد الطواف لا يجوز.
فعلى هذا يجب حمل كلام المصنف رحمه الله هنا على ما إذا نسي قبل الطواف.
قال رحمه الله: (وإن أحرم عن رجلين وقع عن نفسه. وإن أحرم عن أحدهما لا بعينه وقع عن نفسه.
وقال أبو الخطاب: له صرفه إلى أيهما شاء).
أما وقوع الإحرام عن نفسه إذا أحرم عن رجلين فلأنه لا سبيل إلى وقوع العبادة عن الرجلين؛ لأن العبادة الواحدة لا تجزئ عن اثنين دليله الصلاة وغير ذلك، ولا عن أحدهما لأنه ليس أولى من الآخر وإذا تعذر وقوعها عن غيره تعين وقوعها عن نفسه كما لو أحرم وأطلق.
وأما وقوعه عن نفسه إذا أحرم عن أحدهما لا بعينه على قول غير أبي الخطاب فلما تقدم.
وأما صرفه إلى أيهما شاء على قول أبي الخطاب فلأن الإحرام يصح مع الإبهام لما تقدم فكذلك يصح عن المجهول ويعينه بعد ذلك كما لو أحرم مطلقاً ثم عين النسك.
قال رحمه الله: (وإذا استوى على راحلته لبى تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
أما تلبيته عند استوائه على راحلته فلما روى أنس وابن عمر رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ركب راحلته واستوت به أهَلَّ» (1) رواه البخاري.
ومعنى أهَلَّ: رفع صوته. من قولهم استهل الصبي إذا صاح.
وأما صفة التلبية فكتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال: {واتبعوه} [الأعراف: 158].
وأما صفة تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم فكما ذكره المصنف لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى «أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك» (2) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (14706) 2: 561 كتاب الحج، باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (5571) 5: 2213 كتاب اللباس، باب التلبيد.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1184) 2: 841 كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها.
والتلبية مأخوذة من لب بالمكان إذا لزمه. فكأنه قال: أنا مقيم على طاعتك. وكرر لأنهم أرادوا إقامة بعد إقامة.
وقال جماعة من أهل العلم: معناها إجابة إبراهيم عليه السلام حين نادى للحج.
قال رحمه الله: (والتلبية سنة. ويستحب رفع الصوت بها والإكثار منها والدعاء بعدها).
أما مسنونية التلبية «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها» (1).
وأما استحباب رفع الصوت بها فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية» (2) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
وأما استحباب الإكثار منها فلما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يضحي يلبي حتى تغرب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه» (3) رواه ابن ماجة.
وأما استحباب الدعاء بعدها فلما روى خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله عز وجل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار» (4) رواه الشافعي.
ولأنه مظنة الإجابة أشبه الدعاء يوم الجمعة.
(1) كما سبق ذكره، من حديث أنس وابن عمر.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1814) 2: 162 كتاب المناسك، باب كيف التلبية.
وأخرجه الترمذي في جامعه (829) 3: 191 كتاب الحج، باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبيية.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2922) 2: 975 كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية.
وأخرجه أحمد في مسنده (83329) 4: 55.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2925) 2: 976 كتاب المناسك، باب الظلال للمحرم. قال في الزوائد: إسناده ضعيف. لضعف عاصم بن عبيدالله وعاصم بن عمر بن حفص.
(4)
أخرجه الشافعي في مسنده (797) 1: 307 كتاب الحج، باب فيما يلزم المحرم عند تلبسه بالإحرام.
وأخرجه الدارقطني في سننه (11) 2: 238 كتاب الحج، باب المواقيت.
قال رحمه الله: (ويلبي إذا علا نشزاً أو هبط وادياً وفي دبر الصلوات المكتوبة وإقبال الليل والنهار وإذا التقت الرفاق. ولا ترفع المرأة صوتها إلا بقدر ما تُسمع رفيقتها).
أما استحباب التلبية في المواضع المذكورة فلما روى جابر رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي في حجه إذا لقي راكباً أو علا أكَمَة أو هبط وادياً وفي أدبار المكتوبة ومن آخر الليل» (1).
وقال إبراهيم النخعي: «كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة وإذا علا نشزاً وإذا هبط وادياً وإذا لقي راكباً وإذا استوت به راحلته» (2).
وأما عدم رفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بقدر ما تُسمع رفيقتها فلأن المرأة صوتها عورة فلم يشرع لها الرفع بها بغير ما ذكر ولذلك لم يشرع لها أذان ولا إقامة.
(1) قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث ذكره الشيخ في المهذب، وبيض له النووي والمنذري، وقد رواه ابن عساكر في تخريجه لأحاديث المهذب. انظر تلخيص الحبير: 2: 456.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (12746) 3: 129 كتاب الحج، من كان يستحب أن يحرم في دبر الصلاة.