المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ذكر دخول مكة - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌باب ذكر دخول مكة

‌باب ذكر دخول مكة

قال المصنف رحمه الله: (يستحب أن يدخل مكة من أعلاها من ثنية كداء، ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة).

أما استحباب دخول مكة من أعلاها من ثنية كداء فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى» (1).

وروت عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها» (2) متفق عليهما.

وأما استحباب دخول المسجد من باب بني شيبة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذ فعل (3) رواه مسلم. قال: (فإذا رأى البيت رفع وكبر وقال: اللهم! أنت السلام ومنك السلام حَيِّنا ربنا بالسلام. اللهم! زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً. الحمد لله رب

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1501) 2: 571 كتاب الحج، باب من أين يخرج من مكة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1257) 2: 918 كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (15016) 2: 571 كتاب الحج، باب من أين يخرج من مكة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1258) 2: 918 كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (495) 1: 303 عن ابن عمر قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من باب بني عبد مناف وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة، وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحرورة وهو باب الخياطين» . قال في مجمع الزوائد: فيه مروان بن أبي مروان قال السليماني: فيه نظر، وبقية رجاله رجال الصحيح 3: 238، ولم أره في مسلم.

ص: 166

العالمين كثيراً كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلاً، والحمد لله على كل حال. اللهم! إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك. اللهم! تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. يرفع بذلك صوته).

أما استحباب رفع اليدين عند رؤية البيت فلما روى أبو بكر ابن المنذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: افتتاح الصلاة، واستقبال البيت، وعلى الصفا والمروة، وعلى الموقفين، والجمرتين» (1).

ولأن الدعاء مستحب عند رؤية البيت وقد أُمر برفع اليدين عند الدعاء (2).

وأما استحباب التكبير عند رؤية البيت (3).

وأما استحباب قول: اللهم! أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام فلما روى سعيد بن المسيب قال: «سمعت من عمر كلمة يقولها لما رأى البيت لم يسمعها غيري وهي: اللهم! أنت السلام

» (4).

وعن سعيد بن المسيب «أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول: اللهم! أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام» (5).

وأما استحباب قول: اللهم! زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً إلى آخره فلما روى الشافعي في مسنده عن ابن جريج «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 72 كتاب الحج، باب رفع اليدين إذا رأى البيت.

وأخرجه الطبراني في الكبير (12072) 11: 385. كلاهما عن ابن عباس. قال في مجمع الزوائد: فيه محمد بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ وحديثه حسن إن شاء الله 3: 238.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (15743) 3: 421 كتاب الحج، في الرجل إذا رأى البيت أيرفع يديه أم لا. موقوفاً على ابن عباس.

(2)

أخرج مسلم في صحيحه عن أنس قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه» (895) 2: 612 كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء.

(3)

بياض في ج مقدار سطر.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (15752) 3: 422 كتاب الحج، الرجل إذا دخل المسجد الحرام ما يقول.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 73 كتاب الحج، باب القول عند رؤية البيت.

(5)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

ص: 167

وقال: اللهم! زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً ومهابة وبراً، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تعظيماً وتشريفاً وبراً» (1).

وذكر الأثرم ذلك وزاد فيه: «الحمد لله رب العالمين -إلى قوله-: لا إله إلا أنت» .

وأما استحباب رفع الصوت بذلك فلأنه ذكر مشروع في الحج فاستحب رفع الصوت به كالتلبية.

قال: (ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمراً أو طواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً، ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر).

أما استحباب الابتداء بالطواف فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت» (2) متفق عليه.

ولأن الطواف تحية المسجد فاستحب البداءة به كالركعتين في غيره من المساجد.

وأما كون المعتمر يطوف لعمرته فلأن الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ نسكهم إلى العمرة أمرهم أن يطوفوا للعمرة بدليل أنه أمرهم بالحل (3).

وأما كون غيره يطوف للقدوم فلأن الصحابة الذين كانوا مفردين وقارنين فعلوا ذلك.

ولأن وقت غير طواف العمرة لم يدخل بعدُ بخلاف طواف العمرة.

وأما استحباب الاضطباع بالرداء وجعل وسطه تحت العاتق الأيمن وطرفيه على العاتق الأيسر فلما روى ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من

(1) أخرجه الشافعي في مسنده (874) 1: 339 كتاب الحج، باب ما يلزم الحاج بعد دخول مكة

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1560) 2: 591 كتاب الحج، باب الطواف على وضوء.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1235) 2: 906 كتاب الحج، باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بطوله، وفيه:«حتى إذا كان آخرُ طوافه على المروة فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة» . (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 168

الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى» (1) رواه أبو داود.

وروى أسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أنه اضطبع ورمل وقال: ففيم الرمل ولِمَ نبدي مناكبنا وقد نفى الله المشركين؟ بل لن ندع شيئاً فعلناه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2).

قال: (ثم يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه ثم يستلمه ويقبله، وإن شاء استلمه وقبل يده، وإن شاء أشار إليه ويقول: بسم الله والله أكبر إيماناً وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم كلما استلمه).

أما استحباب الابتداء في الطواف من الحجر الأسود فلأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ به (3).

وأما محاذاته بجميع بدنه فليستوعب جميع البيت بالطواف.

وأما الخيرة بين استلامه وتقبيله وبين استلامه وتقبيل يده وبين الإشارة إليه فلأن الكل مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الاستلام والتقبيل فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلمه ويقبله لما روى ابن عمر قال: «استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ووضع شفتيه عليه يبكي طويلاً فإذا هو بعمر بن الخطاب فقال: يا عمر! هاهنا تُسكب العبرات» (4) رواه ابن ماجة.

وفي رواية: «بدأ بالحجر فاستلمه وقبله ثم التفت فإذا هو بعمر» .

وأما استلامه وتقبيل يده فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده» (5) رواه مسلم.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1884) 2: 177 كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1887) 2: 178 كتاب المناسك، باب في الرمل.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2952) 2: 984 كتاب المناسك، باب الرمل حول البيت.

(3)

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه. ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» .

أخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 893 كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف.

(4)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2945) 2: 982 كتاب المناسك، باب استلام الحجر. قال في الزوائد: في إسناده محمد بن عون الخراساني، ضعفه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما.

(5)

أخرجه مسلم في صحيحه (1268) 2: 924 كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين

ص: 169

وأما الإشارة إليه فلما روى ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير كلما أتى الركن أشار إليه وكبر» (1).

وظاهر كلام المصنف رحمه الله أن الأقوال (2) الثلاثة متساوية لأن الخيرة هنا ليست خيرة في واجب. وليس كذلك بل المستحب تقبيله فإن لم يمكنه فالمستحب استلامه وتقبيل يد نفسه فإن لم يمكنه فالمستحب الإشارة إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبله حين أمكنه في حديث عمر، واستلمه وقبل يد نفسه حيث لم يمكنه تقبيله ولا استلامه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:«أنت رجل قوي فلا تزاحم الناس فتؤذي الضعيف ولكن إن وجدت مسلكاً فاستلمه وإلا فاستقبل وهلل وكبر» (3).

وأما استحباب قول: بسم الله إلى آخره كلما استلم الحجر فلأن عبدالله بن السائب روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك عند استلام الحجر (4).

قال: (ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره فإذا أتى على الركن اليماني استلمه وقبل يده).

أما الأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك (5) وقال: «خذوا عني مناسككم» (6).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1534) 2: 583 كتاب الحج، باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه.

(2)

في حاشية ج: لعله الأفعال.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (190) 1: 28.

(4)

قال ابن حجر: لم أجده هكذا، وقد ذكره صاحب المهذب من حديث جابر، وقد بيض له المنذري، والنووي، وأخرجه ابن عساكر من طريق ابن ناجيه بسند له ضعيف، ورواه الشافعي عن ابن أبي نجيح قال:«أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! كيف نقول إذا استلمنا؟ قال: قولوا: بسم الله، والله أكبر إيماناً بالله، وتصديقاً بما جاء به محمد» . تلخيص الحبير 2: 472.

(5)

سبق ذكر حديث جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» . ر ص: 171.

(6)

أخرجه مسلم في صحيحه (1297) 2: 943 كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً

وأخرجه أبو داود في سننه (1970) 2: 201 كتاب المناسك، باب في رمي الجمار.

وأخرجه النسائي في سننه (3062) 5: 270 كتاب مناسك الحج، الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم.

ص: 170

وأما استحباب استلام الركن اليماني فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني» (1).

وعن ابن عمر: «ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدة ولا رخاء» (2) رواهما مسلم.

ولأن الركن اليماني مبني على قواعد إبراهيم عليه السلام قاله ابن عمر فسن استلامه كالذي فيه الحجر.

وأما استحباب تقبيل يده بعد استلام الحجر فكما يفعل ذلك في الحجر الأسود.

فإن قيل: لِمَ لَمْ يقبل كالحجر الأسود؟

قيل: إنه لم ينقل ذلك من طريق صحيح.

قال: (ويطوف سبعاً يرمل في الثلاثة الأُوَل منها. وهو: إسراع المشي مع تقارب الخطى، ولا يَثِب وثباً، ويمشي أربعاً).

أما كون الطواف سبعاً يرمل في ثلاثة ويمشي أربعاً فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً رمل ثلاثاً ومشى أربعاً» (3) متفق عليه.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى فبيان لماهية الرمل.

وأما كونه لا يَثِب وثباً فلأن ذلك ليس بمشي فإذا فعله لم يكن إتياناً بالرمل المشروع.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1267) 2: 924 كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف دون الركنين الآخرين.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1268) 2: 924 كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف دون الركنين الآخرين.

(3)

عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف ويمشي أربعة» . والخب: هو الرمل.

أخرجه البخاري في صحيحه (1538) 2: 584 كتاب الحج، من طاف بالبيت إذا قدم مكة

وأخرجه مسلم في صحيحه (1261) 2: 920 كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة

ص: 171

قال: (وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما أو أشار إليهما ويقول كلما حاذى الحجر: الله أكبر ولا إله إلا الله، وبين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وفي سائر الطواف: اللهم! اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً. رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأعز الأكرم. ويدعو بما أحب).

أما استحباب استلام الحجر والركن اليماني أو الإشارة إليهما كلما حاذاهما: أما الاستلام فلأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة» (1) رواه أبو داود.

وعن نافع: كان ابن عمر يفعله (2).

وأما الإشارة فلأنها بدل عن الاستلام.

وأما استصحاب التكبير والتهليل كلما حاذى الحجر فلما تقدم من حديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كلما أتى الحجر أشار إليه وكبر» (3).

وفي حديث عمر المتقدم: «وإلا فاستقبلْ وهلل وكبر» (4).

وأما استحباب قول: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة

الآية} [البقرة: 201] بين الركنين فلما روى عبدالله بن السائب رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك بين ركن بني جُمَح والركن الأسود» (5) رواه الإمام أحمد.

وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: «وُكِّل به -يعني الركن اليماني- سبعون ألف ملك. فمن قال: اللهم! إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة {ربنا آتنا في الدنيا حسنة

الآية} [البقرة: 201] قالوا: آمين» (6).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1876) 2: 176 كتاب المناسك، باب استلام الأركان.

(2)

سنن أبي داود ص: 2: 176.

(3)

سبق تخريجه ص: 172.

(4)

سبق تخريجه ص: 172.

(5)

أخرجه أحمد في مسنده (15436) 3: 411.

(6)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2957) 2: 985 كتاب المناسك، باب فضل الطواف.

ص: 172

وأما استحباب قول: اللهم! اجعله حجاً مبروراً

إلى الأكرم في بقية طوافه فلأن ذلك قولٌ لائقٌ بالمحل فاستحب ذكره كسائر الأدعية اللائقة بمحالها المنصوص على مشروعيتها فيها.

وأما دعاؤه بما أحب بعد ذلك فلأن ذلك موضع يستجاب فيه الدعاء غالباً والشخص قد تكون له حاجة أخروية أو دنيوية فإذا دعا بما أحب كان ذلك وسيلة إلى قضاء حاجته وبلوغ أمله.

قال: (وليس على النساء ولا أهل مكة رمل ولا اضطباع، وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع).

أما عدم استحباب الرمل والاضطباع في حق النساء فلأن ذلك شرع لإظهار الجلَد وليس مطلوباً من النساء.

ولأن النساء يقصد منهن الستر، وفي الرمل تعرض للانكشاف وفي الاضطباع تعرض للانكشاف.

وأما عدم استحباب ذلك في حق أهل مكة فلأن ذلك شرع لما ذكر، وليس مطلوباً من أهل مكة لأنهم مقيمون.

و«لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أحرم من مكة لم يرمل» .

والمراد بأهل مكة: المقيم بها ومن أحرم بها حتى لو كان متمتعاً فأحرم بالحج منها ثم عاد وقلنا يُشرع له طواف القدوم لم يرمل كما ذكر في المغني.

وأما عدم استحبابهما في غير الطواف الأول فلأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يرملوا ولم يضطبعوا إلا في الطواف الأول فلم يسن الإتيان بغير ما فعلوه.

ولأن الطواف الأول إنما سن فيه ذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو منتف هنا فينتفي الاستحباب لانتفاء المقتضي.

ص: 173

قال: (ومن طاف راكباً أو محمولاً أجزأه. وعنه: لا يجزئه إلا لعذر، ولا يجزئ عن الحامل).

أما إجزاء طواف الراكب لعذر فلا خلاف فيه، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن» (1).

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي. فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة» (2) متفق عليهما.

ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقاً والراكب طائف.

وأما إجزاء طواف المحمول لعذر فلأنه كالراكب معنى فكذا حكماً.

وأما طواف من ذكر لغير عذر ففيه روايتان:

أحدهما: يجزئ؛ لما تقدم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكون الأمر بالطواف مطلقاً.

والثانية: لا يجزئ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف بالبيت صلاة» (3) والصلاة حاملا ومحمولاً لا تصح.

ولأن الطواف بالبيت عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكباً ولا محمولاً لغير [عذر](4) كالصلاة.

وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلا دليل فيه لأنه كان لعذر «لأنه روي أنه كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد. حتى خرج العواتق من البيوت. وكان صلى الله عليه وسلم لا يُضْرَبُ الناسُ بين يَديه فلما كَثُروا عليه ركب» (5) رواه مسلم.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1530) 2: 582 كتاب الحج، باب استلام الركن بالمحجن.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1272) 2: 926 كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4572) 4: 1839 كتاب التفسير، باب تفسير سورة:{والطور} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1276) 2: 927 كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (960) 3: 293 كتاب الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف.

وأخرجه النسائي في سننه (2922) 5: 222 كتاب مناسك الحج، إباحة الكلام في الطواف.

(4)

زيادة من الشرح الكبير 3: 394.

(5)

أخرجه مسلم في صحيحه (1264) 2: 921 كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة

ص: 174

وأما عدم إجزاء ذلك عن الحامل فلأن الطواف عبادة أُدِّيَ بها فرض الله فلم [تكن](1) فرضاً عن آخر كالصلاة.

ولأن الحامل له كالمحمول فلم يقع الطواف عن غيره كالراكب.

قال: (وإن طاف منكساً أو على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة أو ترك شيئاً من الطواف وإن قلّ أو لم ينوه لم يجزئه، وإن طاف محدثاً أو نجساً أو عرياناً لم يجزئه. وعنه: يجزئه ويجبره بدم).

أما عدم إجزاء الطواف المنكس وهو جعل الطائف البيت عن يمينه عكس ما تقدم من قوله: ويجعل البيت على يساره فـ «لأن جعل النبي صلى الله عليه وسلم البيت عن يساره» (2) على ما تقدم بيان لقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]، وفعله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مخرج البيان تعين فلا يجوز خلافه.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني مناسككم» (3).

ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكان الترتيب فيها واجباً كالصلاة.

وأما عدم إجزائه على جدار الحِجْر وهو حائطه أو شاذروان الكعبة وهو: ما فضل من حائطه فلأن ذلك من البيت فإذا لم يطف بكل البيت لم يجزءه؛ لأن الطواف بجميعه واجب بدليل «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بجميعه» (4) وقال: «خذوا عني مناسككم» (5).

وأما عدم إجزائه إذا ترك شيئاً منه وإن قلّ مثل إن طاف خمساً أو ستاً أو نحو ذلك فلأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً والقول فيه كما تقدم في جعل البيت عن يمينه.

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

لم أقف عليه هكذا، وقد سبق ذكر حديث جابر، وفيه:«ثم مشى على يمينه. فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» . ر ص: 171.

(3)

سبق تخريجه ص: 172.

(4)

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحَجَر إلى الحَجَر ثلاثا، ومشى أربعا» . أخرجه مسلم في صحيحه (1262) 2: 921 كتاب الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف والعمرة

(5)

سبق تخريجه ص: 172.

ص: 175

وأما عدم إجزائه إذا لم ينو فلقوله: «إنما الأعمال بالنيات» (1) ولقوله: «لا عمل إلا بنية» (2).

ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة.

وأما من طاف محدثاً أو نجساً أو عرياناً ففيه روايتان:

أحدهما: لا يجزئه؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير» (3) رواه الترمذي ورواه الأثرم بمعناه.

وروى أبو هريرة «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنهما بعثه في الحجة التي أمّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر يؤذن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان» (4) متفق عليه.

ولأنه عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة والستارة فيها شرطاً كالصلاة.

والرواية الثانية: يجزئه ويجبره بدم؛ أما الإجزاء فلأن الطواف عبادة لا يشترط فيها الاستقبال فلم يشترط فيها ذلك كالسعي والوقوف.

وأما جبر ذلك بدم فلأن ذلك إذا لم يكن شرطاً فلا أقل من أن يكون واجباً، وترك الواجب يجبر بدم.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله أن الإجزاء مع جبر الدم عامّ سواء أمكنه الطواف بعد طوافه على الصفة المتقدمة أو لا.

وقال في المغني: وعن أحمد رواية أن الطهارة ليست شرطاً فمتى طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان يمكنه وإن رجع جبره بدم.

(1) سبق تخريجه ص: 88.

(2)

سبق تخريجه ص: 88.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (960) 3: 293 كتاب الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (1543) 2: 586 كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1347) 2: 982 كتاب الحج، باب لا يحج بالبيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

ص: 176

وظاهره أن الطواف غير متطهر لا يجبره الدم مع إمكان إعادته.

قال: (وإن أحدث في بعض طوافه أو قطعه بفصل طويل ابتدأه، وإن كان يسيراً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى. ويتخرج أن الموالاة سنة).

أما ابتداء الطواف إذا أحدث الطائف في أثنائه فلأنه عبادة شرطها الطهارة على الصحيح فأبطلها الحدث كالصلاة. وحكم تعمد الحدث وسبقه في ذلك حكم الصلاة من بطلان وبناء.

وأما ابتداؤه إذا قطعه بفصل طويل فلأن الموالاة بين أجزائه شرط للصحة على المذهب «لأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه» (1) وقال: «خذوا عني مناسككم» (2).

ولأنه صلاة فيشترط لها الموالاة كسائر الصلوات، أو نقول عبادة متعلقة بالبيت فاشترط لها الموالاة كالصلاة.

وأما بناؤه إذا قطعه بفعل يسير فلأن اليسير يسامح به في غير هذا الموضع فكذلك هاهنا.

ولأن في الاتصال مع ذلك مشقة عظيمة وضرراً عظيماً فوجب أن لا يشترط نفياً لذلك.

فإن قيل: بم يعرف الطويل من اليسير؟

قيل: يرجع في ذلك إلى العرف من غير تحديد بمدة كما رجع إلى العرف في الحِرْز والقبض.

وأما قطع الطواف وصلاة الصلاة التي أقيمت فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» (3).

(1) يستفاد ذلك من عدد من الأحاديث، ومنها حديث جابر السابق «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه. ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» .

(2)

سبق تخريجه ص: 172.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (710) 1: 493 كتاب صلاة المسافرين، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن.

وأخرجه أبو داود في سننه (1266) 2: 22 كتاب التطوع، باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر.

وأخرجه الترمذي في جامعه (421) 2: 282 أبواب الصلاة، ماجاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه النسائي في سننه (866) 2: 116 كتاب الإمامة، ما يكره من الصلاة عند الإقامة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1151) 1: 364 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.

وأخرجه أحمد في مسنده (9874) 2: 455، كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 177

وفي لفظ: «فلا صلاة إلا التي أقيمت» (1) والطواف صلاة فيدخل تحت عموم الخبر.

ولأنه قول ابن عمر وسالم ابنه وعطاء ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم.

وأما قطعه وصلاته على الجنازة فلأن الجنازة صلاة تفوت بالتشاغل بالطواف وإذا قطع الطواف من أجل الصلاة التي أقيمت وهي لا تفوت بالتشاغل بالطواف فلأن يقطع بصلاة الجنازة وهي تفوت بالتشاغل بطريق الأولى.

وأما بناؤه في الموضعين على ما طاف فلأنه فعل فعلاً مشروعاً في أثناء الطواف فلم يقطعه كاليسير.

وأما تخريج مسنونية الموالاة فـ «لأن الحسن رضي الله عنه غشي عليه فلما أفاق أتمه» .

ونقل المصنف رحمه الله في المغني والكافي عن أحمد رواية: أن الموالاة ليست بشرط مع العذر واستدل عليه بما ذكر عن الحسن.

قال: (ثم يصلي ركعتين. والأفضل أن يكون خلف المقام يقرأ فيهما: {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون: 1] و {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] بعد الفاتحة).

أما استحباب صلاة ركعتين بعد فراغه من الطواف فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما (2).

وأما أفضلية كونهما خلف المقام، والقراءة فيهما بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} بعد الفاتحة فلما روى جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً

(1) أخرجه أحمد في مسنده (8409) ط. دار التراث. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

سيأتي تخريجه في الحديث التالي.

ص: 178

وصلى خلف المقام ركعتين قرأ فيهما: {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} » (1) رواه مسلم.

وفي الأفضلية المذكورة تنبيه على جواز فعلهما في غير ذلك الموضع وبغير تلك القراءة وهو صحيح: أما الأول فـ «لأن عمر رضي الله عنه ركعهما بذي طوى» (2) رواه البخاري.

وأما الثاني؛ فلأن تعيين الفاتحة في الفريضة لا تجب. فلأن لا تجب في ركعتي الطواف بطريق الأولى.

قال: (ثم يعود إلى الركن فيستلمه، ثم يخرج إلى الصفا من بابه. ويسعى سبعاً يبدأ بالصفا فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويكبر ثلاثاً ويقول: الحمد لله على ما هدانا. لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ثم يلبي ويدعو بما أحب).

أما عود من فرغ من الطواف إلى الركن والمراد به الحَجَر الأسود -قاله المصنف في المغني- واستلامه وخروجه إلى الصفا من بابه وسعيه سبعاً وبداؤه بالصفا ورقيه عليه واستقباله القبلة وتكبيره وقول: الحمد لله

إلى وهزم الأحزاب وحده فلأن جابراً رضي الله عنه قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الطواف: «ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت واستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده» (3).

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1478) 2: 562 كتاب الحج، باب الإهلال مستقبل القبلة.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 179

وأما قوله: لا إله إلا الله

إلى ولو كره الكافرون فلما روي عن ابن عمر رضي الله عنه «أنه كان يدعو ويزيد: لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ويدعو دعاء كثيراً حتى أنه ليملنا وإنا لشباب» .

وأما تلبيته بعد ذلك

(1).

قال: (ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يأتي العلم فيسعى سعياً شديداً إلى العلم، ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل عليها مثل ما فعل على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعاً يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية يفتتح بالصفا ويختم بالمروة، فإن بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط).

أما نزوله إلى الصفا ومشيه إلى العلم وسعيه سعياً شديداً منه إلى العلم الآخر ومشيه من الثاني إلى المروة وفعله عليها مثل فعله على الصفا فلأن جابراً رضي الله عنه قال: «ثم نزل -يعني النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة حتى إذا انصَبَّتْ قَدماه رملَ في بطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا» (2).

فإن قيل: ما العلمان؟

قيل: هما ميلان أخضران أحدهما: معلق في ركن المسجد، والآخر: بفناء المسجد وحذاء دار العباس.

وأما نزوله من المروة ومشيه في موضع مشيه وسعيه في موضع سعيه وفعله ذلك سبع مرات فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كذلك. وقال: «خذوا عني مناسككم» (3).

وأما احتسابه بالذهاب سعية وبالرجوع سعية فلأنه لو كان الذهاب والرجوع سعية لتعين أن يكون آخر الطواف عند الصفا وقد جاء في الحديث: «فلما كان آخر طوافه على المروة» (4).

(1) بياض في ج مقدار نصف سطر.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

سبق تخريجه ص: 172.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 180

ولأنه كل مرة طائف بهما فينبغي أن يحسب ذلك مرة كما إذا طاف بجميع البيت فإنه يحتسب به مرة.

وأما افتتاحه بالصفا؛ فلما تقدم من «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنى من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] بدأ بالصفا وقال: ابدأوا بما بدأ الله به» (1).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «قال الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] فبدأ بالصفا وقال: اتبعوا القرآن فما بدأ به القرآن فابدأوا به» .

وأما اختتامه بالمروة فلما تقدم من قوله: «فلما كان آخر طوافه على المروة» (2).

ولأنه يلزمه بالبداءة بالصفا والاعتداد بالذهاب مرة والرجوع مرة الاختتام بالمروة.

وأما عدم الاحتساب بالشوط إذا بدأ من المروة فلأن الشوط مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فلم يحتسب به كالصلاة في الدار المغصوبة.

قال: (ويستحب أن يسعى طاهراً مستتراً متوالياً. وعنه: أن ذلك من شرائطه).

أما استحباب سعيه مستتراً متوالياً فلأن ذلك مختلف في وجوبه فاستحب فعله لما فيه من الخروج من العهدة.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى كذلك وأدنى أحواله حمله على الاستحباب.

وأما اشتراط ذلك ففيه روايتان:

أحدهما: يشترط؛ لأنه أحد الطوافين فاشترط فيه ذلك كالطواف بالبيت.

والرواية الثانية: لا يشترط شيء من ذلك وهي المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين حاضت: «اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» (3).

ولأن السعي عبادة لا تتعلق بالبيت فلم يشترط فيها شيء من ذلك كالوقوف بعرفة.

(1) سبق ذكره ص: 181.

(2)

سبق تخريجه قبل قليل.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (5239) 4: 2113 كتاب الأضاحي، باب من ذبح ضحية غيره.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1211) 2: 873 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام

ص: 181

قال: (والمرأة لا ترقى ولا ترمل).

أما عدم استحباب الرقي للمرأة فلئلا تزاحم الرجال.

ولأن ترك ذلك أستر لها.

وأما عدم استحباب الرمل في السعي فلما تقدم من عدم استحبابه لها في الطواف.

قال: (وإذا فرغ من السعي فإن كان معتمراً قصّر من شعره وتحلل، إلا أن يكون المتمتع قد ساق هدياً فلا يُحل حتى يحج. ومن كان متمتعاً قطع التلبية إذا وصل البيت).

أما جواز تقصير المعتمر غير سائق الهدي من شعره وتحلله بعد سعيه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر (1) سوى عمرته التي مع حجه وكان يحل إذا سعى.

وأما المتمتع فإن كان معه هدي لم يحل وإلا حل لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليحلل» (2) متفق عليه.

فإن قيل: لم قال المصنف رحمه الله قصر ولم يقل حلق؟

قيل: للتنبيه على أن المسنون التقصير لا الحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حديث جابر فقال: «وليقصر» (3) والحكمة في ذلك توفير الحلق على الحج.

فإن قيل: لم قال: والمعتمر ثم استثنى المتمتع؟

قيل: لأن المعتمر أعم من المتمتع لأن المعتمر من أحرم بعمرة من الميقات ثم إن وجد فيه الشروط المتقدمة ذكرها في صفة التمتع فهو متمتع.

(1) سيأتي تخريجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قريباً.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1606) 2: 607 كتاب الحج، باب من ساق البدن معه.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1227) 2: 901 كتاب الحج، باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 182

وأما قطع المتمتع التلبية إذا وصل البيت والمراد به إذا استلم الحجر الأسود فلأن ابن عباس رضي الله عنهما روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر» (1). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر ولم يزل يلبي حتى استلم» (2).

ولأن التلبية إجابة إلى العبادة وشعار للإقامة عليها والأخذ بالتحلل ينافيها والتحلل يحصل بالطواف والسعي فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل فيجب أن يقطع التلبية كما يقطع الحاج التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة؛ لأن التحلل يحصل بها.

وفي كلام المصنف رحمه الله نظر من وجهين:

أحدهما: أنه قال: ومن كان متمتعاً وكان الجيد أن يقول: ومن كان معتمراً لأن الحكم المذكور يستوي فيه المتمتع وغيره.

والثاني: أنه قال: قطَعَ التلبية إذا وصل البيت وكان الجيد أن يقول: قطع التلبية إذا استلم الركن كما قال الإمام أحمد رحمه الله. وكأنه لما كان الوصول إلى البيت يتعقبه الطواف لأنه تحيته وكان استلام الركن أول ما يبدأ به في الطواف عبر بذلك عنه إلا أن فيه لبساً مع عدم الحاجة لا سيما على المتعلم.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (919) 3: 261 كتاب الحج، باب ما جاء متى تقطع التلبية في العمرة.

وأخرجه أبو دواد في سننه (1817) 2: 163 كتاب المناسك، باب متى يقطع المعتمر التلبية؟ . ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر» .

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (6685) 2: 180.

ص: 183