المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القرض القرض جائز بالسنة والإجماع: أما السنة فما روى أبو - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب القرض القرض جائز بالسنة والإجماع: أما السنة فما روى أبو

‌باب القرض

القرض جائز بالسنة والإجماع: أما السنة فما روى أبو رافع «أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً» (1).

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتُ ليلةَ أسريَ بِي على بابِ الجنةِ مكتوباً: الصدقةُ بعشرِ أمثالها والقرضُ بثمانيةَ عشر. فقلتُ: يا جبريل! ما بالُ القرضِ أفضلُ من الصدقة؟ قال: لأن السائلَ يسألُ وعنده. والمستقرضُ لا يَستقرضُ إلا مِن حاجَة» (2) رواهما ابن ماجة.

وأما الإجماع فأجمع المسلمون في الجملة على جواز القرض.

قال المصنف رحمه الله: (وهو من المرافق المندوب إليها، ويصح في كل عين يجوز بيعها إلا بني آدم، والجواهر ونحوها مما لا يصح السلم فيه في أحد الوجهين فيهما).

أما كون القرض من المرافق التي ندب الشرع إليها فلما تقدم من حديث ابن مسعود، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من كَشفَ عن مسلمٍ كُربةً من كُربِ الدنيا كَشفَ اللهُ عنه كُربةً من كُربِ يومِ القيامة. واللهُ في عَونِ العبدِ ما دامَ العبدُ في عونِ أخيه» (3).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2431) 2: 812 كتاب الصدقات، باب القرض.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (2699) 4: 2074 كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر.

وأخرجه أبو داود في سننه (4946) 4: 287 كتاب الأدب، باب في المعونة للمسلم.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1930) 4: 326 كتاب البر والصلة، باب ما جاء في السترة على المسلم. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (225) 1: 82 المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم.

ص: 547

وعن أبي الدرداء أنه قال: «لأن أُقرض دينارين ثم يُرَدّا ثم أقرضهما أحب إليَّ من أن أتصدق بهما» (1).

وفي قول المصنف: المندوب إليها إشعار بأنه ليس بواجب وهو صحيح لأنه من المعروف أشبه صدقة التطوع.

وأما كون القرض يصح في كل عين يجوز بيعها ما عدا المستثنى؛ فلأن مقصود القرض حاصل من ذلك لأنه ينتفع به ويتمكن من بيعه.

وأما كون بني آدم لا يصح قرضهم في وجهٍ؛ فلأنه لم ينقل ولا هو من المرافق.

ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها.

وأما كونه يصح في وجهٍ؛ فلأن السلم فيهم جائز فصح قرضهم كالبهائم.

وأما كون الجواهر ونحوها مما لا يصح السلم فيه لا يصح قرضها؛ فلأنها لا تنضبط بالصفة ولا يمكن فيها رد المثل، ومقتضى القرض رد المثل.

وأما كونها يصح قرضها في وجهٍ وهو للقاضي؛ فلأن ما لا مثل له تجب قيمته والجواهر وشبهها كغيرها في القيمة.

وقول المصنف رحمه الله: في أحد الوجهين متعلق بالمستثنى لا بقوله: مما لا يصح السلم فيه. وقوله: فيهما راجع إلى بني آدم والجواهر ونحوها لأنه لو لم يقل فيهما لتوهم أن الوجهين في الجواهر دون بني آدم.

قال: (ويثبت الملك فيه بالقبض فلا يملك المقرض استرجاعه، وله طلب بدله، فإن رده المقترض عليه لزمه قبوله ما لم يتعيب أو يكن فلوساً أو مكسرة فيحرمها السلطان فتكون له القيمة وقت القرض).

أما كون الملك يثبت في القرض بالقبض؛ فلأنه عقد تمليك فيثبت الملك فيه بالقبض كالهبة.

وأما كون المقرض لا يملك استرجاعه؛ فلأنه أزال ملكه بعوض من غير خيار فلم يكن له الرجوع فيه كالبيع.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 353 كتاب البيوع، باب ما جاء في فضل الإقراض.

ص: 548

وأما كونه له طلب بدله؛ فلأن العوض يثبت في الذمة حالاً فكان له طلبه كسائر الديون الحالة.

وأما كونه يلزمه قبوله إذا رده المقترض بشرطه؛ فلأنه رده على صفة حقه فلزمه قبوله كما لو أعطاه غيره وكما في عقد السلم. واشترط المصنف رحمه الله في لزوم القبول شرطين:

أحدهما: أن لا يكون قد تعيب كحنطة ابتلت أو عفنت وما أشبه ذلك لأنه لم يدفع ذلك على صفة حقه.

الثاني: أن لا يكون فلوساً أو مكسرة فيحرمها السلطان؛ لأن ذلك معنى يمتنع إنفاقها ويبطل ماليتها. أشبه كسرها أو تلف أجزائها.

وأما كونه له القيمة وقت القرض؛ فلأن ذلك حينئذ يثبت في ذمته فوجب اعتبار القيمة به لأنه وقت الوجوب.

قال: (ويجب رد المثل في المكيل والموزون، والقيمة في الجواهر ونحوها، وفيما سوى ذلك وجهان).

أما كون رد المثل في المكيل والموزون يجب فلا خلاف فيه.

ولأن رد المثل أقرب شبهاً بالقرض من القيمة.

وأما كون رد القيمة في الجواهر ونحوها يجب؛ فلأن ذلك لا مثل له أشبه ما لو أتلفه.

وأما كون رد القيمة فيما سوى ذلك كالحيوان وشبهه يجب في وجهٍ؛ فلأنه لا مثل له أشبه الجواهر.

وأما كون رد المثل تقريباً يجب في وجهٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً فرد خيراً منه» (1). وهو مثله تقريباً. وخالف هذا الإتلاف لأن القيمة أخصر ولا مسامحة فيه والقرض أسهل ولهذا جازت النسيئة فيه فيما فيه الربا.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 549

قال: (ويثبت العوض في الذمة حالاً وإن أجله، ويجوز شرط الرهن والضمين فيه ولا يجوز شرط ما يجر نفعاً نحو: أن يسكنه داره أو يقضيه خيراً منه أو في بلد آخر. ويحتمل جواز هذا الشرط).

أما كون عوض القرض يثبت العوض في الذمة حالاً؛ فلأنه بدل شيء مقبوض أشبه عوض ثمن المبيع إذا ظهر مستحقاً.

وأما كونه يثبت حالاً وإن أجله؛ فلأنه حال لما تقدم والحال لا يتأجل بالتأجيل.

وأما كون القرض يجوز شرط الرهن فيه؛ فلأنه يصح الرهن فيه «لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه على شعير اقترضه لأهله» (1). وما جاز فعله جاز شرطه.

ولأن الرهن إنما يراد للتوثق بالحق وليس ذلك بزيادة.

وأما كونه يجوز شرط الضمين فيه؛ فلأنه في معنى الرهن.

وأما كونه لا يجوز شرط ما يجر نفعاً؛ فلأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل قرض جر منفعة فهو حرام» (2).

وعن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم «أنهم نهوا عن قرض جر منفعة» .

ولأنه عقد إرفاق وقربة فإذا شُرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه.

وأما قول المصنف رحمه الله: نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيراً منه أو في بلد آخر فتمثيل لصور فيها نفع بسبب الشرط.

وقوله: ويحتمل جواز هذا الشرط راجع إلى شرط القضاء في بلد آخر. ولذلك قيده بهذا. وفي ذلك وجهان:

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2373) 2: 887 كتاب الرهن، باب في الرهن في الحضر.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1215) 3: 519 كتاب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل.

وأخرجه النسائي في سننه (4610) 7: 288 كتاب البيوع، الرهن في الحضر.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2437) 2: 815 كتاب الرهون.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن فضالة بن عبيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا» . 5: 350 كتاب البيوع، باب كل قرض جر منفعة فهو ربا.

ص: 550

أحدهما: لا يجوز لأن فيه نفعاً في الجملة ولهذا قالوا: يجوز قرض مال اليتيم للمصلحة مثل: أن يقرضه في بلد ليوفيه في بلد آخر فيربح خطر الطريق.

والثاني: يجوز لأنه ليس بزيادة في قدر ولا صفة بل فيه مصلحة لهما فجاز كشرط الرهن.

وفصل المصنف في المغني فقال: إن كان المقرض يحمله مؤنة لم يجز لأنه زيادة، وإن لم يكن يحمله مؤنة جاز لأنه رفق بهما جميعاً ومصلحة في حقهما من غير ضرر والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة منها.

قال: (وإن فعله بغير شرط أو قضاه خيراً منه أو أهدى له هدية بعد الوفاء جاز؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً فرد خيراً منه وقال: خيركم أحسنكم قضاء» (1). وإن فعله قبل الوفاء لم يجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض).

أما كون فعل المقترض ما فيه نفع وقضائه خيراً مما اقترض (2) وهديته بعد الوفاء بغير شرط يجوز فلما ذكر المصنف رحمه الله من أن النبي صلى الله عليه وسلم رد خيراً ومدح فاعله.

وأما كون ذلك قبل الوفاء مع عدم العادة لا يجوز فلما روي «أن رجلاً كان له على سَمّاك عشرون درهماً فجعل يهدي له السمك ويقومه حتى بلغ ثلاثة عشر درهماً فسأل ابن عباس فقال: أعطه سبعة دراهم» (3) رواه الأثرم.

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أَقرضَ أحدكُم قرضاً فَأهدَى إليه أو حَملهُ على الدابةِ فلا يَركبْهَا ولا يَقبلهُ إلا أن يكونَ جرى بينهُ وبينهُ قبلَ ذلك» (4) رواه ابن ماجة.

وأما كون ذلك مع العادة يجوز فلما تقدم من حديث أنس.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: أقرض.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 349 كتاب البيوع، باب كل قرض جر منفعة فهو ربا.

(4)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2432) 2: 813 كتاب الصدقات، باب القرض. قال في الزوائد: في إسناده عتبة بن حميد الضبي، ضعفه أحمد وأبوحاتم وذكره ابن حبان في الثقات، ويحيى بن أبي إسحاق لا يعرف حاله.

ص: 551

ولأن مع العادة يكون سبب ذلك العادة لا القرض فلا يكون ذلك نفعاً جره القرض.

فإن قيل: قول المصنف رحمه الله: بعد الوفاء بم يتعلق؟

قيل: يحتمل أن يتعلق بأهدى.

فعلى هذا يكون فعل ما يجر نفعاً غير مقيد وذلك يقتضي أن المقترض لو أسكن المقرض داره بغير عوض جاز إذا كان بغير شرط سواء كان ذلك قبل الوفاء أو بعده لأن المقترض فعل ذلك من غير شرط أشبه ما لو لم يكن للمقرض عنده شيء، ويحتمل أن يتعلق ذلك بقوله: وإن فعله بغير شرط.

فعلى هذا لا يجوز أن يسكنه داره ونحو ذلك قبل الوفاء لأنه يصير القرض قرضاً يجر نفعاً ويجوز بعده لأنه حينئذ لا دين له عليه أشبه من لم يقترض منه بالكلية. وهذا الاحتمال موافق لما في المغني والكافي فإن المصنف صرح بالمنع فيما ذكر قبل الوفاء. والاحتمال الأول ظاهر كلام المصنف هنا ويوافق قول طائفة من الأصحاب.

قال صاحب الهداية فيها: ولا يجوز كل شرط يجر منفعة مثل: أن يقرضه على أن يسكنه داره أو يعطيه أجود مما أخذ أو يكتب له به سفتجة إلى بلد آخر فإن بدأه المقترض بفعل ذلك من غير شرط جاز. ويؤيد هذا الاحتمال أن بعد الوفاء إذا لم يختص بالهدية يجب أن يكون طرفاً لما قبله من المسائل وذلك لا يصح في قوله: أو قضاه خيراً منه لأن القضاء يستحيل أن يكون بعد الوفاء لأن القضاء نفس الوفاء والشيء يستحيل أن يكون بعد نفسه.

فعلى هذا كل نفع يوجد بعد الوفاء يجوز لما تقدم وكل نفع يوجد قبله ينظر فيه فإن لم يكن بينهما عادة به: فعلى الاحتمال الأول وما نقله الأصحاب يجوز ما لم يكن هدية، وعلى الاحتمال الثاني وما نقله المصنف في المغني والكافي لا يجوز وهو أظهر دليلاً من حيث الأثر والمعنى: أما الأثر فعموم قوله عليه السلام: «كل قرض جر منفعة حرام» (1)، ونهي الصحابة المتقدم ذكرهم عن قرض جر منفعة (2).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 552

وأما المعنى فهو أن الأصحاب اتفقوا على المنع من الهدية قبل الوفاء. ولا فرق بينها وبين سكنى الدار ونحو ذلك.

فإن قيل: لو وجد ذلك حالة الوفاء؟

قيل: ينظر فيه فإن كان النفع صفة في الوفاء مثل: أن يقضيه خيراً منه جاز لما تقدم. وإن كان زيادة في القضاء مثل: أن يقرضه درهماً فيعطيه أكثر منه لم يجز لأنه ربا.

وقال المصنف في المغني والكافي: تجوز الزيادة في الصفة والقدر لما تقدم من الحديث وحكى أبو الخطاب من غير تقييد روايتين.

قال: (وإن أقرضه أثماناً فطالبه بها ببلد آخر لزمته، وإن أقرضه غيرها لم تلزمه. فإن طالبه بالقيمة لزمه أداؤها).

أما كون المقترض تلزمه الأثمان فيما ذكر؛ فلأنه أمكنه قضاء الحق من غير ضرر فلزمه كما لو طالبه في بلد القرض.

وأما كونه لا يلزمه غير الأثمان كالحنطة والشعير وغير ذلك مما لنقله مؤونة؛ فلأن عليه مؤونة في حمله (1).

وأما كونه يلزمه أداء القيمة؛ فلأنه إذا تعذر رد المثل تعينت القيمة.

(1) في هـ: تحمله.

ص: 553