المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الوكالة الوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع والمعنى: أما الكتاب فقوله - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب الوكالة الوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع والمعنى: أما الكتاب فقوله

‌باب الوكالة

الوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع والمعنى: أما الكتاب فقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها} [التوبة: 60]، وقوله تعالى:{فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه} [الكهف: 19].

وأما السنة فما روي عن عروة بن الجعد قال: «عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب. فأعطاني ديناراً. فقال: يا عروة! ائتِ الجلبَ فاشترِ لنا شاةً. قال: فأتيتُ الجلبَ فساومتُ فشريتُ شاتين

الحديث» (1) رواه أبو داود وابن ماجة.

وعن جابر: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إني أردتُ الخروجَ إلى خيبر. فقال: ائتِ وكيلي فخذْ منه خمسةَ عشر وَسْقاً. فإن ابتغَى منكَ آيةً فضعْ يدكَ على تَرْقُوَتِه» (2) رواه أبو داود.

وروي «أنه عليه السلام وكّل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم (3) حبيبة» (4). و «أبا رافع في قبول نكاح ميمونة» (5).

وأما الإجماع فأجمعت الأمة في الجملة على جواز الوكالة.

وأما المعنى؛ فلأن الحاجة داعية إليها فإنه لا يمكن كل واحد فعل كل ما يحتاج إليه.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3384) 3: 256 كتاب البيوع، باب في المضارب يخالف.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1258) 3: 559 كتاب البيوع.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2402) 2: 803 كتاب الصدقات، باب الأمين يتجر فيه فيربح.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3632) 3: 314 كتاب الأقضية، باب في الوكالة.

(3)

ساقط من هـ.

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 139 كتاب النكاح، باب الوكالة في النكاح.

(5)

أخرجه الترمذي في جامعه (841) 3: 200 كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم.

وأخرجه أحمد في مسنده (27240) 6: 393.

ص: 670

قال المصنف رحمه الله: (تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن، وكل قول أو فعل يدل على القبول).

أما كون الوكالة تصح بالقول المذكور؛ فلأنها عقد شرعي لها قول فصحت به كسائر العقود.

والقول على ضربين:

أحدهما: صريح كقول الموكِّل للوكيل: وكّلتك فلا شبهة (1) في صحة الوكالة به لكونه صريحاً فيها.

وثانيهما: غير صريح. لكن فيه دلالة على الوكالة؛ كقوله: افعل كذا أو أذنت لك أن تفعل كذا. والوكالة به أيضاً صحيحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل عروة بن الجعد بقوله: «اشتر لنا شاة» (2)، والإذن في معناه.

ولأنه لفظ دال على الإذن فجرى مجرى قوله: وكّلتك.

وأما كون قبول الوكيل يصح بالقول المذكور كقوله: قبلت وما في معنى ذلك مما يدل عليه؛ فلأنه قبول. أشبه القبول في النكاح والبيع.

ولأنه يصح القبول بالفعل لما يأتي؛ فلأن يصح بالقول الدالّ عليه بطريق الأولى.

وأما كونه يصح بالفعل المذكور؛ فلأن وكلاء النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم قبول سوى امتثال أمره.

ولأنه إذن في التصرف فصح القبول فيه بالفعل كأكل الطعام.

قال: (ويصح القبول على الفور والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول: قبلت).

أما كون القبول يصح على الفور فلا شبهة فيه لأن سائر العقود يصح قبولها على الفور فكذا هذا.

(1) ساقط من هـ.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 671

وأما كونه يصح على التراخي؛ فلأن قبول وكلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لوكالته كان بفعلهم وكان متراخياً على توكيله لهم.

ولأنه إذن له في التصرف، والإذن قائم ما لم يرجع عليه.

وأما قول المصنف رحمه الله: بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه

إلى آخره فبيان للقبول على التراخي.

قال: (ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه).

أما كون التوكيل في شيء لا يجوز ممن لا يصح تصرفه فيه؛ فلأن الموكّل إذا كان لا يصح تصرفه في شيء بنفسه فلأن لا يجوز له أن يوكل غيره بطريق الأولى.

وأما كون التوكل في شيء لا يجوز ممن لا يصح تصرفه فيه؛ فلأن الوكيل إذا كان قاصراً عن التصرف لنفسه، فلأن يكون قاصراً عن التصرف بالإذن الذي هو أضعف منه بطريق الأولى.

وأما كون التوكيل والتوكل في شيء يجوز ممن يصح تصرفه فيه؛ فلأن كل واحد منهما يملك التصرف بنفسه. فجاز أن يستنيب غيره وأن ينوب عن غيره؛ لانتفاء المفسد المتقدم ذكره.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا: أن كل من صح تصرفه في شيء بنفسه جاز أن يوكل فيه وأن يتوكل. واستثنى من التوكل في المغني الفاسق فإنه يصح أن يقبل النكاح بنفسه ولا يصح أن يقبله لغيره. وحكاه عن القاضي ثم قال: وكلام أبي الخطاب يقتضي جواز ذلك وهو القياس.

ص: 672

قال: (ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه إلا الظهار واللعان والأيمان، ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج وَلِيَّتَه إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لنفسه وَمَوْلِيَّتِه).

أما كون التوكيل يجوز في العقود؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل عروة بن الجعد في الشراء» (1)، وسائر العقود في معناه.

وأما كونه يجوز في الفسوخ والعتق والطلاق؛ فلأنه إذا جاز التوكيل في الإنشاء؛ فلأن يجوز في الإزالة بطريق الأولى.

وأما كونه يجوز في الرجعة؛ فلأنه يجوز في النكاح فلأن يجوز في الرجعة بطريق الأولى.

وأما كونه يجوز في تملك المباحات؛ فلأنه نوع يملك. أشبه التوكيل في الشراء.

وأما كونه لا يجوز في الظهار واللعان والأيمان؛ فلأنها أيمان فلا تدخلها النيابة كالصلاة. ويدخل في الأيمان النذر؛ لأنه يمين، والقسامة كذلك.

وينبغي أن يستثنى من (2) جواز الوكالة في كل حق آدمي القسم بين الزوجات؛ لأنه يتعلق بنفس الزوج، والشهادة لأنها تتعلق بالشاهد. ذكرهما المصنف في المغني. ثم قال: ولا يصح في الالتقاط فإذا أمر بذلك فالتقط كان أحق به من الآمر، ولا في الاغتنام لأنه يستحق بالحضور، ولا في الرضاع لأنه يتعلق بالمرضع والمرتضع، ولا في الغصب لأنه محرم، ولا في الجنايات كذلك.

وأما كون توكيل من يقبل له النكاح يجوز؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة» (3) و «أبا رافع في قبول نكاح ميمونة» (4).

وأما كونه يجوز في تزويج وليته؛ فلأن الحاجة تدعو إليه فجاز كالقبول.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

ساقط من هـ.

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 673

وأما قول المصنف رحمه الله: إذا كان الوكيل ممن يصح ذلك منه لنفسه وموليته فاحتراز عن الصبي والمجنون وما أشبههما لأن توكيلهما لا يصح لما تقدم، وعن الفاسق؛ لأن توكيله في إيجاب النكاح لا يصح؛ لأنه لا يصح أن يتولى نكاح موليته بنفسه لأنه لا ولاية لفاسق. وفيه إشعار بأن الفاسق يصح أن يكون وكيلاً في القبول. وقد تقدم الكلام فيه والخلاف (1).

قال: (ويصح في كل حق لله تدخله النيابة من العبادات والحدود في إثباتها واستيفائها، ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكِّل وغيبته إلا القصاص وحد القذف عند (2) بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته).

أما كون التوكيل في العبادات التي تدخلها النيابة كالزكوات والمنذورات والكفارات ونحو ذلك يصح؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أناساً لقبض الصدقات وتفريقها» . وقال في حديث معاذ حين بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم

مختصر» (3) متفق عليه.

فيثبت الحكم فيما ذكر لما ذكر، وفي (4) باقي الصور لأنه في معناه.

وأما كونه يصح في الحدود في إثباتها واستيفائها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «واغدُ يا أُنيسُ إلى امرأةِ هذا فإن اعترفتْ فارجمْهَا» (5). وكّله في الإثبات والاستيفاء.

وقال أبو الخطاب في الهداية: لا يجوز التوكيل في إثباتها لأنها تسقط بالشبهات. ونصر المصنف في المغني الأول للحديث.

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: وعند.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (6937) 6: 2685 كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله.

وأخرجه مسلم في صحيحه (19) 1: 50 كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.

(4)

في هـ: في.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (2190) 2: 813 كتاب الوكالة، باب الوكالة في الحدود.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1697) 3: 1325 كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى.

ص: 674

ولأن الحاكم إذا استناب دخل في ذلك إثبات الحدود، وإذا دخل ذلك في التوكيل بطريق العموم؛ فلأن يدخل بطريق الخصوص بطريق الأولى.

وأما كون الاستيفاء يجوز في حضرة الموكل؛ فكسائر الحقوق.

وأما في غيبته فينظر فيه فإن كان ذلك في زنا وشبهه جاز؛ لأنه لا يحتمل العفو حتى يدرأ بالشبهة، وإن كان في قصاص أو حد قذف فالمذهب جوازه أيضاً؛ لأن ما جاز للوكيل استيفاؤه في حضرة الموكِّل جاز في غيبته. دليله حد الزنا وسائر الحقوق.

وقال بعض الأصحاب: لا يجوز؛ لأنه يحتمل أن يعفو عنه حال غيبته فيسقط، وهذه شبهة تمنع من استيفائه.

ولأن العفو مندوب إليه فإذا حضر جاز أن يرحمه فيعفو عنه.

قال المصنف رحمه الله في المغني: ظاهر المذهب جواز الاستيفاء لما ذكر. وأجاب عن احتمال العفو بأن الأصل عدمه. وهو بعيد فلا يؤثر. ألا ترى أن قُضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد بالحدود مع احتمال النسخ.

قال: (ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكِّل. وعنه: يجوز. وكذلك الوصي والحاكم. ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه [أو يعجز عنه لكثرته).

أما كون الوكيل لا يجوز له التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه] (1) إذا لم يأذن الموكل له في ذلك على المذهب؛ فلأنه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمّنه إذنه له لكونه يتولى مثله.

وأما كونه يجوز (2) له ذلك على روايةٍ؛ فلأنه وكيله فملك ذلك كما لو وكله فيما لا يتولى مثله.

قال المصنف في المغني: والأول أولى؛ لما ذكر.

ولأنه استئمان فلم يكن له أن يوليه غيره مع إمكان فعله بنفسه كالوديعة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في و: لا يجوز.

ص: 675

وأما كونه يجوز له ذلك فيما لا يتولى مثله بنفسه لكونه دنيئاً والوكيل شريفاً لا يليق به أن يباشر ذلك، وفيما يعجز عنه لكثرته رواية واحدة؛ فلأن حال الوكيل وكثرة الموكل فيه قرينة صارفة للوكالة إلى ذلك.

وظاهر كلام المصنف جواز التوكيل في الكل إذا كان كثيراً لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فجاز في كله كما لو أذن في التوكيل بلفظه.

وقال القاضي: وعندي أنه يوكل فيما زاد على ما يتمكن من فعله؛ لأن التوكيل إنما جاز للكثرة فاختص بذلك بخلاف التوكيل بالإذن.

وأما كونه يجوز له التوكيل إذا أذن له الموكل فيه رواية واحدة؛ فلأنه عقد أذن له فيه فكان له ذلك عملاً بالإذن.

فإن قيل: فإن نهاه عن ذلك؟

قيل: لا يجوز له التوكيل رواية واحدة عملاً بالنهي.

وأما كون حكم الوصي والحاكم حكم الوكيل؛ فلأن كل واحدٍ متصرف بالإذن. أشبه الوكيل.

وقال المصنف في المغني في باب الوكالة بعد ذكر الوكيل: قال أصحابنا: الحكم في الوصي يوكل فيما أوصي به إليه، وفي الحاكم يولى القضاء في ناحية هل له أن يستنيب غيره؟ حكم الوكيل على التفصيل الذي ذكرناه سواء. ثم قال: إلا أن القاضي قال: المنصوص في روايةٍ مهنا جواز ذلك. وقال فيه أيضاً في باب المصراة بعد قوله: ويتجر الوصي بمال اليتيم: قال القاضي: يجوز للوصي أن يستنيب فيما يتولى مثله بنفسه وما لا يتولى مثله بنفسه، فأما الوكيل فهل له أن يستنيب فيما يتولى مثله بنفسه على روايتين. والفرق بينهما: أن الوكيل يمكنه الاستئذان بخلاف الوصي. ثم قال: قال أبو بكر: في الوصي روايتان كالوكيل. فحاصل ذلك أن المصنف نقل في موضعٍ الفرق بين الوصي والوكيل، وفي موضع آخر التسوية بينهما.

فعلى القول بالتسوية لم يحتج إلى ذكر الفرق، وعلى القول بالفرق فقد نبه المصنف رحمه الله عليه فيما تقدم.

ص: 676

قال: (ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده، ولا يجوز بغير إذنه. وإن وكله بإذنه في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين).

أما كون عبد الغير يجوز توكيله بإذن سيده؛ فلأن العبد ممنوع من التصرف لحق السيد فإذا أذن له جاز أن يوكل كالحر.

ولأن الوكالة نفع. فجازت بإذن السيد؛ كالتجارة ونحوها.

وأما كونه لا يجوز بغير إذنه سيده؛ فلأن منافعه مملوكة فلا يجوز صرفها في شيء إلا بإذنه.

وأما كونه يجوز توكيله (1) بإذنه في شراء نفسه من سيده على وجهٍ؛ فلأنه لو وكله أن يشتري من مولاه عبداً غيره صح فكذا إذا وكله في شراء نفسه كالمرأة لما جاز توكيلها في طلاق غيرها جاز توكيلها في طلاق نفسها.

وأما كونه لا يجوز على وجهٍ؛ فلأن يد العبد كيد السيد بدليل أنه يحكم لماله الذي في يد عبده بما يحكم لماله الذي في يده فكأنه إذاً قد وكل السيد في الشراء من نفسه.

قال المصنف رحمه الله في المغني: هذا الوجه لا يصح لأنه لو وكّله في الشراء من نفسه جاز لأن الولي في النكاح يجوز أن يتولى طرفي العقد فكذا هاهنا.

قال: (والوكالة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخها. وتبطل بالموت والجنون والحجر للسفه. وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة. ولا تبطل بالسكر والإغماء والتعدي. وهل تبطل بالردة وحرية عبده؟ على وجهين).

أما كون الوكالة من العقود الجائزة من الطرفين؛ فلأنها من جهة الموكِّل إذن، ومن جهة الوكيل بدل نفع، وكلاهما جائز: أما الأول فكما لو أذن في أكل طعامه، وأما الثاني؛ فلأنه في معناه.

وأما كون كل واحد من الموكِّل والوكيل له فسخ الوكالة؛ فلأن ذلك شأن العقود الجائزة من الطرفين. وقد تقدم دليله.

(1) في هـ: توكله.

ص: 677

وأما كونها تبطل بالموت والجنون والحجر للسفه؛ فلأن الوكيل يتصرف بطريق النيابة عن الموكِّل فإذا خرج الموكِّل عن أهلية التصرف بطلت نيابته.

ولأن الوكالة تعتمد الحياة والعقل وعدم الحجر فإذا انتفى ذلك انتفت صحة الوكالة لانتفاء ما تعتمد عليه.

وقول المصنف رحمه الله: "والحجر للسفه" مشعر بأن الحجر لغير السفه لا يبطل الوكالة.

وقال في المغني: وإذا حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها فإنه لم يخرج عن كونه أهلاً للتصرف، وإن حجر على الموكِّل نظرت في الوكالة فإن كانت في أعيان ماله بطلت؛ لانقطاع تصرفه فيها. وإن كانت في الخصومة، أو في الشراء في الذمة، أو الخلع، أو الطلاق، أو القصاص، فالوكالة بحالها؛ لأن الموكل أهل لذلك حينئذ.

وأما كون كل عقد جائز كالشركة والمضاربة ونحوهما كالوكالة فيما ذكر من البطلان وغيره؛ فلأن الكل مشترك معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

وأما كونها لا تبطل بالسكر والإغماء؛ فلأن من اتصف بذلك لا يخرج عن أهلية التصرف ولا يثبت عليه بذلك ولاية.

وأما كونها لا تبطل بالتعدي مثل أن يلبس الوكيل الثوب الموكل في بيعه؛ فلأن تصرفه في البيع تصرف بإذن موكله. أشبه ما لو لم يتعد فيه.

ولأن الوكالة اقتضت الأمانة والإذن فإذا بطلت الأمانة بالتعدي كان الإذن في التصرف باقياً.

وأما كونها لا تبطل بالردة على وجهٍ فقال المصنف في المغني: فإن كانت من الوكيل فلا تبطل الوكالة؛ لأن ردته لا تؤثر في تصرفه وإنما تؤثر في ماله، وإن كانت من الموكل ففيها وجهان مبنيان على صحة تصرف المرتد في ماله: فإن قيل: تصح فالوكالة بحالها، وإن قيل: لا تصح بطلت الوكالة؛ لأن النائب يحذو حذو المنيب.

وأما كونها لا تبطل بحرية عبده على وجهٍ؛ فلأن كل شيء لا يمنع ابتداء الوكالة لا يمنع استدامتها.

ص: 678

وأما كونها تبطل على وجهٍ؛ فلأن توكيل العبد استخدام بحق الملك. فإذا زال الملك زال الاستخدام.

قال: (وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين).

أما كون الوكيل ينعزل بموت الموكل قبل علمه على روايةٍ؛ فلأن العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه فلا يفتقر إلى علم الوكيل كالفسخ بعيب المبيع.

وأما كونه لا ينعزل على روايةٍ؛ فلأن ذلك رفع فلا يترتب عليه مقصوده قبل العلم به (1) كالفسخ.

وأما كونه ينعزل بالعزل ففيه الروايتان نقلاً ودليلاً.

وتقييد المصنف الخلاف المذكور في المسألتين بقبل العلم مشعر بانعزاله إذا علم رواية واحدة وهو صحيح. أما إذا مات الموكِّل؛ فلأن الوكيل يتصرف عنه بطريق النيابة وقد بطل ذلك في الأصل فكذا الفرع. وأما إذا عزله؛ فلأن تصرفه مستنداً إلى الإذن وقد زال بالعزل.

قال: (وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه).

أما كون أحد الوكيلين لا يجوز له الانفراد بالتصرف إذا لم يجعل ذلك إليه؛ فلأن الموكل لم يرض بتصرف أحدهما منفرداً بدليل إضافة الغير إليه.

وأما كونه يجوز له ذلك إذا جعل إليه؛ فلأنه مأذون فيه. أشبه الوكيل الواحد.

قال: (ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه. وعنه: يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين. وهل يجوز أن يبيعه لولده أو والده (2) أو مكاتبه؟ على وجهين).

أما كون الوكيل لا يجوز له أن يبيع لنفسه ما وُكِّل في بيعه على المذهب؛ فلأن العرف في بيع الوكيل أن يبيع لغيره فحملت الوكالة عليه وصار كما لو قال: بعه لغيرك.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في و: لوالده أو والده.

ص: 679

ولأن الوكيل تلحقه التهمة في البيع لنفسه ويتنافى الغرضان في البيع لنفسه؛ لأن بيعه بالوكالة يقتضي الحرص على كثرة الثمن وبيعه لنفسه يقتضي أخذه رخيصاً.

وأما كونه يجوز له ذلك على روايةٍ إذا زاد على ما بُذل فيه أو وكل شخصاً في البيع؛ لأنه إذا كان كذلك حصل غرض الموكل من الثمن فجاز كما لو باعه لأجنبي.

فإن قيل: كيف يوكل في البيع وليس للوكيل أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على الصحيح؟

قيل: ذكر المصنف هذا الإشكال في المغني وأجاب عنه بأن التوكيل فيما لا يتولى مثله جائز والنداء مما لم تجر العادة أن يتولاه أكثر الوكلاء بنفوسهم. وفيه نظر؛ لأن الوكيل إذا جاز له أن يعطي ما وكل فيه لمن ينادي عليه لما ذكر فالعقد لا بد له من عاقد ومثله يتولاه فلا يجوز أن يوكل فيه غيره. ويمكن التخلص من ورود هذا الإشكال بأن يجعل بدل التوكيل في البيع التوكيل في الشراء.

وأما كونه لا يجوز له أن يبيعه لولده أو والده (1) أو مكاتبه على وجهٍ؛ فلأنه متهم في حقهم وفي الميل إلى ترك الاستقصاء في الثمن عليهم. أشبه ما لو باعه لنفسه.

وأما كونه يجوز له ذلك على وجهٍ؛ فلأنهم غيره وقياسهم عليه لا يصح؛ لأن التهمة في حقهم أقل.

قال: (ولا يجوز أن يبيع نسأ ولا بغير نقد البلد. ويحتمل أن يجوز كالمضارب).

أما كون الوكيل لا يجوز أن يبيع مال موكله نسأ ولا بغير نقد البلد على المذهب؛ فلأن الموكل لو باع بنفسه وأطلق انصرف إلى الحالّ وإلى نقد البلد. فكذلك إذا وكل وجب أن تنصرف الوكالة إليهما وإذا انصرفت إليهما لم يملك الوكيل التصرف بغيرهما؛ لأن عقد الوكالة لم يقتضه.

وأما كونه يحتمل أن يجوز فبالقياس على المضارب، وفي جواز بيع المضارب بذلك روايتان يأتي ذكرهما ودليلهما في باب المضاربة (2).

(1) في و: لوالده أو والده.

(2)

ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 680

وقال المصنف في المغني: يمكن الفرق بينهما من حيث إن المقصود في المضاربة الربح والربح في النسأ أكثر ولا يتعين في الوكالة ذلك (1) بل ربما كان المقصود تحصيل الثمن لدفع حاجته.

ولأن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود ضرر النسأ عليه واستيفاء الثمن في الوكالة على الموكل فيعود ضرر الطلب عليه وهو لم يرض به.

قال: (وإن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدّره له صح وضمن النقص. ويحتمل أن لا يصح).

أما كون بيع الوكيل ما وكل في بيعه بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدّره له الموكل يصح على المذهب؛ فلأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه. دليله المريض.

وأما كونه يضمن النقص؛ فلأن الاحتياط وطلب الحظ واجب عليه فيجب عليه تكملة ثمن مثله لأنه فوّته عليه.

وأما كونه يحتمل أن لا يصح؛ فلأن العرف يقيد الوكالة بثمن المثل فإذا باع بدونه لم يصح؛ لأنه غير مأذون فيه. أشبه بيع الأجنبي.

قال المصنف في المغني: وعن أحمد ما يدل على أن العقد باطل وهو الصحيح.

ومعناه والله أعلم أن ذلك هو الصحيح عنده لما ظهر له من الدليل؛ لأن الصحيح في المذهب أنه صحيح ويضمن النقص لما تقدم.

ولأن فيه جمعاً بين حظ المشتري بعدم الفسخ وبين حظ البائع بوجوب التضمين.

وأما الوكيل فلا يعتبر حظه؛ لأنه مفرط.

قال: (وإن باع بأكثر منه صح سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به أو لم تكن. وإن قال: بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين. وإن قال: بعه بألف نسأ فباعه بألف حالّة صح إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال).

أما كون بيع الوكيل بأكثر [من ثمن المثل أو بأكثر](2) مما قدره الموكل له يصح؛ فلأنه باع بالمأذون فيه وزاده خيراً.

(1) ساقط من هـ.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 681

وأما كون ذلك يصح سواء كانت الزيادة من جنس الثمن كمن وكل في البيع بمائة درهم ودرهم، أو من غير جنسه كمن وكل في البيع بمائة درهم فباع بمائة درهم ودينار فلاشتراك الكل في زيادة الخير.

وأما كونه يصح إذا قال الموكل: بعه بدرهم فباعه الوكيل بدينار في وجه؛ فلأنه مأذون فيه عرفاً لأن من رضي بدرهم يرضى بدينار بطريق الأولى.

وأما كونه لا يصح في وجه؛ فلأنه خالف في الجنس المأذون فيه. أشبه ما لو باع بثياب كثيرة القيمة.

وأما كونه يصح إذا قال: بعه بألف نسأ فباعه بألف حالّة لا يستضر بحفظها في الحال؛ فلأنه زاده خيراً.

وأما كونه لا يصح إذا كان يستضر بذلك؛ فلأن حكم الإذن إنما يثبت في السكوت عنه لتضمنه المصلحة، فإذا كان يتضرر به علم انتفاء المصلحة فتنتفي الصحة، وحُكْمُ خوف التلف والتعدي عليه ونحوهما حكم الاستضرار بحفظه لاشتراك الكل في المعنى.

قال: (وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل، أو بأكثر مما قدره له، أو وكله في بيع شيء فباع نصفه: لم يصح).

أما كون الوكيل في الشراء إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره الموكِّل له لا يصح؛ فلأنه فعل غير ما وكل فيه. أشبه من لم يوكله بالكلية.

فإن قيل: قد تقدم أنه إذا وكله في البيع فلم يقدر الثمن أو قدره فباع بدون ثمن المثل أو بدون المقدر أنه يصح فهلا كان هذا مثله؟ أو كان البيع مثل هذا؛ وذلك أن (1) عقد الوكالة: إن لحظ فيه الإذن دون التقييد إما بالعرف أو النطق يصح نظراً إلى الإذن ينبغي أن يصح في الشراء لأنه مأذون فيه كالبيع، وإن لحظ الإذن والتقييد ينبغي أن لا يصح البيع لأن الإذن فيه مقيد؟

(1) ساقط من هـ.

ص: 682

قيل: على اختيار المصنف في المغني لا إشكال لأنه صحح عدم صحة البيع فهو كالشراء، وعلى المذهب في الفَرْق عُسْرٌ.

وأما كونه لا يصح بيع الوكيل نصف الشيء الموكل في بيع كله؛ فلأن على الموكِّل ضرراً في بيع بعضه. أشبه ما لو وكله في شراء شيء فاشترى نصفه.

ولا بد أن يلحظ في بيع النصف المذكور أن لا يكون الوكيل باعه بثمن الكل فإن باعه بثمن الكل صح. ذكره المصنف في المغني لأنه مأذون فيه من جهة العرف. لأن من يرضى بمائة ثمناً للكل مثلاً يرضى بها ثمناً للنصف.

ولأنه حصل له المطلوب وأبقى له زيادة تنفعه.

ولذلك ألحقه بعض الأصحاب المأذون له في ذلك بالأصل.

ولا بد أن يلحظ في ذلك أن يكون في بيع البعض ضرر كالعبد الذي يتشقص ببيع بعضه فإن لم يكن فيه ضرر كالحنطة صح لأن العلة الضرر ولا ضرر هاهنا.

قال: (وإن اشتراه بما قدر (1) له مؤجلاً، أو قال: اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي إحداهما ديناراً أو اشترى شاة تساوي ديناراً بأقل منه صح، وإلا لم يصح).

أما كون شراء الوكيل بما قدر الموكل له مؤجلاً يصح فلما ذكر من أنه زاده خيراً.

وأما كونه يصح شراءه شاتين تساوي إحداهما ديناراً بدينار إذا وكل في شراء شاة بذلك فلما روى عروة بن الجعد «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً فقال: اشتر لنا شاة. قال: فأتيت الجلب فاشتريت شاتين بدينار. فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة. فقلت: يا رسول الله! هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: فحدثته الحديث. قال: اللهم! بارك له في صفقة يمينه» (2). رواه البخاري بمعناه.

(1) في و: قدره.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (3443) 3: 1332 كتاب المناقب، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية

وأخرجه أبو داود في سننه (3384) 3: 256 كتاب البيوع، باب في المضارب يخالف.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1258) 3: 559 كتاب البيوع، باب.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2402) 2: 803 كتاب الصدقات، باب الأمين يتجر فيه فيربح.

ص: 683

ولأنه حصل له المأذون فيه [وزيادة.

وأما كونه يصح شراء شاة تساوي ديناراً بأقل منه؛ فلأنه حصل المقصود وزيادة لأن ذلك مأذون فيه] (1) عرفاً لأن من رضي بشراء شيء بدينار يرضى به بأقل منه.

وأما كونه لا يصح إذا كانت كل واحدة من الشاتين تساوي أقل من دينار؛ فلأن الحجة في الصحة ما تقدم من حديث عروة ولا يدل على هذا.

ولأنه لم يحصل المقصود فلم يقع البيع له لكونه غير مأذون فيه لفظاً ولا عرفاً.

وأما كونه لا يصح إذا كانت الشاة الموكل في شرائها بدينار تساوي أقل منه؛ فلأن ذلك غير موكل فيه لفظاً ولا عرفاً.

قال: (وليس له شراء معيب؛ فإن وجد بما اشترى عيباً فله الرد، فإن قال البائع: موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لا يعلم ذلك، فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد؟ على وجهين).

أما كون الوكيل ليس له شراء معيب؛ فلأن الإطلاق يقتضي السلامة، ولذلك ملك المشتري الرد في البيع إذا ظهر معيباً.

وأما كونه له الرد إذا وجد بما اشترى عيباً؛ فلأنه قائم في الشراء مقام الموكِّل، ولو وجد الموكل العيب ملك الرد. فكذلك من أقيم مقامه.

وأما كونه يُقبل قول الوكيل مع يمينه في أنه لا يعلم برضى موكله؛ فلأنه منكر والقول قول المنكر مع يمينه.

فإن قيل: لم وجبت اليمين على الوكيل، ولم كانت على نفي العلم؟

قيل: أما الأول؛ فلأنه يجوز أن يعلم ذلك وذلك مسقط للرد، وأما الثاني؛ فلأن اليمين على فعل الغير.

وأما كون الرد ما صح إذا صدق الموكل البائع في الرضى بالعيب على وجهٍ؛ فلأن رضى الموكل بالعيب عزل للوكيل عن الرد ومنع له بدليل أن الوكيل لو علمه لم يكن له الرد.

(1) ساقط من هـ.

ص: 684

وأما كونه يصح على وجهٍ؛ فلأن عزل الوكيل لا يحصل إلا بعد علمه به على روايةٍ فيكون الرد حينئذ صادف ولاية.

قال: (وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيباً فهل له الرد قبل إعلام الموكِّل؟ على وجهين).

أما كون الوكيل له الرد على وجهٍ؛ فلأن الإذن يقتضي السلامة. أشبه ما لو وكله في شراء موصوف.

وأما كونه ليس له ذلك على وجهٍ؛ فلأن الموكَّل قطع نظره واجتهاده بالتعيين.

قال: (وإن قال: اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكِّل، وإن قال اشتر لي في ذمتك وأنقد الثمن فاشترى بعينه صح).

أما كون الموكِّل لا يلزمه ما اشتراه الوكيل في ذمته مع تعيين (1) الموكل الثمن؛ فلأنه إذا تعين الثمن فسخ العقد بتلفه فلم يلزمه ثمن في ذمته، وفي هذا غرض صحيح فلا تجوز مخالفته، ولا يلزم قبوله لعدم تناول أمره له لفظاً وعرفاً.

وأما كون شراء الوكيل بعين الثمن يصح إذا قال الموكل: اشتر لي في ذمتك وأنقد الثمن؛ فلأن الموكل أمره بعقدٍ يلزمه الألف مع بقاء الألف وتلفها، وقد عقد عقداً يلزمه الألف مع البقاء دون التلف.

قال المصنف في المغني: ويحتمل أن لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء في الذمة لكون المال فيه شبهه لا يحب أن يقع العقد به، أو يحب أن يقع العقد على وجهٍ لا ينفسخ بالتلف فلا يجوز مخالفة غرضه.

قال: (فإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه في سوق آخر صح. وإن قال: بعه لزيد فباعه من غيره لم يصح).

أما كون البيع يصح إذا قال: بعه في سوق كذا بكذا فباعه بذلك في آخر؛ فلأن الغرض البيع بما قدره له وقد حصل.

(1) في هـ: تعين.

ص: 685

وأما كونه لا يصح إذا قال: بعه لزيد فباعه من غيره؛ فلأنه قد يقصد نفع زيد أو نفع المبيع بايصاله إليه فلا يجوز مخالفته.

قال: (وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه إلا بقرينة، فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء).

أما كون الوكيل في بيع شيء يملك تسليمه؛ فلأن العرف يقتضيه.

ولأنه من تمام العقد وحقوقه ولا يلحقه تهمة في تسليمه.

وأما كونه لا يملك قبض الثمن مع عدم القرينة؛ فلأن اللفظ لا يتناوله ولا قرينة تدل عليه فلم يملكه كما لو لم يوكله.

ولأن الموكِّل قد يرضى للبيع من لا يرضاه للقبض.

وقال المصنف في المغني: ويحتمل أن يكون له قبض الثمن لأنه موجب عقد البيع.

وأما كونه يملك القبض مع القرينة؛ فلأن القرينة تجري مجرى التصريح. فكذلك هاهنا.

وأما كونه لا يلزمه شيء إذا تعذر قبض الثمن؛ فلأنه ليس بمفرط لكونه لا يملكه.

قال: (وإن وكله في بيع فاسد أو كلِّ قليل وكثير لم يصح. وإن وكله في بيع ماله كله صح. وإن قال: اشتر لي ما شئت أو عبداً بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن. وعنه: ما يدل على أنه يصح).

أما كون التوكيل في البيع الفاسد لا يصح؛ فلأن الله تعالى لم يأذن فيه فكان وجود التوكيل فيه كعدمه.

وأما كونه لا يصح في كل قليل وكثير؛ فلأن فيه غرراً عظيماً وخطراً كبيراً وربما باع كل ماله المحتاج إليه وغيره فيتضرر به ويعظم ضرره.

وأما كونه يصح في بيع ماله كله؛ فلأنه يعرف ماله فيقل الضرر.

وأما كونه إذا قال: اشتر لي ما شئت أو عبداً بما شئت ولم يذكر النوع وقدر الثمن لا يصح على المذهب؛ فلأن ما يمكن شراؤه ويمكن الشراء به يكثر فيكثر الغرر.

ص: 686

وأما كونه يصح على روايةٍ؛ فلأنه إذن في التصرف فجاز من غير تعيين؛ كالإذن في التجارة.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله اعتبار ذكر النوع وقدر الثمن جميعاً وهو قول أبي الخطاب.

وقال القاضي: يكفي ذكر النوع لأن الغرر يقل.

وأما كونه يصح إذا قال ذلك وذكر النوع وقدر الثمن فلا شبهة فيه لانتفاء الغرر المتقدم ذكره فيه.

قال: (وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلاً في القبض، وإن وكله في القبض كان وكيلاً في الخصومة في أحد الوجهين).

أما كون الوكيل في الخصومة لا يكون وكيلاً في القبض؛ فلأن الإذن لم يتناوله نطقاً ولا عرفاً؛ إذ ليس في العرف أن من يرضاه للخصومة يرضاه للقبض. ومعنى الوكالة في الخصومة الوكالة في إثبات الحق.

وأما كون الوكيل في القبض وكيلاً في الخصومة في وجه؛ فلأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالخصومة فكان مأذوناً فيها من جهة العرف.

ولأن القبض لا يتم إلا بها فملكها؛ كما لو وكله في شراء شيء فإنه يملك تسليم ثمنه، أو في بيع شيء فإنه يملك تسليمه.

وأما كونه لا يكون وكيلاً فيها في وجه؛ فلأنهما معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلاً في الآخر؛ كما لا يكون وكيلاً في القبض إذا وكل في الخصومة.

ص: 687

قال: (وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكون (1) له قبضه من وارثه، وإن قال: اقبض حقي الذي قَبِلَه فله القبض من وارثه، وإن قال: اقبضه اليوم لم يملك قبضه غداً).

أما كون الوكيل في قبض الحق من إنسان لا يكون له قبضه من وارثه؛ فلأن الوكيل إنما يتصرف بالإذن فإذا لم يكن إذن وجب المنع من القبض لزوال صحة التصرف.

وأما كونه له القبض منه إذا قال: اقبض حقي الذي قَبِلَه؛ فلأن الوكالة تعم قبض حقه مطلقاً فتشمل القبض من الوارث لأنه من حقه.

وأما كونه لا يملك قبضه غداً إذا قال له: اقبضه اليوم؛ فلأنه ليس توكيل فيه لأن الوكالة مقيدة بزمان فإذا انقضى زالت الوكالة.

قال: (وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن، وإن وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكِّل).

أما كون الوكيل في الإيداع لا يضمن إذا أودع ولم يشهد على المودع؛ فلأن القول قول المودَع في الرد والهلاك فلم يكن الوكيل مفرطاً في عدم الإشهاد.

وأما كون الوكيل في قضاء الدين يضمن إذا قضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ولم يكن القضاء بحضرة الموكِّل؛ فلأنه مفرط حيث لم يشهد.

ولأنه أذن له في قضاء دين مبرئ ولم يوجد.

وظاهر هذا أنه يضمن سواء صدقه الموكل أو كذبه، وصرح به المصنف في المغني ونسبه إلى القاضي؛ لما ذكر من التفريط.

وأما كونه لا يضمن إذا قضاه بحضرة الموكِّل؛ فلأن التفريط من الموكِّل حيث لم يشهد ولم يأمره بالإشهاد.

(1) في هـ: لا يكن.

ص: 688

فصل [في أحكام الوكالة]

قال المصنف رحمه الله: (والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط. والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط. ولو قال: بعتُ الثوب وقبضتُ الثمن فتلف فالقول قوله).

أما كون الوكيل أميناً لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط؛ فلأنه نائب المالك في اليد والتصرف فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك، فجرى مجرى المودِع والمضارب والشريك والوصي وشبههم. ومفهوم قوله: بغير تفريط وجوب الضمان إذا فرّط؛ مثل: أن لا يحفظه في حرز مثله، وما أشبه ذلك. وصرح به في المغني لأنه مفرط فلزمه الضمان لتفريطه. ومثل التفريط التعدي فيما وكّله فيه؛ مثل: أن يركب الدابة أو يلبس الثوب أو يطلب منه المال فيمتنع من دفعه لغير عذر لأن التعدي أبلغ من التفريط.

وأما كون القول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط؛ فلأنه أمين.

ولأن الأصل براءة ذمته مما يُدّعى عليه.

وأما كونه يُقبل قوله إذا قال: بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف؛ فلأنه أمين.

ولأنه يتعذر إقامة البينة على ذلك فلا (1) يكلفها كالمودَع.

ولأنه لو كلف إقامة البينة على ذلك لامتنع الناس من الدخول في الوكالة مع دعوى الحاجة إليها.

وقال القاضي: إذا ادعى الهلاك بأمر ظاهر كالحريق والنهب وشبههما كلف إقامة البينة على ذلك، وقبل قوله في نفس التلف.

(1) ساقط من هـ.

ص: 689

قال: (وإن اختلفا في رده إلى الموكِّل فالقول قوله إن كان متطوعاً، وإن كان بجعل فعلى وجهين. وكذلك يُخَرَّج في الأجير والمرتهِن).

أما كون القول قول الوكيل بغير جُعْلٍ في الرد؛ فلأنه قبض المال لمنفعة [مالكه فقط فقبل قوله في الردّ؛ كالمودِع.

وأما كون الوكيل بجُعْلٍ لا يقبل قوله على وجهٍ؛ فلأنه قبض المال لمنفعة] (1) نفسه. أشبه المستعير.

وأما كونه يقبل على وجهٍ؛ فلأنه لا منفعة له في العين المقبوضة لأن منفعته بالجعل دونها.

وأما كون الأجير والمرتهن يُخَرَّج فيهما ما ذكر في الوكيل بجُعْل؛ فلاشتراك الكل في قبض العين لمنفعة القابض.

قال: (وإن قال: أذنت لك في البيع (2) نسأ وفي الشراء بخمسة فأنكره فعلى وجهين).

أما كون القول قول المالك في النسأ ومقدار الثمن على وجهٍ؛ فلأن القول قوله في أصل الوكالة. فكذلك في صفتها.

وأما كون القول قول الوكيل على وجهٍ؛ فلأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كالخياط.

قال: (وإن قال: وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلتُ وصدقته المرأة فأنكره فالقول قول المنكر بغير يمين. وهل يلزم الوكيل نصف الصداق؟ على وجهين).

أما كون القول قول المدعى عليه الوكالة؛ فلأنه منكرها والأصل معه.

وأما كون ذلك بغير يمين؛ فلأن الوكيل بعد العقد يدعي حقاً لغيره لا لنفسه. ومقتضى هذا التعليل أن المرأة لو ادعته وجبت (3) اليمين. وصرح به المصنف في المغني؛ لأنه يحتمل كونها صادقة فيستحلف لذلك.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: أذنت لي البيع.

(3)

ساقط من هـ.

ص: 690

وأما كون الوكيل يلزمه نصف الصداق على وجهٍ؛ فلأن الوكيل ضامن للثمن في البيع وللبائع مطالبته به فكذا هاهنا.

وأما كونه لا يلزمه؛ فلأن دعوى المرأة على الموكِّل دون الوكيل فلم يلزم الوكيل شيء لعدم الدعوى عليه.

قال: (ويجوز التوكيل بجُعْلٍ وبغيره؛ فلو قال: بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح. نص عليه).

أما كون التوكيل يجوز بجعل؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم على ذلك جعلاً» .

ولأن تصرفه لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض كرد الآبق.

وأما كونه يجوز بغير جعل؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أنيساً في إقامة الحد» (1) و «عروة في شراء شاةٍ ولم يجعل لهما شيئاً» (2).

وأما كونه يصح إذا قال: بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك؛ فلأن ابن عباس كان لا يرى بأساً بذلك.

ولأنه تصرف في ماله بإذنه فصح شرط الربح كالمضارب والعامل في المساقاة.

(1) سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 691

فصل

قال المصنف رحمه الله: (فإن كان عليه حقٌّ لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه وإن كذبه لم يستحلف، فإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده، وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما ولا يرجع من ضمنه على الآخر).

أما كون المدعى عليه لا يلزمه الدفع مع التصديق؛ فلأن عليه فيه تبعة لجواز أن ينكر الموكِّل الوكالة فيستحق الرجوع عليه.

وأما كونه لا يستحلف مع التكذيب؛ فلأنه لا فائدة في استحلافه؛ إذ فائدة الاستحلاف الحكم عليه بالنكول ولو أقر لم يلزمه الدفع فكيف يقضى عليه بالنكول.

وأما كون صاحب الحق يحلف إذا أنكر الوكالة؛ فلأنه يحتمل صدق الوكيل في الوكالة.

ولأن صاحب الحق منكر للوكالة واليمين تجب على المنكر لقوله عليه السلام: «البينةُ على المدعِي واليمينُ على المنكر» (1).

وأما كون صاحب الحق يرجع على الدافع وحده إذا كان المدعي حقاً في الذمة؛ فلأن حقه في ذمته لم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيله.

وأما كونه يأخذ العين إذا كان المدفوع وديعة فوجدها؛ فلأنها عين حقه.

وأما كونه له تضمين من شاء من الدافع والقابض؛ فلأن الدافع ضمنها بالدفع والقابض قبض ما لا يستحقه.

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (51) 4: 217 كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك، في المرأة تقتل إذا ارتدت.

ص: 692

وأما كون من ضمنه لا يرجع على الآخر؛ فلأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذه المالك ظلم، ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد والظلم لا يرجع به من (1) ظلم على غيره.

قال: (وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق، واليمين مع الإنكار وجهان).

أما كون الدفع لا يجب مع التصديق على وجهٍ؛ فلأنه معترف أن الحق له لا لغيره. أشبه الوارث.

قال المصنف في المغني: الأول أشبه؛ لأن العلة في جواز منع الوكيل كون الدافع لا يبرأ، وهي موجودة هاهنا، والعلة في وجوب الدفع إلى الوارث كونه مستحقاً والدافع إليه يبرأ وهذا متخلِّف هاهنا فإلحاقه بالوكيل أولى.

وأما كون اليمين تجب مع الإنكار على وجهٍ ولا تجب على وجهٍ فمخرج على الخلاف في وجوب الدفع مع التصديق وعدم وجوبه.

قال: (وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق، واليمين مع الإنكار).

أما كون المدعى عليه ما ذكر يلزمه الدفع مع التصديق؛ فلأنه مقر له بالحق فلزمه الدفع كما لو جاء صاحب الحق.

وأما كونه يلزمه اليمين مع الإنكار؛ فلأن الدفع واجب، واليمين على نفي العلم؛ لأنها على فعل الغير.

(1) في هـ: على من.

ص: 693