الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإجارة
الإجارة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق: 6]، وقوله تعالى:{قالت إحداهما يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} [القصص: 26]، وقوله:{إني أريد أن أُنْكِحَكَ إحدى ابنتي هاتين على أن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَج} [القصص: 27].
وأما السنة فثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرَا رجلاً من بني الدِّيلِ هَادِياً خِرِّيتاً» (1).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقولُ اللهُ تعالى: ثلاثةٌ أنا خصمهمْ يومَ القيامةِ: رجلٌ أعطى بي ثمَّ غَدرْ، ورجلٌ باعَ حُراً وأكلَ ثمنهُ، ورجلٌ استأجرَ أجيراً فاستوفَى منهُ ولم يوفّهِ أجرَهُ» (2). والأخبار في هذا كثير.
وأما الإجماع فأجمع أهل العلم على جواز الإجارة في الجملة.
قال المصنف رحمه الله: (وهي: عقد على المنافع. تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما. وفي لفظ البيع وجهان).
أما قوله رحمه الله: وهي عقد على المنافع فبيان لمعنى الإجارة ليحصل به معرفة حقيقتها وتمييزها عن الأعيان.
وأما كونها تنعقد بلفظ الإجارة والكراء؛ فلأنهما موضوعان لذلك.
وأما كونها تنعقد بلفظ البيع في وجه؛ فلأنها حقيقة فانعقدت بلفظه كسائر أنواعه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2145) 2: 790 كتاب الإجارة، باب إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام
…
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (2114) 2: 776 كتاب البيوع، باب إثم من باع حراً.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2442) 2: 816 كتاب الرهون، باب أجر الأجراء.
وأخرجه أحمد في مسنده (8677) 2: 358.
وأما كونها لا تنعقد به في وجه؛ فلأن فيها معنى خاصاً فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى.
ولأن الإجارة تضاف إلى العين التي يضاف البيع إليها إضافة واحدة فاحتيج لفظ يفرق بينهما كالعقود المتباينة.
ولأنها تخالف البيع في الاسم والحكم. أشبهت النكاح.
[فصل في شروط الإجارة]
قال: (ولا تصح إلا بشروط ثلاثة:
أحدها: معرفة المنفعة: إما بالعرف كسكنى الدار شهراً أو خدمة العبد سنة، وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين وبناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته وإجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس أو بناء معلوم).
أما كون الإجارة لا تصح إلا بشروط ثلاثة؛ فلما يأتي في مواضعها.
وأما كون أحد شروط صحة الإجارة: معرفة المنفعة؛ فلأن الإجارة بيع، والبيع لا يصح إلا بمعرفة المبيع.
وأما طريق المعرفة فأمران:
أحدهما: العرف.
وثانيهما: الوصف؛ لأن كل واحد منهما تتميز به المنفعة. وذلك هو المطلوب.
وأما قول المصنف رحمه الله: "كسكنى الدار شهراً وخدمة العبد سنة"؛ فتمثيل لحصول معرفة المنفعة.
وقوله: "كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين وبناء حائط
…
إلى قوله: وآلته"؛ فتمثيل لحصول المنفعة بالوصف. وإنما اشترط الوزن والمسافة في الزبرة، وذكر الطول والعرض والسمك والآلة في بناء الحائط لأن المعرفة لا تحصل إلا بذلك.
ولأن الغرض يختلف باختلاف ذلك فلم يكن بُدٌّ من ذكره.
وأما قوله: "وإجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس أو بناء معلوم" فبيان لأن إجارة الأرض تارة تكون لزرع وتارة لغرس وتارة لبناء. وفيه تنبيه على اشتراط ما ذكر لأن الغرض يختلف باختلافه فاشترط ذكره؛ كالصفات التي يختلف الثمن بسببها في السلم.
قال: (وإذا استأجر للركوب: ذكر المركوب فرساً أو بعيراً ونحوه (1). فإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره).
أما كون المستأجر يذكر المركوب إذا كانت الإجارة للركوب؛ فلأن غرض الراكب يختلف فلم يكن بد من ذكره نفياً للنزاع.
وأما كونه لا يحتاج إلى ذلك إذا كانت الإجارة للحمل؛ فلأن الغرض في ذلك لا يختلف.
(1) في هـ: أو نحوه.
فصل [الشرط الثاني]
قال المصنف رحمه الله: (والثاني: معرفة الأجرة بما يحصل به معرفة الثمن. إلا أنه يصح أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته، وكذلك الظِّئْر. ويستحب أن تعطى عند الفطام عبداً أو وليدة إذا كان المسترضع موسراً).
أما كون الثاني من شروط صحة الإجارة (1): معرفة الأجرة بما يحصل به معرفة الثمن غير المستثناة؛ فلأن الأجرة أحد العوضين فاشترط معرفتها بما ذكر؛ كالعوض في البيع.
وأما كون إجارة الأجير بطعامه وكسوته تصح؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحمَ اللهُ أخي موسى آجرَ نفسهُ ثمانيَ سنينَ على طعامَ بَطنْه (2) وعِفّةِ فَرْجِه» (3) رواه ابن ماجة.
ولأن العادة جارية به من غير نكير. أشبه الإجماع.
وأما كون إجارة الظِّئْر وهي المرضعة كذلك؛ فلأنها في معنى الأجير بل أولى لأن الحاجة تدعو إلى الرضاع أكثر من غيره.
وأما كونها يستحب أن تعطى عند الفطام عبداً أو وليدة إذا كان المسترضع موسراً؛ فلما روي «أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يذهبُ عَني مَذمّةَ (4) الرضَاعِ؟ قال: الغرةُ: العبدُ أوِ الأمَة» (5) رواه أبو داود.
(1) في هـ: الإجارة صحة.
(2)
في هـ: نفسه.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2444) 2: 817 كتاب الرهون، باب إجازة الأجير على طعام بطنه.
قال في الزوائد: إسناده ضعيف لأن فيه بقية، وهو مدلس وليس لبقية هذا عند ابن ماجة سوى هذا الحديث. وليس له شيء في بقية الكتب الخمسة.
(4)
في هـ: مدة.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (2064) 2: 224 كتاب النكاح، باب في الرضخ عند الفصال.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1153) 3: 459 كتاب الرضاع، باب ما جاء ما يذهب مذمة الرضاع.
وأخرجه النسائي في سننه (3329) 6: 108 كتاب النكاح، حق الرضاع وحرمته.
ولأن في ذلك إبقاء لحياته فاستحب جعل الجزاء رقبة للتناسب.
قال: (وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ليعملاه ولهما عادة بأجرة صح ولهما ذلك وإن لم يعقدا عقد إجارة. وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح).
أما كونه يصح أن يدفع الثوب إلى من ذكر كما ذكر إذا كان للمدفوع إليه عادة بأخذ الأجرة وكونه له الأجرة المعروفة؛ فلأن العرف يجري مجرى الشرط. دليله ما لو باع شيئاً وأطلق الثمن وللبلد نقد واحد معروف.
ولأن (1) شاهد الحال يقتضي أخذ الأجرة. أشبه ما لو عرّض له فقال: خذه وأنا أعلم أنك إنما تعمل بالأجرة.
وأما كون دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح كذلك؛ فلاشتراك الجميع في العرف الجاري مجرى الشرط.
ومفهوم كلام المصنف رحمه الله أن أحد هؤلاء متى لم تكن له عادة بأخذ الأجرة لا يستحق شيئاً (2) إلا أن يَشْرِط له. وصرح المصنف بذلك في الخياط والقصار فقال في المغني بعد ذكر المسألة: فإن لم يكونا منتصبين لذلك لم يستحقا الأجرة إلا بالعقد أو شرط العوض أو تعريض به لأنه لم يجر بذلك عرف يقوم مقام العقد.
قال: (وتجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة)(3).
أما كون إجارة دار تجوز بسكنى دار وخدمة عبد؛ فلأن كل واحد منهما يجوز في مقابلته بالعوض فجاز أن يكون (4) عوضاً في الإجارة كالدراهم والدنانير.
ولأن ذلك يكون عوضاً في البيع، والإجارة مثله لأنها بيع المنافع.
وأما كونها تجوز بتزويج امرأة؛ فلأن ما ذكر قبل يجري فيه فوجب أن يلحق به.
(1) في هـ: فلأن.
(2)
زيادة من ج.
(3)
في هـ: وتزويج أمة.
(4)
في هـ: يكونا.
قال: (وتجوز إجارة الحلي بأجرة من جنسه. وقيل: لا تصح).
أما كون إجارة الحلي تجوز بأجرة من جنسه على المذهب والمراد به صحتها؛ فلأن الحلي عين ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها. أشبهت الدور والأراضي.
وأما كونها لا تصح على وجهٍ؛ فلأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منها أجزاء وإن كانت يسيرة، وتحصل الأجرة التي من جنسها في مقابلة ذلك الانتفاع (1) فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشيء آخر، أو فضة بفضة وشيء آخر.
والأول أولى؛ لما ذكر. والأجرة في مقابلة الانتفاع لا غير فيزول الإشكال.
قال: (وإن قال: إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته (2) غداً فلك نصف درهم فهل يصح؟ على روايتين).
أما كون ذلك يصح على روايةٍ؛ فلأن في ذلك غرضاً صحيحاً تدعو الحاجة إليه فوجب أن يصح تحصيلاً لتلك الحاجة.
وأما كونه لا يصح على روايةٍ؛ فلأنه عقد واحد اختلف عوضه بالتقديم والتأخير فلم يصح؛ كما لو قال: بعتك بعشرة نقداً أو بعشرين نسأ.
قال: (وإن قال: إن خطته رومياً فلك درهم، وإن خطته فارسياً فلك نصف درهم فعلى وجهين).
أما الخلاف المذكور من الوجهين فمخرج على الخلاف المتقدم من الروايتين.
وأما معنى الرومي
…
، وأما معنى الفارسي
…
(3).
قال: (وإن أكراه دابة وقال: إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة، وإن رددتها غداً فكراؤها عشرة. فقال أحمد: لا بأس به. وقال القاضي: يصح في اليوم الأول دون الثاني).
أما كون ما ذكر لا بأس به على ما قال الإمام أحمد؛ فلأنه لا يؤدي إلى التنازع.
(1) في هـ: والانتفاع.
(2)
في هـ: خطه.
(3)
كذا في هـ، وفي ج ترك فراغاً مقداره أربع كلمات بعد قوله: وأما معنى الرومي، وكذا بعد قوله: وأما معنى الفارسي.
وأما كونه يصح في اليوم الأول دون الثاني على قول القاضي؛ فلأن المؤجر في اليوم الأول معلوم دون الثاني.
قال: (وإن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد: هو جائز. وقال القاضي: يصح في العشرة وحدها).
أما كون ذلك جائزاً على قول الإمام أحمد فلما يأتي من حديث علي رضي الله عنه.
وأما كونه يصح في العشرة وحدها على قول القاضي؛ فلأن المؤجر الذي يقابله العشرة معلوم دون ما بعده.
قال: (ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته. وإن سمى لكل يوم شيئاً معلوماً فجائز).
أما كونه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته على المنصوص؛ فلأن ذلك مجهول.
وأما كونه يجوز أن يسمي لكل يوم شيئاً معلوماً؛ فـ «لأن علياً آجر نفسه كل دلو بتمرة» (1). ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا في معناه.
ولأن ما يقابل كل يوم من المدة معلوم الأجرة. أشبه ما لو قال: أجرتكها سنة كل يوم بدرهم، أو قال: استأجرتك لنقل هذه الصبرة كل قفيزٍ منها بدرهم.
قال: (وإن أَكراهُ كل شهرٍ بدرهم، أو كل دلوٍ بتمرة، فالمنصوص أنه يصح، وكلما دخل شهر (2) لزمهما حكم الإجارة. ولكل واحدٍ الفسخ عند تَقَضِّي كل شهر. وقال أبو بكر وابن حامد: لا يصح).
أما كون ما ذكر يصح على المنصوص؛ فلما تقدم من حديث علي (3)، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه أحمد في مسنده (1135) 1: 135.
(2)
في هـ: شهراً.
(3)
سبق قريباً.
وأما كونه لا يصح ويلزمهما حكم الإجارة كلما دخل شهر (1)؛ فلأن دخوله بمنزلة إيقاع العقد على عينه ابتداء.
وأما كون كل واحدٍ منهما له الفسخ عند تَقَضِّي كل شهر؛ فلأن اللزوم إنما كان لأجل الدخول المنزّل منزلة إيقاع العقد ابتداء ولم يوجد بعد.
وأما كون ما تقدم ذكره لا يصح على قول أبي بكر وابن حامد؛ فلأن مدة الإجارة مجهولة.
(1) في هـ: شهراً.
فصل [الشرط الثالث]
قال المصنف رحمه الله: (الثالث: أن تكون المنفعة مباحة مقصودة فلا تجوز الإجارة على الزنا والزمر والغناء، ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار أو لبيع الخمر).
أما كون الثالث من شروط الإجارة: أن تكون المنفعة مباحة مقصودة؛ فلأن المنفعة المحرمة مطلوبة العدم، وصحة الإجارة تنافيها لأنها تقضي كثرة إيقاعها.
ولأن المنفعة المحرمة لا يجوز مُقابَلَتُها بالعوض في البيع فكذا في الإجارة.
ولأن ما لا يقصد لا يقابل بالعوض.
وأما كون الإجارة لا تجوز على الزنا ولا على الزمر ولا على الغناء؛ فلأن جميع ذلك محرم.
وأما كون إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار أو لبيع الخمر لا يجوز؛ فلأن في ذلك إعانة على المعصية. أشبه الإجارة للزنا.
قال: (ولا يصح الاستئجار على حمل الميتة والخمر. وعنه: يصح ويكره أكل أجرته).
أما كون الاستئجار على حمل ما ذكر لا يصح على المذهب؛ فلأنه استئجار لفعل محرم فلم يصح؛ كغيره من المحرمات.
وأما كونه يصح على روايةٍ؛ فلأن الفعل لا يتعين عليه.
ولأنه يجوز حمله (1) لإراقته فكذا حمله لغيره.
وأما كونه يكره أكل أجرته؛ فللاختلاف في حرمته.
(1) ساقط من هـ.
فصل [في أنواع الإجارة]
قال المصنف رحمه الله: (والإجارة على ضربين:
أحدهما: إجارة عين، فيجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها، فيجوز له استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه، وحيوان ليصيد به إلا الكلب، واستئجار كتاب ليقرأ فيه إلا المصحف في أحد الوجهين، واستئجار النقد للتحلي والوزن لا غير. فإن أطلق الإجارة لم تصح في أحد الوجهين وتصح في الآخر، وينتفع بها في ذلك).
أما كون [الإجارة على ضربين؛ فلأنها تارة تكون على العين، وتارة تكون على عمل في الذمة.
وأما كون] (1) إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها يجوز؛ فلأن الشروط المعتبرة مجتمعة فيها.
فعلى هذا يجوز استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه؛ لأن الحائط عين يمكن استيفاء المنفعة منها مع بقائها، واستئجار حيوان غير كلب له ليصيد به لما ذكر. وإنما لم يجز في الكلب لأن إجارته كبيعه وبيعه غير جائز فكذا إجارته، واستئجار كتاب غير مصحف ليقرأ فيه لما تقدم.
وأما إجارة المصحف ففيها وجهان مخرجان على بيعه.
واستئجار النقد للتحلي والوزن لما تقدم ولا يجوز لغير ذلك من إنفاق وغيره لأن فيه إذهاباً لعينه، وبقاؤها شرط.
فعلى هذا إذا أطلق الإجارة فهل تصح؟ فيه وجهان:
(1) ساقط من هـ.
أحدهما: لا يصح ويكون قرضاً. ذكره القاضي لأن الإجارة تقتضي الانتفاع، والانتفاع بالدراهم والدنانير المعتاد إنما هو بأعيانهما فإذا أطلق الانتفاع حمل على العرف.
وثانيهما: يصح. ذكره أبو الخطاب لأن المنفعة المستوفاة منهما بالإجارة المنفعة في التحلي والوزن وهما متقاربان فوجب أن يحمل الإطلاق عليهما؛ كاستئجار الدار مطلقاً فإنه يتناول السكنى ووضع المتاع فيها.
فعلى هذا ينتفع بهما في الوزن والتحلي لأنهما اللذان حمل العقد عليهما.
قال: (ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته).
أما كون استئجار الولد لخدمة والده يجوز؛ فلأنه يجوز أن يؤجره من الأجنبي فجاز من نفسه بالقياس عليه.
وأما كون استئجار امرأته لرضاع ولده يجوز؛ فلأن الله تعالى قال: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق: 6]، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا ترضع لكم الحمقاء» (1) فدل بمفهومه على جواز استرضاع غيرها.
ولأن كل عقد صح مع غير الزوج صح معه؛ كالبيع.
ولأن منافعها في الرضاع والحضانة غير مستحقة للزوج بدليل أنه لا يملك إجبارها على ذلك.
قال صاحب النهاية فيها: النهي في الحديث نهي شفقة لأن الحمق مرض والمرض يضر بالولد.
وقال: الحضانة تربية الولد ودهنه ومعاهدته بالكحل والغسل لأقذاره وأوساخه وإصلاح طعامه.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 464 كتاب الرضاع، باب ما ورد في اللبن يشبه عليه. مرسلاً.
قال: (ولا تصح إلا بشرط خمسة:
أحدها: أن يعقد على نفع العين دون أجزائها، فلا تصح إجارة الطعام للأكل، ولا الشمع ليشعله، ولا حيوان ليأخذ لبنه. إلا في الظئر، ونقع البئر يدخل تبعاً).
أما كون إجارة العين لا تصح إلا بالشروط الخمسة المذكورة فلما يأتي ذكره في كل واحد منها.
وأما كون أحد الشروط المذكورة: أن يعقد على نفع العين دون أجزائها فيما عدا المستثنى؛ فلأن الإجارة عقد على المنافع فإذا وقع على الأجزاء لم تكن إجارة.
فعلى هذا لا تصح إجارة شيء مما ذكر المصنف كما ذكره لأنها إجارة على جزء لا على عين (1).
وأما كون إجارة الظئر وهي المرضعة تصح؛ فلما تقدم من قوله: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق: 6].
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم استرضع ولده إبراهيم» .
ولأن الحاجة تدعو إليه. أشبه سائر المنافع.
وأما كون إجارة نقع البئر يصح؛ فلأن الحاجة تدعو إليه. أشبه لبن الظئر.
وأما قول المصنف رحمه الله: يدخل تبعاً فيحتمل أنه عائد إلى نقع البئر لأنه أفرد الضمير، ويحتمل أنه عائد إلى الظئر ونقع البئر. وبه صرح غيره فقال: إلا في الظئر ونقع البئر فإنهما يدخلان تبعا.
فعلى هذا يكون في الكلام إشعار بأن المعقود عليه في الظئر غير اللبن. واختلف الأصحاب في ذلك: فمنهم من قال: هو الخدمة، واللبن تبعاً؛ كالصبغ في إجارة الصباغ لأن اللبن لو كان معقوداً عليه لاستحق بالإجارة عين من الأعيان. ومنهم من قال: هو اللبن.
قال القاضي: هو أشبه لأنه لو كان الخدمة لما وجب على الظئر سقي الولد (2) اللبن فيكون استحقاق العين بالإجارة. وخصه لموضع الحاجة لأن غيره لا يقوم مقامه ولهذا
(1) في هـ: نفع.
(2)
ساقط من هـ.
جاز في الآدمي دون غيره من الحيوان لأن الحاجة تدعو إلى حفظه وإبقائه بخلاف غيره. ولقائل أن يقول: استثناء لبن الظئر مما لا تجوز إجارته لكونه لا ينتفع به إلا بذهاب عينه مع القول بأنه يدخل تبعاً لا يصح؛ لأن المعقود عليه إن كان الخدمة فلا يصح استثناؤها مما ذكر لكونها ليست من جنس المستثنى منه لأن خدمة المرضعة نفع مع بقاء العين، وإن كان اللبن فلا يصح قوله: يدخل تبعاً لأنه معقود عليه فهو أصل لا تبع. والأولى أن يحمل كلام المصنف على نقع البئر خاصة ليخلص من هذا الإشكال.
وأما نقع البئر فإنه يدخل تبعاً لأن هواء البئر وعمقه فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فيه.
قال: (الثاني: معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين، وتصح في الآخر بدونه. وللمستأجر خيار الرؤية).
أما كون الثاني من شروط صحة إجارة العين: معرفة العين المستأجرة برؤية أو صفة في أحد الوجهين؛ فلأن الإجارة بيع المنافع فوجب أن لا تصح إلا بذلك كالبيع.
فعلى هذا لو استأجر ما لم يره ولم يوصف له لم تصح الإجارة لفقدان الشرط.
وأما كونها تصح بدون ذلك في وجه؛ فلأن البيع يصح بدون ذلك في رواية.
وأما كون المستأجر له خيار الرؤية على الوجه المذكور؛ فلأن من اشترى ما لم يره ولم يوصف له: له الخيار المذكور فكذا المستأجر لذلك.
قال: (الثالث: القدرة على التسليم، فلا تصح إجارة الآبق والشارد ولا المغصوب (1) ممن لا يقدر على أخذه).
أما كون الثالث من شروط صحة (2) إجارة العين: القدرة على التسليم؛ فلأنها بيع. أشبهت بيع الأعيان.
وأما كونه لا تصح إجارة الآبق والشارد ولا المغصوب ممن لا يقدر على أخذه فلعدم القدرة المشترطة.
(1) في هـ: والمغصوب.
(2)
ساقط من هـ.
قال: (ولا تجوز إجارة المشاع مفرداً لغير شريكه. وعنه: ما يدل على جوازه).
أما كون إجارة المشاع لا تجوز مفرداً لغير شريك المؤجر على المذهب؛ فلأنه لا يقدر على تسليمه فلم تجز إجارته. وإنما قلنا لا يقدر على تسليمه لأنه لا يقدر على ذلك إلا بتسليم نصيب شريكه.
وأما كونها تجوز على روايةٍ؛ فلأنه يجوز بيعه فجاز إجارته كالمفرد.
وأما قول المصنف: مفرداً لغير شريكه فمشعر بأمرين:
أحدهما: جواز إجارته مع نصيب شريكه؛ مثل: أن يوكلا شخصاً في إجارة ذلك أو يوكل أحدهما صاحبه.
وثانيهما: جواز إجارته لشريكه. وصرح به المصنف في المغني لأن المانع من الصحة تعذر التسليم وهو منتف في الموضعين المذكورين.
قال: (الرابع: اشتمال العين على المنفعة. فلا تجوز إجارة بهيمة زَمِنَةٍ للحمل، ولا أرض لا تنبت للزرع).
أما كون الرابع من شروط صحة إجارة العين: اشتمال العين المستأجرة على المنفعة؛ فلأن الإجارة عقد معاوضة فاشترط اشتماله على المنفعة؛ كالبيع.
وأما كونه لا تجوز إجارة بهيمة زمنة للحمل، ولا أرض لا تنبت للزرع فلعدم اشتمالها على المنفعة المشترطة.
قال: (الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذوناً له فيها. فيجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه، ويجوز للمؤجر وغيره بمثل الأجرة وزيادة. وعنه: لا يجوز بزيادة. وعنه: إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا. وللمستعير إجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها).
أما كون الخامس من شروط صحة إجارة العين: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذون له فيها؛ فلأنها بيع المنافع فاشترط فيها ذلك؛ كالبيع.
وأما كون المستأجر يجوز له إجارة العين المستأجرة لمن يقوم مقامه؛ فلأن المنفعة مملوكة له فجاز له بيعها كبيع المشتري للمبيع. وإنما اشترط كون المستأجر ثانياً ممن يقوم
مقام المستأجر أوّلاً ليكون انتفاعه كانتفاعه؛ لأنه إذا زاد عليه كان فيه إضرار وذلك منتفٍ شرعاً.
وأما كون إجارة العين المستأجرة تجوز للمؤجر؛ فلأن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد دليله البيع.
وأما كونها تجوز لغيره بمثل الأجرة فلا شبهة فيه.
وأما كونها تجوز بزيادة على المذهب؛ فلأنه عقد يجوز برأس المال فيجوز بالزيادة؛ كبيع المبيع.
وأما كونها لا تجوز على روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن» (1). والمنفعة في الإجارة غير مضمونة.
وأما كونه إن جدد فيها عمارة جاز على روايةٍ؛ فلأن الربح يقع في مقابلة ذلك، وإن لم يجدد لم يجز للحديث المذكور. وذكر المصنف في المغني رواية أخرى أنه إن أذن له المالك في الزيادة جاز وإلا لم يجز.
وأما كون المستعير له إجارة المستعار إذا أذن له المعير مدة بعينها؛ فلأن شرط المنفعة كونها مملوكة للمؤجر أو مأذون له فيها وذلك موجود هاهنا.
قال: (وتجوز إجارة الوقف. فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده لم تنفسخ الإجارة في أحد الوجهين، وللثاني حصته من الأجرة).
أما كون إجارة الوقف تجوز؛ فلأن المنافع مملوكة للمؤجر.
وأما كونها لا تنفسخ بموت المؤجر الآجر في وجه؛ فلأنه آجر ملكه في زمن ولايته فلم تنفسخ كما لو أجّر ملكه الطلق.
وأما كونها تنفسخ فيما بقي في وجه؛ فلأنه تبين أنه آجر ملكه وملك غيره فصح كما في ملكه، وتبين البطلان في ملك غيره لأن المنافع بعد موته حق لغيره فلا ينفذ عقده عليه من غير ولاية. وفارق الطلق من حيث إن الوارث يملك من جهة موروثه بخلاف البطن الثاني في الوقف فإنه يملك من جهة الواقف. فعلى القول بأنها لا تنفسخ:
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
للثاني حصته من الأجرة من حين موت الأول. فإن كان الأول قبضها رجع من انتقل إليه الوقف بحصته في تركة المؤجر؛ لأنه تبين عدم استحقاقه له، وعلى القول بأنها تنفسخ يرجع من انتقل إليه الوقف في عين المنفعة ويرجع المستأجر على تركة المؤجر بحصة الباقي من الأجرة.
قال: (وإن أجر الولي اليتيم أو العبد ثم بلغ الصبي وعتق العبد لم تنفسخ الإجارة، ويحتمل أن تنفسخ).
أما كون إجارة اليتيم لا تنفسخ ببلوغه، والعبد بعتقه على المذهب؛ فلأن الإجارة عقد لازم، عُقِد بحق الولاية في اليتيم والملك في العبد. فلم تنفسخ ببلوغ اليتيم؛ كما لو (1) باع داره أو زوّجه، ولا يعتق العبد؛ كما لو زوج أمته ثم باعها.
وأما كونه يحتمل أن تنفسخ؛ فلما ذكر في إجارة الوقف.
(1) ساقط من هـ.
فصل [في الأجير الخاص]
قال المصنف رحمه الله: (وإجارة العين تنقسم قسمين:
أحدهما: أن تكون على مدة؛ كإجارة الدار شهراً، والأرض عاماً، والعبد للخدمة، أو للرعي مدة معلومة. ويسمى الأجير فيها: الأجير الخاص).
أما كون إجارة العين تنقسم قسمين؛ فلأنها تارة تنضبط بالمدة كما مثّل المصنف رحمه الله، وتارة بالعمل كما يأتي في القسم الثاني. وكلاهما صحيح.
أما الأول؛ فلأن ابن المنذر قال: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن (1) استئجار المنازل والدواب جائز، وقد «ثبت أن موسى عليه السلام أجر نفسه للرعي مدة معلومة» (2).
وأما الثاني فيأتي ذكره في موضعه.
وأما كون الأجير فيما ذكر يسمى الأجير الخاص؛ فلأن المستأجِر يختص بالمنفعة في تلك المدة دون سائر الناس.
قال: (ويشترط كون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت. ولا يشترط أن تلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح سواء كانت العين (3) مشغولة وقت العقد أو لم تكن).
أما كونه يشترط كون المدة معلومة كشهر وسنة؛ فلأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه المعرفة له فوجب أن تكون معلومة؛ كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل.
(1) ساقط من هـ.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
في هـ: الإجارة.
وأما كونه يشترط كون المدة يغلب على الظن بقاء العين فيها؛ فلأن العين إذا كانت كذلك يتمكن المستأجر من استيفاء المقصود من الإجارة غالباً. بخلاف ما إذا لم تكن كذلك.
وأما قول المصنف رحمه الله: وإن طالت ففيه تنبيه على أن الإجارة في المدة الطويلة صحيحة إذا كانت العين يغلب على الظن بقاؤها فيها كالمدة القصيرة لأن المصحح في القصيرة الغلبة المذكورة وهي موجودة في الطويلة فوجبت الصحة عملاً بالعلة.
وأما كونه لا يشترط أن تلي المدة العقد؛ فلأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها منفردة كالتي تلي العقد.
فعلى هذا يصح أن يستأجر سنة خمس في أربع لأن (1) غاية ما يقدر في ذلك أنها مدة تلي لا تلي العقد وذلك غير شرط.
وأما كونه يصح فيما ذكر سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن؛ فلأن التسليم في الحال لا يجب فلا يضر الشغل.
قال: (وإذا آجره (2) في أثناء شهر سنة استوفى شهراً بالعدد وسائرها بالأهلة. وعنه: يستوفي الجميع بالعدد. وكذلك الحكم في كل ما يعتبر فيه الأشهر؛ كعدة الوفاة، وشهرَيْ صيام الكفارة).
أما كون المستأجر يستوفي الشهر الأول بالعدد، وسائر السنة بالأهلة على المذهب؛ فلأن الشهر الأول تعذر إتمامه بالهلال فوجب إتمامه بالعدد، وما عداه لا يتعذر فوجب اعتباره بالأهلة لأنها الأصل.
وأما كونه يستوفي الجميع بالعدد على روايةٍ؛ فلأنها مدة يستوفى بعضها بالعدد فوجب استيفاء جميعها بالعدد؛ كما لو كانت المدة شهراً واحداً.
ولأن الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه وكذلك كل شهر يأتي بعده.
(1) في هـ: لا.
(2)
في هـ: أجاره.
وأما كون الحكم في كل ما يعتبر فيه الأشهر كما مّثل المصنف كالحكم فيما ذكر؛ فلأن الكل سواء معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.
قال: (القسم الثاني: إجارتها لعمل معلوم؛ كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين، أو بقر لحرث مكان، أو دياس زرع، أو استئجار عبد ليدله على طريق، أو رحى لطحن قفزان معلومة. فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف).
أما كون الإجارة كما ذكر تصح؛ فلأن المنفعة معلومة. أشبهت إجارة الدار. وقد جاء «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبدالله بن أُريقِط هَادِياً خِرِّيتاً» (1). أي ماهراً بالهداية فدلهما على طريق المدينة.
وأما كونه يشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف؛ فلأن العمل إذا لم يكن معروفاً مضبوطاً بما ذكر يكون مجهولاً فلا تصح الإجارة معه.
ولأن العمل هو المعقود عليه فاشترط معرفته وضبطه بما ذكر؛ كالمبيع (2).
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة .. ولم يذكر لفظ: «عبدالله بن أريقط» .
(2)
في هـ: كالبيع.
فصل [في الأجير المشترك]
قال المصنف رحمه الله: (الضرب الثاني: عقد على منفعة في الذمة، مضبوطة بصفاتٍ كالسلم؛ كخياطة ثوب، وبناء حائط، أو حمل إلى موضع معين. ولا يكون الأجير فيها إلا آدمياًّ جائز التصرف. ويسمى الأجير المشترك).
أما كون الإجارة على منفعة في الذمة تصح؛ فلأن الإجارة بيع فصح عقدها في الذمة كالسلم.
وأما كونها يشترط ضبطها بصفاتٍ كالسلم؛ فلأن الإجارة في الذمة منوطة بالسلم جوازاً فيجب أن تكون منوطة به اشتراطاً.
وأما كونها لا يكون الأجير فيها إلا آدمياً؛ فلأنها متعلقة بالذمة ولا ذمة لغير آدمي.
وأما كونه لا يكون إلا جائز التصرف؛ فلأن الإجارة بيع فلم تصح من غير جائز التصرف؛ كبيع الأعيان.
وأما كونه يسمى الأجير المشترك؛ فلأنه يتقبل أعمالاً كثيرة من ناس كثير في وقت واحد فيشتركون في استحقاق منفعته.
قال: (ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل؛ كقوله: استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم. ويحتمل أن يصح).
أما كونه لا (1) يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كما مثل المصنف رحمه الله على المذهب؛ فلأنه قد يفرغ من خياطته في بعض اليوم. فإن طولب بالعمل في بقيته كان زيادة على ما وقع عليه العقد، وإن لم يعمل كان تركاً للعمل في بعض المدة التي وقع العقد عليها وقد لا يفرغ من خياطته في اليوم فيفضي أيضاً إلى مثل ما ذكرناه.
وأما كونه يحتمل أن يصح؛ فلأن الإجارة معقودة على العمل، والمدة مذكورة للتعجيل فلا يُفسد ذلك العقد. وحكى المصنف في المغني أن في كلام أحمد ما يدل على صحة ذلك.
(1) ساقط من هـ.
قال: (ولا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة (1)؛ كالحج والأذان ونحوهما. وعنه: تصح).
أما كون الإجارة على ما ذكر لا تصح على المذهب؛ فلأن من شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يصح أخذ الأجرة عليها؛ كما لو استأجر قوماً يصلون خلفه الجمعة والتراويح.
وأما كونها تصح على روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً بما معه من القرآن» (2) متفق عليه.
وإذا صح كون تعليم القرآن عوضاً في باب النكاح وقام مقام المهر صح أخذ الأجرة عليه في الإجارة.
ولأنه يصح أخذ الرزق عليه من بيت المال فصح أخذ الأجرة عليه كبناء المساجد والقناطر.
والأول أصح؛ لما روى عثمان بن أبي العاص قال: «آخرُ ما عهدَ إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذْ مُؤذناً لا (4) يأخذُ على أذانِهِ أَجْراً» (5) قال الترمذي: هذا حديث حسن.
(1) في هـ: القرب.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (4842) 5: 1973 كتاب النكاح، باب السلطان ولي.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1425) 2: 1040 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن
…
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (4721) 4: 1913 كتاب فضائل القرآن، باب فضل فاتحة الكتاب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (2201) 4: 1727 كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار. كلاهما من دون قوله:«فقال: لَعمرِي لَمنْ أكلَ برقيةٍ باطلٍ لقدْ أكلتَ برقيةٍ حق» . وهذه اللفظة أخرجها أبو داود في سننه من حديث خارجة بن الصلت عن عمه «أنه مر بقوم فأتوه فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير. فارق لنا هذا الرجل. فأتوه برجل معتوه في القيود. فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل فكأنما أنشط من عقال. فأعطوه شيئا. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل فلعمري لمن أكل برقيةٍ باطلٍ لقد أكلت برقية حق» . (3420) 3: 266 كتاب البيوع، باب في كسب الأطباء.
(4)
في هـ: أن لا.
(5)
أخرجه الترمذي في جامعه (209) 1: 409 أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجراً.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (714) 1: 236 كتاب الأذان والسنة فيها، باب السنة في الأذان.
وروى عبادة بن الصامت قال: «علّمتُ ناساً من أهل الصُّفَّةِ القرآنَ والكتابةَ. فأهدَى إليّ رجلٌ منهم قَوساً. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (1): إن سَرَّكَ أن يُقلدَكَ اللهُ قَوساً من نارٍ فاقبلها» (2).
وعن أبي بن كعب «أنه علم رجلاً سورة من القرآن فأهدى له خميصة أو ثوباً. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لو أنك لبستها أو أخذتها ألبسك الله مكانها ثوباً من نار» (3).
وعن عبدالرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرأوا القرآنَ ولا تَغْلُوا فيهِ ولا تَجْفُوا عنه ولا تَأكلُوا بهِ ولا تَسْتَكْثِرُوا بِه» (4). روى هذه الأحاديث كلها الأثرم في سننه.
وأما الأخذ على الرقية فإن الإمام أحمد اختار جوازه.
وأما جعل التعليم صداقاً فعن أحمد فيه خلاف، وذكر الخبر ليس فيه تصريح بأن التعليم صداق إنما قال:«زوجتكها على ما معك من القرآن» (5) فيحتمل أنه زوجه إياها بغير صداق إكراماً له لما معه من القرآن. ونُقِل عنه جوازه. والفرق بينه وبين الأجرة أن الصداق ليس عوضاً محضاً وإنما وجب وصلة ونحلة. ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته وصح مع فساده. بخلاف الأجرة في غيره.
قال: (وإن استأجره ليحجمه صح. ويكره للحر أكل أجرته ويُطعمه الرقيق والبهائم. وقال القاضي: لا يصح).
أما كون الاستئجار على الحجامة تصح على قول غير القاضي فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه أجرة» (6) متفق عليه.
(1) في هـ: قال.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (3416) 3: 264 كتاب البيوع، باب في كسب المعلم.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2157) 2: 730 كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2158)، الموضع السابق.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده (15706) 3: 444.
(5)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه (5371) 5: 2156 كتاب الطب، باب الحجامة من الداء.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1577) 3: 1204 كتاب المساقاة، باب حل أجرة الحجامة.
قال ابن عباس: ولو كان حراماً ما أعطاه أجرة (1).
وأما كونه يكره للحر أكل أجرة الحجامة فللحديث الآتي ذكره.
ولأن أسوأ أحوال الأجرة في الحديث أن تكون مكروهة.
وأما كونه يطعم الأجرة رقيقه وبهائمه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطعمهُ ناضِحكَ ورقِيقَك» (2) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.
وأما كونه لا يصح على قول القاضي؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كسب الحجام خبيث» (3) متفق عليه.
والأول اختيار المصنف رحمه الله وأبي الخطاب.
وذكر القاضي أن الإمام أحمد نص على عدم الإجارة عليها في مواضع.
قال المصنف في المغني: تسميته خبيثاً لا يلزم منه الحرام؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الثوم والبصل خبيثين» (4). وهما مباحان.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1997) 2: 741 كتاب البيوع، باب ذكر الحجام.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1202) 3: 1205 كتاب المساقاة، باب حل أجرة الحجامة.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (3422) 3: 266 كتاب الاجارة، باب في كسب الحجام.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1277) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في كسب الحجام.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2166) 2: 732 كتاب التجارات، باب كسب الحجام.
(3)
لم أره بهذا اللفظ عند البخاري، وقد أخرج البخاري معناه عن عون بن أبي جُحيفة قال:«رأيت أبي اشترى حجاماً فأمر بِمَحَاجِمِه فكُسرت، فسألته عن ذلك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور» . (2123) 2: 780 كتاب البيوع، باب ثمن الكلب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1568) 3: 1199 كتاب المساقاة، باب تحريم ثمن الكلب
…
واللفظ له.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (565) 1: 395 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثا أو نحوهما. ولفظه: عن أبي سعيد قال: «لم نَعْدُ أن فتحت خيبر. فوَقعْنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة الثوم والناس جياع فأكلنا منها أكلاً شديداً. ثم رُحنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح. فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربنّا في المسجد» .
فصل [في استيفاء المنفعة]
قال المصنف رحمه الله: (وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله. ولا يجوز بمن هو أكثر ضرراً منه، ولا بمن يخالف ضرَرُه ضرَرَه).
أما كون المستأجر له استيفاء المنفعة بنفسه؛ فلأن أصل العقد يراد للعاقد.
وأما كونه له استيفاؤها بمثله؛ فلما تقدم في قوله: وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامه (1).
وأما كونه لا يجوز بمن هو أكثر ضرراً منه؛ فلأنه يضر بالمؤجر.
ولأن المستأجر الثاني ينبغي أن يكون له ما للأول فإذا كان الأول ضرره قليل وجب أن يكون الثاني مثله.
قال: (وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها. فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه، وليس له زرع الدخن ونحوه. ولا يملك الغرس ولا البناء، وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر، وإن اكتراها للغرس (2) ملك الزارع).
أما كون المستأجر له استيفاء المنفعة المعقود عليها من زرع وبناء وغير ذلك؛ فلأن ذلك هو المقصود من الإجارة والمعقود من أجله.
وأما كونه له استيفاء [ما دون](3) المنفعة المعقود عليها في الضرر مع اتحاد الجنس؛ فلأنه إذا كان له استيفاء نفس المنفعة المعقود عليها فما دونها أولى.
فعلى هذا إذا اكترى أرضاً لزرع حنطة فله زرعها بها لأنها المعقود عليها، وله زرع الشعير لأنه دونها في الضرر، وليس له زرع الدَّخَن ونحوه. ولا يملك الغرس ولا البناء
(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
في هـ: للغراس.
(3)
ساقط من هـ.
لأن كل واحد من ذلك فوق الحنطة في الضرر. وإن اكتراها للغرس لم يملك الآخر لأن ضرر كل واحد يخالف ضرر الآخر. وإن اكتراها للغرس ملك الزرع لأنه أقل ضرراً.
قال: (وإن اكترى دابة للركوب أو للحمل لم يملك (1) الآخر. وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر. فإن فعل فعليه أجرة المثل).
أما كون المستأجر لا يملك الحمل إذا اكترى للركوب؛ فلأن الراكب يعين الظهر بحركته.
وأما كونه لا يملك الركوب إذا اكترى للحمل؛ فلأن الراكب أشد على الظهر لأنه يقعد في موضع واحد والمتاع يتفرق على جنبيه.
وأما كونه لا يملك حمل القطن إذا اكترى الدابة لحمل الحديد؛ فلأنه أضر منه لكونه يتجافى، وتهب فيه الريح فيتعب الظهر.
وأما كونه لا يملك حمل الحديد إذا اكترى لحمل القطن؛ فلأنه أضر منه لاجتماعه وثقله.
وأما كونه عليه أجرة المثل إذا فعل غير ما استأجره؛ فلأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره. أشبه ما لو استأجر أرضاً فزرع أخرى.
قال: (وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه، أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد. ذكره الخرقي. وقال أبو بكر: عليه أجرة المثل للجميع. وإن تلفت ضَمِن قيمتها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين).
أما كون المستأجر عليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد إذا زاد على ما استأجر أو جاوز مكانه على قول الخرقي: أما الأجرة المذكورة؛ فلأنه استوفى المعقود عليه، وأما أجرة المثل للزائد؛ فلأنه حمله على ملك غيره بغير إذنه ولا تقدير عوضه فلزمه أجرة مثله.
(1) ساقط من هـ.
وأما كونه عليه أجرة المثل للجميع على قول أبي بكر؛ فلأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره. أشبه ما لو فعل ذلك من غير إجارة.
وأما كونه يضمن قيمة الدابة إن تلفت في زمان التعدي ولم يكن في يد صاحبها؛ فلأنه متعد في فعله. أشبه ما لو غصبها فتلفت.
وأما كونه يضمنها إذا كانت في يد صاحبها في وجه؛ فلأنها تلفت بجنايته عليها، وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان؛ كمن جلس إلى إنسان فخرق ثوبه وهو ساكت.
وأما كونه يضمن نصف قيمتها في وجه؛ فلأنها تلفت بفعل مضمون وغير مضمون. أشبه ما إذا جرح أجنبي شخصاً جرح نفسه فمات فإن الأجنبي يلزمه نصف الدية.
وقال صاحب النهاية فيها: والمذهب الأول؛ لأن رجلاً لو ألقى حجراً في سفينة مملوءة بالأمتعة فغرقت وجب عليه ضمان السفينة وما (1) فيها، وإن كان مثل الحجر لا تغرق به السفينة تغليباً للفعل المضمون، وإضافة للحكم إلى السبب الأخير. فكذلك هاهنا. ومثل ذلك إذا زاد الجلاد في الحد سوطاً فمات المحدود فإنه يلزمه كمال الدية على المذهب.
(1) ساقط من هـ.
فصل [فيما يلزم المؤجر والمستأجر]
قال المصنف رحمه الله: (ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل، ورحله، وحزامه، والشد عليه، وشد الأحمال، والمحامل، والرفع، والحط، ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض، ومفاتيح الدار، وعمارتها، وما جرت عادته به. فأما تفريغ البالوعة والكنف فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة).
أما كون المؤجر يلزمه ما ذكر
…
إلى التفريغ؛ فلأن ذلك بفعل عادة فحمل مطلق العقد عليه.
ولأن (1) التمكين واجب عليه، ولا يتم بدون ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به واجب.
وأما كون المستأجر يلزمه تفريغ البالوعة والكُنُف إذا تسلمها فارغة؛ فلأن ذلك حصل بفعله فكان تنظيفه عليه؛ كما لو طرح فيها قماشاً.
وفي تقييد اللزوم بتسليمها فارغة دليل على أنه إذا تسلمها ملئى يكون تفريغها على المؤجر وصرح به في المغني لأنه لا يمكن الانتفاع إلا بذلك.
(1) في هـ: فلأنه.
فصل [الإجارة عقد لازم]
قال المصنف رحمه الله: (والإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها. وإن بدا له قبل تَقَضِّي المدة فعليه الأجرة. وإن حوله المالك قبل تقضيها لم يكن له أجرة لما سكن. نص عليه. ويحتمل أنّ له من الأجرة بقسطه).
أما كون الإجارة عقد لازم من طرفي المؤجر والمستأجر؛ فلأنها عقد معاوضة. أشبهت البيع.
ولأنها نوع من البيع. وإنما اختصت باسم كما اختص الصرف والسلم.
وأما كون المتعاقدين ليس لأحدهما فسخها؛ فلأن هذا شأن العقود اللازمة من الطرفين.
وأما كون الأجرة على من بدا له قبل تَقَضِّي المدة؛ فلأن الإجارة عقد لازم يقتضي أن يملك المالك الأجرة، والمستأجر المنافع، وقد وجدت فوجب أن يلزم المستأجر الأجرة عملاً بمقتضاها.
وأما كون المالك لا أجرة له لما سكن المستأجر إذا حوّله قبل تَقَضِّي المدة على منصوص الإمام أحمد؛ فلأنه لم يُسَلِّم إليه ما عقد عليه في الإجارة لغير عذر فلم يستحق شيئاً؛ كما لو استأجره ليحمل له كتاباً إلى الكوفة فحمله بعض الطريق، أو كما لو استأجر حفاراً ليحفر له بئراً طولها عشرون ذراعاً فحفر له منها عشرة وامتنع من حفر الباقي.
وأما كونه يحتمل أن له من الأجرة بقسطه؛ فلأن المستأجر استوفى بعض المعقود عليه فلزمه بقدر ما استوفاه؛ كما لو اشترى مكيلاً فسلم إليه البائع بعضه ومنع باقيه.
قال: (وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة. وإن كانت على عمل خُيِّر المستأجر بين الفسخ والصبر).
أما كون الإجارة تنفسخ إذا هرب الأجير حتى انقضت المدة؛ فلأن المعقود عليه يفوت بانقضائها. أشبه تلف العين.
وفي قول المصنف رحمه الله: حتى انقضت المدة دليل على أنها لا تنفسخ قبل انقضائها. وصرح به في المغني لأن المدة إذا لم تنقض لم يفت المعقود عليه.
وأما كون المستأجر يخير بين الفسخ والصبر إذا كانت الإجارة على عمل في الذمة؛ فلأن ذلك عمل (1) في الذمة ليس له مدة يفوت بفواتها. أشبه الأجير قبل انقضاء مدة إجارته.
قال: (وإن هرب الجمّال وتَرَك الجِمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمّال، أو أذن للمستأجر في النفقة. فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم، ووفى المنفق، وحفظ باقي ثمنها لصاحبه).
أما كون الحاكم ينفق على ذلك؛ فلأن نفقة الحيوان واجبة على المالك وهو غائب، والحاكم نائب عن الغائب.
وأما كونه يأذن للمستأجر في النفقة؛ فلأن إقامة أمين غير المستأجر يشق ويتعذر مباشرته في كل لحظة.
وأما كونه يبيع ذلك إذا انقضت الإجارة ويوفي المنفق؛ فلأن في ذلك تخليصاً لذمة صاحب الجِمال، وإيفاءً لحق صاحب النفقة.
[وأما كونه](2) يحفظ باقي الثمن لصاحبه؛ فلأن الحاكم يلزمه حفظ مال الغائب.
(1) في هـ: على عمل.
(2)
ساقط من هـ.
قال: (وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها، وموت الصبي المرتضع، وموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة، وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه، أو برئه، ونحو هذا).
أما كون الإجارة تنفسخ بتلف العين المعقود عليها كمن اكترى بعيراً بعينه فمات؛ فلأن المنفعة زالت بالكلية فانفسخ العقد الواقع على عينه؛ كتلف المبيع قبل قبضه.
وأما كونها تنفسخ بموت الصبي المرتضع؛ فلأن استيفاء المعقود عليه قد تعذر لأنه لا يمكن إقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع واختلاف اللبن باختلافهم لأن المرضعة قد تدور على ولد دون آخر.
وأما كونها تنفسخ بموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة؛ فلأنه تعذر استيفاء المعقود عليه منه وممن يقوم مقامه. أشبه ما لو مات المركوب.
وفي قوله: إذا لم يكن له من يقوم مقامه دليل على أنها لا تنفسخ إذا كان له من يقوم مقامه لأن الاستيفاء لا يتعذر لوجود من يقوم مقامه.
فإن قيل: كيف الجمع بين قول المصنف: تنفسخ بموت الراكب، وبين قوله بعدُ: لا تنفسخ بموت المكتري؟
قيل: يجب حمل قوله: لا تنفسخ بموت المكتري على أنه مات وله وارث. وقد ذكر المصنف رحمه الله في المغني قول الخرقي: وإذا مات المكري والمكتري أو أحدهما فالإجارة بحالها وعلّله. ثم قال: ونقل عن الإمام أحمد في رجل اكترى بعيراً فمات في بعض الطريق فإن رجع البعير خالياً فعليه بقدر ما وجب له.
ثم قال: وظاهر هذه الرواية أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من المدة إذا مات المستأجر.
ثم قال: ويجب أن يقدر أنه لم يكن ثَم من ورثته من يقوم مقامه في الانتفاع لأن الوارث يقوم مقام الموروث فإذا لم يكن فقد جاء أمر يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد. أشبه ما لو مات.
ثم قال: وتأولها القاضي بأن المكري منع الورثة من الانتفاع. ولا يصح؛ لأنه لو كان كذلك لما استحق شيئاً من الكري.
وأما كونها تنفسخ بانقلاع الضرس أو برئه الذي اكترى لقلعه فلتعذر استيفاء المعقود عليه: أما تعذره بالانقلاع فأمر محس، وأما تعذره بالبرء فأمر شرعي لأنه لا يجوز قلع الضرس إلا لعارض الألم فإذا زال العارض تعذر قلعه شرعاً.
وأما قوله: ونحو هذا فيدخل فيه ما إذا اكترى كحالاً ليكحل عينه فبرئت أو طبيباً ليداويه فبرأ فإن ذلك كله تنفسخ به الإجارة لتعذر استيفاء المعقود عليه.
قال: (وإن اكترى داراً فانهدمت أو أرضاً للزرع (1) فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين، وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ).
أما كون الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة في وجه؛ فلأن المقصود السكنى والزرع ولا يمكن استيفاء ذلك بعد الانهدام وانقطاع الماء.
وأما كونها لا تنفسخ في وجه؛ فلأن المنفعة لم تنعدم بالكلية لإمكان الانتفاع بها في الجملة.
فعلى هذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ لنقصان المنفعة المستأجرة.
قال: (ولا تنفسخ بموت المكري والمكتري، ولا بعذر لأحدهما؛ مثل: أن يكتري للحج فتضيع نفقته، أو دكاناً فيحترق متاعه).
أما كون الإجارة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين؛ فلأنها عقد لازم فلا تنفسخ بموت من ذكر؛ كالبيع، وكما لو زوج أمته ثم مات.
وأما كونها لا تنفسخ بعذر لأحدهما؛ فلأنها إذا لم تنفسخ بالموت فلأن لا تنفسخ بالعذر بطريق الأولى.
(1) ساقط من هـ.
قال: (وإن غصبت العين المستأجرة خُيّر المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى.
قال الخرقي: وإن جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه).
أما كون المستأجر يخير بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل؛ فلأن في عدم ثبوت الخيار تأخيراً لحقه.
ولأن تعذر الانتفاع بذلك من غير جهته عيب في المعقود عليه فملك الخيرة به؛ كالعيب في المبيع. وإنما لم ينفسخ العقد بمجرد الغصب؛ لأن المعقود عليه لم يفت مطلقاً بل فات إلى بدل. أشبه ما لو أتلف الثمرة المعيبة آدمي قبل قبضها.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: يتخرج انفساخها بناء على أن منافع الغصب لا تضمن على رواية.
وأما كونه عليه أجرة ما مضى إذا فسخ؛ فلأنه استوفى ما يقابل بالعوض فلزمه أجرته.
وأما قول المصنف: قال الخرقي
…
إلى آخره ففيه (1) تأكيد لوجوب الأجرة فيما مضى، وبيان أن الخرقي قال ذلك. وفسر في المغني قول الخرقي هذا، ولم يجعله من صورة (2) ما إذا غصبت العين المستأجرة. والصحيح اشتماله عليه؛ لأن الغصب أمر غالب يحجز المستأجر عن (3) منفعة ما وقع عليه العقد. ولهذا ذكره المصنف رحمه الله هنا.
قال: (ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه).
أما كون المريض يقيم مقامه من يعمل ما استؤجر عليه؛ فلأنه حق وجب في ذمته فوجب عليه إيفاؤه ولو بغيره كالمسلَم فيه.
(1) ساقط من هـ.
(2)
في هـ: صور.
(3)
في هـ: من.
ولأنه لا يجب على المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل.
ولأن في التأخير إضراراً به.
وأما كون الأجرة عليه؛ فلأن العمل عليه فكان عوضه عليه.
قال: (وإن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ وعليه أجرة ما مضى).
أما كون المستأجر له الفسخ بما ذكر؛ فلأنه عيب في المستأجر فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان.
وأما كون أجرة ما مضى عليه؛ فلأنها تلزمه إذا فسخ لما تقدم في فسخ المغصوب وقد وجد.
قال: (ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ على إحدى الروايتين).
أما كون بيع العين المستأجرة يجوز؛ فلأن الإجارة عقد على المنافع فلم يمنع جواز البيع؛ كما لو زوج أمته ثم باعها.
وأما كون الإجارة لا تنفسخ إذا اشترى العين المستأجرة غير المستأجر؛ فلأن عقد الإجارة سابقٌ على عقد البيع، واللاحق لا يوجب فسخ السابق؛ كما لو زوج أمته ثم باعها.
وأما كونها لا تنفسخ إذا اشتراها المستأجر على روايةٍ؛ فلأنه ملك المنفعة بعقد ثم ملك الرقبة المسلوبة المنفعة [بعقد آخر](1) فلم يتنافيا؛ كما لو ملك الثمرة بعقد ثم ملك الأصل بعقد آخر.
وأما كونه ينفسخ فيما بقي من المدة على روايةٍ؛ فلأن ملك الرقبة لما منع ابتداء الإجارة منع استدامتها كالنكاح لما منع ابتداء ملك اليمين منع استدامته. وذكر المصنف هاتين الروايتين في المغني وجهين.
(1) ساقط من هـ.
فصل [في ضمان الأجير]
قال المصنف رحمه الله: (ولا ضمان على الأجير الخاص -وهو: الذي يسلم نفسه إلى المستأجر- فيما يتلف في يده إلا أن يتعدى. ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله. ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله، ولا أجرة له فيما عمل فيه. وعنه: يضمن).
أما كون الأجير الخاص لا ضمان عليه فيما يَتلف في يده مع عدم التعدي منه فيما عمله؛ كرجل اكترى آخر ليسقي له ماء فانكسرت الجرة، أو ليكيل له فسقط من يده الكيل فانكسر، ونحو ذلك؛ فلأنه غير متعد. أشبه تلف الوديعة.
وأما كون الضمان عليه مع التعدي؛ مثل: أن يتعمد كسر الجرة، أو يكون خبازاً فيسرف في الوقود، أو يلزقه قبل وقته، أو يتركه أكثر من وقته حتى يحترق؛ فلأنه متعد. أشبه الغاصب.
وأما كون الأجير المشترك يضمن ما جنت يده من تخريق الثوب، وغلطه في تفصيله؛ فلما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي «أنه كان يُضَمِّنُ الصباغ (1) والصواغ. وقال: لا يُصلح الناسَ إلا ذلك» (2).
ولأن الأجير المشترك عمله مضمون عليه دليله أنه لا يستحق الأجرة إلا بعمله فما تولد منه يجب أن يكون مضموناً؛ كالجناية على عضوٍ ظلماً.
ولأنه قبض العين لمنفعته فكان ضامناً لها؛ كالمستعير.
وأما كونه لا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله على المذهب؛ فلأن العين في يده أمانة. أشبه المودع.
(1) في ج: الصناع.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 122 كتاب الإجارة، باب ما جاء في تضمين الأجراء.
وأما كونه يضمن ذلك على روايةٍ؛ فلما تقدم من حديث علي.
وأما كونه لا أجرة له فيما عمله؛ فلأن الأجرة لما يعمله الأجير المشترك لا يستحق إلا بالتسليم، وقد فات هنا فيفوت ما هو مرتب عليه.
قال: (ولا ضمان على حجام، ولا ختان، ولا بزاغ، ولا طبيب: إذا عرف منهم حذق، ولم تجن أيديهم. ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد)(1).
أما كون الحجام والختان والبزاغ وهو البيطار والطبيب لا ضمان عليهم مع معرفة الحذق منهم وعدم جناية أيديهم؛ فلأنهم فعلوا فعلاً مأذوناً لهم فيه فلم يضمنوا سراية ذلك؛ كقطع الإمام يد السارق.
وأما كونهم عليهم الضمان مع عدم معرفة الحذق منهم؛ فلأنهم إذا لم يكن فيهم حذق لم يحل لهم مباشرة القطع ولا التداوي لما فيه من الخطر المؤدي إلى التلف وذلك لا يقتضي نفي الضمان بل وجوبه.
وأما كونهم عليهم الضمان إذا جنت أيديهم؛ كخَتّان تجاوز القطع من الختان إلى الحشفة، وطبيب قطع سَلَعَةً فتجاوزها، أو قطع بآلة كالّة يكثر ألمها، ونحو ذلك؛ فلأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد (2) والخطأ.
ولأن هذا فعل محرم فيضمن كالقطع ابتداء.
وأما كون الراعي لا ضمان عليه إذا لم يتعد؛ فلأنه أجير خاص وقد تقدم أن الأجير الخاص لا ضمان عليه.
قال: (وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه. وإن أتلف الثوب بعد عمله خُيِّر مالكه بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وبين تضمينه إياه معمولاً ويدفع إليه أجرته).
أما كون الصانع يضمن الثوب إذا حبسه على أجرته فتلف؛ فلأنه ليس له حق حبسه لأنه لم يرهنه عنده فوجب عليه ضمانه كالغاصب.
(1) في هـ: لم يتعدى.
(2)
في هـ: العمل.
وأما كون مالك الثوب يخيّر بين ما ذكر؛ فلأن الجناية على ماله فكانت الخيرة له لا لغيره.
وأما كونه لا أجرة له إذا ضمّنه إياه غير معمول؛ فلأن الأجرة إنما تجب بالتسليم ولم يوجد.
وأما كونه يدفع الأجرة إليه إذا ضمّنه معمولاً؛ فلأنه لو لم يدفع إليه الأجرة لاجتمع على الأجير فوات الأجرة وضمان ما يقابلها.
ولأن المالك إذا ضمّنه ذلك معمولاً يكون في معنى تسليم ذلك معمولاً فيجب أن يدفع إليه الأجرة لحصول التسليم الحكمي.
قال: (وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة، أو كبحها، أو الرائض الدابة لم يضمن ما تلف به. وإن قال: أذنت لي في تفصيله قباء قال: بل قميصاً فالقول قول الخياط. نص عليه).
أما كون المستأجر والرائض لا يضمنا ما ذكر؛ فلأن ذلك تلف من فعل مستحق فلم يضمناه؛ كما لو تلف تحت الحمل. ودليل استحقاق الضرب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب جمل جابر حين ساقه» (1).
ولأنه لا يمكنه استيفاء المنفعة إلا به.
وأما تقييد المصنف رحمه الله عدم الضمان بقدر العادة فدليل على أنه يجب عليه الضمان عند عدم ذلك. وصرح به في الكافي فقال: وإن تلفت بعدوان كضربها من غير حاجة أو لإسرافه فيه ضمن لأنه جناية على ملك الغير فوجب الضمان كالغاصب.
وأما كون القول قول الخياط فيما إذا قال: أذنتَ لي في تفصيله قباء قال: بل قميصاً على المنصوص؛ فلأنهما اتفقا على الإذن واختلفا في صفته فكان القول قول الخياط كالمضارب إذا ادعى الإذن في النسأ.
ولأنهما اتفقا على ملك الخياط القطع، والظاهر أنه فعل ما ملكه، واختلفا في لزوم الغرم له، والأصل عدمه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2706) 3: 1050 كتاب الجهاد، باب من ضرب دابة غيره في الغزو.
فصل
قال المصنف رحمه الله: (وتجب الأجرة بنفس العقد إلا أن يتفقا على تأخيرها. ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه).
أما كون الأجرة تجب بنفس العقد إذا كانت الإجارة على عين كذا أو أرض ونحوهما ولم يتفقا على تأخيرها؛ فلأن الأجرة عوض أطلق ذكره في عقد معاوضة فيجب بمطلق العقد كالثمن، أو يقال: عوض في عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل بمطلق العقد كالثمن.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن} [الطلاق: 6] أمر بالإيتاء بعد الرضاع.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: ثلاثةٌ أنا خَصمهمْ يومَ القيامة: رجلٌ استأجرَ أَجيراً فاستوفَى منهُ ولم يوفّه أجرَه» (1). تَوَعّده على الامتناع من دفع الأجرة بعد العمل فدل على تعقب الوجوب له.
وروي عنه عليه السلام: «أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجِفَّ عَرَقُه» (2) رواه ابن ماجة.
قيل: الآية يحتمل أنه أراد الإيتاء عند الشروع في الإرضاع أو تسليم نفسها له؛ كما قال: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} [النحل: 98] أي إذا أردت القراءة. ولو قدر أنه أراد بعد الفراغ فالأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله. دليله {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} [النساء: 24] والصداق يجب قبل الاستمتاع. وهذا هو الجواب عن
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2443) 2: 817 كتاب الرهون، باب أجر الأجراء. قال في الزوائد: أصله في صحيح البخاري وغيره، من حديث أبي هريرة لكن إسناد المصنف ضعيف. وهب بن سعيد وعبدالرحمن بن زيد ضعيفان.
الحديث. ثم يحتمل أنه توعده على ترك الإيفاء في الوقت الذي يتوجه المطالبة فيه عادة. ويمكن أن يحمل على الإجارة في الذمة. وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
وأما كون الأجرة لا تجب بنفس العقد إذا اتفقا على تأخيرها فكما لو اتفقا على تأخير الثمن في البيع.
وأما كون تسليم أجرة العمل في الذمة لا يجب قبل تسليمه؛ فلما تقدم من الآية والخبر.
ولأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه قبل فعله.
قال: (وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضائها خُيِّر المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه. وإن شرط قلعه لزم ذلك ولم يجب تسوية الأرض إلا بشرط).
أما كون المالك يخير بين الأخذ بالقيمة وبين الترك بالأجرة وبين القلع وضمان النقص مع عدم اشتراط القلع عند انقضاء الإجارة؛ فلأنه لو لم يجز لأدى إلى ضرره.
ولأنه في الأخذ بأحد الأمور جمعاً بين حقي الآجر والمستأجر.
فإن قيل: هلا ملك القلع من غير ضمان النقص؟
قيل: لأن مفهوم قوله عليه السلام: «ليس لعرق ظالم حق» (1) يدل على أن ما ليس بظالم له حق، وهذا ليس بظالم.
ولأنه غرس بإذن المالك فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضاً للغراس مدة فرجع قبل انقضائها.
وأما كونه يلزمه القلع مع الشرط فلما فيه من الوفاء بموجب الشرط.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (3073) 3: 178 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إحياء الموات.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1378) 3: 662 كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات. قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وأما كون تسوية الأرض تجب مع عدم الشرط؛ فلأنهما دخلا على ذلك لرضاهما بالقلع.
وأما كونها تجب مع الشرط؛ فلما تقدم من الوفاء بموجب الشرط.
قال: (وإن كان فيها زرع، بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة. وإن كان بغير تفريط لزم تركه بالأجرة).
أما كون المالك له أخذ ذلك بالقيمة وتركه بالأجرة مع تفريط المستأجر في بقائه؛ فلأن المستأجر حينئذ بمنزلة الغاصب لإبقائه زرعه في أرض غيره بغير حق. والمعني بالتفريط أن يزرع زرعاً لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة.
وأما كونه يلزمه تركه بالأجرة مع عدم تفريط المستأجر في بقائه؛ فلأن الزرع حصل في أرض المالك بإذنه فلزمه تركه بأجرة مثله؛ كما لو أعاره إياها وأذن له في الزرع ثم رجع المالك قبل كمال الزرع. والمعني بعدم التفريط أن يزرع زرعاً ينتهي مدته عند آخر المدة ثم يتأخر ذلك بسبب برد أو غيره.
فإن قيل: فما الفرق بين الزرع والغرس؟
قيل: سيذكر في باب الغصب إن شاء الله تعالى.
قال: (وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن. وإذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم).
أما كون من تسلم ما ذكر حتى انقضت المدة عليه الأجرة إذا سكن؛ فلأن المعوض قد استوفاه فوجب أن يجب عليه عوضه.
وأما كونه عليه ذلك إذا لم يسكن؛ فلأن الإجارة كالبيع والمنفعة كالعين والبيع الفاسد كالصحيح في استقرار البدل. فكذلك الإجارة.
وعن الإمام أحمد لا شيء عليه إذا لم يسكن. ذكره المصنف في المغني لأن الإجارة هنا عقد فاسد على منفعة لم يستوفها فلم يلزمه عوضها كالنكاح الفاسد.
وأما كون الواجب أجرة المثل حيث تجب الأجرة؛ فلأن ما ضُمن بالمسمى (1) في العقد الصحيح ضمن بالقيمة في الفاسد كالأعيان.
(1) في هـ: المسمى.
وأما كون المستأجر يرجع بالدراهم (1) إذا اكترى بدراهم وأعطى المؤجر عنها دنانير ثم انفسخ العقد؛ فلأن الدراهم التي وقع عليها العقد، والمستحق عند الفسخ مثل الأجرة، وأما الدنانير فإنما أخذت بعقد صرف مستأنف.
(1) ساقط من هـ.