المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الهدنة مشتقة من قولهم تهادن الأمر إذا استقام، وهدنت المرأة - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب الهدنة مشتقة من قولهم تهادن الأمر إذا استقام، وهدنت المرأة

‌باب الهدنة

مشتقة من قولهم تهادن الأمر إذا استقام، وهدنت المرأة صبيها بالكلام إذا أرادت أن ينام. والأصل فيها الكتاب والسنة والمعنى.

أما الكتاب فقوله تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} [التوبة: 4].

وأما السنة ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم روي «أنه صالح قريشاً عشر سنين» (1).

وأما المعنى فلأنه قد يكون بالمسلمين ضعف فيهادن (2) حتى يقووا.

قال: (ولا يصح عقد الهدنة والذمة إلا من الإمام أو نائبه. فمتى رأى المصلحة في عقد الهدنة جاز له عقدها مدة معلومة وإن طالت. وعنه: لا يجوز في أكثر من عشر سنين. فإن زاد على عشر بطل في الزيادة. وفي العشر وجهان).

أما كون عقد الهدنة والذمة لا يصح من غير الإمام أو نائبه فلأن ذلك يتعلق بنظر واجتهاد ومصلحة للمسلمين وليس غير الإمام ونائبه محلاً لذلك لعدم ولايته عليهم.

ولأن عقد الهدنة قد يكون مع جملة الكفار وليس لأحد من المسلمين إعطاء الأمان لأكثر من القافلة والحصن الصغير لأن في تجويزه افتياتاً على الإمام وتعطيل الجهاد (3).

وأما كون عقدها يصح منهما: أما من الإمام فلما تقدم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما من نائبه فلأنه نائب عنه ومُنَزّل منزلته.

وأما ما يشترط لذلك فأمور:

(1) أخرجه البخاري في صحيحه مطولاً في قصة الحديبية من غير ذكر المدة (2518) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد

وأخرجه أبو داود في سننه (2766) 3: 86 كتاب الجهاد، باب في صلح العدو.

قال البيهقي: والمحفوظ أن المدة كانت عشر سنين. تلخيص الحبير 4: 130.

(2)

في هـ: فيهادنوا.

(3)

في هـ للجهاد.

ص: 339

أحدها: أن يكون في العقد مصلحة للمسلمين لأن ما لا مصلحة للمسلمين فيه لا يجوز للإمام فعله كسائر الأمور التي لا مصلحة فيها.

وثانيها: كون المدة مقدرة لما يأتي.

وثالثها: كون التقدير معلوماً لأن ما وجب أن يكون مقدراً وجب أن يكون معلوماً كخيار الشرط.

ورابعها: هل يتقدر بالعَشر؟ فيه روايتان:

إحداهما: لا يتقدر لأنها تجوز في أقل من عشر فجازت في أكثره كمدة الإجارة.

ولأن أصل الهدنة إنما جازت للمصلحة فإذا تضمنت الزيادة على العشر المصلحة جازت تحصيلاً للمصلحة.

والثانية: يتقدر بالعشر؛ لأن قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] عام خص منه مدة العشر لصلح النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً (1) فيبقى ما زاد على ذلك على مقتضى الدليل.

فعلى قولنا لا يصح إذا عقدها على أكثر من عشر سنين بطل فيما زاد عليها.

وفي العشر وجهان مبنيان على تفريق الصفقة.

قال: (وإن هادنهم مطلقاً لم يصح. وإن شرط شرطاً فاسداً كنقضها متى شاء، ورد النساء إليهم أو صداقهن أو سلاحهم، وإدخالهم الحرم بطل الشرط. وفي العقد وجهان).

أما كون الهدنة لا تصح مطلقاً فلأن إطلاق ذلك يقتضي التأبيد وذلك يفضي إلى ترك الجهاد.

وأما كون شرط النقض متى شاء يبطل فلأنه ينافي مقتضى العقد.

ولأنه عقد مؤقت فكان تعليقه على المشيئة باطلاً كالإجارة.

وأما كون شرط رد النساء المسلمات يبطل فلقوله: {فلا تَرجعوهن إلى الكفار} [الممتحنة: 10].

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد منع الصلح في النساء» .

(1) ر الحديث السابق.

ص: 340

ولأنه لا يؤمن أن تزوج بمشرك فيصيبها أو تفتتن في دينها.

وأما كون شرط رد صداقهن يبطل فلأن بضع المرأة لا يدخل في الأمان.

فإن قيل: فقد رد النبي صلى الله عليه وسلم المهر.

قيل: لأنه شرط رد النساء وكان شرطاً صحيحاً ثم نسخ فوجب رد البدل لصحة الشرط بخلاف حكم من بعده فإن رد النساء نسخ فلم يبق صحيحاً.

وأما كون شرط رد السلاح يبطل فلأنه يصير لهم به قوة.

وأما كون شرط إدخالهم الحرم يبطل فلقوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28].

وأما كون العقد إذا شرط فيه شيء من ذلك أو شبهه يبطل ففيه وجهان مبنيان على الشروط الفاسدة في البيع. وسيأتي دليل ذلك في موضعه.

قال: (وإن شرط رد من جاء من الرجال مسلماً جاز، ولا يمنعهم أخذه، ولا يجبره على ذلك. وله أن يأمره بقتالهم، والفرار منهم).

أما كون شرط رد من جاء من الرجال مسلماً يجوز فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك (1).

وأما كون الإمام لا يمنعهم أخذه «فلأن أبا بصير جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فجاء الكفار في طلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا يصلح في ديننا الغدر، وقد علمت ما عاهدنا عليه، ولعل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً. فرجع معهم. فقتل أحدَهم ورجع النبي صلى الله عليه وسلم» (2). فلم يلمه.

وأما كونه لا يجبره على ذلك فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجبر أبا بصير.

وأما كونه له أن يأمره بقتالهم والفرار منهم فلأنه رجوع إلى باطل فكان له الأمر بعدمه كالزوجة التي سمعت طلاقها بأذنها.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه في قصة الحديبية وفيه: «فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا» . (2581) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد

(2)

ر تخريج الحديث السابق.

ص: 341

قال: (وعلى الإمام حماية من هادنهم من المسلمين دون غيرهم. وإن سباهم كفار آخرون لم يجز لنا شراءهم. وإن خاف نقض العهد منهم نبذ إليهم عهدهم).

أما كون الإمام عليه حماية من هادنه من المسلمين فلأنه أمّنهم ممن هو في قبضته وتحت يده.

وأما كونه ليس عليه حمايتهم من غير المسلمين فلأن الهدنة التزام الكف عنهم فقط.

وقول المصنف رحمه الله: دون غيرهم يوهم دخول أهل الذمة فيمن لا يجب حمايتهم منه لأنهم دون المسلمين وليس مراده ذلك. وإنما ترك ذكر أهل الذمة لظهوره لأنه إذا وجب حمايتهم فلأن يجب من أهل الذمة بطريق الأولى.

وأما كون شرائهم لنا لا يجوز إذا سباهم كفار آخرون فلأنهم في عهدنا فلم يجز أن يتملك ما سبي منهم؛ كأهل الذمة.

وأما كون الإمام ينبذ إليهم عهدهم إذا خاف نقض العهد منهم فلقوله تعالى: {وإما تَخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} [الأنفال: 58]. يعني أعلمهم حيث تصير أنت وهم سواء في العلم.

ص: 342