المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الأمان الأمان جائز بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى: {فَأَجِرْه - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب الأمان الأمان جائز بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى: {فَأَجِرْه

‌باب الأمان

الأمان جائز بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى: {فَأَجِرْه حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6].

وأما السنة فما روى علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» (1) رواه البخاري.

قال المصنف رحمه الله: (يصح أمان المسلم المكلف ذكراً كان أو أنثى، حراً أو عبداً، مطلقاً أو أسيراً. وفي أمان الصبي المميز روايتان).

أما كون أمان المسلم المكلف الذكر يصح فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «ذمة المسلمين واحدة

الحديث».

وأما كونه يصح من الأنثى فلدخولها في ذلك.

ولما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «إن كانت المرأة لَتُجِير على المسلمين فيجوز» (2).

وأما كونه يصح من العبد فلقوله صلى الله عليه وسلم: «يسعى بها أدناهم» (3).

ولما روى فضيل بن يزيد الرقاشي قال: «جهّز عمر رضي الله عنه جيشاً فحصرنا موضعاً فرأينا أنا سنفتحها اليوم وجعلنا نقبل ونروح فبقي عبد منا فراطنهم وراطنوه. فكتب لهم الأمان في صحيفة وشدها على سهم ورمى بها إليهم فأخذوها وخرجوا. فكتب بذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال: العبد المسلم رجل من المسلمين يجوز أمانه» (4) رواه سعيد.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6374) 6: 2482 كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2611) 2: 234 كتاب الجهاد، باب المرأة تجير على القوم.

(3)

سبق تخريجه قريبا.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2608) 2: 233 كتاب الجهاد، باب ما جاء في أمان العبد.

وأخرجه عبدالرزاق (9402) 5: 222 كتاب الجهاد، باب: الجوار، وجوار العبد والمرأة.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9: 94 كتاب السير، باب: أمان العبد.

ص: 332

ولأنه مسلم مكلف فصح أمانه كالحر.

وأما كونه يصح من الأسير فلأن لفظ الحديث يشمله.

ولأنه مسلم عاقل أشبه البالغ.

وأما كونه لا يصح منه في رواية فلأن القلم رفع عنه.

ولأنه لا يلزمه بقوله حكم فلأن لا يلزم غيره بطريق الأولى.

وفي قول المصنف رحمه الله: يصح أمان المسلم المكلف إشعار بأنه لا يصح أمان كافر ولا مجنون ولا صبي. وصرح في الكافي بذلك.

أما كونه لا يصح أمان كافر فلأنه ليس منا فلا يدخل في الحديث المتقدم.

ولأنه متهم في الدين فلم يقبل أمانه لمكان التهمة.

وأما كونه لا يصح أمان مجنون فلأنه لا قول له.

وأما الصبي فإن كان طفلاً فلا يصح أمانه لعدم اعتبار قوله، وإن كان مميزاً ففيه روايتان تقدم ذكرهما.

ويشترط أن لا يكون معطي الأمان مكرهاً؛ لأن قول المكرَه لا يترتب عليه حكم شرعي. ولم يذكره المصنف رحمه الله للعلم به وعادة الأصحاب يشترطونه في الأسير (1). ولم يشترطه المصنف رحمه الله فيه لأن الحر المطلق لو أكره على الأمان لم يصح فلا حاجة إلى اختصاص الأسير به وإنما ذكره الأصحاب نظراً إلى المظنة بخلاف المطلق.

قال: (ويصح أمان الإمام لجميع المشركين، وأمان الأمير لمن جعل بإزائه، وأمان أحد الرعية للواحد والعشرة والقافلة).

أما كون أمان الإمام يصح لجميع المشركين فلأن له الولاية على جميع المسلمين.

وأما كون أمان الأمير يصح لمن جعل بإزائه فإن له الولاية على من بإزائه دون غيره فاختص به.

(1) في هـ: وأعاده الأصحاب بشرط كونه في الأسير.

ص: 333

وأما كون أمان أحد الرعية يصح كما ذكره المصنف رحمه الله فلعموم الحديث. فعلى هذا لا يصح أمانه لأهل بلدة كبيرة ولا رستاق وجمع كبير ونحو ذلك لأنه يفضي إلى تعطيل الجهاد والافتيات على الإمام.

قال: (ومن قال لكافر: أنت آمن، أو لا بأس عليك، أو أجرتك، أو وقف، أو ألق سلاحك، أو مَتَرْس فقد أمّنه).

أما كون من قال لكافر: أنت آمن فقد أمنه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» (1).

وأما كون من قال له: لا بأس عليك فقد أمّنه؛ «فلأن عمر رضي الله عنه لما قال للهرمزان: لا بأس عليك. قالت الصحابة رضوان الله عليهم: قد أمنته فلا سبيل لك عليه» (2) رواه سعيد.

وأما كون من قال له: أجرتك فقد أمنه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم هانئ رضي الله عنها: «قد أجرنا من أجرت» (3).

وأما كون من قال له: قف أو ألق سلاحك فقد أمنه فلأن الكافر يعتقده أماناً أشبه قوله: لا بأس عليك.

وأما كون من قال له مترس فقد أمنه فلأن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الله يعلم كل إنسان، فمن أتى منكم أعجمياً، فقال: مَتَرْس فقد أمنه» (4).

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1780) 3: 1406 كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2670) 2: 252 كتاب الجهاد، باب قتل الأسارى والنهي عن المثلة.

وأخرجه الشافعي في مسنده (403) 2: 120 كتاب الجهاد. كلاهما من حديث أنس.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (350) 1: 141 أبواب الصلاة في الثياب، باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفاً به.

وأخرجه مسلم في صحيحه (336) 1: 498 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى

وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2612) 2: 234 كتاب الجهاد، باب المرأة تجير على القوم.

(4)

إنما هو عن عمر، وقد ذكره البخاري تعليقاً عنه:«إذا قال مَتَرْس فقد آمنه، إن الله يعلم الألسنة كلها» . 3: 1158 كتاب الجزية، باب إذا قالوا صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى موصولاً من حديث أبي وائل، قال:«جاءنا كتاب عمر: وإذا قال الرجل للرجل: لا تخف فقد آمنه، وإذا قال مَتَرْس فقد آمنه، فإن الله يعلم الألسنة» 9: 96 كتاب السير، باب كيف الأمان.

وقد أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2599) و (2600) 2: 230 كتاب الجهاد، باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد.

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (9429) 5: 219 كتاب الجهاد، باب دعاء العدو.

ص: 334

وليس الأمان مقيداً بما ذكره المصنف رحمه الله بل يحصل بكل ما يدل عليه من قول وغيره.

وأما كونه يحصل بالقول فظاهر.

وأما كونه يحصل بغيره كالإشارة ونحوها فلأن عمر رضي الله عنه قال: «لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك، فنزل إليه فقتله لقتلته به» (1).

قال: (ومن جاء بمشرك فادعى أنه أمنه فأنكره فالقول قوله. وعنه: قول الأسير. وعنه: قول من يدل الحال على صدقه).

أما كون القول قول المسلم في هذه الصورة على الرواية الأولى فلأن الأصل معه؛ لأن الأصل إباحة دم الحربي وعدم الأمان.

وأما كون القول قول الأسير على الرواية الثانية فلأن صدقه محتمل فيكون قوله شبهة في حقن دمه.

وأما كون القول قول من يدل الحال على صدقه على الرواية الثالثة فلأنها قرينة دالة على الصدق فعلى هذا إن كان الأسير ذا قوة ومعه سلاحه فالظاهر صدقه وإن كان ضعيفاً مسلوباً سلاحه فالظاهر كذبه.

قال: (ومن أُعطي أماناً ليفتح حصناً ففتحه واشتبه علينا فيهم حرم قتلهم واسترقاقهم، وقال أبو بكر: يخرج واحد بالقرعة ويسترق الباقون).

كما لو أعتق عبداً من عنده ثم أشكل.

(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2597) 2: 229 كتاب الجهاد، باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد.

ص: 335

قال: (ويجوز عقد الأمان للرسول والمستأمَن ويقيمون مدة الهدنة بغير جزية، وقال أبو الخطاب: لا يقيمون سنة واحدة إلا بجزية).

أما كون الأمان يجوز للرسول والمستأمن فلأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك.

وأما كونهم يقيمون مدة الهدنة بغير جزية على الأول وهو ظاهر كلام أحمد وقول القاضي فلأنهم لما جاز أمانهم دون السنة بغير جزية جاز فيما زاد عليها بخلاف أهل الذمة.

وأما كونه لا يجوز على قول أبي الخطاب فلعموم قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يَدٍ وهم صاغرون} [التوبة: 29].

قال: (ومن دخل دار الإسلام بغير أمان فادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه قُبل منه. وإن كان جاسوساً خُير الإمام فيه كالأسير. وإن كان ممن ضل عن الطريق أو حملته الريح في مركب إلينا فهو لمن أخذه. وعنه: يكون فيئاً للمسلمين).

أما كون قول من دخل دار الإسلام فادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يُقبل فلأن ما ادعاه ممكن فيكون شبهة في درء القتل فلأنه يتعذر عليه إقامة البينة على ذلك.

وأما قول المصنف رحمه الله: ومعه متاع فشرط في قبول قوله أنه تاجر لأنه إذا لم يكن معه ذلك لم يحتمل صدقه.

وقوله: قُبل منه فيه إشعار بأنه لا يتعرض إليه. صرح بذلك هو وغيره من الأصحاب. أما الرسول «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرسولي مُسَيْلمة: لولا أن الرسول لا يقتل لقتلتكما» (1) رواه أبو داود.

وأما التاجر فلأنه إذا جاء بماله ولا سلاح معه دل على قصد الأمان.

ولم يشترط المصنف رحمه الله هنا أن تكون العادة جارية بذلك لما ذكر من قصده الأمان. واشترطه في الكافي وصرح به غيره من الأصحاب لأن العادة جارية مجرى الشرط. فإذا لم تكن عادة ولم يدخل بأمان وجب بقاؤه على ما كان عليه من عدم العصمة.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2761) 3: 83 كتاب الجهاد، باب في الرسل.

وأخرجه أحمد في مسنده (3851) 1: 406 كلاهما عن ابن مسعود.

ص: 336

وأما كون الإمام يخير في الجاسوس كالأسير فلأنه كافر قصد نكاية المسلمين فخير الإمام فيه بعد القدرة عليه كالأسير.

وأما كون المأخوذ ممن ذكر لمن أخذه على المذهب فلأنه مباح ظهر عليه بغير جهاد فكان لآخذه كمباحات دار الإسلام.

وأما كونه يكون فيئاً على روايةٍ فلأنه مال مشترك ظهر عليه بغير قتال أشبه ما تركوه فزعاً وهربوا.

قال: (وإذا أودع المستأمن ماله مسلماً أو أقرضه إياه ثم عاد إلى دار الحرب بقي الأمان في ماله ويُبعث إليه إن طلبه، وإن مات فهو لوارثه. فإن لم يكن له وارث فهو فيء).

أما كون الأمان يبقى في مال المستأمن إذا تركه عندنا وعاد هو إلى دار الحرب فلأن الموجِب للنقض دخول دار الحرب فانتقض فيما دخل دون غيره.

فإن قيل: الأمان ثبت في المال تبعاً فإذا بطل في المتبوع بطل في التابع.

قيل: لا نسلم أن الأمان ثبت في المال تبعاً بل ثبت فيهما جميعاً فإذا بطل في أحدهما بقي في الآخر. وعلى تقدير التسليم يجوز حكم التبع وإن زال في المتبوع لأن أم الولد يثبت لولدها حكم الاستيلاد تبعاً لها ويبقى حكمه له بعد موتها.

وأما كونه يُبعث إليه إن طلبه فلأنه ملكه.

وأما كونه لوارثه إذا مات فلأن من ثبت له حق على وجه مخصوص انتقل إلى وارثه على صفته من تأجيل ورهن وضمين فكذا هذا.

وأما كونه فيئاً إذا لم يكن له وارث فلأن أهل الذمة إذا ماتوا ولا وارث لهم يكون مالهم فيئاً فكذلك هذا.

قال: (وإن أسر الكفار مسلماً فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم لزمه الوفاء لهم، وإن لم يشترطوا شيئاً، أو شرطوا كونه رقيقاً فله أن يقتل ويسرق ويهرب).

أما كون المسلم يلزمه الوفاء لهم إذا شرط ما ذكر؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم» (1).

(1) سبق تخريجه ص: 293.

ص: 337

ولأنهم أطلقوه على ذلك فلزمه الوفاء به وفاءً بشرطه.

وأما كونه له أن يقتل ويسرق ويهرب إذا لم يشترطوا شيئاً أو شرطوا كون المسلم رقيقاً فلأنه لم يصدر منه ما يثبت به الأمان.

قال: (وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالاً، فإن عجز عنه عاد إليهم لزمه الوفاء إلا أن يكون امرأة فلا ترجع إليهم. وقال الخرقي: لا يرجع الرجل أيضاً).

أما كون الرجل المسلم إذا شرط ما ذكر يلزمه الوفاء على المذهب فلما تقدم ذكره.

وأما كونه لا يرجع على قول الخرقي فبالقياس على المرأة.

وأما كون المرأة لا ترجع قولا واحداً فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل الحديبية على رد من جاءه منعه الله رد النساء» (1).

ولأن في رجوعها تسليطاً على وطئها حراماً فلم يجز.

(1) عن المسور بن مخرمة «أن أم كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيط كانت ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن} .

أخرجه البخاري في صحيحه (2564) 2: 965 كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة.

ص: 338