المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الفوات والإحصار - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌باب الفوات والإحصار

‌باب الفوات والإحصار

قال المصنف رحمه الله: (ومن طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج. ويتحلل بطواف وسعي. وعنه: أنه ينقلب إحرامه لعمرة ولا قضاء عليه إلا أن يكون فرضاً. وعنه: عليه القضاء. وهل يلزمه هدي؟ على روايتين: أحدهما: عليه هدي يذبحه في حجة القضاء إن قلنا عليه قضاء، وإلا ذبحه في عامه).

أما فوات الحج لمن طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فلقول جابر رضي الله عنه: «لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جَمْع. قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم» (1) رواه الأثرم بإسناده.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاتنا هذه وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه» (2) وكانت الصلاة صلاة الفجر من يوم النحر.

وأما تحلل من فاته ذلك وهو قول ابن حامد -لا منقول عن الإمام أحمد- فلأن الإحرام انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى الآخر كما لو أحرم بالعمرة.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 174 كتاب الحج، باب إدراك الحج بإدراك عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر.

(2)

سبق تخريجه ص: 189.

ص: 223

ولأنه إذا أحرم بالحج من مكة لم يلزمه الخروج إلى الحل ولو صار معتمراً للزمه ذلك كالمعتمر، وإذا لم ينقلب إحرامه عمرة تعين التحلل بطواف وسعي ليخرج من إحرامه.

وأما انقلاب إحرامه عمرة وهو المنصوص عن الإمام أحمد وظاهر كلام

الخرقي؛ فلما روى النجاد بإسناده عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة» (1).

ولما روى الشافعي في مسنده «أن عمر رضي الله عنه قال لأبي أيوب حين فاته الحج: اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت» (2).

ولأنه قول عمر وابنه وابن عباس وزيد بن ثابت ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً.

ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى.

ولأنه لو بقي في إحرام الحج لزمته أفعاله كالمفسد حجه.

ولأنه يفعل أفعال المعتمر خاصة فكان معتمراً كالمحرم بالعمرة.

قال أبو الخطاب: فائدة الخلاف أنها إذا صارت عمرة جاز إدخال الحج عليها فيصير قارناً ومن لم يجعله عمرة لم يجز ذلك.

وأما وجوب القضاء على من فاته الحج فينظر فيه فإن كان الذي فاته حجة الإسلام لزمه قضاؤها بلا خلاف على معنى أنه يلزمه أن يحج من قابل؛ لأن الحج كان واجباً عليه ولم يأت به على وجهه فلزمه الإتيان به ليخرج عن عهدة الواجب، وإن كان نفلاً ففيه روايتان:

أحدهما: يقضيه لما يأتي.

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (13683) 3: 219 كتاب الحج، في الرجل إذا فاته الحج ما يكون عليه.

وأخرج الدارقطني في سننه عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فاته عرفات فقد فاته الحج وليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل» . (22) 2: 241 كتاب الحج، باب المواقيت.

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (990) 1: 384 كتاب الحج، باب أحكام المحصر.

ص: 224

والثانية: لا يقضيه «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال: بل مرة واحدة» (1) ولو وجب قضاء النافلة كان الحج أكثر من مرة.

ولأنها عبادة تطوّع بها فإذا فاتت لم يلزمه قضاؤها كسائر التطوعات.

والرواية الأولى أولى. نص عليه ابن عقيل؛ لأن في حديث عطاء المذكور قبل: «الحج من قابل» (2). وفي حديث عمر لأبي أيوب: «فإن أدركت الحج قابلاً حج» (3).

ولأن الحج يلزم بالشروع فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات.

وأما لزوم الهدي ففيه روايتان:

أحدهما: لا يلزم؛ لأنه لو كان الفوات سبباً لوجوب الهدي للزم المحصر هديان للفوات والإحصار.

والرواية الثانية: يلزمه هدي؛ لأن في حديث عطاء: «من فاته الحج فعليه دم» (4).

ولأنه قول من تقدم ذكره من الصحابة.

قال المصنف رحمه الله في المغني: وهي الصحيحة.

فعلى هذا إن قلنا يقضي ذبحه في سنة القضاء نص عليه لما روى سليمان بن يسار (5)«أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر. فقال له عمر: انطلق إلى البيت فطف به سبعاً وإن كانت معك هدية فانحرها ثم إذا كان عام قابل فاحجج وإن وجدت سعة فاهد وإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت» (6).

وإن قلنا لا قضاء عليه ذبحه في عامه؛ لأنه لا معنى لتأخيره.

قال: (وإن أخطا الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم، وإن أخطأ بعضهم فقد فاته الحج).

أما الإجزاء إذا أخطأ الناس؛ فلأنه لا يؤمن مثله في القضاء فيشق.

(1) سبق تخريجه من حديث أبي هريرة ص: 69.

(2)

سبق تخريج حديث عطاء قريباً.

(3)

سبق تخريجه قريباً.

(4)

سبق تخريج حديث عطاء ص: 226.

(5)

في ج: سليمان بن دينار.

(6)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 174 كتاب الحج، باب ما يفعل من فاته الحج.

ص: 225

وأما فوات الحج إذا أخطأ البعض فلأن الخطأ من تفريطهم ولهذا قال عمر رضي الله عنه لهبار: «وما حبسك؟ قال: كنت أحسب أن اليوم يوم عرفة» (1) فلم يعذره بذلك.

قال: (ومن أحرم فحصره عدو ولم يكن له طريق إلى الحج ذبح هدياً في موضعه وحل، فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثم حل، ولو نوى التحلل قبل ذلك لم يحلّ، وفي وجوب القضاء على المحصر روايتان).

أما ذبح المحرم هدياً إذا حصره عدو في الجملة فلقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196].

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما حصروا بالحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا» (2).

وأما حله بعد ذلك فلما تقدم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بذلك.

ولأن الحاجة داعية إلى الحل لما في تركه من المشقة العظيمة المنفية شرعاً.

ولا فرق في الإحصار بين الحج والعمرة لعموم الآية.

ولأن الصحابة رضي الله عنهم حلوا في الحديبية (3) وكانت عمرة.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه خرج في الفتنة معتمراً وقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم» (4) متفق عليه.

وأما ما يشترط للحل فشروط:

أحدها: أن لا يجد طريقاً أخرى فلو أمكنه الوصول من طريق أخرى لزمه سلوكها ولم يجز له التحلل سواء كان أبعد من طريق الحصر أو مثله؛ لأنه أمكنه الوصول أشبه ما لم يحصره أحد.

(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2581) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.

(3)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (1718) 2: 643 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب من قال ليس على المحصر بدل.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1230) 2: 903 كتاب الحج، باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران.

ص: 226

الثاني: أن ينحر هديه إن كان معه وإلا اشتراه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل وهكذا أمر الصحابة (1).

الثالث: أن يحصر ظلماً كحصر الكفار وقطاع الطريق ومانعي الوصول إلى المناهل ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حصروا ظلماً فلو منعه من له عليه دين وهو قادر على أدائه لم يكن له التحلل؛ لأنه لا عذر له في الحبس فكان الحصر من نفسه.

الرابع: الحلق إن قلنا هو نسك ولم يذكره المصنف رحمه الله وظاهره عدم اشتراطه.

فعلى هذا يحصل التحلل للمحصر بالنية والنحر أو بدله وبالنية والنحر أو بدله والحلق على الخلاف المتقدم في كونه نسكاً.

فإن قيل: لم اشترطت النية هنا دون ما تقدم؟

قيل: لأن من أتى بأفعال الحج فقد أتى بما عليه فيتحلل منها بإكمالها فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر فإنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها فافتقرت إلى قصده.

ولأن الذبح يكون لغير التحلل فلم يتخصص إلا بالقصد بخلاف الرمي فإنه لا يكون إلا للنسك فلم يحتج إلى القصد.

وأما صيام عشرة أيام إذا لم يجد الهدي فلما تقدم في باب الفدية (2)، وفي حديث عمر لهبار.

وأما عدم حله إذا نوى التحلل قبل الذبح أو الصوم فلأن الهدي أو الصوم أقيم مقام أفعال الحج فلم يحل قبله كما لا يتحلل القادر على أفعال الحج قبلها ولا يلزمه بهذه النية فدية؛ لأنها لا تؤثر في العبادة.

وإن فعل شيئاً من المحظورات قبل النحر فعليه فدية؛ لأنه باق على إحرامه.

وأما وجوب القضاء على المحصر ففيه روايتان:

أحدهما: يجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تحلل زمن الحديبية قضى من قابل (3) وسميت عمرة القضية.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2581) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.

(2)

ص: 130.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (4006) 4: 1552 كتاب المغازي، باب عمرة القضاء.

ص: 227

ولأنه تحلَّلَ من إحرمه قبل إتمامه فلزمه القضاء كما لو فاته الحج.

والثانية: لا يجب؛ لأن الذين صدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ألفاً وأربعمائة والذين اعتمروا معه من قابل كانوا يسيراً ولم ينقل أنه أمر الباقين بالقضاء.

ولأنه تطوع جاز التحلل منه مع صلاح الوقت فلم يجب عليه القضاء كما لو دخل في الصوم يعتقد أنه واجب فلم يكن.

وتفارق هذه المسألة مسألة من فاته الحج بأن من فاته مقصّر بخلاف المحصر.

قال: (فإن صد عن عرفة دون البيت تحلل بعمرة ولا شيء عليه).

أما تحلل من صد عن عرفة دون البيت بعمرة فلأنه يمكنه (1) أن يأتي بعمل العمرة. فعلى هذا يتحلل بطواف وسعي وحلق.

وأما كونه لا شيء عليه (2).

قال: (ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل، وإن فاته الحج تحلل بعمرة. ويحتمل أن يجوز له التحلل كمن حصره العدو).

أما كون المحصر بما ذكر ليس له التحلل على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير فقالت: إني أريد الحج وأنا شَاكِيةٌ فقال: حُجي واشترطي أن محلي حيث حَبستني» (3) فلو كان المرض يبيح الإحلال ما احتاجت إلى شرط.

ولأن ذلك قول ابن عباس وابن عمر.

ولأنه لا يستفيد بإحلاله الانتقال من حاله ولا التخلص من الداء الذي به بخلاف المحصر بالعدو.

(1) في ج: لا يمكنه.

(2)

بياض في ج مقدار سطر.

(3)

سبق تخريجه ص: 88.

ص: 228

وأما احتمال جواز ذلك لمن حصره عدو؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى» (1) رواه مسلم.

ولأنه محصور فيدخل في عموم الآية.

ولأنه مصدود عن البيت أشبه من صده العدو.

والأول أولى لما تقدم.

وقوله: «من كسر أو عرج» (2) متروك الظاهر؛ لأن مجرد الكسر لا يصير به حلالاً وإن حمل على أنه يبيح حملناه على ما إذا اشترط التحلل بذلك، والعموم مخصوص بحديث ضباعة، والقياس على من حصره عدو لا يصح لما ذكرنا من الفرق.

فعلى هذا يبعث ما معه من الهدي ليذبح بمكة وليس له ذبحه في مكانه؛ لأنه لم يبح له التحلل بخلاف المحصر. وإن فاته الحج تحلل بعمرة كسائر من فاته الحج.

وعلى قولنا: له التحلل حكمه حكم المحصر؛ لأنه في معناه.

قال: (ومن شرط في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك ولا شيء عليه).

أما جواز التحلل فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير: «حجي واشترطي» (3) فلو لم يجز التحلل مع الاشتراط لم يكن فيه فائدة.

ولأن الشرط له تأثير في العبادات بدليل أنه لو قال: إن شفى الله مريضي صمت شهراً فإنه يلزم بوجود الشرط ويعدم بعدمه.

وأما كونه لا شيء عليه فلأنه صار بمنزلة من أكمل أفعال الحج.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1862) 2: 173 كتاب المناسك، باب باب الإحصار.

وأخرجه الترمذي في جامعه (940) 3: 277 كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يهل بالحج فيكسر أو يعرج.

وأخرجه النسائي في سننه (2861) 5: 198 كتاب مناسك الحج، فيمن أحصر بعدو.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (3077) 2: 1028 كتاب المناسك، باب المحصر. ولم أره في مسلم.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(3)

سبق تخريجه ص: 88.

ص: 229

وقوله: لا شيء عليه يشمل القضاء والهدي. والله تعالى أعلم.

ص: 230