المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب المساقاة المساقاة: أن يُسَلِّم الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه، - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب المساقاة المساقاة: أن يُسَلِّم الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه،

‌باب المساقاة

المساقاة: أن يُسَلِّم الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه، وعمل سائر ما يحتاج إليه، بجزء معلوم له من ثمره. وسميت مساقاة لأنها مفاعلة من السقي؛ لأن أهل الحجاز أكثر حاجتهم إلى السقي لأنهم كانوا يسقون من الآبار.

والأصل فيها «أن النبي صلى الله عليه وسلم عاملَ أهلَ خيبرَ بشطرِ (1) ما يخرجُ منها من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ» (2) حديث صحيح متفق عليه.

قال المصنف رحمه الله: (تجوز المساقاة في النخل، وكل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته).

أما كون المساقاة تجوز في النخل؛ فلما تقدم من معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها.

ولأن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فعلوا ذلك.

ولأن الحاجة تدعو إلى المساقاة؛ لأن أرباب الثمار لا يتمكنون من عملها، والأكثر يحتاجون إلى الانتفاع بما يحصل لهم من غلتها فشرعت لذلك.

وأما كونها تجوز في كل شجر له ثمر مأكول؛ فلأن ذلك مساو للنخل معنى فوجب أن يساويه حكماً.

وأما قول المصنف رحمه الله: "ببعض ثمرته" ففيه تنبيه على أنه لا بد وأن يكون نصيب العامل من المساقى عليه.

(1) في هـ: بشرط.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2204) 2: 820 كتاب المزارعة، باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1551) 3: 1186 كتاب المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع.

ص: 731

ولأنه لا بد وأن يكون مشاعاً. وقد تقدم ذكر ذلك في الشركة (1).

فإن قيل: الحديث المتقدم ذكره منسوخ بما روى رافع بن خديج «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة» (2). وذلك معاملة أهل خيبر.

قيل: هذا حديث مضطرب جداً. وقد فسره رافع في بعض الروايات بما لا يختلف في فساده. فروى البخاري بإسناده عن رافع قال: «كنا نُكري الأرض بالناحيةِ. فربما يصابُ ذلكَ وتَسْلَمُ الأرض، وربما تصابُ الأرضُ ويسلَمُ ذلك فَنُهينَا» (3).

وروى البخاري ومسلم بإسنادهما عن طاووس قال: «إنّ أعلمَكمْ -يعني ابن عباس- أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لمْ ينهَ عنهُ. ولكن قال: لأن يمنحَ أحدكمْ أخاهُ خيرٌ لهُ منْ أنْ يأخذَ عليهِ خراجاً معلوماً» (4).

وقد اشتهر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرجع عن معاملة أهل خيبر حتى مات ثم عمل به أبو بكر حتى مات. ثم عمر حتى أجلى اليهود فكيف يكون منسوخاً؟ .

قال: (وتصح بلفظ المساقاة والمعاملة وما في معناهما. وتصح بلفظ الإجارة في أحد الوجهين. وقد نص أحمد رحمه الله في روايةٍ جماعة فيمن قال: أجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها أنه يصح. وهذه مزارعة بلفظ الإجارة. ذكره أبو الخطاب.

وقال أكثر أصحابنا: هي إجارة. والأول أقيس وأصح).

أما (5) كون المساقاة تصح بلفظ المساقاة؛ فلأن ذلك فيها صريح فصحت كصحة سائر العقود بسائر صرائحها.

وأما كونها تصح بلفظ المعاملة؛ فلما تقدم من قول الصحابي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر» (6).

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه النسائي في سننه (3917) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2202) 2: 820 كتاب المزارعة، باب قطع الشجر والنخل.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (2205) 2: 821 كتاب المزارعة، باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1550) 3: 1184 كتاب البيوع، باب الأرض تمنح.

(5)

في هـ: وأما.

(6)

سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 732

وأما كونها تصح بما في معنى المساقاة والمعاملة؛ فلأن القصد المعنى فإذا أتى بما يدل عليه صح؛ كالبيع.

وأما كونها تصح بلفظ الإجارة مثل أن يقول: استأجرتك لتعمل لي هذا الحائط حتى تكمل ثمرته بنصف ثمرته في وجه؛ فلأنه يحصل معنى قوله: ساقيتك على ذلك بنصف ثمرته.

وأما كونها لا تصح في وجه؛ فلأنها عقد خاص فلم تصح بلفظ الإجارة كما لا تصح الإجارة بلفظ البيع.

وأما الصحة فيما إذا قال: أجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها على منصوص الإمام أحمد فقد اختلف الأصحاب في معناها فقال أبو الخطاب: هي مزارعة بلفظ الإجارة ويشترط فيها شروط المزارعة وحكمها حكمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له أرض فليزرعها ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى» (1) رواه أبو داود.

ولأن هذا مجهول فلم يجز جعله عوضاً في الإجارة كثلث نماء أرض أخرى.

وقال أكثر الأصحاب: هي إجارة يشترط فيها شروط الإجارة لأنه صرح بالإجارة. والأصل في الإطلاق الحقيقة.

والأول أقيس عند المصنف وأصح لأن الحديث المتقدم يدل عليه. واللفظ قد يعدل عن حقيقته إلى مجازه إذا دل عليه الدليل، وقد دل.

قال: (وهل تصح على ثمرة موجودة؟ على روايتين).

أما كون المساقاة لا تصح على ما ذكر على روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» (2). وذلك مفقود هاهنا.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3395) 3: 259 كتاب البيوع، باب في التشديد في ذلك.

وأخرجه النسائي في سننه (3897) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 733

ولأن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود فصار بمثابة مضاربته على المال بعد ظهور الربح.

وأما كونها تصح على روايةٍ؛ فلأنها إذا صحت على الثمرة المعدومة مع كثرة الغرر؛ فلأن تصح مع وجودها وقلة الغرر فيها بطريق الأولى.

والحديث دل بنصه على صحة المساقاة قبل الظهور وبتنبيهه على صحتها بعد الظهور وفارق المضاربة من حيث إنها بعد ظهور الربح لا تحتاج إلى عمل. واشترط المصنف رحمه الله لهذه الرواية في المغني والكافي أن يبقى من العمل ما تستزاد به الثمرة كالتأبير وإصلاح الثمرة والسقي. ثم قال في المغني: فإن لم يبق من العمل شيء تزيد به الثمرة كالجذاذ لم يجز. وهذا صحيح يجب حمل إطلاقه هنا عليه.

قال: (وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يُثمر بجزء من الثمرة صح).

أما كون المساقاة على ما ذكر تصح؛ فلأن العمل وعوضه معلومان فصحت كالمساقاة على شجر موجود.

وأما قول المصنف: حتى يثمر ففيه تنبيه على أنه لو ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه مدة لا يثمر في مثلها لم يصح لأن من شرط المساقاة أن يكون للعامل نصيب من الثمرة ولم يوجد.

قال: (والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه لا تفتقر إلى ذكر مدة. ولكل واحد منهما فسخها فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما، وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له، وإن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله، وقيل هي عقد لازم تفتقر إلى ضرب مدة تكمل الثمرة فيها).

أما كون المساقاة عقداً جائزاً في ظاهر كلام الإمام أحمد فـ «لأن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بخيبر على أن يعملوها ويكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقركم على ذلك ما شئنا» (1).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2213) 2: 824 كتاب المزارعة، باب إذا قال رب الأرض: أقرك ما أقرك الله

وأخرجه مسلم في صحيحه (1551) 3: 1187 كتاب المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع.

ص: 734

ولأنها لو كانت لازمة لم تجز بغير تقدير مدة.

ولأنه عقد على جزء من نماء المال فكان جائزاً كالمضاربة.

وأما كونها عقداً لازماً على قولٍ؛ فلأنها عقد معاوضة فكان لازماً كالإجارة.

ولأنه لو كان جائزاً لجاز لرب المال الفسخ إذا أدركت الثمرة فيسقط حق العامل وذلك إضرار به.

وأما كونها لا تفتقر إلى ذكر مدة على القول بأنها عقد جائز؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر لأهل خيبر مدة حين عاملهم.

ولأنها عقد جائز فلم تفتقر إلى ذكر المدة؛ كسائر العقود الجائزة.

وأما كون كل واحد من المتعاقدين له فسخها على ذلك؛ فلأن ذلك شأن كل عقد جائز.

وأما كون الثمرة بينهما إذا حصل الفسخ بعد ظهورها؛ فلأنها ظهرت على ملكهما.

وأما كون العامل إذا فسخ قبل ظهورها لا شيء له؛ فلأنه رضي بإسقاط حقه. أشبه المضارب إذا فسخ قبل ظهور الربح.

وأما كون رب المال عليه للعامل أجرة عمله إذا فسخ؛ فلأنه منعه من إتمام عمله الذي استحق به العوض. أشبه الجاعل إذا فسخ الجعالة.

وأما كونه يفتقر إلى ضرب مدة تكمل الثمرة فيها على القول بأنها (1) عقد لازم؛ فلأنها مشبهة بالإجارة فلم يكن بد من ضرب مدة يكمل فيها المقصود؛ كالإجارة.

قال: (فإن جعلا مدة لا تكمل فيها لم تصح. وهل للعامل أجرة؟ على وجهين).

أما كون المساقاة فيما ذكر لا تصح (2)؛ فلأن المقصود الاشتراك في الثمرة وذلك لا يوجد في تلك المدة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: فيما ذكر لا تصح فيما ذكر.

ص: 735

وأما كون العامل لا أجرة له (1) على وجهٍ؛ فلأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتطوع.

وأما كونه له الأجرة على وجهٍ؛ فلأن المساقاة تقتضي العوض فلا تسقط بالرضى بتركه كالوطء في النكاح.

قال: (وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل فهل تصح؟ على وجهين. فإن قلنا لا تصح فهل للعامل أجرة؟ على وجهين).

أما كون المساقاة فيما ذكر تصح على وجهٍ؛ فلأن الشجر يجوز أن يحمل وأن لا يحمل. أشبه ما يحمل غالباً.

وأما كونها لا تصح على وجهٍ؛ فلأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم يصح كالسَّلَم.

وأما كون العامل له أجرة مثله إذا قيل بعدم الصحة ففيه وجهان وجههما (2) ما تقدم.

وقال المصنف رحمه الله في المغني بعد ذكر هذه المسألة: إن قلنا هو فاسد استحق أجرة المثل سواء حمل أو لم يحمل؛ لأنه لم يرض بغير عوض ولم يسلم له العوض فكان له العوض وجهاً واحداً. بخلاف ما لو جعل الأجل إلى مدة لا يحمل في مثلها غالباً وهذا متجه؛ لأن تعليل أحد الوجهين فيما إذا كانت الشجرة لا تحمل في مدة المساقاة أنه رضي بغير عوض وهذا لا يتجه هنا.

قال: (وإن مات العامل تمم الوارث، فإن أبى استؤجر على العمل من تركته، فإن تعذر فلرب المال الفسخ).

أما كون وارث العامل يتمم عمل موروثه؛ فلأنه يقوم مقامه في ما له فكذا فيما عليه.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: ووجههما.

ص: 736

وأما كونه يستأجر على العمل من تركته إذا أبى الوارث ذلك؛ فلأن العمل كان عليه فوجب أن يتعلق بتركته؛ كسائر ما عليه.

وأما كون رب المال له الفسخ إذا تعذر العمل من التركة؛ فلأن تعذر المعوض في المعاملات يُثبت سَلْطَنَةَ الفسخ. دليله البيع.

قال: (فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما. وإن فسخ قبله فهل للعامل أجرة؟ على وجهين. وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها).

أما كون الثمرة بين العامل ورب المال إذا فسخ بعد ظهور الثمرة؛ فلأن الثمرة حدثت على ملكهما.

وأما كون العامل له أجرة إذا فسخ رب المال قبل ظهور الثمرة على وجهٍ؛ فلأن مطلق العقد يقتضي العوض المسمى. فإذا تعذر وجب الرجوع بما يقوم مقامه.

وأما كونه لا شيء له على وجهٍ؛ فلأن الفسخ بسبب من جهته. أشبه ما لو فسخ هو.

وأما كون حكم العامل إذا هرب فلم يوجد له ما ينفق على الثمرة حكم ما إذا مات؛ فلأنهما اشتركا في تعذر العمل وتضرر رب المال بتعذر الفسخ فوجب اشتراكهما فيما ذكر؛ لأن الاشتراك معنى يوجب الاشتراك حكماً.

قال: (وإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به، وإلا فلا).

أما كون رب المال يرجع بما عمله بإذن حاكم؛ فلأن الحاكم نائب عن الغائب.

وأما كونه يرجع بما عمله بإشهادٍ فينظر فيه فإن كان ذلك عند تعذر استئذان الحاكم رجع به؛ لأنه معذور لعدم القدرة على الاستئذان، وليس بمتبرع بدليل الإشهاد، وإن كان ذلك عند القدرة على الاستئذان ففيه وجهان مبنيان على من قضى دين الغير بغير إذنه.

وأما كونه لا يرجع إذا لم يوجد إذن ولا إشهاد؛ فلأنه متبرع ظاهراً.

ص: 737

فصل [فيما يلزم العامل ورب المال]

قال المصنف رحمه الله: (ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة، وزيادتها من السقي، والحرث، والزبار، والتلقيح، والتشميس، وإصلاح طرق الماء، وموضع التشميس، ونحوه. وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل: من سد الحيطان، وإجراء الأنهار، وحفر البئر، والدولاب، وما يديره. وقيل: ما يتكرر كل عام فهو على العامل، وما لا فلا).

أما كون العامل يلزمه جميع ما ذكره المصنف مفصلاً على المذهب؛ فلأن العامل إنما يراد لأجل الثمرة فاقتضى أن يكون عليه ما يؤدي إلى صلاحها وزيادتها، وجميع ما ذكر يؤدي إلى ذلك.

وأما كون ما يتكرر كل عام عليه في قول؛ فلأنه يتعلق بعمله فكان عليه كالحرث.

وظاهر ما ذكر أن الذي يلقح به على العامل لأنه مما يتكرر.

وقال المصنف في المغني: وقيل ما يتكرر كل عام على العامل إلا ما يلقح به فإنه على المالك وإن تكرر لأنه ليس بعمل. فيجب حمل كلامه هنا عليه لئلا يتناقض، ولما ذكر من الدليل.

وأما كون رب المال عليه ما فيه حفظ الأصل لا غير على المذهب: أما كونه عليه ذلك؛ فلأن الأصل له فكان ما يراد لحفظه عليه.

وأما كونه ليس عليه غير ذلك؛ فلعدم العلة المذكورة.

وأما كونه عليه ما لا يتكرر كل عام في قولٍ؛ فلأن ذلك لا تعلق للعمل به. أشبه ما فيه حفظ الأصل.

وأما قول المصنف: من سد الحيطان

إلى آخره فتعداد لصور فيها حفظ الأصل، وبيان لها. وكل ذلك على رب المال لما تقدم ذكره.

ص: 738

فعلى هذا ما يدير الدولاب من بقر ونحوه على رب المال لأنه مما ذكر، وبذلك صرح أصحابنا.

وقال المصنف في المغني: ذلك على العامل لأنه يراد للعمل كبقر الحرث.

ولأن سقي الماء عليه إذا لم يحتج إلى دابة فكذا هاهنا. وهذا اختياره لا نقل عن غيره.

قال: (وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد. وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشارفه. فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل).

أما كون حكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد؛ فلأن العامل في المساقاة أمين رب المال فوجب أن يكون حكمه حكم المضارب فيما ذكر لاشتراكهما في كونهما أميني رب المال.

وأما كونه يضم أمين إلى العامل يشارفه إذا ثبتت خيانته؛ فلأنه أمكن دفع الضرر عن رب المال بذلك مع إمضاء العامل على عمله.

وأما كونه يستأجر من يعمل العمل من مال العامل إذا لم يمكن حفظه؛ فلأنه تعذر استيفاء العمل منه فاستوفي بغيره كما لو هرب.

قال: (وإذا شرط إن سقى سيحاً فله الربع. وإن سقى بكلفة فله النصف. وإن زرعها شعيراً فله الربع. وإن زرعها حنطة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين.

وإن قال: ما زرعت من شعير فلي ربعه، وما زرعت من حنطة فلي نصفه. أو ساقيتك هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجهاً واحداً).

أما كون المساقاة لا تصح فيما إذا شرط إن سقى سيحاً فله الربع، وإن سقى بكلفة فله النصف. وإن زرعها شعيراً فله الربع، وإن زرعها حنطة فله النصف في وجهٍ؛ فلأن العمل مجهول.

ولأنه في معنى بيعتين في بيعه وهو قوله: بعتك بعشرة نقداً أو بعشرين نسأ.

ص: 739

وأما كونها تصح في وجه؛ فلأنه في معنى إن خطته رومياً فلك كذا، وإن خطته فارسياً فلك كذا، وقد صح هناك في روايةٍ فليكن هنا مثله (1).

وأما كونها لا تصح وجهاً واحداً فيما إذا قال: ما زرعت من شعير فلي ربعه، وما زرعت من حنطة فلي نصفه؛ فلأن ما يزرعه من كل واحد من الصنفين مجهول القدر فجرى مجرى ما لو شرط في المساقاة ثلث هذا النوع ونصف النوع الآخر وهو جاهل بما فيه منهما.

وأما كونها لا تصح وجهاً واحداً فيما إذا قال: ساقيتك هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع؛ فلأنه شرط عقداً في عقد فلم يصح؛ كما لو قال: بعتك هذا بكذا على أن أبيعك هذا بكذا.

(1) ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 740

فصل في المزارعة

قال المصنف رحمه الله: (وتجوز المزارعة بجزء معلوم يُجعل للعامل من الزرع. فإن كان في الأرض شجر فزارعه الأرض وساقاه على الشجر صح. ولا يشترط كون البذر من رب الأرض، وظاهر المذهب اشتراطه).

أما كون المزارعة تجوز؛ فلما تقدم من «أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» (1) متفق عليه.

قال البخاري: قال أبو جعفر: ما بالمدينةِ أهلُ بيتٍ إلا ويزرعونَ على الثلثِ والربع (2).

وعنه قال: «عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم» .

وأما كون المزارعة والمساقاة تصح فيما إذا كان في الأرض شجر فزارعه الأرض، وساقاه على الشجر؛ فلأن كل واحد منهما عقد لو انفرد لصح فإذا اجتمعا وجب أن يصحا كحالة الانفراد.

وأما ما يشترط لصحة المزارعة فأمور:

منها: كون نصيب العامل مشاعاً معلوماً. وقد تقدم ذكر دليله في الشركة ومساواة حكم المزارعة لحكم المساقاة فيما ذكر (3).

وثانيها: كون البذر من رب الأرض في ظاهر المذهب؛ لأن المزارعة عقد يشترك العامل ورب الأرض في نمائه. فوجب أن يكون رأس المال كله من عند أحدهما

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

ذكره البخاري في صحيحه معلقاً 2: 820 كتاب المزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه.

(3)

ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 741

كالمساقاة والمضاربة. وروي عن الإمام أحمد أنه لا يشترط ذلك. وهو اختيار المصنف لأن ابن عمر قال: «دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها» (1).

وفي لفظ: «على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها» (2) أخرجهما البخاري.

فجعل عملها (3) من أموالهم وزرعها عليهم، ولم يذكر شيئاً آخر. وظاهره كون البذر من أهل خيبر.

وروى البخاري «أن عمر رضي الله عنه عاملَ الناسَ على أنه إن جاءَ بالبذرِ من عندهِ فلهُ الشطرُ وإن جاؤا بالبذرِ فلهمْ كذَا» (4).

وهذه الرواية هي أصح دليلاً لأن دليل المذهب قياس في مقابلة النص. ثم هو منتقض بما إذا اشترك مالان وبدن صاحب أحدهما.

قال: (وإن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما (5) الباقي، أو شرط لأحدهما قفزاناً معلومة، أو دراهم معلومة (6)، أو زرع ناحية معينة من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة. ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر وعليه أجرة صاحبه. وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا).

أما كون المزارعة والمساقاة تفسد بكل واحد من الشروط المذكورة؛ فلأن كل واحد منها غير جائز. فوجب أن يفسد عقده؛ كما لو باعه شيئاً وشرط عليه أن لا يبيعه. بيان عدم جواز كل واحد مما ذكر.

أما شرط أخذ رب الأرض مثل بذره؛ فلأن ذلك بمنزلة ما لو شرطه له.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2580) 2: 973 كتاب الشروط، باب إذا اشترط في المزارعة: إذا شئت أخرجتك.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2206) 2: 821 كتاب المزارعة، باب المزارعة مع اليهود.

(3)

في هـ: عملهما.

(4)

ذكره البخاري في صحيحه معلقاً 2: 820 كتاب المزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه.

(5)

في هـ: ويقتسمان.

(6)

ساقط من هـ.

ص: 742

وأما شرط قفزان معلومة لأحدهما؛ فلأنه ربما لا يخرج من الأرض مثل ذلك فيؤدي إلى ضرر المعطي للزائد.

وأما شرط دراهم معلومة لأحدهما؛ فلأنه ربما لا يخرج من الأرض ما يساوي ذلك فيؤدي إلى الضرر المذكور قبل.

وأما شرط زرع ناحية معينة؛ فلأن ذلك منهي عنه في الحديث.

وأما كون الزرع لصاحب البذر مع فساد المزارعة؛ فلأنه نماء بذره.

وأما كون أجرة صاحبه عليه؛ فلأنه دخل على أنه يأخذ مما سمي له. فإذا فات رجع إلى بدله.

ولأنه لم يرض بالعمل مجاناً.

وأما كون حكم المزارعة حكم المساقاة فيما تقدم ذكره من الجواز واللزوم وما يلزم العامل ورب الأرض وغير ذلك؛ فلأنهما سواء معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

قال: (والحصاد على العامل. نص عليه. وكذلك الجذاذ. وعنه: أن الجذاذ عليهما).

أما كون الحصاد على العامل على منصوص الإمام أحمد؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى يهود خيبر على أن يعملوها من أموالهم» (1). وهذا من العمل الذي لا يستغني عنه الزرع.

وأما كون الجذاذ كذلك على المذهب فلما ذكر في الحصاد.

وأما كونه عليه وعلى رب الشجر على روايةٍ؛ فلأنه يوجد بعد تكامل النماء.

والأول أولى لما ذكر.

ودليل الثانية: ينتقض بالتشميس.

(1) سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 743

قال: (وإذا قال: أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي، وتسقيها بمائك، والزرع بيننا فهل يصح؟ على روايتين. وإن زارع شريكه في نصيبه صح).

أما كون المساقاة فيما إذا قال: أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك لا تصح على روايةٍ وهي اختيار القاضي؛ فلأن العوض الذي في مقابلته الماء مجهول.

وأما كونها تصح على روايةٍ وهي اختيار أبي بكر؛ فلأنه لما جاز أن يؤجر الأرض ببعض الخارج منها وهو مجهول جاز أن يجعل عوض الماء كذلك.

قال المصنف في المغني: الأولى أصح وأقيس لأنها لا تتحقق مزارعة، ولا يجوز أن يستأجر الماء ولا أن يبتاع بعوض معلوم فكيف إذا كان مجهولاً. وأجاب عن إجارة الأرض ببعض الخارج بالمنع وبتقدير التسليم يطلب الجامع.

وأما كون مزارعة الشريك لشريكه في نصيبه تصح؛ فلأن ذلك بمنزلة شراء الشريك نصيب شريكه وذلك جائز فكذا هذا.

ص: 744