المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الحوالة الحوالة: ثابتة بالسنة والإجماع: أما السنة؛ فما روى أبو - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب الحوالة الحوالة: ثابتة بالسنة والإجماع: أما السنة؛ فما روى أبو

‌باب الحوالة

الحوالة: ثابتة بالسنة والإجماع: أما السنة؛ فما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَطْلُ الغنيِ ظُلم، فإذا أُتبعَ أحدُكمْ على مَلِيءٍ فليتبَع» (1) متفق عليه.

وفي لفظ: «من أحيلَ بحقهِ على مَليءٍ فليحتَل» (2).

وأما الإجماع؛ فأجمع المسلمون في الجملة على جواز الحوالة.

واشتقاقها من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة. وقيل: هي بيع جاز تأخير القبض فيه رخصة.

قال المصنف رحمه الله في المغني: الصحيح أنها عقد إرفاق منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره. بدليل: أنها لو كانت بيعاً لكانت بيع دين بدين وهو غير جائز، ولَمَا جاز التفرق قبل القبض؛ لأنه بيع ما فيه الربا بجنسه، ولجازت بلفظ البيع، ولجازت بين جنسين كالبيع.

فعلى هذا لا يدخلها خيار. وهو أشبه بكلام الإمام أحمد وأصوله.

ولا بد فيها من محيل ومحتال ومحال عليه.

قال المصنف رحمه الله: (والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فلا يملك المحتال الرجوع عليه بحال).

أما كون الحوالة تنقل الحق؛ فلما تقدم من أنها مشتقة من التحويل.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2166) 2: 799 كتاب الحوالات، باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1564) 3: 1197 كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (9974) 2: 463.

ص: 598

وأما كون المحتال لا يملك الرجوع على المحيل؛ فلأن الحق انتقل فلا يعود بعد انتقاله.

قال: (ولا تصح إلا بشروط ثلاثة:

أحدها: أن يحيل على دين مستقر، فإن أحال على مال الكتابة، أو السلم، أو الصداق قبل الدخول لم يصح، وإن أحال المكاتب سيده، أو الزوج امرأته صح).

أما كون الحوالة لا تصح إلا بشروط ثلاثة؛ فلما يذكر في مواضعها.

وأما كون أحدها: أن يحيل على دين مستقر؛ فلأن ما ليس بمستقر بعرضية السقوط، والحوالة إلزام المحال عليه الدين مطلقاً فلا يصح فيما هو بعرضية السقوط.

وفي ذكر المصنف رحمه الله استقرار الدين المحال عليه دون استقرار المحال به دليلٌ على أنه لا يشترط استقراره. وصرح به في الكافي وغيره. وعلله بأنه يجوز أداء غير المستقر.

وقال أبو الخطاب في الهداية: يشترط استقراره أيضاً قياساً على المحال عليه.

وأما كون من أحال على مال الكتابة لا يصح؛ فلأنه غير مستقر بدليل: أن له أن يمتنع من أدائه.

وأما كون من أحال على السلم لا يصح؛ فلأنه أيضاً غير مستقر؛ لأنه بعرضية الفسخ بالانقطاع، وقد قال عليه السلام:«من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (1).

ولأن الحوالة لا تصح إلا فيما لا يجوز أخذ العوض عنه، والسلم ليس كذلك.

وأما كون من أحال على الصداق قبل الدخول لا يصح؛ فلأنه غير مستقر بدليل سقوطه بالردة، وسقوط نصفه بالطلاق.

وأما كون المكاتب إذا أحال سيده أو الزوج امرأته يصح؛ فلأن أقصى ما في ذلك أنه دين غير مستقر. وقد تقدم أنه لا يشترط استقرار المحال به على ظاهر قول المصنف

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 599

رحمه الله. ويجيء على قول أبي الخطاب أنه لا تصح الحوالة به؛ لأن مال الكتابة والصداق غير مستقر واستقرار المحال به شرط عنده.

قال: (والثاني: اتفاق الدَّيْنين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل).

أما كون الثاني من الشروط المتقدم ذكرها الاتفاق فيما ذكر؛ فلأن الحوالة تحويل الحق ونقله فيجب أن يكون مثل المحال عليه فيما ذكر.

وأما معنى الاتفاق في الجنس فأن يكونا ذهباً أو فضة أو ما أشبههما فلو أحال من عليه ذهب بفضة أو بالعكس لم يصح.

وأما معنى الاتفاق في الصفة فأن يكونا مصريين أو أميريين أو ما أشبههما. فلو أحال من عليه مصرية بأميرية أو بالعكس لم يصح.

وأما معنى الاتفاق في الحلول أو التأجيل فأن يكونا حالّين أو مؤجلين فلو أحال من عليه حالّ بمؤجل أو بالعكس لم يصح.

ويشترط في المؤجل اتفاق الأجل فلو كان أحدهما يحل بعد شهر والآخر بعد شهرين لم يصح؛ لما ذكر.

قال: (والثالث: أن يحيل برضاه، ولا يعتبر رضى المحال عليه ولا رضى المحتال إن كان المحال عليه مليئاً. وإن ظنه مليئاً فبان مفلساً ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه، وإلا فلا. ويحتمل أن يرجع).

أما كون الثالث من الشروط المتقدم ذكرها: أن يحيل المحيل برضاه؛ فلأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين الذي على المحال عليه.

وأما كون رضى المحال عليه لا يعتبر؛ فلأن للمحيل أن يستوفي الحق الذي على المحال عليه بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال مقام نفسه في التقبيض. فلم يعتبر رضى المحال عليه؛ كالتوكيل.

وأما كون رضى المحتال لا يعتبر إذا كان المحال عليه مليئاً؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أُتْبِعَ أحدكمْ على مَلِيءٍ فليتبَع» (1).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 600

والمراد بالمليء: القادر على الوفاء؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى يقول: مَنْ يُقْرِض المليء غير المعدم» .

وقال الشاعر:

تُطيلين ليّابي وأنت مليئة

وأحسنُ يا ذاتَ الوشاحِ التقاضيا

يعني بالمليئة القادرة على الوفاء.

وأما كون المحتال يرجع على المحيل إذا ظن ملاءة المحال عليه فظهر مفلساً ولم يكن رضي بالحوالة؛ فلأن الفلس عيب ولم يرض به فاستحق الرجوع كما لو اشترى سلعة فظهرت معيبة ولم يرض بالعيب.

وأما كونه إذا رضي بالحوالة لا يرجع على المذهب؛ فلأنه إذا رضي بذلك زال شغل الذمة فلا يعود بعد زواله.

وأما كونه يحتمل أن يرجع؛ فلأنه لم يرض. أشبه ما تقدم.

وذكر المصنف رحمه الله في المغني ما تقدم احتمالين، وذكر في الكافي هذين الاحتمالين روايتين.

وفي قول المصنف رحمه الله: وإن ظنه مليئاً إشعار بأن المحتال إذا رضي بالحوالة مع علمه بفلس المحال عليه لا يرجع قولاً واحداً وهو صحيح؛ لأنه لو رضي بعيب المبيع لم يرجع قولاً واحداً فكذا هاهنا.

قال: (وإذا أحال المشترى البائع بالثمن، أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلاً (1) فالحوالة باطلة. وإن فسخ البيع بعيبٍ أو إقالةٍ لم تبطل الحوالة. وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى. وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية، ويحتمل أن يبطل إن لم يكن قبضها).

أما كون الحوالة باطلة إذا بان البيع مثل أن يكون المبيع عبداً فيظهر حراً أو مستحقاً؛ فلأنه تبين ببطلان البيع أن لا ثمن، والحوالة فرع على الثمن، فإذا بطل الأصل بطل الفرع.

(1) في هـ: باطل.

ص: 601

فعلى هذا يرجع المشتري على من كان له عليه الدين في مسألة حوالته، وعلى المحال عليه في مسألة الحوالة عليه لا على البائع؛ لأن الحوالة لما بطلت وجب بقاء حقه على ما كان، ووجب له الرجوع على المحال عليه ضرورة كونه قَبَضَه بعد تبين بطلانه.

وأما إذا فسخ البيع بعيبٍ أو إقالةٍ فعلى ضربين:

أحدهما: أن يكون المحتال قد قبض مال الحوالة، فلا تبطل الحوالة وجهاً واحداً؛ لأن عقد البيع لم يرتفع هنا فالثمن لم يسقط فلم تبطل الحوالة؛ لانتفاء المبطل.

ولأن المشتري دفع إلى البائع بدل ماله في ذمته وعارضه عنه بما في ذمة المحال عليه.

فعلى هذا للمشتري الرجوع على البائع في مسألتي حوالته والحوالة عليه لا على من كان له عليه الدين في المسألة الأولى ولا على من أحيل عليه في الثانية.

وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى، وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية.

أما كون المشتري له الرجوع على البائع فيهما؛ فلأنه لما رد العوض استحق الرجوع بالعوض لكن الرجوع في عينه متعذر للزوم الحوالة فوجب الرجوع في بدله، وإذا لزم البدل وجب على البائع؛ لأنه هو الذي انتفع بمبدله.

وأما كونه ليس له الرجوع على من كان عليه الدين؛ فلأن ما كان عليه قد انتقل إلى غيره بعقدٍ باقي الصحة.

وأما كونه ليس له الرجوع على من أحيل عليه؛ فلأنه أخذ حقه بعقد صحيح لازم.

وأما كون البائع له أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه وكون المشتري له أن يحيل المحتال عليه على البائع؛ فلأن دين البائع ثابت على من أحاله المشتري عليه، ودين المشتري ثابت على البائع (1) ثبوتاً مستقراً فصحت الحوالة عليه كسائر الحقوق المستقرة (2).

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: المستقر.

ص: 602

وثانيهما: أن يكون المحتال لم يقبض مال الحوالة. وفي ذلك وجهان:

أحدهما: لا تبطل؛ لما تقدم قبل.

فعلى هذا الحكم كما تقدم.

والثاني: تبطل؛ لأن الحوالة بالثمن وقد سقط بالفسخ فوجب أن تبطل الحوالة لذهاب حقه من المال المحال به.

فعلى هذا الحكم هنا كما لو ظهر المبيع مستحقاً.

قال: (وإذا قال: أحلتك قال: بل وكلتني، أو قال: وكلتك قال: بل أحلتني فالقول قول مدعي الوكالة. وإن اتفقا على أنه قال: أحلتك وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة وأنكر الآخر ففي أيهما يقبل قوله؟ وجهان. وإن قال: أحلتك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجهاً واحداً).

أما كون القول قول مدعي الوكالة إذا اختلفا في المقول من لفظي الوكالة والحوالة؛ فلأنه مدع بقاء الحق على ما كان عليه ومنكر انتقاله، والقول قول المنكر.

وأما كون القول قول مدعي الحوالة إذا اتفقا على لفظ الحوالة واختلفا في الإرادة في وجهٍ؛ فلأن الظاهر معه لموافقة دعواه الحقيقة ودعوى خصمه المجاز.

وأما كون القول قول مدعي الوكالة في وجهٍ؛ فلما ذكر في المسألة قبل.

ص: 603

وأما كون القول قول مدعي الحوالة وجهاً واحداً إذا قال: أحلتك بدينك؛ فلأن ذلك لا يحتمل الوكالة لا بلفظه ولا بمعناه بخلاف ما تقدم.

ص: 604