المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب السلم السلم جائز بالكتاب والسنة والإجماع والمعنى: أما الكتاب فقوله - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب السلم السلم جائز بالكتاب والسنة والإجماع والمعنى: أما الكتاب فقوله

‌باب السلم

السلم جائز بالكتاب والسنة والإجماع والمعنى: أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282]. روي عن ابن عباس أنه قال: «أشهد أن السلف المضمون إلى أجلٍ مسمى قد أحلهُ اللهُ في كتابهِ وأذنَ فيه ثم قرأ هذه الآية» (1).

وأما السنة فما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه قدمَ المدينةَ وهم يُسْلِفُونَ في الثمارِ السنتينِ والثلاث. فقال: من أسلفَ فليسلف في كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلوم» (2).

وعن عبدالله بن أبي أوفى وعبدالرحمن بن أبزى أنهما قالا: «كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب. فقيل: أكان لهم زرع أم لم يكن؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك» (3) رواه البخاري.

وأما الإجماع فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلف جائز.

وأما المعنى؛ فلأن المثمن في البيع أحد عوضي العقد فجاز أن يثبت في الذمة كالثمن.

ولأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزرع والثمار يحتاجون إلى النفقة عليها لتكمل فجوز لهم السلم ليرتفقوا أو يرتفق المسلم بالمسلم بالاسترخاص.

(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (14064) 8: 5 كتاب البيوع، باب لا سلف إلا إلى أجل معلوم.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 19 كتاب البيوع، باب جواز الرهن والحميل في السلف.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2125) 2: 781 كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1604) 3: 1226 كتاب المساقاة، باب السلم.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2136) 2: 784 كتاب السلم، باب السلم إلى أجل معلوم.

ص: 522

قال المصنف رحمه الله: (وهو: نوع من البيع يصح بألفاظه وبلفظ السَّلَم والسَّلَف).

أما كون السلم نوعاً من البيع؛ فلأنه بيع إلى أجل فيدخل في البيع لأنه يشمله وغيره.

وأما كونه يصح بألفاظ البيع؛ فلأنه بيع حقيقة.

وأما كونه يصح بلفظ السلم والسلف؛ فلأنهما موضوعان للبيع الذي عجل ثمنه وأجل مثمنه.

قال: (ولا يصح إلا بشروط سبعة:

أحدها: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته كالمكيل والموزون والمذروع، فأما المعدود والمختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس ونحوها ففيه روايتان).

أما كون السلم لا يصح إلا بشروط سبعة فلما يأتي ذكره في مواضعها.

وأما كون أحدها: أن يكون السلم فيما يمكن ضبط صفاته؛ فلأن ما لا يمكن ضبط صفاته يختلف اختلافاً كثيراً وذلك وسيلة إلى المنازعة والمشاقة المطلوب عدمها.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالمكيل والموزون والمذروع فإشارة إلى أن ذلك كله مما يمكن ضبط صفاته والمكيل كالحنطة والشعير والزبيب وما أشبه ذلك والموزون كالحديد والرصاص والنحاس وما أشبه ذلك، والمذروع كالثياب وما أشبه ذلك.

وأما كون السلم في المكيل والموزون مما ذكر وشبهه يصح؛ فلأن بعضه منصوص عليه والباقي في معناه فيقاس عليه.

ولأن ما ذكر ضبطه ممكن فلم يؤد إلى المنازعة المانعة من الصحة.

وأما كون المعدود المختلف كالحيوان وبقية ما ذكره المصنف رحمه الله يصح السلم فيه في روايةٍ: أما في الحيوان؛ فلأن أبا رافع قال: «استسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بَكْراً» (1) رواه مسلم.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1600) 3: 1224 كتاب المساقاة، باب من استسلف شيئا فقضى خيراً منه

وأخرجه أبو داود في سننه (3346) 3: 247 كتاب البيوع، باب في حسن القضاء.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1318) 3: 609 كتاب البيوع، باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان أو السن.

وأخرجه النسائي في سننه (4617) 7: 291 كتاب البيوع، استسلاف الحيوان واستقراضه.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2285) 2: 767 كتاب التجارات، باب السلم في الحيوان.

ص: 523

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى مجيء المصدق» (1).

ولأن ذلك يثبت في الذمة صداقاً فيثبت في السلم كالثياب.

وأما في بقية ما ذكر؛ فلأنه يساوي الحيوان معنى فوجب أن يساويه حكماً.

وأما كونه لا يصح في روايةٍ: أما في الحيوان فلما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: «إن من الربا أبواباً لا تخفى، وإن منها السَّلَم في السن» (2).

وأما في بقية ما ذكر فلما ذكر قبل.

وظاهر المذهب أن السلم في ذلك يصح قاله المصنف في المغني.

قال: (وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط؛ كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس، وما يجمع أخلاطاً متميزة؛ كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان).

أما كون السلم في المختلفة الرؤوس كما ذكر لا يصح في وجهٍ؛ فلأن الصفة (3) لا تأتي على ذلك.

وأما كونه يصح في وجهٍ؛ فلأن التفاوت في ذلك يسير.

وأما كون ما يجمع أخلاطاً متميزة كالثوب المنسوج من قطن وكتان أو إبريسم يصح السلم فيه في وجهٍ؛ فلأن ضبطه ممكن.

وأما كونه لا يصح في وجهٍ؛ فلأنه يجمع أخلاطاً أشبه الغالية.

والأول أصح. قاله المصنف في الكافي. ودليله ما تقدم.

والفرق بين ما ذكر وبين الغالية أن ما ذكر يجمع أخلاطاً متميزة بخلاف الغالية.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 23 كتاب البيوع، باب من أجاز السلم في الحيوان بسن

(3)

في هـ: الصفقة.

ص: 524

قال: (ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها، والحوامل من الحيوان، والمغشوش من الأثمان، وغيرها، وما يجمع أخلاطاً غير متميزة؛ كالغالية والند والمعاجين).

أما كون السلم في الجواهر كاللؤلؤ والزبرجد والياقوت والعقيق ونحوها لا يصح؛ فلأنها تختلف اختلافاً متبايناً بالصغر والكبر وحسن التدوير وزيادة ضوئها.

وأما كونه في الحوامل من الحيوان لا يصح؛ فلأن الولد مجهول. وحكى المصنف في الكافي وجهاً في صحة السلم فيها؛ لأن الحمل لا حكم له مع الأم بدليل البيع.

وأما كونه في المغشوش من الأثمان لا يصح؛ فلأن غشه يمنع العلم بالقدر المقصود منه فلا يصح السلم فيه لأن فيه غرراً.

وقول المصنف رحمه الله: وغيرها مراده المغشوش من غير الأثمان كاللبن المشوب بالماء والحنطة المخلوطة بالزوان وما أشبههما. ودليل ذلك ما مر في مغشوش الأثمان.

وأما كونه فيما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية والند والمعاجين لا يصح؛ فلأن الصفة لا تأتي على ذلك فلم يصح السلم فيه لعدم ضبطه.

قال المصنف في الكافي: وفي معناه القسي المشتملة على الخشب والقرن والقصب والغزل والتوز.

قال: (ويصح فيما يترك فيه شيء غير مقصود لمصلحته كالجبن والعجين وخل التمر والسكنجبين ونحوها).

أما كون السلم يصح فيما ذكر فلعدم كون المتروك فيه مقصوداً.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالجبن إلى آخره فتمثيل لصور لم يقصد فيها ما ذكر.

ص: 525

فصل [الشرط الثاني]

قال المصنف رحمه الله: (الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً؛ فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وجودته وردائته. وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره).

أما كون ثاني الشروط (1) المتقدم ذكرها أن يصف المسلم فيه بما يختلف به الثمن ظاهراً؛ فلأن المسلم عوض يثبت في الذمة فلا بد من كونه معلوماً بالوصف كالثمن.

ولأن العلم شرط في البيع وطريقه إما الرؤية أو الصفة، والرؤية ممتنعة في المسلم فيه فيتعين الوصف.

وأما قول المصنف رحمه الله: فيذكر جنسه إلى آخره فتنبيه على الصفات التي يختلف بها الثمن وذكر الجنس والنوع والجود والرداءة مجمع عليه، والبواقي مقاسة عليها لأن ذلك مما يختلف الثمن لأجله فوجب ذكره كالمتفق عليه. وقد يسقط بعض ذكر الأوصاف للعلم به أو لقيام غيره مقامه. وقد يشترط ذكر شيء آخر وسيبين مفصلاً إن شاء الله تعالى.

فعلى هذا يصف التمر بالنوع فيقول: برني أو معقلي، وبالجودة أو بالرداءة فيقول: جيد أو رديء، وبالقد فيقول: كبار الحب أو صغاره وهو المراد بقول المصنف رحمه الله: وقدره لأن القدر بالكيل أو الوزن سيأتي بعد، وبالبلد فيقول: بغدادي أو بصري لأن البغدادي أحلى وأقل بقاء لعذوبة الماء والبصري بخلاف ذلك، وبالحداثة أو القدم فيقول: حديث أو قديم ويصف الرطب بما ذكر إلا الحداثة والقدم.

(1) في هـ: أما كون الثاني من الشروط.

ص: 526

ويصف الحنطة بالنوع فيقول: سبيلة أو سلموني، وبالجودة أو الرداءة فيقول: جيد أو رديء، وبالبلد فيقول: حوراني أو بلقاوي، وبالقد فيقول: صغار أو كبار، وبالحداثة أو القدم فيقول: حديث أو قديم.

ويصف العسل بالبلد فيقول: فيجي أو نحوه. ويجزئ ذلك عن ذكر النوع، وبالزمان فيقول: خريفي أو ربيعي أو صيفي، وباللون فيقول: أبيض أو أحمر.

ويصف الحيوان بالذكورة أو الأنوثة وبالسن فيقول: عمره كذا سنة أو غير بالغ أو مميز. وإن كان رقيقاً فيذكر النوع كتركي أو رومي أو زنجي. ولا يحتاج في الجارية إلى ذكر البكارة ولا الثيوبة ولا الجعودة والسبوطة.

ويصف الإبل بالنتاج فيقول: من نتاج بني فلان مكان النوع، وبالسن فيقول: بنت مخاض أو ابنة لبون، وباللون فيقول: أحمر أو أورق، وبالذكورية أو الأنوثية (1) فيقول: ذكر أو أنثى وأوصاف الخيل كالإبل والبغال والحمير لا يقصد نتاجها فيقول مكان ذلك نسبتها إلى بلدها؛ كرومي في البغال، ومصري في الحمير. والبقر والغنم إن عرف لها نتاج فهي كالإبل، وإلا فهي كالحمير.

ويصف اللحم بالسن والذكورة أو الأنوثة وبالسمن أو الهزال وبالرعي أو العلف والنوع وموضع اللحم من الحيوان ويزيد في الذكر فحلاً أو خصياً. وفي الصيد لا يحتاج إلى ذكر العلف والخصاء ولكن يذكر الآلة التي يصاد بها من جارحة أو أحبولة. وفي الجارحة يذكر صيد كلب أو فهد أو صقر لأن ذلك يختلف.

قال المصنف في المغني: الذي أراه أنه لا يحتاج إلى ذلك لأن التفاوت فيه يسير.

ويلزم قبول اللحم بعظامه لأنه يُقطع كذلك فهو كالنوى في التمر. ولا يحتاج في لحم الطير إلى ذكر الذكورة والأنوثة إلا أن يختلف بذلك، ولا إلى ذكر موضع اللحم إلا أن يكون كبيراً يأخذ منه بعضه. ولا يلزمه قبول الرأس والساقين لأنه لا لحم على ذلك.

(1) في و: وبالذكورة أو الأنوثة.

ص: 527

ويصف السمك بذكر النوع كدجلي أو أجامي، والكبر والصغر، والسمن أو الهزال، والطري أو الملح ولا يقبل الرأس والذنب ويلزمه ما بينهما. وإن كان كبيراً يؤخذ بعضه ذكر موضع اللحم.

ويوصف السَّمْن بالنوع فيقول: سَمْن ضأن أو معز أو بقر، وباللون فيقول: أبيض أو أصفر.

قال القاضي: ويذكر المرعى.

ولا يحتاج إلى ذكر حديث أو عتيق لأن إطلاقه يقتضي الحديث. ولا يصح السلم في عتيقه لأنه عيب ولا ينتهي إلى حد ينضبط به.

ويصف الزبد بأوصاف السمن ويزيد زبد يومه أو أمسه.

ويصف اللبن بالنوع والمرعى. ولا يحتاج إلى اللون ولا حلب يومه لأن إطلاقه يقتضي ذلك.

ويصف اللبأ بصفات اللبن.

ويصف الثياب بالنوع فيقول: كتان أو قطن، وبالبلد فيقول: بغدادي أو مصري، وبالطول أو العرض، وبالغلظ أو الدقة، وبالنعومة أو الخشونة.

ويصف الغزل بذلك ويجعل مكان الطول أو العرض اللون فيقول: أبيض أو أصفر.

ويصف الإبريسم بالبلد واللون والغلظ أو الدقة.

ويصف الصوف بالبلد واللون والطول أو القصر والذكورة أو الأنوثة والزمان خريفي أو ربيعي؛ فلأن صوف الخريف أنظف وصوف الإناث أنعم والشعر والوبر كالصوف.

ويصف الرصاص والنحاس والحديد بالنوع فيقول في الرصاص: قلعي أو أسرب وبالنعومة أو الخشونة وباللون إن اختلف. ويزيد (1) في الحديد ذكراً أو أنثى لأن الذكر أحد وأمضى.

(1) في هـ: وزيد.

ص: 528

واستقصاء ما يُسلم فيه مما لم يذكر مذكور في الكتب الكبار فعلى الطالب تطلبه في مظانه.

قال: (فإن شرط الأجود لم يصح، وإن شرط الأردأ فعلى وجهين).

أما كون شرط الأجود لا يصح؛ فلأن ما من جيد إلا ويحتمل أن يوجد أجود منه فلا ينحصر.

وأما كون شرط الأردأ لا يصح على وجهٍ؛ فلأنه لا ينحصر.

وأما كونه يصح على وجهٍ؛ فلأن ما يدفعه إليه إن كان الأردأ فهو المسلم فيه، وإن لم يكن فهو خير منه فيلزم المسلم قبوله بخلاف الأجود.

قال: (وإذا جاءه بدون ما وصف أو نوع آخر فله أخذه ولا يلزمه، وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه، وإن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه قبوله).

أما كون المسلِم له أخذ دون ما وصف مع اتحاد النوع؛ فلأن الحق له فإذا رضي بإسقاط حقه من الجودة كان له ذلك.

وأما كونه له أخذ نوع عن نوع آخر مع اتحاد الجنس؛ فلأن اتحادهما في الجنس يجعلهما كالشيء الواحد ولذلك حرم التفاضل بينهما.

وأما كونه لا يلزمه الأخذ؛ فلأن الإنسان لا يجبر على إسقاط حقه.

وأما كونه لا يجوز له أخذ جنس عن آخر؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (1) رواه أبو داود.

وأما كونه يلزمه قبول الأجود مع اتحاد النوع؛ فلأنه أتاه بما تناوله العقد وزاده خيراً.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3468) 3: 276 كتاب البيوع، باب السلف لا يحول.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2283) 2: 766 كتاب التجارات، باب السلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.

ص: 529

قال: (فإن قال: خذه وزدني درهماً لم يجز. وإن جاءه بزيادة في القدر (1) فقال ذلك: صح).

أما كون المسلم إليه إذا قال: خذه وزدني درهماً لا يجوز؛ فلأنه أفرد صفة الجودة بالبيع وذلك غير جائز.

ولأن بيع المسلم فيه قبل قبضه غير جائز فبيع صفته أولى.

وأما كونه إذا جاءه بزيادة في القدر فقال ذلك: يصح؛ فلأن الزيادة هنا يجوز إفرادها بالعقد.

(1) في هـ: العقد.

ص: 530

فصل [الشرط الثالث]

قال المصنف رحمه الله: (الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والذرع في المذروع. فإن أسلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً لم يصح).

أما كون ثالث الشروط (1) المتقدم ذكرها: أن يذكر قدر المسلم فيه بالكيل في المكيل والوزن في الموزون؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم» (2).

وأما كون ذكر الذرع في المذروع كذكر الكيل في المكيل والوزن في الموزون؛ فلأنه في معناهما.

ولأن ذلك عوض غير مشاهد يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن.

وأما كون السلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً لا يصح؛ فلأنه مبيع يشترط معرفة قدره فلم يصح بيعه بغير ما هو مقدر به في الأصل كبيع الربويات بعضها ببعض.

ولأنه قدَّر المسلم فيه بغير ما هو مقدر به في الأصل فلم يصح كما لو أسلم في المذروع وزناً.

قال: (ولا بد أن يكون المكيال معلوماً، فإن شرط مكيلاً لا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح).

أما كون المكيال لا بد وأن يكون معلوماً؛ فلأنه إذا كان مجهولاً تعذر الاستيفاء به وذلك مخل بالحكمة التي اشترط معرفة الكيل من أجلها.

وأما كون شرط مكيال بعينه أو صنجة بعينها لا يصح؛ فلأن ذلك قد يهلك فيتعذر معرفة المسلم فيه وذلك منفي لما تقدم ذكره.

(1) في هـ: أما كون الثالث من الشروط.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 531

قال: (وفي المعدود المختلف غير الحيوان روايتان: إحداهما يسلم فيه عدداً، والأخرى وزناً. وقيل: يسلم في الجوز والبيض عدداً وفي الفواكه والبقول وزناً).

أما كون المعدود المختلف غير الحيوان يسلم فيه عدداً في روايةٍ؛ فلأنه يُقَدَّر بذلك عند العامة.

وأما كونه يسلم فيه وزناً في روايةٍ؛ فلأنه يتباين والوزن يضبطه.

وأما كونه يسلم في المعدود المتقارب كالجوز والبيض عدداً، وفي المتفاوت كالفواكه والبقول وزناً على قولٍ؛ فلأن التفاوت في المتقارب يسير ولهذا لا تكاد القيمة تتفاوت بين البيضتين والجوزتين بخلاف التفاوت في المتفاوت.

وأما تقييد المصنف رحمه الله المعدود المختلف بكونه غير حيوان؛ فلأن السلم في الحيوان لا يكون إلا عدداً فلا يجري فيه الخلاف المذكور.

ص: 532

فصل [الشرط الرابع]

قال المصنف رحمه الله: (الرابع: أن يشترط أجلاً معلوماً له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فإن أسلم حالاً أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح).

أما كون رابع الشروط (1) المتقدم ذكرها أن يشترط أجلاً؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» (2). أمر بالأجل والأمر للوجوب.

ولأنه أَمَرَ بهذه الأمور تبييناً لشروط السلم ومنعاً (3) منه بدونها ولذلك لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن.

ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق ولا يحصل ذلك إلا بالأجل فكان من شروطه كالكتابة.

ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه: أما الإسم فإنه يسمى سلماً وسلفاً لتعجّل أحد العوضين وتأخير الآخر، وأما المعنى فظاهر.

وأما كون الأجل معلوماً فلقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى} [البقرة: 282]، وقوله عليه السلام:«إلى أجل معلوم» (4).

وأما كون الأجل له وقع في الثمن كما ذكر المصنف رحمه الله؛ فلأن الأجل إنما اعتبر تحقيقاً للرفق ولا يحصل ذلك بما لا وقع له في الثمن.

(1) في هـ: أما كون الرابع من الشروط.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

في هـ: ومعناً.

(4)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 533

فعلى هذا لا يصح في الحال ولا إلى أجل غير معلوم ولا إلى أجل لا وقع له في الثمن لفوات شرط الصحة.

وأما قول المصنف رحمه الله: إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء فاستثناء لهذه الصورة مما تقدم ذكره لأن السلم في ذلك جائز وإن فات في بعضه الأجل المشترط في غيره لأن العرف جارٍ بذلك والحاجة داعية إلى جوازه. وظاهر كلامه تعميم الجواز في كل شيء يؤخذ أجزاء معلومة.

وقال أبو الخطاب: فإن أسلم في لحم أو خبز يأخذ منه كل يوم أرطالاً معلومة جاز نص عليه. وظاهره الاختصاص بهما دون غيرهما. والعلة المتقدمة تدل عليه إذ العرف والحاجة يدلان على الصحة فيهما دون غيرهما.

قال: (وإن أسلم في جنس إلى أجلين، أو في جنسين إلى أجل صح).

أما كون السلم في جنس إلى أجلين يصح؛ فلأن كل بيع صح إلى أجل صح إلى أجلين وآجال كبيوع الأعيان.

وأما كون السلم في جنسين كالحنطة والشعير والتمر والزبيب إلى أجل يصح؛ فلأن جمعهما في عقد واحد حال صحيح. فكذلك السلم.

قال: (ولا بد أن يكون الأجل مقدراً بزمن معلوم. فإن أسلم إلى الحصاد أو الجذاذ أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين).

أما كون الأجل لا بد أن يكون مقدراً بزمن معلوم فلما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فليسلف إلى أجل معلوم» (1).

وأما كون السلم إلى الحصاد أو الجذاذ لا يصح على روايةٍ فلما روى ابن عباس أنه قال: «لا تبتاعوا إلى الحصاد والدياس» .

ولأن ذلك يختلف ويَقْرُب ويبعد فلا يصلح أن يكون أجلاً كقدوم زيد.

وأما كونه يصح على روايةٍ فـ «لأن ابن عمر كان يبتاع إلى العطاء» .

ولأن الاختلاف في ذلك يسير أشبه غير المختلف فيه.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 534

وأما كونه إذا شرط الخيار إلى الحصاد أو الجذاذ فيه الخلاف المتقدم فلما مر.

قال: (وإذا جاءه بالسلم قبل مَحِلِّه ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه، وإلا فلا).

أما كون المسلِم يلزمه قبض ما لا ضرر في قبضه كالحديد والرصاص والنحاس والزيت والعسل وسائر ما لا يختلف قديمه وحديثه إذا جاء به قبل محله؛ فلأن غرضه حاصل وزيادة تعجيل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة.

وأما كونه لا يلزمه قبض ما في قبضه ضرر إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة كلها، وإما لكون قديمه دون حديثه كالحبوب ونحوها؛ فلأن له غرضاً في تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه في ذلك الوقت. وكذا الحيوان لا يلزم قبضه قبل محله لأنه لا يأمن تلفه ويحتاج إلى نفقة وكذا ما يحتاج في حفظه إلى مؤونة كالقطن ونحوه. وكذا لو كان الوقت مخوفاً يخشى تلف ما يقبضه لأن عليه ضرراً في قبضه ولم يأت محل استحقاقه فجرى مجرى نقصان الصفة فيه.

وفي قول المصنف رحمه الله: قبل مَحِلِّه إشعار بأنه إذا جاء بالمسلَم فيه في محله لزمه قبضه سواء كان في قبضه ضرر أو لم يكن لأنه أتاه بحقه في محله فلزمه قبضه كالمبيع المعين. فإن امتنع من قبضه قيل له إما أن تقبض أو تبرئ. فإن امتنع من أحدهما قبضه الحاكم وبرئت ذمة الدافع لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع بولايته إلا أنه لا يملك الإبراء لما فيه من الضرر.

ص: 535

فصل [الشرط الخامس]

قال المصنف رحمه الله: (الخامس: أن يكون المسلَمُ فيه عامَّ الوجود في محله. فإن كان لا يوجد فيه أو لا يوجد إلا نادراً كالسلم في العنب والرطب إلى غير وقته لم يصح. وإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح).

أما كون خامس الشروط (1) المتقدم ذكرها أن المسلَم فيه عامُّ الوجود في محله؛ فلأنه إذا لم يكن كذلك لم يمكن تسليمه فلم يصح كبيع الآبق، وبل أولى لأن السلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة فلا يحتمل فيه غرر آخر لئلا يكثر الغرر فيه.

وأما كون السلم فيما لا يوجد في محله أو لا يوجد إلا نادراً كالسلم في العنب والرطب إلى غير وقته لا يصح؛ فلأن شرطه أن يكون عام الوجود فيه لما تقدم وذلك مقصود فيما ذكر فلم يصح لانتفاء شرطه.

وأما (2) كون السلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لا يصح؛ فلأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه أشبه ما لو أسلم في شيء قدره بمكيال بعينه أو صنجة بعينها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه أسلف إليه يهودي في تمر فقال: من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما من حائط بني فلان فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى» (3) رواه الجوزجاني.

ص: 536

قال: (وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاماً فانقطع خُيِّر بين الصبر وبين الفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إن كان معدوماً في أحد الوجهين، وفي الآخر ينفسخ بنفس التعذر).

أما كون المسلم يخير فيما ذكر بين الصبر إلى أن يوجد وبين الفسخ في وجهٍ؛ فلأن المسلم إليه صار بانقطاع المسلم فيه عاجزاً عن دفعه وذلك يوجب الخيرة المذكورة. دليله ما لو ظهر المشتري معسراً.

وأما كون السلم ينفسخ بنفس التعذر في وجهٍ؛ فلأن المسلم فيه يجب أن يكون من ثمرة العام بدليل أنه يجب التسليم منها فإذا هلكت انفسخ العقد كما لو باع قفيزاً من صبرة فهلكت.

والصحيح الأول لأن العقد صح وإنما تعذر التسليم أشبه ما لو اشترى عبداً فأبق قبل القبض.

ولأنهما لو تراضيا على دفع المسلم فيه من غير ثمرة ذلك العام جاز وإنما أجبر على دفع ثمرة العام؛ لأنها على صفة ما وقع عليه العقد.

فعلى هذا إذا انفسخ العقد أو فسخه هو يرجع برأس ماله إن كان باقياً أو بمثله إن كان تالفاً وكان مثلياً وبقيمته إن لم يكن مثلياً لأن العقد إذا زال وجب رد الثمن فإن كان باقياً استحق عينه لأنه عين حقه وإن كان تالفاً وكان مثلياً استحق مثله كما لو أتلف مثلياً لآدمي وإن لم يكن مثلياً استحق قيمته كالمتلف.

ص: 537

فصل [الشرط السادس]

قال المصنف رحمه الله: (السادس: أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد. وهل يشترط كونه معلوم الصفة والقدر كالمسلم فيه؟ على وجهين).

أما كون سادس الشروط (1) المتقدم ذكرها أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد؛ فلأنه عقد معاوضة لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق فلا يجوز التفرق فيه قبل القبض كالصرف.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه يشترط قبض جميع الثمن. وصرح به الخرقي لأن ما اشترط قبضه في المجلس اشترط قبض كله كالصرف.

وأما كونه يشترط أن يكون معلوم الصفة والقدر على وجهٍ؛ فلأنه لا يمكن إتمامه في الحال ولا تسليم المعقود عليه ولا يؤمن من انفساخه فوجب معرفة رأس مال السلم صفة وقدراً كالقرض والشركة.

ولأنه لا يؤمن أن يظهر بعض الثمن مستحقاً فينفسخ العقد في قدره فلا يدري كما بقي وكم انفسخ.

فإن قيل: هذا موهوم والموهومات لا تعتبر؟

قيل: التوهم معتبر هاهنا لأن الأصل عدم الجواز وإنما جوز إذا أمن من الغرر ولم يؤمن هاهنا.

وأما كونه لا يشترط على وجهٍ؛ فلأنه عوض مشاهد فلم يحتج إلى معرفة ما ذكر.

(1) في هـ: أما كون السادس من الشروط.

ص: 538

قال: (وإن أسلم ثمناً واحداً في جنسين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس).

أما كون ما ذكر لا يجوز مع عدم بيان ثمن كل جنس؛ فلأن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول فلم يجز كما لو عقد عليه مفرداً بثمن مجهول.

ولأن فيه غرراً لأنه لا يؤمن الفسخ بتعذر أحدهما فلا يعرف ما يرجع به وهذا غرر يؤثر مثله في السلم.

وأما كونه يجوز مع البيان؛ فلأن المقتضي للمنع ما ذكر من الجهالة والغرر وكلاهما منتف فيما ذكر.

ص: 539

فصل [الشرط السابع]

قال المصنف رحمه الله: (السابع: أن يسلم في الذمة، فإن أسلم في عين لم يصح. ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية فيشترط ذكره ويكون الوفاء في مكان العقد، فإن شرط الوفاء فيه كان تأكيداً وإن شرطه في غيره صح. وعنه: لا يصح).

أما كون سابع الشروط (1) المتقدم ذكرها أن يسلم في الذمة؛ فلأن العين لا يؤمن تلفها فيتعذر تسليمها عند انقضاء الأجل.

ولأنه إذا لم يجز السلم في ثمرة بستان بعينه؛ فلأن لا يجوز في عين بطريق الأولى.

وأما كون السلم في عين لا يصح؛ فلأن شرطه أن يكون في الذمة لما تقدم وذلك مفقود في العين.

وأما كون ذكر مكان الإيفاء إذا كان موضع العقد مما يمكن الوفاء فيه كمدينة وقرية ونحوهما لا يشترط؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار فقال: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» (2) ولم يذكر مكان الإيفاء.

ولأنه عقد معاوضة فلا يشترط فيه ذكر مكان الإيفاء كبيوع الأعيان.

وأما كون ذكر مكان الوفاء إذا كان موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية ونحوها يشترط؛ فلأن الوفاء في موضع العقد متعذر وليس البعض أولى من البعض فوجب تعيينه بالقول كالمكيل والموزون.

(1) في هـ: أما كون السابع من الشروط.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 540

وأما كون الوفاء في مكان العقد في موضع لا يشترط ذكره؛ فلأنه عقد معاوضة أشبه البيع.

وأما كون شرط الوفاء في مكان العقد تأكيداً؛ فلأنه شرط ما هو مقتضى العقد فيكون مؤكداً له لأن ذلك يزيل اللبس.

وأما كونه إذا شرطه في مكان غيره يصح على المذهب فقياس على بيوع الأعيان ومكان العقد.

وأما كونه لا يصح على روايةٍ؛ فلأنه شرط خلاف مقتضى العقد لأن العقد يقتضي إيفاءه في مكانه فلم يصح كما لو شرط أن لا يسلمه.

قال: (ولا يصح بيع المسلَم فيه قبل قبضه، ولا هبته، ولا أخذ غيره مكانه، ولا الحوالة به).

أما كون بيع ما ذكر لا يصح فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه» (1). و «عن ربح ما لم يضمن» (2).

ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يصح بيعه قبل قبضه كالطعام قبل قبضه.

ويدخل في قول المصنف رحمه الله: ولا يصح بيع المسلَم فيه الشركة فيه والتولية فيه لأنهما بيع في الحقيقة لأن الشركة بيع لبعضه بقسطه من الثمن والتولية بيع لجميعه بجميع الثمن.

وأما كون هبته لا تصح؛ فلأنها نقل للملك قبل قبضه فلم يصح كالبيع.

وأما كون أخذ غيره مكانه لا يصح؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (3). رواه ابن ماجة.

ولأن أخذ العوض عن المسلم فيه بيع له فلم يصح كبيعه من غيره.

وأما كون الحوالة لا تصح؛ فلأن الحوالة إنما تصح على دين مستقر والسلم بعرضية الفسخ.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 541

ولأنه نقل للملك في المسلم فيه على غير وجه الفسخ فلم يصح كالبيع.

قال المصنف رحمه الله في المغني: ومعنى الحوالة به: أن يكون لرجل طعام من سلم وعليه مثل ذلك الطعام من قرض أو سلم آخر فيحيل بما عليه من الطعام على الذي له عنده السلم.

وإن أحال المسلم إليه المسلم بالذي عليه لم يصح أيضاً (1).

قال: (ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته بشرط أن يقبض عوضه في المجلس، ولا يجوز لغيره).

أما كون بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته يجوز؛ فلأن ابن عمر قال: «كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وهذه من هذه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة. فقلت: رويدك أسألك. إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وليس بينكما شيء» (2) رواه أبو داود والترمذي.

وأما قول المصنف رحمه الله: بشرط أن يقبض عوضه في المجلس فتنبيه على اشتراط قبض العوض في المجلس. والأصل فيه ما تقدم من الحديث.

ولأنه إذا لم يقبض صار بيع دين بدين وذلك لا يجوز لما تقدم.

(1) في هـ: وإن أحال المسلم إليه بالذي عليه أيضا لم يصح.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3354) 3: 250 كتاب البيوع، باب في اقتضاء الذهب من الورق.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1242) 3: 544 كتاب البيوع، باب ما جاء في الصرف.

وأخرجه النسائي في سننه (4582) 7: 281 كتاب البيوع، بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2626) 2: 760 كتاب البيوع، باب اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب.

وأخرجه أحمد في مسنده (5555) 2: 83.

ص: 542

وفي قوله: المستقر إشعار بأنه لا يجوز بيع غير المستقر لمن هو في ذمته كالسلم ونحوه وقد صرح به في المغني. ودليله ما مر من قوله عليه السلام: «من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (1).

وأما كون بيعه لغير من هو في ذمته لا يجوز؛ فلأنه غير قادر على تسليمه أشبه بيع الآبق.

قال: (وتجوز الإقالة في السلم، وتجوز في بعضه في إحدى الروايتين إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس الإقالة، وإن انفسخ العقد بإقالة أو غيرها لم يجز أن يأخذ عن الثمن عوضاً من غير جنسه).

أما كون الإقالة في السلم تجوز؛ فلأنها فسخ على الصحيح ورفع للعقد من أصله.

وأما كونها تجوز في البعض في روايةٍ؛ فلأن الإقالة مندوب إليها. وكل مندوب إليه جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء.

وأما كونها لا تجوز فيه في روايةٍ؛ فلأن السلَم يقل فيه الثمن من أجل التأجيل فإذا فسخ في البعض بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي فسخ فيه فلم يجز كما لو شرطه في ابتداء العقد.

وقول المصنف رحمه الله: إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس الإقالة مشعر بأنه لا تجوز الإقالة في البعض إذا لم يوجد قبض أحد الأمرين وهو صحيح صرح به أصحابنا.

ووجهه: أنه إذا لم يقبض أحد الأمرين يصير ذلك القدر ديناً على المسلم إليه وعليه بقدر السلم فيصير ذلك بمعنى البيع والسلف وهو منهي عنه.

وأما أخذ العوض عن ثمن ما انفسخ بإقالة أو غيرها من غير جنسه لا يجوز فلما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (2).

ولأن ما ذكر رأس مال السلم فلم يجز أخذ العوض عنه كالمسلم فيه.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 543

وقول المصنف رحمه الله: من غير جنسه فيه إشعار بأنه يجوز له الأخذ من جنسه لأنه إذا جاز له أخذ النوع عن النوع في السلم بشرط اتحاد الجنس؛ فلأن يجوز أخذ النوع عن نوع آخر برأس مال السلم بطريق الأولى.

قال: (وإن كان لرجل سَلَم وعليه سَلَم من جنسه فقال لغريمه: اقبض سلمي لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه، وهل يقع قبضه للآمر؟ على وجهين. وإن قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح. وإن قال: أنا أقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده فهل يجوز؟ على روايتين. وإن اكتاله ثم تركه في المكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما).

أما كون المسلِم لا يصح قبضه لنفسه فيما إذا قال له المسلم إليه: اقبض سلمي لنفسك؛ فلأنه لا يجوز قبضه لنفسه قبل قبض مالكه له.

وأما كون القبض يقع للآمر على وجهٍ؛ فلأنه أذن له في القبض أشبه قبض وكيله.

وأما كونه لا يقع له على وجهٍ؛ فلأنه لم يجعله نائباً عنه في القبض فلا يقع له بخلاف الوكيل. فعلى الأول يكون ملكاً للمسلم إليه لأنه إنما يزول ملكه عنه بقبض المسلم أو نائبه ولم يوجد.

وأما كون قبض المسلِم لنفسه يصح فيما إذا قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك؛ فلأنه وكله في قبضه فإذا قبضه لموكله وجب أن يصح لوجود الإذن وعدم المفسد وإذا صح أن يقبضه لموكله صح أن يقبضه لنفسه بعد ذلك كما لو كان له وديعة عند من له عليه دين فقال المدين له: اقبض حقك مما لي عندك.

وأما كونه إذا قال: أنا أقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده يجوز على روايةٍ؛ فلأنه قد شاهد كيله وعلمه فلا معنى لاعتبار كيله مرة ثانية.

وأما كونه لا يجوز على روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان» (1). وهذا داخل فيه.

ولأنه قبضه بغير كيل أشبه ما لو قبضه جزافاً.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 544

وأما كون القبض يصح لكل واحد من المدين ورب المال إذا اكتاله ثم تركه في المكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه؛ فلأن الأول قد اكتاله حقيقة والثاني حصل له استمرار الكيل واستمرار الكيل كيل كما أن استدامة اللبس والركوب لبس وركوب.

قال: (وإن قبض المسلم فيه جزافاً فالقول قوله في قدره، وإن قبضه كيلاً أو وزناً ثم ادعى غلطاً لم يقبل قوله في أحد الوجهين).

أما كون القول قول القابض في قدر المسلم فيه المقبوض جزافاً؛ فلأنه منكر، والقول قول المنكر.

وأما كونه لا يقبل قوله إذا قبضه كيلاً أو وزناً ثم ادعى غلطاً في وجهٍ؛ فلأنه ادعى خلاف الظاهر فلم يقبل قوله.

وأما كونه يقبل في وجهٍ؛ فلأن الأصل أنه لم يقبض غير ما ثبت بإقراره.

قال: (وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم فيه؟ على روايتين).

أما كون الرهن بالمسلم (1) فيه يجوز على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه -إلى قوله-: فرهان مقبوضة} [البقرة: 282]. وجه الحجة منه: أن ابن عباس وابن عمر قالا: المراد به السَّلَم.

ولأن اللفظ عام فيدخل فيه السلم.

ولأنه أحد نوعي البيع فجاز أخذ الرهن بما في الذمة منه كبيوع الأعيان؟

وأما كونه لا يجوز على روايةٍ؛ فلأن الرهن إن أُخذ برأس مال السلم فهو آخذ للرهن بما ليس بواجب ولا مآله إلى الوجوب، وإن أُخذ بالمسلم فيه فالرهن إنما يجوز بشيء يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن والمسلم فيه لا يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن.

ولأنه لا يؤمن هلاك الرهن في يده بعدوان فيصير مستوفياً لحقه من غير المسلم فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (2) رواه أبو داود.

(1) في هـ: المسلم.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 545

وأما كون الكفالة بالمسلم فيه تجوز على روايةٍ ولا تجوز على روايةٍ؛ فلأنها وثيقة أشبهت الرهن.

ص: 546