المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قسمة الغنائم - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌باب قسمة الغنائم

‌باب قسمة الغنائم

الغنائم: جمع غنيمة، وهي: مشتقة من الغنم والفضل.

والأصل فيها الكتاب والسنة.

أما الكتاب فقوله تعالى: {فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً} [الأنفال: 69].

وقولُه: {واعلموا أنما غنمتم

الآية} [الأنفال: 41].

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: «أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي. ذكر منها: وأحلت لي الغنائم» (1).

قال المصنف رحمه الله: (الغنيمة: كل مال أُخذ من المشركين قهراً بالقتال. وإن أُخذ منهم مالُ مسلمٍ فأدركه صاحبه قبل قَسمه فهو أحق به، وإن أدركه مقسوماً فهو أحق به بثمنه. وعنه: لا حق له فيه)

أما قول المصنف رحمه الله: "الغنيمة كل مال أخذ من المشركين قهراً بالقتال"؛ فبيان لمعنى الغنيمة شرعاً.

وأما كون المسلم أحق بماله المأخوذ من المشركين إذا أدركه قبل قسم المسلمين له؛ فلما روى ابن عمر «أن غلاماً له أبق إلى العدو، فظهر عليه المسلمون، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر، ولم يقسمه» (2).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (427) 1: 168 أبواب المساجد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» .

وأخرجه مسلم في صحيحه (521) 1: 370 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2903) 3: 1116 كتاب الجهاد والسير، باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم.

وأخرجه أبو داود في سننه (2698) 3: 64 كتاب الجهاد، باب في المال يصيبه العدو من المسلمين

ص: 304

وعنه قال: «ذهب له فرس، فأخذه العدو، فظهر عليه المسلمون فرده عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم» (1) رواهما البخاري وأبو داود.

وعن عمر رضي الله عنه: «من وجد عين ماله بعينه فهو أحق به ما لم يقسم» (2). رواه الأثرم.

وأما كونه إذا أدركه بعد قسمه أحق به بقيمته على روايةٍ؛ فلما روى ابن عباس «أن رجلاً وَجد بعيراً له كان المشركون أصابوه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصبته قبل القسمة فهو لك، وإن أصبته بعد ما قُسم أخذته بالقيمة» (3).

ولأنه لو أخذه بغير شيء لأدى إلى حرمان الآخذ حقه من الغنيمة، ولو لم يأخذه لأدى إلى ضياع حقه فالرجوع بشرط وزن القيمة فيه جمعاً بين الحقين.

وأما كونه لا حق له فيه على روايةٍ؛ فلما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ماله قبل أن يُقسم فهو له، وإن أدركه بعد أن قسم فليس له فيه شيء» (4).

قال: (وإن أخذه منهم أحد الرعية بثمنٍ فصاحبه أحق به بثمنه، وإن أخذه (5) بغير عوض فهو أحق به بغير شيءٍ).

أما كون صاحب المأخوذ بثمن أحقَّ به بثمنه؛ فلأن آخذه حصل ذلك في يده بثمنٍ فكان صاحبه أحق به بثمنه؛ كما لو أخذه واحد من المغنم بحقه فإن صاحبه أحق به بقيمته لما تقدم.

فإن قيل: الكلام هنا في الثمن وهناك في القيمة.

قيل: الثمن هنا نظير القيمة هناك.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2904) الموضع السابق.

وأخرجه أبو داود في سننه (2699) 3: 64 الموضع السابق.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2799) 2: 287 كتاب الجهاد، باب ما أحرزه المشركون من المسلمين ثم يفيئه الله على المسلمين.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9: 111 كتاب السير، باب من فرق بين وجوده قبل القسم وبين وجوده بعده

(4)

ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الأوسط وقال: فيه ياسين الزيات وهو ضعيف. 6: 2 كتاب الجهاد، باب فيمن غلب العدو على ماله ثم وجده.

(5)

في المقنع: أخذ.

ص: 305

وقال المصنف رحمه الله في الكافي: حكمه حكم المقسوم على ما تقدم من الخلاف.

ويؤيد عدم الأخذ ما روى الشعبي قال: «أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب فأصابوا سبايا. فكتب السائب بن الأقرع (1) إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم قد اشتراها التجار من أهل مكة. فكتب عمر: من أصاب رقيقه ومتاعه في أيدي التجار بعد ما اقتسم فلا سبيل إليه» (2) رواه سعيد بن منصور.

وأما كونه أحق به بغير شيء ممن أخذه بغير عوض فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ناقته التي استولى عليها الكفار من التي جاءت منهزمة عليها بغير شيء» (3). وسيأتي الحديث مفصلاً إن شاء الله تعالى.

والمراد بالأخذ بغير عوض الهبة والسرقة ونحوهما.

قال: (ويملك الكفارُ أموالَ المسلمين بالقهر. ذكره القاضي، وقال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد أنهم لا يملكونها).

أما كون الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر على قول القاضي فلأن القهر سبب يملك به المسلم مال الكافر فملك الكافر مال المسلم كالبيع.

وأما كونهم لا يملكونها على ما قاله أبو الخطاب فلأن ملك المسلم معصوم بخلاف الكافر.

واحتج بعض أصحابنا على ذلك بما روي «أن قوماً أغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقته وجاريةً من الأنصار فأقامت عندهم أياماً. ثم خرجت في بعض الليل. قالت: فما وضعت يدي على ناقة إلا رغت حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها. ثم توجهت إلى المدينة ونذرت إن نجاني الله عليها أن أنحرها. فلما قدمت المدينة استعرفت

(1) في هـ: الأكوع.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2803) 2: 288 كتاب الجهاد، باب ما أحرزه المشركون من المسلمين ثم يفيئه الله على المسلمين.

(3)

سيأتي ذكره وتخريجه في الحديث الآتي.

ص: 306

الناقة فإذا هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها. فقلت يا رسول الله! إني نذرت أن أنحرها. فقال: بئس ما جازيتها. لا نذر في معصية» (1).

وفي رواية: «لا نذر فيما لم يملك ابن آدم» (2).

ولا دلالة فيه لأن غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ناقته. والمسلم له أخذ ذلك سواء قيل بملك الكفار أموال المسلمين أو لا.

قال: (وما أخذ من دار الحرب من رِكاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة).

أما كون المأخوذ مما ذكر غنيمة؛ فلأنه مال حصل الاستيلاء عليه قهراً بالقتل فكان غنيمة أشبه سائر أموالهم.

وأما قول المصنف رحمه الله: من ركازٍ فلا بد أن يُلحظ فيه أن آخذه لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين؛ لأن ما قدَر عليه بنفسه يكون له. صرح به في المغني.

قال: (وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب، ويجوز قسمها فيها).

أما كون الغنيمة تملك بالاستيلاء عليها في دار الحرب؛ فلأنهما مال مباح فمُلكت بالاستيلاء عليها كسائر المباحات.

وأما كون قسمها يجوز فيها فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بني المصطلق على مياههم، وغنائم حنين بأوطاس وهو واد من حنين» .

ولأنهم مَلكوا الغنيمة بالاستيلاء فجاز قَسمها كما لو أحازوها إلى دار الإسلام.

قال: (وهي لمن شهد الوَقْعة من أهل القتال، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأُجَرَائِهم الذين يستعدون للقتال. فأما المريض العاجز عن القتال، والمخذل، والمرجف، والفرس الضعيف العجيف فلا حق له).

أما كون الغنيمة لمن شهد الوَقْعة من أهل القتال؛ فلأن عمر رضي الله عنه قال: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» (3) رواه سعيد بن منصور.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1641) 3: 1262 كتاب النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله

وأخرجه أبو داود في سننه (3316) 3: 239 كتاب الأيمان والنذور، باب في النذر فيما لا يملك.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3313) 3: 238 كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 68 كتاب الإيمان، باب من نذر نذراً في معصية الله.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2791) 2: 285 كتاب الجهاد، باب ما جاء فيمن يأتي بعد الفتح.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9: 50 كتاب السير، باب الغنيمة لمن شهد الوقعة.

وأخرجه الطبراني في الكبير (8203) 8: 385، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: ورجاله رجال الصحيح. 5: 340.

ص: 307

وروى مثل ذلك عن عثمان في غزوة أرمينية.

وأما كون من لم يقاتل من تجار العسكر وأُجَرائهم الذين يستعدون للقتال كمن قاتل في الغنيمة؛ فلأن من لم يُقاتل شهد الوقعة فيدخل في قول عمر رضي الله عنه: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» .

ولأنه -إذا لم يقاتل- ردء للمقاتل.

ولأنه مستعد للقتال أشبه المقاتل.

وأما كون المريض العاجز عن القتال لا حق له في الغنيمة؛ فلأنه ليس من أهل الجهاد أشبه العبد.

وقول المصنف رحمه الله: العاجز عن القتال فيه تنبيه على أن المرض إذا لم يمنع من القتال كالصداع والحمى لا يُسقط السهم. وصرح به في المغني؛ لأنه من أهل الجهاد فلم يسقط كالصحيح.

وأما كون المخذل والمرجف لا حق لهما في ذلك فلأن ضررهما أكثر من نفعهما.

وأما كون الفرس الضعيف العجيف لا حق له فلأنه لا نفع فيه.

ولأن الإمام يملك منعه من الدخول معه فلم يُسهم له كالمخذل والمرجف.

قال: (وإذا لحق مدد، أو هرب أسير فأدركوا الحرب قبل تَقَضّيه أُسهم لهم، وإن جاؤا بعد إحراز الغنيمة فلا شيء).

أما كون من ذكر يسهم لهم إذا أدركوا الحرب قبل تَقَضّيها؛ فلأنهم شهدوا الوقعة فدخلوا في قول عمر: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» (1).

وأما كونهم لا شيء لهم إذا جاؤا بعد إحراز الغنيمة؛ فلما روى أبو هريرة «أن أبان بن سعد وأصحابه قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها. فقال أبان: اقسم لنا

يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان. ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2) رواه أبو داود.

(1) سبق تخريجه قريباً.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2723) 3: 73 كتاب الجهاد، باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له.

ص: 308

ولأنهم لم يشهدوا الوقعة. أشبهوا من جاء بعد القسمة.

قال: (وإذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب فدفعها إلى أهلها، ثم أخرج أجرة الذين جمعوا الغنيمة وحملوها وحفظوها).

أما كون الأمير إذا أراد القسمة يبدأ بالأسلاب فيدفعها إلى أهلها فلأن القاتل يستحقها غير مخموسة لما تقدم.

وأما كونه يخرج أجرة من ذكر بعد ذلك فلأنها من مصلحة الغنيمة.

قال: (ثم يخمس الباقي فيقسم خمسه على أهل الخمس خمسة أسهم: سهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم يصرف مصرف الفيء، وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا، للذكر مثل حظ الأنثيين، غنيهم وفقيرهم فيه سواء، وسهم لليتامى الفقراء، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل من المسلمين).

أما كون الأمير يُخَمّس باقي الغنيمة ويقسمه على خمسة أسهم؛ فلقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكيِن وابن السبيل} [الأنفال: 41].

فإن قيل: ينبغي أن يكون مقسوماً على ستة نظراً إلى ظاهر اللفظ.

قيل: عنه جوابان:

أحدهما: أن يكون لله وللرسول بمعنى الرسول كقوله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [التوبة: 62].

والثاني: أنه إنما أضيف إلى الله والرسول ليُعلم أن جهته جهة مصلحة وأنه ليس مختصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وأما كون سهم الله ورسوله ينصرف مصرف الفيء الآتي ذكره في موضعه (1)؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لي من الفيء إلا الخمس، وهو مردود عليكم» (2). ولا يكون مردوداً علينا إلا إذا صُرف في مصالحنا.

(1) ص: 328.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2694) 3: 63 كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال.

ص: 309

وأما كون سهمٍ لذوي القربى؛ فلما تقدم من قوله تعالى: {ولذي القربى} [الأنفال: 41].

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم» (1). وهو ثابت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تمسكاً بظاهر لفظ الآية، وبإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يأت ناسخ ولا مغيّر.

وأما كون ذوي القربى هم بنو هاشم وبنو المطلب أبناء عبد مناف دون غيرهم؛ فلما روى جبير بن مطعم قال: «لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب: أتيت أنا وعثمانُ بن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا: يا رسول الله! أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا. فقال: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. وشبّك بين أصابعه» (2).

وفي رواية: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» (3).

وأما كونهم لهم ذلك حيث كانوا؛ فلأنه مستحق بالقرابة فوجب كونه لهم حيث كانوا كالميراث.

وأما كون ذكرهم له مثل حظ الأنثيين؛ فلأنه مال مأخوذ بالقرابة فكان للذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث.

وأما كون غنيهم وفقيرهم فيه سواء؛ فلما ذكر.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص فقراء قرابته بل أعطى الغني كالعباس وغيره.

ولأن شرط الفقر ينافي ظاهر الآية.

ولأنه يؤخذ بالقرابة فاستوى فيه الغني والفقير كالإرث.

وأما كون سهمٍ لليتامى؛ فلما تقدم من قوله تعالى: {واليتامى} [الأنفال: 41].

(1) كما سيأتي في الحديث التالي.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (3311) 3: 1290 كتاب المناقب، باب مناقب قريش.

وأخرجه أحمد في مسنده (16787) 4: 81.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 341 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب سهم ذي القربى من الخمس.

ص: 310

واليتامى هم الذين لا آباء لهم ولم يبلغوا الحلم.

أما كونهم لا آباء لهم فلأن اليتيم لغة من أب له.

وأما كونهم لم يبلغوا الحلم فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتم بعد احتلام» (1).

واشترط المصنف رحمه الله فقرهم؛ لأن اسم اليتيم يطلق في العرف للرحمة، ومن أعطي لذلك اعتبرت فيه الحاجة.

فإن قيل: اسم اليتيم شامل لهما فوجب دخول كل يتيم في الآية لشمول اللفظ له كذوي القربى.

قيل: ذوي القربى استحقوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكرمة لهم بخلاف اليتامى فإنهم استحقوا للرحمة فوجب اعتبار الغنى فيهم.

ويجب تعميم سهمهم أيضاً كما ذكر في ذوي القربى.

وأما كون سهمٍ للمساكين؛ فلما تقدم من قوله تعالى: {والمساكين} [الأنفال: 41].

ويدخل فيهم الفقراء؛ لأنهما صنف واحد في غير باب الزكاة. ويجب تعميمهم أيضاً.

وأما كون سهمٍ لابن السبيل؛ فلما تقدم من قوله تعالى: {وابن السبيل} [الأنفال: 41].

وابن السبيل هو: المسافر المنقطع به. وقد ذكر في الزكاة. ويعطى بقدر حاجته؛ لأن دفعه إليه لأجل الحاجة فأعطي بقدرها.

واشترط المصنف رحمه الله: أن يكون من المسلمين لأن الكافر لا مدخل له في الجهاد فكذا في الغنيمة.

قال: (ثم يعطى النفل بعد ذلك، ويُرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد، والنساء والصبيان. وفي الكافر روايتان: إحداهما: يرضخ له، والأخرى: يُسهم له).

أما كون الأمير يعطي النفل فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي ذلك.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2873) 3: 115 كتاب الوصايا، باب ما جاء متى ينقطع اليتم.

ص: 311

وأما كون النفل بعد الخمس وهو المعني بقول المصنف رحمه الله: بعد ذلك. فلما روى معن بن يزيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس» (1) رواه أبو داود.

ولأنه مال يُستحق بالتحريض على القتال فكان من أربعة أخماس الغنيمة كسهم الفارس والراجل.

وأما كونه يُرضخ لمن لا سهم له؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرضخ.

وأما كون الرضخ بعد الخمس فلأنه استُحق بحضور الوَقْعة فكان بعد الخمس كسهام الغانمين.

وفيه وجه: أنه من أصل الغنيمة.

ولأنه استحق للمعاونة في تحصيل الغنيمة أشبه أجرة الجمل.

وأما كون من يُرضخ لهم، هم: العبيد والنساء والصبيان: أما العبيد فلما روى عمير مولى آبي اللحم قال: «شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُخبر أني مملوك. فأمر لي بشيء مِن خُرْثِيِّ المتاع» (2) رواه أبو داود. واحتج به أحمد.

و«لأن نجدة سأل ابن عباس عن المرأة والمملوك. فقال: يُحذيان وليس لهما شيء» (3) رواه سعيد.

وأما كون النساء فلأن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويُحْذَيْنَ من الغنيمة وأما سهم فلم يضرب لهن» (4) رواه مسلم.

وأما الصبيان فلما روي عن سعيد بن المسيب قال: «كان الصبيان يُحْذَوْن من الغنيمة إذا حضروا الغزو» .

وأما كون الكافر يُرضخ له في رواية؛ فلأنه من غير أهل الجهاد فرضخ له كالعبيد.

وأما كونه يُسهم له في روايةٍ؛ فلأنه حر أشبه المسلم. وهذه أصح؛ لما ذكر.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2753) 3: 81 كتاب الجهاد، باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2730) 3: 75 كتاب الجهاد، باب في المرأة والعبد يُحْذيان من الغنمة.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2782) 2: 283 كتاب الجهاد، باب العبد والمرأة يحضران الفتح.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (1812) 3: 1444 كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم

ص: 312

ولما روى الزهري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم» (1) رواه سعيد في سننه.

وروي «أن صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وهو على شركه، فأسهم له» .

ولأن الكفر نقصٌ في الدين فلم يمنع استحقاق السهم كالفسق. وبهذا فارق الرقيق فإن نقصانه في دنياه وأحكامه.

قال: (ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل، ولا للفارس سهم فارس. فإن تغيّر حالهم قبل تَقَضّي الحرب أسهم لهم. وإن غزا العبد على فرس لسيده قسم للفرس ورضخ للعبد).

أما كون الرضخ لا يبلغ به ما ذكر فلأن السهم أكملُ من الرضخ فلم يبلغ بالرضخ ذلك؛ كما لا يبلغ التعزير الحد.

وأما كون من تغيّر حاله قبل تَقَضّي الحرب يُسهم له فلأنه إنما لم يُسهم لمن لم يتغير حالهم لما فيهم من الموانع فإذا زالت وجب زوال المنع من الإعطاء.

وأما كون الفرس يسهم له فلما سيأتي.

وأما كون العبد يرضخ له فلما تقدم.

قال: (ثم يقسم باقي الغنيمة: للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه، إلا أن يكون فرسه هجيناً أو برذوناً فيكون له سهم، وعنه: له سهمان كالعربي).

أما كون باقي الغنيمة يقسم لمن ذكر فلما يأتي. وفيه إشعار بأن باقي الغنيمة لمن ذكر ممن شهد الوقعة. وهو صحيح؛ لأن الله تعالى لما قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [الأنفال: 41] فُهم منه أن أربعة الأخماس لهم لأنه أضافها إليهم ثم أخذ منها سهماً لغيرهم بقي باقيها لهم؛ كقوله سبحانه: {وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء: 11].

(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2790) 2: 284 كتاب الجهاد، باب ما جاء في سهمان النساء.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص: 167 كتاب الجاهد، باب ما جاء في الجهاد.

ص: 313

وقال عمر: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» (1).

فإذا أخرج الأمير السلب والأجرة والنفل والرضخ لما تقدم من الدليل وجب بقاء الباقي لمن شهد لما ذكر قبل.

وأما كون الراجل له سهم، والفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه فلأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه وسهم له» (2) متفق عليه.

وعن خالد الحذاء قال: «لا يُختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم هكذا: للفرس سهمين ولصاحبه سهما، وللراجل سهماً» (3).

وأما كون الهجين وهو الذي أبوه عربي وأمه غير عربية، والبِرْذَوْن وهو الذي أبواه غير عربيين له سهم على رواية فلما روى أبو الأقمر قال:«أغارت الخيل على الشام فأدركت العراب من يومها وأدركت الكوادن (4) ضحى الغد، وعلى الخيل رجل من همدان يقال له المنذر بن أبي حميصة. فقال: لا أجعل الذي أدركت من يومها مثل التي لم تدرك. فقال عمر: هبلت الوادعيَّ أمه أمضوها على ما قال» (5) أخرجه سعيد.

وروي أنه كتب إلى عمر: «إنا وجدنا بالعراق خيلاً عراضاً فما ترى في سهمانها؟ فكتب عمر: تلك البراذين فما قارب العناق فاجعل له سهماً واحداً وألق ما سوى ذلك» .

وعن مكحول «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس العربي سهمين، والهجين سهماً» (6) رواه الجوزجاني.

(1) سبق تخريجه ص: 307.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (3988) 4: 1545 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1762) 3: 1383 كتاب الجهاد، باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 327 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في سهم الراجل والفارس.

(4)

هو البرذون الهجين.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2772) 2: 280 كتاب الجهاد، باب ما جاء في تفضيل الخيل على البراذين.

(6)

أخرجه أبو داود في المراسيل ص: 170 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الجهاد.

ص: 314

وأما كون ذلك له سهمان كالعربي على رواية فلشمول اسم الفرس له.

ولأنه حيوان ذو سهم فاستوى العربي وغيره كالرجال.

والأولى أصح؛ لما تقدم.

ولم يبين المصنف المقرف، وهو: الذي أبوه غير عربي وأمه عربية. وحكمه حكم الهجين؛ لمساواته له.

قال: (ولا يسهم لأكثر من فرسين، ولا يسهم لغير الخيل. وقال الخرقي: من غزا على بعير لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان).

أما كونه لا يسهم لأكثر من فرسين فلأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لذلك.

وأما كونه لا يسهم لغير الخيل على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لغير الخيل» .

ولأن غير الخيل لا يُلحق بالخيل في التأثير في الحرب والكر والفر فلم يلحق بها في السهم.

وأما كونه يسهم على قول الخرقي فلأن الله تعالى قال: {فما أَوْجَفْتُم عليه من خيلٍ ولا رِكاب} [الحشر: 6] والركاب الإبل.

ولأنه حيوان تجوز المسابقة عليه فيسهم له كالفرس.

وأما كونه لا يزاد على سهم فلأنه دون البرذون.

قال: (ومن دخل دار الحرب راجلاً ثم ملك فرساً أو استعاره أو استأجره وشهد به الوقعة فله سهم فارس. فإن دخل فارساً فنفق فرسه أو شرد حتى تَقَضّي الحرب فله سهم راجل. ومن غصب فرساً فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه).

أما كون من دخل دار الحرب راجلاً ثم ملك فرساً وشهد به الوقعة له سهم فارس، ومن دخل فارساً فنفق فرسه أو شرد حتى تَقَضّي الحرب له سهم راجل فلأن العبرة باستحقاق سهم الفرس أن يشهد به الوقعة لا أن يدخل دار الحرب فارساً؛ لأن الفرس حيوان يسهم له فاعتبر وجوده حالة القتال كالآدمي.

ويعضده قول عمر: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» (1).

(1) سبق تخريجه ص: 307.

ص: 315

ولأنها الحال التي يحصل فيها الاستيلاء الذي هو سبب الملك بخلاف ما قبل ذلك.

وأما قول المصنف رحمه الله: واستعاره أو استأجره فتنبيه على أن العبرة بملك منفعة الفرس سواء كان مملوك الرقبة أو لا؛ لأن السهم لنفع الفرس لا لذاته بدليل أنه لا يسهم للضعيف والزمن ونحوه والرقبة موجودة فيهما. ومعنى نفق فرسه مات.

وأما كون سهم الفرس المغصوب لمالكه فلأن استحقاق سهم الفرس مرتب على نفعه وهو لمالكه.

قال: (وإذا قال الإمام: من أخذ شيئاً فهو له، أو فَضّل بعض الغانمين على بعض لم يجز في إحدى الروايتين، ويجوز في الأخرى).

أما كون الإمام إذا قال: من أخذ شيئاً فهو له ونحو ذلك لا يجوز في روايةٍ فلما فيه من المحذور الآتي ذكره.

وأما كونه يجوز في رواية فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «من أخذ شيئاً فهو له» (1).

ولأنهم غزوا على ذلك ورضوا به.

والرواية الأولى أصح؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم والخلفاء بعده» .

ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال، وظفرِ العدو بهم فلا يجوز.

وقضية بدر منسوخة بقوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1].

وأما كونه إذا فضّل بعض الغانمين على بعض لا يجوز في روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً» (2).

ولأنهم اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية فتجب التسوية بينهم كسائر الشركاء.

وأما كونه يجوز في روايةٍ فلأن الإمام يجوز له أن ينفل ويعطي السلب فجاز أن يفضل بعضهم على بعض قياساً عليهما.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 316 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب الوجه الثالث من النفل.

(2)

أخرجه الدارمي في سننه (2469) 2: 156 كتاب السير، باب في سهمان الخيل.

ص: 316

قال: (ومن استؤجر للجهاد ممن لا يلزمه من العبيد والكفار فليس له إلا الأجرة. ومن مات بعد انقضاء الحرب فسهمه لوارثه. ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت، ويشاركونه فيما غنم).

أما كون من استؤجر للجهاد ممن ذكر ليس له إلا الأجرة فلأن غزوه بعوض فكأنه واقع من غيره فلا يستحق شيئاً.

وروى يعلى بن أمية قال: «أذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيراً يكفيني وأُجْري له سهمَه فوجدت رجلاً، فلما دنا الرحيل قال: ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي فسمّ لي شيئاً كان السهم أو لم يكن. فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمته أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره. فقال: ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى» (1) رواه أبو داود.

وقول المصنف رحمه: ممن لا يلزمه يحترز به عمن يلزمه كالأحرار المسلمين فإن في صحة استئجارهم خلافاً.

قال القاضي في قول أحمد رحمه الله: إذا استأجر الأمير قوماً يغزون هذا محمول على من لا تجب عليه لأن الغزو يتعين عليه بحضوره ومن تعين عليه أمرٌ لم يجز أن يفعله عن غيره كالحج.

وقال المصنف في المغني: يحتمل أن يحمل كلام أحمد على ظاهره في صحة الاستئجار على الغزو ولمن تتعين عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي» (2) رواه أبو داود.

وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل الذين يَغزون من أمتي ويأخذون الجُعْلَ يتقوَّوْن به على عدوهم مثلُ أمّ موسى ترضع ولدها وتأخذُ أجرها» (3) رواه سعيد بن منصور.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2527) 3: 17 كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو بأجير ليخدم.

وأخرجه أحمد في مسنده (17497) ط إحياء التراث.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2526) 3: 16 كتاب الجهاد، باب الرخصة في أخذ الجعائل.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2361) 2: 141 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الرجل يغزو بالجعل. وأخرجه أبو داود في المراسيل ص: 182 كتاب الجهاد، باب في فضل الجهاد. من حديث جبير بن نفير.

ص: 317

ولأنه أمر لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة.

فعلى القول بصحة الإجارة لا سهم له على ظاهر كلام الإمام أحمد؛ لما ذكر فيمن لا يلزمه.

ويحتمل أن يسهم له. اختاره الخلال لما تقدم من الحديثين قبل.

وعلى القول بالفساد يرد الأجرة إن كان أخذها وله سهمه لأن غزوه بغير عوض.

وأما كون وارث من مات بعد انقضاء الحرب يستحق سهمه فلأنه مات بعد أن ملكت الغنيمة فكان سهمه لوارثه؛ لقوله عليه السلام: «من ترك حقاً فلورثته» (1).

وأما كون الجيش يشارك سراياه فيما غنمت وكونها تشاركه فيما غنم فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين هزم هوازن أَسْرَى قِبل أَوْطاس سرية فقسم الغنائم بين الجميع» .

ولأن الجيش جيش واحد فلم يختص بعضهم بالغنيمة كأحد جانبي الجيش.

وشرط هذه المشاركة أن يكون الجيش قاصداً للعدو فإن كان مقيماً في البلد ومضت السرايا فلكل سرية غنيمتها «لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث السرايا من المدينة ولم يشاركها أهل المدينة فيما غنمت» .

قال: (وإذا قسمت الغنيمة في أرض الحرب فتبايعوها ثم غلب عليها العدو فهي من مال المشتري في إحدى الروايتين. اختارها الخلاّل وصاحبه. والأخرى من مال البائع. اختارها الخرقي).

أما كون ما بيع من ذلك من مال المشتري في الصحيح من المذهب فلأنه مال مقبوض أبيح لمشتريه التصرف فيه فكان من ضمانه كما لو اشتراه في دار الإسلام.

وأما كونه من مال البائع في روايةٍ فلأنه لم يكمُل قبضه لكونه في خطر قهر العدو فلم يضمنه المشتري كالثمر في الشجر.

وشرط كونه من مال البائع أن يكون الأخذ بغير تفريط من المشتري. فإن أخذه بتفريطه كخروجه من العسكر فهو من ضمان المشتري لأنه ذهب بتفريطه؛ أشبه ما لو أتلفه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (22676) 2: 844 كتاب الاستقراض

، باب الصلاة على من ترك ديناً. بلفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك مالاً فلورثته

».

وأخرجه مسلم في صحيحه (1619) 3: 1237 كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته. بنحوه.

ص: 318

قال: (ومن وطئ جاريةً من المغنم أو ممن له فيها حق: أُدِّب ولم يبلغ به الحد. إلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها، وتصير أم ولد له، والولد حر ثابت النسب).

أما كون الواطئ المذكور يؤدب فلأن وطئه حرام لأنه في ملكٍ مشترك.

وأما كون التأديب لا يُبلغ به الحد فلأن له فيه ملكاً أو شبه ملك وذلك يدرأ الحد.

وأما كون الواطئ عليه مهر الجارية فلأنها ليست مملوكة أشبه ما لو وطئ أمة الغير.

فإن قيل: هي مشتركة بينه وبين بقية الغانمين فيجب أن لا يكون عليه جميع المهر كما لو وطئ أمة مشتركة.

قيل: هو كذلك لكن لما كان مقدار حقه يعسر العلم به مع أنه لا ضرر عليه لكون المهر يوضع في الغنيمة فيعود حقه إليه لم يعتبر ذلك.

وأما كونه عليه قيمة الجارية إذا ولدت منه فلأنها تصير أم ولد له كما سيأتي فتجب عليه قيمتها لأنه فوّتها على الغانمين.

وأما كونها تصير أم ولد له فلأنه وطء يلحق به النسب لشبهة الملك فصارت أم ولد له أشبه وطء جارية ابنه.

وأما كون الولد حراً فلأنه من وطءٍ في ملك أو شبه ملك.

وأما كونه ثابت النسب فلأنه وطءٌ سقط فيه الحد لشبهة الملك؛ أشبه ما لو كانت ملكه.

ولأنه وطءٌ له فيه شبهة أشبه ما لو وطئ امرأة ظنها زوجته.

قال: (ومن أعتق منهم عبداً عتق عليه قدر حقه، وقُوّم عليه باقيه إن كان موسراً. وكذلك إن كان فيهم من يعتق عليه).

أما كون من ذكر يعتق عليه قدر حقه فلأنه عتقٌ من مالك، وذلك يوجب العتق.

وأما كونه يقوم باقيه عليه إن كان موسراً فلأن العتق من الموسر موجب لذلك لما سيأتي في باب العتق.

وأما قول المصنف رحمه الله: وكذلك إن كان فيهم من يعتق عليه فتسوية لهذه الصورة بما ذكر قبل فيما ذكر. وهو صحيح لأن ملك من يعتق عليه بمنزلة إعتاقه له.

ص: 319

وظاهر كلام المصنف رحمه الله: أنه إذا أعتق بعض الغانمين أحداً من المغنم أو كان فيهم [من يعتق عليه](1) عتق قدر نصيبه سواء كان المعتق رجلاً أو امرأة أو صبياً. وقد صرح في المغني بأن الغانم إذا أعتق رجلاً من المغنم لم يعتق لأن الأسير لا يصير رقيقاً إلا باسترقاق الإمام واختاره. فعلى هذا يحمل كلام المصنف رحمه الله على من يصير رقيقاً بنفس السبي كالنساء والصبيان.

قال: (والغالّ من الغنيمة يحرق رَحْلُه كلُّه إلا المصحف والسلاح والحيوان).

أما كون الغالّ من الغنيمة. وهو: الذي يكتم ما أخذه من الغنيمة ولا يطلع الإمام عليه ولا يضعه مع الغنيمة. يحرق رحله كله غير (2) سلاحه ومصحفه وحيوانه فلما روى صالح بن محمد قال: دخلت مع سلمة أرض الروم فأُتي برجل قد غلّ فسأل سالماً عنه. فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرجل قد غلّ فاحرقوا متاعه واضربوه. قال: فوجدنا في متاعه مصحفاً. فسأل سالماً عنه. فقال: بعه وتصدق بثمنه» (3) رواه أبو داود والأثرم.

وأما كونه لا يحرق سلاحه فلأن الحاجة تدعو إليه.

وأما كونه لا يحرق مصحفه فلأنه مذكور في حديث صالح.

ولأن له حرمة.

وأما كونه لا يحرق حيوانه فلأن له حرمة في نفسه.

ولأنه لا يدخل في اسم المتاع.

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعذب بالنار» (4).

قال: (وما أُخذ من الفدية، أو أهداه الكفار لأمير الجيش، أو بعض قواده: فهو غنيمة).

أما كون ما أُخذ من الفدية غنيمة فلأنه عوض عما هو غنيمة فكان غنيمة لأن حكم العوَض حكم المعوّض.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: غير ما.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2713) 3: 69 كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (5268) 4: 367 كتاب الأدب، باب في قتل الذر.

ص: 320

وأما كون ما أهداه الكفار لأمير الجيش أو بعض قواده غنيمة فلأنه يغلب على الظن إنما فعلوا ذلك خوفاً من المسلمين؛ أشبه ما أُخذ بالقتل.

وشرط المصنف رحمه الله في الكافي أن يكون الهدية في دار الحرب. فإن كانت في دار الإسلام فهي لمن أهديت له؛ لأنه مال تبرع له به من غير خوف أشبه هدية المسلم.

ص: 321