المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب السبق قال المصنف رحمه الله: (تجوز المسابقة على الدوابّ، والأقدام، - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌ ‌باب السبق قال المصنف رحمه الله: (تجوز المسابقة على الدوابّ، والأقدام،

‌باب السبق

قال المصنف رحمه الله: (تجوز المسابقة على الدوابّ، والأقدام، وسائر الحيوانات، والسفن، والمزاريق، وغيرها).

أما كون المسابقة على الدواب تجوز؛ فبالسنة والإجماع: أما السنة؛ فما روى ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم سابقَ بين الخيلِ المضمرةِ من الحفياءِ إلى ثَنيةِ الوداعِ، وبين التي لم تُضمّر من ثنيةِ الوداعِ إلى مسجدِ بني زريق» (1). متفق عليه.

قال موسى بن عقبة: من الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة.

وقال سفيان: من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل.

وأما الإجماع فأجمعت الأمة في الجملة على جواز المسابقة.

وأما كونها على الأقدام تجوز؛ فلما روي عنه عليه السلام «أنه كانَ في سفرٍ معه عائشة فسابقَها على رجلها فَسبقتهُ. قالت: فلما حملتُ اللحمَ سابقْتُهُ فسبقني. فقال: هذه بِتلك» (2). رواه أبو داود.

وأما كونها في باقي الصور تجوز؛ فبالقياس على المنصوص.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2715) 3: 1053 كتاب الجهاد والسير، باب غاية السبق للخيل المضمرة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1870) 3: 1492 كتاب الإمارة، باب المسابقة بين الخيل وتضميرها.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2578) 3: 29 كتاب الجهاد، باب في السبق على الرجل.

وأخرجه أحمد في مسنده (24164) 6: 39.

ص: 786

قال: (ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام بشروط خمسة:

أحدها: تعيين المركوب والرماة. سواء كانا اثنين أو جماعتين. ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين).

أما كون المسابقة بعوض لا تجوز إلا فيما ذكر؛ فلما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا سَبَقَ إلا في نصْلٍ أو خُفٍ أو حَافِرٍ» (1). رواه أبو داود.

ولأن المعنى يقتضي اختصاص ذلك بالعوض لأنه من آلات الحرب (2) المأمور بتعلمها وإحكامها قال الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [الأنفال: 60].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا! إن القوة الرمي، ألا! إن القوة الرمي» (3).

وأما كون ما ذكر لا يجوز إلا بشروط خمسة؛ فلما يأتي ذكره في مواضعها.

وأما كون تعيين المركوب والرماة أحد الشروط المذكورة؛ فلأن الغرض معرفة الحذق في ذلك، ولا يحصل ذلك مع الإبهام.

وأما كون ذلك كذا سواء كانا اثنين أو جماعتين فلاشتراك الصورتين في المعنى.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2574) 3: 29 كتاب الجهاد، باب في السبق.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1700) 4: 205 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الرهان والسبق. قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه النسائي في سننه (3589) 6: 227 كتاب الخيل، باب السبق.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2878) 2: 960 كتاب الجهاد، باب السبق والرهان. قلت: ولم يذكر ابن ماجة «أو نصل» وإسناده حسن.

وأخرجه أحمد في مسنده (10142) 2: 474.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1917) 3: 1522 كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه

وأخرجه أبو داود في سننه (2514) 3: 13 كتاب الجهاد، باب في الرمي.

وأخرجه الترمذي في جامعه (3083) 5: 270 كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنفال.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2813) 2: 940 كتاب الجهاد، باب الرمي في سبيل الله.

ص: 787

وأما كونه لا يشترط تعيين الراكبين والقوسين؛ فلأن الغرض معرفة حذق الفرس والرامي، لا معرفة الراكب والقوس لأنهما آلة المقصود، فلم يعتبر معرفتها؛ كسرج الدابة.

قال: (الثاني: أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد. فلا يجوز بين عربي وهجين، ولا قوس عربي وفارسي. ويحتمل الجواز).

أما كون الثاني من الشروط المذكورة: أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد؛ فلأن النوعين يتفاوتان عادة فلم تصح المسابقة عليهما؛ كالمسابقة على بعير وفرس.

وأما كونه يحتمل الجواز؛ فلأنه قد يسبق كل واحد منهما الآخر، والتفاوت بينهما قريب لاتفاق الجنس. وذكر المصنف هذا الاحتمال للقاضي.

قال: (الثالث: تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما جرت به العادة).

أما كون الثالث من الشروط: تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي؛ فلأن الغرض معرفة الأسبق، ولا يحصل إلا بذلك.

ولأن أحدهما قد يكون مقصراً في أول عدوه سريعاً في انتهائه وبعكس ذلك، فلا بد من ضبط ذلك بما ذكر ليحصل العلم بالمقصود.

وأما كون التحديد المذكور بما جرت به العادة؛ فلأن الزائد على ذلك قد يؤدي إلى عدم العلم بالسابق لبعد المسافة.

قال: (الرابع: كون العوض معلوماً).

أما كون الرابع من الشروط المذكورة: أن يكون العوض معلوماً؛ فلأنه مال في عقد فاشترط العلم به؛ كسائر العقود.

وأما ما يحصل العلم به: فبالمشاهدة، وبالقدر، وبالصفة لأن ذلك محصل للعلم بثمن المبيع فكذا هاهنا.

قال: (الخامس: الخروج عن شبه القمار؛ بأن لا يخرج جميعهم. فإن كان الجُعل من الإمام، أو أحدٍ غيرهما، أو من أحدهما على أن من سبق أخذه جاز. فإن جاءا معاً

ص: 788

فلا شيء لهما. وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئاً. وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه).

أما كون الخامس من الشروط المذكورة: الخروج عن شبه القمار؛ فلأن القمار محرم وشبه القمار مثله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:«منْ أدخلَ فَرساً بين فَرسينِ وقدَ أمنَ أن يَسبقَ فهوَ قِمَار» (1).

وأما كون الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج جميعهم؛ فلأن الجميع إذا لم يخرجوا بقي من لم يخرج سالماً من الغرم، والمقامر لا يخلو منه أو من الغنم.

وأما كون الجعل يجوز من الإمام؛ فلأن في ذلك حثاً على إحكام الرمي، وفي ذلك مصلحة للمسلمين.

وأما كونه يجوز من أحدٍ غيرهما؛ فلأنه بدل مال في مصلحة المسلمين، وفيه تحصيل مقصود الرمي لما ذكر قبل فصح كونه من غيرهما كما لو كان من أحدهما.

وأما كونه يجوز من أحدهما؛ فلأنه إذا جاز كونه من غيرهما؛ فلأن يجوز من أحدهما بطريق الأولى.

وأما قول المصنف رحمه الله: على أن من سبق أخذه فمتعلق بالجعل من الإمام، أو أحد غيرهما، أو من أحدهما، وبيان لصفة الجُعْل، وتنبيه على أن الجُعل لو جعل منهما جميعاً لم يجز.

وأما كونه لا شيء لهما إذا جاءا معاً؛ فلأنه لا سابق فيهما.

وأما كون المخرج يحرز سبق نفسه إذا سبق؛ فلأن صاحبه لم يسبق فلم يستحق شيئاً.

وأما كونه لا يأخذ من الآخر شيئاً؛ فلأنه لم يشترط للسابق عليه شيئاً.

وأما كون الآخر يحرز سبق (2) صاحبه إذا سبقه؛ فلأنه سبقه فملك المال الذي جعل عوضاً في العقد الصحيح كالعوض المجعول في رد الضالة والآبق.

(1) سيأتي تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

ساقط من هـ.

ص: 789

قال: (فإن أخرجا معاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما (1) أو رميه رمييهما، فإن سبقهما أحرز سبقهما وإن سبقاه أحرزا سبقيهما ولم يأخذا منه شيئاً، وإن سبق أحدهما أحرز السبقين فإن سبق معه المحلل فسبق الآخر بينهما).

أما كون المسابقة لا تجوز إذا أخرج المتسابقان ولم يدخلا بينهما محللاً؛ فلما تقدم من أنه لا يجوز كون الجعل من جميع المتسابقين.

وأما كونها تجوز إذا أدخلا بينهما محللاً؛ فلأنه إدخاله يخرج الرمي عن شبه القمار لأنه لا يخرج مع المتسابقين فلم يوجد الإخراج من الجميع.

وأما قول المصنف رحمه الله: يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فبيان لاشتراط المكافأ في المركوب والرمي والأصل فيها ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدخل فَرساً بين فَرسين وهو لا يؤمن أن يَسبقَ فليسَ بقمارٍ، ومن أدخلَ فرساً بين فرسينِ وقدْ أمنَ أن يَسبقَ فهوَ قَمَار» (2) رواه أبو داود.

وأما كون المحلل إذا سبق يحرز سبقيهما؛ فلأنه جعل لمن سبق وقد سبق.

وأما كون المخرجين إذا سبقاه يحرزان سبقيهما؛ فلأن المحلل لم يسبقهما حتى يستحق سبقيهما.

وأما كونهما لا يأخذان منه شيئاً؛ فلأنه لم يشرط عليه لمن سبقه شيئاً.

وأما كون إذا سبق يحرز السبقين؛ فلأنهما قد جعلا لمن سبق وقد سبق.

وأما كون المحلل إذا سبق معه سبق الآخر بينهما؛ فلأن ذلك مستحق بالسبق وقد اشتركا فيه فوجب أن يشتركا في عوضه.

(1) في هـ: بعيرهما.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2579) 3: 30 كتاب الجهاد، باب في المحلل.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2876) 2: 960 كتاب الجهاد، باب السبق والرهان.

ص: 790

قال: (وإن قال المخرج: من سبق فله عشرة، ومن صلى فله كذا: لم يصح. وإن قال: ومن صلى فله خمسة صح).

أما كون المسابقة لا تصح إذا استوى بين السابق والمصلى وهو الثاني؛ فلأنه ليس فيه تحريض على السبق، فيفوت المقصود من العقد.

وأما كونها تصح إذا قال: ومن صلى فله خمسة؛ فلأن كل واحد منهما يقصد أن يكون سابقاً ليحصل له أكثر العوضين.

ولا بد أن يُلحظ كونه لا ثالث معهما لأنهم إذا كانوا ثلاثة يجتهد كل واحد منهم أن لا يكون أخيراً فيفوت المقصود من العقد. ولذلك قيد كلام المصنف رحمه الله من أذن له في إصلاحه فقال: إذا كانا اثنين.

قال: (وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط. وفي صحة المسابقة وجهان).

أما كون الشرط المذكور لا يصح؛ فلأنه عوض عن عمل فلا يستحقه غير العامل؛ كالعوض في رد الآبق.

وأما كون المسابقة تصح في وجه؛ فلأن عقد المسابقة لا تقف صحته على تسمية بدل، فلم يفسد بالشرط الفاسد؛ كالنكاح.

وأما كونها لا تصح في وجه؛ فلأنه بذل العوض لهذا الغرض فإذا لم يحصل له غرضه لم يلزمه العوض.

فعلى هذا إن كان المخرج السابق أحرز سبقه، وإن كان الآخر فله أجرة عمله؛ لأنه عمل عملاً بعوض لم يُسَلَّم له فاستحق أجرة المثل؛ كالإجارة الفاسدة.

ص: 791

فصل [في أحكام المسابقة]

قال المصنف رحمه الله: (والمسابقةُ جُعالة لكل واحد منهما فسخها. إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فيكون له الفسخ دون صاحبه. وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين. وقيل: هي عقد لازم ليس لأحدهما فسخها. لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين، وأحد الراميين. ولا تبطل بموت أحد الراكبين، ولا تلف أحد القوسين).

أما كون المسابقة جُعالة. والمراد به: أنها من العقود الجائزة؛ فلأنها عقد على ما لا يقدر على تسليمه فكان جائزاً؛ كرد الآبق. بيان أنه لا يقدر على تسليمه أنه عقد على الإصابة وهي لا تدخل تحت قدرته.

وأما كونها عقدا لازماً على قولٍ؛ فلأنها عقد من شرطه أن يكون العوض والمعوض معلومين، فكان لازماً؛ كالإجارة.

فعلى القول بالجواز لكل واحد منهما الفسخ إذا لم يظهر فضل؛ لأن ذلك شأن كل عقد جائز، وإن ظهر لأحدهما فضل؛ مثل: أن يسبقه بفرسه في بعض المسافة، أو يصيب بسهامه أكثر منه: كان لمن ظهر له الفضل الفسخ؛ لأن الحق له ولم يكن للآخر الفسخ لأنه لو جاز ذلك لفات (1) غرض المسابقة؛ لأنه متى بان له سبق صاحبه له فسخها وترك المسابقة فلا يحصل المقصود، وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين كالوكالة والمضاربة وسائر العقود الجائزة. وعلى القول باللزوم ليس لأحدهما الفسخ لأن هذا شأن كل عقد لازم، ولا تنفسخ بموت أحد الراكبين، ولا تلف أحد القوسين لأنه لم يتلف المعقود عليه.

(1) في هـ: لفوات.

ص: 792

قال: (ويقوم وارث الميت مقامه. فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته).

أما كون وارث الميت يقوم مقام الموروث هنا؛ فلأنه يقوم مقامه فيما له فكذا فيما عليه.

وأما كون الحاكم يقيم مقامه إذا لم يكن له وارث؛ فلأن الموروث لزمه فعل ذلك فوجب أن يقيم الحاكم مقامه بعد موته؛ كالإجارة.

قال: (والسبق في الخيل بالرؤوس (1) إذا تماثلت الأعناق، وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف).

أما كون السبق بالرؤوس في الخيل المتساوية الأعناق؛ فلأن السبق يعلم به.

وأما كون السبق بالكتف في مختلفي العنق؛ فلأن العلم بالسبق في المختلف لا يحصل إلا بمساحة قدر الزائد، وفي ذلك حرج ومشقة.

وأما كونه في الإبل بذلك؛ فلأن منها ما يرفع عنقه ومنها ما يمده فربما كان الرافع لرأسه سابقاً ويسبقه الآخر برأسه لمده إياه.

قال: (ولا يجوز أن يجنب أحدهما مع فرسه فرساً يحرضه على العدو. ولا يصيح به في وقت سباقه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا جَلَبَ ولا جَنَبَ» (2».

أما كون أحد المتسابقين لا يجوز أن يجنب فرساً يحرض فرسه على العدو ولا أن يصيح به في وقت سباقه؛ فلما ذكر المصنف من الحديث.

وأما معنى: لا جَلَبَ ولا جَنَبَ فما ذكره. وقد فسره قوم بغير ذلك وليس بصحيح؛ لأنه جاء مفسراً بحديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا جَلَبَ ولا جَنَبَ في الرهانِ» (3).

(1) في ج: بالرأس.

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (1123) 3: 431 كتاب النكاح، باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار.

وأخرجه النسائي في سننه (3336) 6: 111 كتاب النكاح، باب الشغار.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2581) 3: 30 كتاب الجهاد، باب في الجلب على الخيل في السباق.

ص: 793

ويروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (1) قال: «من أجلبَ على الخيلِ يومَ الرهانِ فليسَ منَا» (2).

(1) ساقط من هـ.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (11318) 11: 147.

ص: 794

فصل في المناضلة

المناضلة: المسابقة بالسهام. ويقال: نضال وكلاهما مصدر ناضل. يقال: ناضله نضالاً ومناضلة؛ مثل: قاتله قتالاً ومقاتلة.

والأصل في ذلك الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى: {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا} [يوسف: 17] قيل معناه: يسابق بعضنا بعضاً في الرمي، ويعضده قراءة من قرأ: ننتضل.

وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه خرجَ على أصحابٍ له يَنتضِلونَ. فقال: ارمُوا وأنا مع ابن الأدرع. فأمسكَ الآخرون وقالوا: يا رسولَ الله! كيفَ نرمِي وأنتَ معَ ابنِ الأدرع؟ فقال: ارمُوا وأنا مَعكمْ كلكُم» (1) متفق عليه.

وعنه عليه السلام أنه قال: «إن الملائكةَ لا تحضرُ من لَهوِكمْ إلا الرهان والنضال» (2).

قال الأزهري: الرهان في الخيل، والنضال في الرمي، والسباق فيهما.

قال المصنف رحمه الله: (ويشترط لها شروط أربعة:

أحدها: أن تكون على من يحسن الرمي. فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه، وأخرج من الحزب الآخر مثله. ولهم الفسخ إن أحبوا).

أما كون المناضلة يشترط لها شروط أربعة؛ فلما يأتي ذكره فيها.

وأما كون أحد الشروط المذكورة: أن تكون على من يحسن الرمي؛ فلأن من لا يحسن الرمي وجوده كعدمه.

ولأن الغرض معرفة الحذق، ومن لا يحسن الرمي لا حذق له، ولا يحصل لمن غلبه ميزة.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2743) 3: 1062 كتاب الجهاد والسير، باب التحريض على الرمي. ولم أره في مسلم.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2453) 2: 172 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الرمي وفضله.

ص: 795

وأما كون العقد يبطل فيمن لا يحسن الرمي؛ فلما تقدم من اشتراط كونه ممن يحسن.

وقوله: فيه مشعر بأن البطلان مختص بمن لا يحسن، فأما من يحسن فالعقد باق (1) في حقه؛ لأن المفسد موجود فيمن لا يحسن دون غيره فوجب أن يختص البطلان به وذكر المصنف في المغني في بطلان العقد في حق من يحسن وجهين بناء على تفريق الصفقة.

وأما كونه يخرج مثل من لا يحسن من الحزب الآخر مع القول ببقاء الصحة فيمن يحسن؛ فلأن البيع إذا بطل في البعض بطل فيما يقابله من الثمن فكذا هاهنا.

وأما كون الحزبين لهم الفسخ إن أحبوا؛ فلأن الصفقة تفرقت عليهم.

قال: (الثاني: معرفة عدد الرشق وعدد الإصابة).

أما كون الثاني من الشروط المذكورة: معرفة عدد الرشق وعدد الإصابة؛ فلأن الغرض معرفة الحذق، ولا يحصل إلا بذلك.

وأما معنى معرفة عدد الرشق فأن تكون عشرين رمية أو ما أشبه ذلك.

وأما معنى معرفة الإصابة فأن تكون الإصابات خمساً من العشرين أو أربعاً أو ما أشبه ذلك.

قال: (الثالث: معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة؟ فالمبادرة أن يقولا: من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فهو السابق. ولا يلزم إتمام الرمي. والمفاضلة أن يقولا: أيُّنا فضل صاحبه بخمس إصابات من عشرين رمية سبق. فأيهما فضل بذلك فهو السابق).

أما كون الثالث من الشروط المذكورة معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة؛ فلأن غرض الرماة يختلف: فمنهم من إصابته في الابتداء أكثر منها (2) في الانتهاء، ومنهم

من هو بالعكس. فوجب اشتراط ذلك لِيَعْلَم ما دخل فيه. وذكر المصنف في المغني عن القاضي أنه لا يشترط ذلك لأن مقتضى النضال أن من بادر إلى الإصابة فقد سبق.

(1) في هـ: باقي.

(2)

في هـ: منهما.

ص: 796

وأما معنى المفاضلة والمبادرة فكما ذكر المصنف.

وللمناضلة صورة ثالثة ذكرها أبو الخطاب والمصنف في المغني واسمها محاطة. ومعناها: أن يشترطا حطّ ما يتساويان فيه من الإصابة في رشق معلوم فإذا فضل أحدهما بإصابة معلومة فقد سبق صاحبه. وصورتها مثلاً: أن يجعلا الرشق عشرين ويشترط حط ما يتساويان فيه فإذا فضل أحدهما بثلاثة أو أربعة أو ما أشبه ذلك فقد نضل صاحبه.

قال: (وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت. وإن قالا: خواصل كان تأكيداً لأنه اسم لها كيف ما كانت. وإن قالا: خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه، أو خوارق وهو: ما خرقه ولم يثبت فيه، أو خواصر وهو: ما وقع في أحد جانبي الغرض تقيدت بذلك. وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه تقيد به).

أما كون إطلاق الإصابة يتناولها على أي صفة كانت؛ فلأن أي صفة كانت تدخل تحت مسمى الإصابة.

وأما كون قولهما: خواصل تأكيداً فلما ذكر المصنف من أنها اسم للإصابة كيف ما كانت.

وأما كون الإصابة تتقيد بقولهما: خواسق أو خوارق أو خواصر، أو شرطهما إصابة موضع من الغرض كالدائرة؛ فلأن الغرض يختلف باختلاف ذلك فوجب أن تتقيد المناضلة به تحصيلاً للغرض.

ولأنه وصف وقع العقد عليه فوجب أن يتقيد به ضرورة الوفاء بموجبه.

وأما معنى كل واحد من الألفاظ المذكورة فكما ذكر المصنف رحمه الله.

قال: (الرابع: معرفة قدر الغرض: طوله، وعرضه، وسمكه، وارتفاعه من الأرض).

أما كون الرابع من الشروط المذكورة: معرفة قدر الغرض طوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الأرض؛ فلأن الإصابة تختلف باختلاف ذلك، فوجب العلم به. أشبه تعيين النوع.

ص: 797

وأما قول المصنف رحمه الله: طوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الأرض فبيان لقدر الغرض.

وأما معنى ذلك كله فمعلوم لأهله.

قال: (وإن تشاحّا في المبتدأ بالرمي أقرع بينهما. وقيل: يُقدم من له مزية بإخراج السبق. وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني).

أما كونه يقرع بينهما مع التشاح على المذهب؛ فلأنه يميز ما أشكل.

ولأن مقتضى العقد التساوي والقرعة مشروعة (1) عند ذلك لأن تقديم أحدهما من غير قرعة ترجيح من غير مرجح.

وأما كونه يقدم من له مزية بإخراج السبق على وجهٍ؛ فلأن له نوعاً من الترجيح فيجب أن يقدم به.

فعلى هذا إن كان العوض من أحدهما قدم صاحبه، وإن كان العوض من أجنبي قَدَّم صاحبُ العوض من شاء منهما.

قال صاحب النهاية فيها: الصحيح أنه لا يبدأ أحدهما إلا بالقرعة لأن العقد موضوع على أن لا يفضل صاحب السبق على صاحبه.

وأما كون أحدهما يبدأ في الوجه الثاني إذا بدأ صاحبه في الأول فلتحصل المساواة بينهما.

قال: (والسنة أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني).

أما كون السنة أن يكون للمتناضلين غرضان يرميان إلى أحدهما ثم يمضيان فيأخذان السهام ثم يرميان إلى الغرض الآخر؛ فلأن ذلك فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة» (2).

وقال إبراهيم التيمي: «رأيتُ حذيفةَ يشتدّ بين الغرضينِ يقولُ: أنا بها» (3).

وعن ابن عمر مثله (4).

(1) في هـ: مشرعة.

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (2245) 2: 43 عن أبي هريرة: «تعلموا الرمي. فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة» .

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2458) 2: 173 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الرمي وفضله.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2459) الموضع السابق.

ص: 798

ويروى «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشتدون بين الأغراض. يضحك بعضهم إلى بعض» .

وعن عمر: «علموا أولادكم الرمي والمشي بين الغرضين» (1).

وأما كون أحد المتناضلين يبدأ بالغرض الثاني إذا بدأ صاحبه بالغرض الآخر فلتحصل المساواة بينهما.

وفي قول المصنف رحمه الله: والسنة أن يكون لهما غرضان تنبيه على أن الغرض لو كان واحداً جاز. وهو صحيح؛ لأن الغرض معرفة حذق الرماة، وذلك حاصل بالغرض الواحد.

قال: (وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهم خواصل احتسب به، وإن كان خواسق لم يحتسب له به ولا عليه).

أما كونه يحتسب بالسهم الواقع موضع الغرض مع كون الشرط خواصل؛ فلأن الشرط الإصابة ولو كان الغرض في موضعه لأصابه.

وأما كونه لا يحتسب له به ولا عليه مع كون الشرط خواسق؛ فلأن الشرط أن يثبت فيه، ولو كان الغرض في موضعه لاحتمل أن يثبت فيه وأن لا يثبت.

قال: (وإن عرض عارض من كسر قوس، أو قطع وتر، أو ريح شديدة لم يحتسب عليه بالسهم. وإن عرض مطر، أو ظلمة جاز تأخير الرمي. ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما؛ لما فيه من كسر قلب صاحبه).

أما كونه لا يحتسب على الرامي بالسهم مع عارض كسر قوس، أو قطع وتر، أو اشتداد (2) ريح؛ فلأن الخطأ للعارض لا لسوء رميه.

ومفهوم قوله: لم يحتسب عليه أنه لو أصاب مع العارض حسب له لتحقق الشرط.

وقال في المغني: لا يحتسب له كما لا يحتسب عليه.

(1) لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج ابن حبان عن أبي عثمان: «أتانا كتاب عمر. ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان. فذكر الحديث. وفيه: وارموا الأغراض، وامشوا بين الهدفين» . (5430) 7: 401.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 799

ولأن الريح الشديدة كما يجوز أن تصرف السهم الشديد فيخطئ يجوز أن تصرف السهم المخطئ عن خطئه فيقع مصيباً فتكون إصابته بالريح لا بالحذق. ولم يحك غيره.

وأما كونه يجوز تأخير الرمي إذا عرض مطر أو ظلمة؛ فلأن ذلك عذر لا يمكن معه فعل المعقود عليه.

وأما كونه يكره مدح الأمين والشهود لأحد المتناضلين؛ فلما ذكر المصنف رحمه الله من كسر قلب صاحبه.

ص: 800