المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الخيار في البيع - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌باب الخيار في البيع

‌باب الخيار في البيع

قال المصنف رحمه الله: (وهو على سبعة أقسام:

أحدها: خيار المجلس. ويثبت في البيع، والصلحِ بمعناه، والإجارة).

أما كون الخيار على سبعة أقسام؛ فلأنه تارة يكون خيار المجلس، وتارة خيار الشرط، وتارة خيار الغبن، وتارة خيار التدليس، وتارة خيار العيب، وتارة في بيع التولية والشركة والمرابحة والمواضعة، وتارة لاختلاف المتبايعين.

وأما كون أحدها خيار المجلس فظاهر.

وأما كون خيار المجلس يثبت في البيع فلما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع» (1) متفق عليه.

وقال عليه السلام: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» (2) رواه الأئمة كلهم.

وأما كونه يثبت في الصلح بمعنى البيع كمن يقر لإنسان بعين أو دين ثم يصالحه على ذلك بعوض؛ فلأنه بيع فيدخل تحت ما تقدم. وإن صولح على ذلك بذهب أو فضة فحكم الصلح حكم الصرف وسيأتي ذكره.

وأما كونه يثبت في الإجارة؛ فلأنها بيع المنافع فيدخل في الحديث المتقدم ذكره.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2006) 2: 744 كتاب البيوع، باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1531) 3: 1163 كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1976) 2: 733 كتاب البيوع، باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1531) 3: 1163 كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتابيعين. كلاهما من حديث حكيم بن حزام.

ص: 426

قال: (ويثبت في الصرف والسلم. وعنه: لا يثبت فيهما).

أما كون خيار المجلس يثبت في الصرف والسلم على المذهب؛ فلأن ذلك بيع في الحقيقة فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» (1).

ولأنه شرع نظراً لهما في الأحظ وهذا موجود في الصرف والسلم.

وأما كونه لا يثبت فيهما على روايةٍ؛ فلأن ذلك عقد لا يدخله خيار الشرط فلا يثبت فيه خيار المجلس كالنكاح. وإنما لم يدخله خيار الشرط لأنه عقد يفتقر إلى التقابض في الحال ويقتضي عدم العلقة بينهما وثبوت الخيار بعد التفرق يمنع لزوم القبض ويثبت العلقة بينهما.

قال: (ولا يثبت في سائر العقود إلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين).

أما كون خيار المجلس لا يثبت في سائر العقود غير العقود المستثناة كالنكاح والخلع والقرض والكتابة والتدبير والعتق والوقف والرهن والضمان والكفالة والشركة والمضاربة والجُعالة والوكالة والوديعة والعارية والوصية والهبة الخالية عن العوض والشفعة والقسمة إن قيل هي إفراز والإقالة إن قيل هي فسخ.

أما في النكاح؛ فلأنه لا يقصد منه العوض.

ولأن الخيار في البيع إنما ثبت استدراكاً للغبن؛ لأنه يقع فجأة عن غير تَرَوٍّ وهذا المعنى لا يوجد في النكاح؛ لأن الغالب أنه لا يوجد إلا بعد تَرَوٍّ وبحث.

وأما في الخلع؛ فلأنه يقصد منه التفرق أشبه الطلاق.

وأما في القرض والتدبير والكتابة والعتق والوقف والضمان والكفالة والهبة الخالية عن العوض؛ فلأن فاعل ذلك دخل فيه على أن الحظ لغيره.

وأما في الرهن؛ فلأنه يضر بالمرتهن لبقاء حقه بلا رهن بتقدير وقوع الخيار.

وأما في الشركة والمضاربة والجُعالة والوكالة والوديعة والعارية والوصية؛ فلأنها عقود جائزة متى شاء أحدهما فسخ فلا حاجة إلى خيار المجلس.

وأما في الشفعة؛ فلأنها شرعت لإزالة الضرر فلا يشرع فيها خيار لأنه يناقضه.

وأما في القسمة إذا قيل هي إفراز؛ فلأنه يجبر عليها ولا خيار في عقود الإجبار (2).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: الإجازة.

ص: 427

وأما في الإقالة إذا قيل هي فسخ؛ فلأن الخيار يثبت استدراكاً للضرر الحاصل بالعقد، والإقالة فسخ فلم يدخله الخيار المذكور لعدم صلاحية المحل له.

وأما كونه يثبت في العقود المستثناة وهي المساقاة والحوالة والسبق في وجه: أما في المساقاة؛ فلأنها في معنى الإجارة في وجه.

وأما في الحوالة؛ فلأنها بيع في الحقيقة.

وأما في السبق فلما ذكر في المساقاة.

وأما كونه لا يثبت في شيء من ذلك في وجهٍ: أما في المساقاة؛ فلأنها عقد يكثر فيه الغرر لما فيه من الجهالة.

ولأنها لا يثبت فيها خيار الشرط فكذا خيار المجلس.

وأما في الحوالة؛ فلأنها إسقاط وإبراء.

وأما في السبق؛ فلأنه كالجُعالة في وجهٍ، والجُعالة لا خيار فيها لكونها من العقود الجائزة فكذا ما هو في معناها (1).

قال: (ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما إلا أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما أو يسقطا الخيار بعده فيسقط في إحدى الروايتين، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه).

أما كون كل واحد من المتبايعين له الخيار ما لم يتفرقا إذا لم يتبايعا على أن لا خيار بينهما وإذا لم يسقطاه بعده فلما تقدم من قوله: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» (2).

وأما كون التفرق بالأبدان لا بالأقوال؛ فلأن قبل التفرق بالأقوال لم يلزم العقد بل لم يوجد فلا حاجة إلى خيار.

ولأن في بعض ألفاظ الحديث: «وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع» (3).

ولأن ابن عمر راوي الحديث وكان يفسر الفرقة بفعله (4).

(1) في هـ: معناه.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

هو تكمله لحديث ابن عمر، وقد سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

أخرجه الترمذي في جامعه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا. قال: فكان ابن عمر إذا ابتاعَ بَيعاً وهو قاعدٌ قامَ لِيجبَ له البيع» . (1245) 3: 547 كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا. قال الترمذي: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

ص: 428

وأما كون الخيار يسقط إذا تبايعا بشرط أن لاخيار، أو أسقطاه بعد البيع في روايةٍ اختارها الشريف بن أبي موسى؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع» (1).

وقال عليه السلام: «البيعانِ بالخيارِ ما لم يَتفرقا، أو يقولُ أحدهما لصاحبه: اخْتَرْ» (2) رواه البخاري.

وأما كونه لا يسقط فيهما في روايةٍ؛ فلأن أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» (3). والزيادة على ذلك مذكورة في حديث ابن عمر، وقول الأكثر ذوي الضبط مقدم على رواية المنفرد.

قال المصنف رحمه الله في المغني: والأول أولى لما تقدم.

ولأنه عليه السلام قال: «إلا أن يكونَ البيعُ كانَ عن خِيارٍ فإن كان البيعُ عن خيارٍ فقد وَجَبَ البيْع» (4) متفق عليه.

ولأن الأخذ بما تضمنته الزيادة أولى.

ولأن الأصل أن لا يثبت خيار. خولف مع عدم الشرط والإسقاط للحديث الخالي عن المعارض فيبقى فيما وقع فيه التعارض على الأصل.

وأما كون خيار صاحب من أسقط خياره يبقى؛ فلأنه خيار في المبيع فلم يبطل حق من لم يُسقطه كخيار الشرط.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.، من حديث ابن عمر.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2003) 2: 743 كتاب البيوع، باب إذا لم يوقّت في الخيار هل يجوز البيع.

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

هذا اللفظ أخرجه النسائي في سننه (4467) 7: 248 كتاب البيوع، وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما. وأصله عند الشيخين، وقد سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 429

فصل [في خيار الشرط]

قال المصنف رحمه الله: (الثاني: خيار الشرط. وهو: أن يشترطا في العقد خيار مدة معلومة فيثبت فيها وإن طالت).

أما كون الثاني خيار الشرط فظاهر.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهو أن يشترطا في العقد خيار مدة معلومة؛ فبيان لمعنى خيار الشرط.

وأما كون خيار الشرط يثبت في المدة المذكورة؛ فلقوله عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم» (1).

وأما كون ذلك يثبت في المدة إذا طالت؛ فلأنه حق مقدر يعتمد الشرط فرجع في تقديره إلى من شَرَطَه كالأجل، أو نقول: مدة ملحقة بالعقد فكانت إلى تقدير المتعاقدين كالأجل.

ويبطل هذا الشرط بالتخاير كخيار المجلس.

قال: (ولا يجوز مجهولاً في ظاهر المذهب. وعنه: يجوز، وهما على خيارهما إلى أن يقطعاه أو تنتهي مدته).

أما كون خيار الشرط لا يجوز أن يكون مجهولاً؛ مثل: أن يشترط الخيار متى شاء، أو إلى قدوم زيد، أو إلى الأبد، أو ما أشبه ذلك في ظاهر المذهب؛ فلأنها مدة ملحقة بالعقد فلا تجوز مع الجهالة كالأجل.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح. عن أبي هريرة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1352) 3: 634 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس. عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده. ولفظهما:«المسلمون على شروطهم» .

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 430

ولأن الخيار إلى الأبد يقتضي المنع من التصرف في المبيع على الأبد وذلك ينافي مقتضى العقد.

وأما كونه يجوز على روايةٍ فلقوله عليه السلام: «المؤمنون على شروطهم» (1).

فعلى هذا هما على خيارهما إلى أن يقطعاه أو تنتهي مدته إن كانت معلقة بما تنتهي به.

والأولى أولى. اختارها القاضي وابن عقيل.

قال: (ولا يثبت إلا في البيع، والصلحِ بمعناه، والإجارة في الذمة، أو على مدة لا تلي العقد).

أما كون خيار الشرط لا يثبت في غير الصور (2) المستثناة؛ فلأنه لا نص في ذلك ولا هو في معنى المنصوص وذلك ينفي الثبوت لا سيما إذا كان الأصل يعضده.

وأما كونه يثبت في البيع والصلح بمعنى البيع فلما تقدم في خيار المجلس.

وأما الإجارة فهي على ضربين:

أحدهما: إجارة في الذمة؛ مثل أن يقول: استأجرتك لتخيط هذا الثوب ونحوه. فهذا يثبت فيه خيار الشرط لأنه استدراك للغبن فوجب ثبوته في ذلك كخيار المجلس.

والضرب الثاني: أن لا تكون في الذمة كإجارة الدار ونحوها: وذلك تارة لا تلي العقد؛ كإجارة سنة خمس وهو في أربع فهذا أيضاً يثبت فيه خيار الشرط لما تقدم في الإجارة في الذمة، وتارة تلي العقد فهذا لا يثبت فيه خيار الشرط لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها أو إلى استيفائها في مدة الخيار وكلاهما لا يجوز.

ولم يفصل المصنف رحمه الله هذا التفصيل في الإجارة في خيار المجلس لأنه لا يلزم فيها ما ذكر هاهنا لقصره غالباً.

قال: (وإن شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة. وعنه: يدخل).

أما كون الغد فيما ذكر لا يدخل على المذهب؛ فلأن إلى لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها لأن حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها يؤيده قوله تعالى: {ثم أتموا

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: الصورة.

ص: 431

الصيام إلى الليل} [البقرة: 187] لا يدخل الليل في الصيام، وقول الرجل لزوجته: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لا تدخل الثالثة، وقول المقر: له عندي من درهم إلى عشرة لا يدخل الدرهم العاشر.

وأما كونه يدخل في ذلك على روايةٍ؛ فلأن إلى قد تكون بمعنى مع كقوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6] و {من أنصاري إلى الله} [آل عمران: 52].

ولأن الخيار ثابت بيقين فلا نزيله بالشك.

والأول أصح؛ لأن إلى لانتهاء الغاية وإنما تحمل على معنى مع لدليل أو لتعذر حملها على موضوعها الأصلي.

ولأن الأصل لزوم العقد وإنما خولف فيما اقتضاه الشرط فيثبت فيما يتيقن منه، وما شك فيه يرجع فيه إلى الأصل.

قال: (وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد، ويحتمل أن يكون من حين التفرق).

أما كون ابتداء المدة المشروطة من حين العقد على المذهب؛ فلأن الخيار مدة ملحقة من حين العقد فكان ابتداؤها من حين العقد كالأجل.

وأما كونه يحتمل أن يكون من حين التفرق؛ فلأن الخيار ثابت في المجلس حكماً فلا معنى لإثباته بالشرط.

ولأن حالة المجلس كحالة العقد لأن لهما فيه الزيادة والنقصان.

والأول أصح. قاله المصنف في المغني لما ذكر.

ولأن الاشتراط سبب ثبوت الخيار فوجب أن يتعقبه حكمه كالملك في المبيع.

ولأن المدة لو جعلت من التفرق لأدى إلى جهالتها لأنه لا يعلم متى ابتداؤها فلا يعلم انتهاؤها. وثبوت الحكم لسببين لا يمتنع كالوطء يَحْرم بالصيام والإحرام.

قال: (وإن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلاً له فيه، وإن شرطا الخيار لأحدهما دون صاحبه جاز).

أما كون شرط الخيار للغير يجوز ويكون توكيلاً له؛ فلأن تصحيح الاشتراط على الوجه المذكور ممكن فوجب حمله عليه صيانة لكلام المكلف عن اللغو. وصار هذا

ص: 432

بمنزلة ما لو قال لغيره: اعتق عبدك عني فإنه يقدر الملك قبل العتق تصحيحاً لكلامه. فكذلك هاهنا.

وأما كون شرط الخيار لأحد المتبايعين دون صاحبه يجوز؛ فلأنه إذا جاز اشتراطه لهما؛ فلأن يجوز اشتراطه لأحدهما بطريق الأولى.

قال: (ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه، وإن مضت المدة ولم يفسخا بطل خيارهما).

أما كون من له الخيار له الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه؛ فلأنه عقد جعل إلى اختياره (1) فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق.

وأما كون خيارهما يبطل إذا مضت المدة ولم يفسخا؛ فلأنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل.

ولأن حكم بقاء الخيار يفضي إلى بقائه أكثر من المدة التي اشترطاها، وهو إنما ثبت بالشرط فلا يجوز أن يثبت في غير مدته.

ولأن البيع سبب للزوم وإنما تخلف موجبه بالخيار فإذا انقضت مدته لزم العقد بموجبه لزوال المعارض.

وفي قول المصنف رحمه الله: ولم يفسخا نظر لأنه إذا فسخ أحدهما يصدق أنهما ما فسخا، وفي هذه الصورة لا يبطل الخيار. وقد احترز عن هذا في المغني فقال: ولم يفسخ أحدهما بطل الخيار، وليس مراد المصنف إلا هذا وإنما لم يحترز عن هذا اعتماداً على ظهور المعنى.

قال: (وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين، فما حصل من كسب أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد أو فسخاه).

أما كون الملك ينتقل إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من بَاع عبداً وله مال فماله للبائعِ إلا أن يَشترِطه المبتَاع» (2) رواه البخاري.

(1) في هـ: اختيار.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2250) 2: 838 كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط

وأخرجه مسلم في صحيحه (1543) 3: 1173 كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر. كلاهما من حديث ابن عمر.

ص: 433

وجه الحجة أنه جعل المال للمبتاع إذا اشترطه وهو عام في كل بيع فيدخل فيه بيع الخيار.

وأما كونه لا ينتقل إلا بانقضاء الخيار في روايةٍ؛ فلأنه عقد قاصر لا يفيد التصرف ولا يلزم فلا ينتقل الملك فيه كالهبة قبل القبض.

والأولى أولى لما ذكر.

ولأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه كما لو لم يشترط الخيار.

ولأن البيع تمليك بدليل أنه يصح بقوله: ملكتك فيثبت به الملك كالمطلق. ودعوى القصور فيه ممنوعة، وامتناع التصرف لأجل حق الغير لا يمنع ثبوت الملك كالمرهون والمبيع قبل القبض، وعدم اللزوم لا يوجب قصوراً ولا يمنع نقل الملك بدليل بيع المعيب.

وأما كون ما حصل من كسب أو نماء منفصل للمشتري مع إمضاء العقد ومع فسخه؛ فلأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه.

ولأنه من ضمانه فيدخل في قوله عليه السلام: «الخراج بالضمان» (1). قال الترمذي: هو صحيح.

وفي قول المصنف رحمه الله: أو نماء منفصل احتراز عن النماء المتصل كالسمن ونحوه فإن ذلك يتبع العين مع الفسخ لتعذر انفصاله. ولا بد أن يُلحظ في كون النماء المنفصل للمشتري أنه مبني على القول بأن الملك ينتقل بنفس العقد لأن على روايةِ الانتقال بانقضاء مدة الخيار يكون جميع ذلك للبائع لما ذكر.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3510) 3: 284 كتاب الاجارة، باب فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيباً.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1286) 3: 582 كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد فيه عيباً.

وأخرجه النسائي في سننه (4490) 7: 254 كتاب البيوع، الخراج بالضمان.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2243) 2: 754 كتاب التجارات، باب الخراج بالضمان.

ص: 434

قال: (وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار إلا بما يحصل به تجربة المبيع، وإن تصرفا ببيع أو هبة ونحوهما لم ينفذ تصرفهما ويكون تصرف البائع فسخاً للبيع، وتصرف المشتري إسقاطاً لخياره في أحد الوجهين، وفي الآخر البيع والخيار بحالهما).

أما كون كل واحد من البائع والمشتري ليس له التصرف في المبيع في مدة الخيار على غير وجه التجربة؛ فلأنه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ولا انقطعت عنه علقه فيتصرف فيه المشتري.

وأما (1) كونهما إذا تصرفا بيبع أو هبة ونحوهما مما ينقل الملك ويثبت الشغل في المعقود كالإجارة والرهن والكتابة لا ينفذ تصرفهما؛ فلأنه تصرف لم يصادف محله لأن البائع لا يملكه والمشتري يفضي تصرفه إلى إسقاط حق البائع من الخيار واسترجاع المبيع.

وأما كون تصرف البائع فسخاً للمبيع وتصرف المشتري إسقاطاً لخياره في وجهٍ؛ فلأن ذلك يحصل بالتصريح فحصل بالدلالة عليه كالمعتَقة فإن خيارها يسقط بتمكينها زوجها من وطئها.

وأما كون تصرف البائع لا يكون فسخاً في وجهٍ؛ فلأن الملك انتقل عن البائع فلم يكن تصرفه فيه فسخاً واسترجاعاً كمن وجد عين ماله عند مفلس.

وأما كون تصرف المشتري لا يكون إسقاطاً لخياره في وجهٍ؛ فلأن التصرف غير صحيح فوجوده كعدمه.

وأما كون المشتري له التصرف بما يحصل به تجربة المبيع مثل (2): أن يركب الدابة لينظر سيرها، ويطحن على الرحى ليختبرها؛ فلأن الخيار إنما شرطه ليستعلم به المبيع وذلك طريق إليه فلو لم يجز لما أمكنه تحصيل ما شرط الخيار من أجله.

(1) في هـ: أما.

(2)

في و: به التجربة مثل.

ص: 435

قال: (وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الوجهين، وكذلك إن قبلته الجارية. ويحتمل أن يبطل إن لم يمنعها).

أما كون الخيار باستخدام المبيع لا يبطل في أصح الوجهين؛ فلأن الخدمة لا تختص بالملك فلم يبطل الخيار كالنظر.

وأما كونه يبطل في وجهٍ؛ فلأن الخدمة إحدى المنفعتين فأبطلت الخيار كما (1) لو وطئ.

ولأنه نوع تصرف أشبه ركوب الدابة.

وأما كون تقبيل الجارية المشتري لا يبطل خياره به على المذهب؛ فلأن الحق له ولم يوجد منه ما يدل على إبطاله فوجب أن لا يبطل.

وأما كونه يحتمل أن يبطل إذا لم يمنعها؛ فلأن سكوته استمتاع بها ودليل على رضاه بدليل ما لو عتقت المرأة تحت عبد فوطئها وهي ساكتة.

ولا بد أن يقيد الخلاف المذكور بالشهوة لأنه إذا كان لغير شهوة لا يبطل بغير خلاف لأن التقبيل لغير شهوة ليس باستمتاع بوجه.

قال: (وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما، وكذلك إن تلف المبيع. وعنه: لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع بالقيمة).

أما كون إعتاق المشتري العبد المبيع بشرط الخيار ينفذ؛ فلأنه عتق من مالك جائز التصرف تام الملك فنفذ كما بعد مدة الخيار. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا عتق فيما لا يملك ابن آدم» (2) يدل بمفهومه على نفوذه في الملك.

ولأن ملك البائع الفسخ لا يمنع صحة العتق كما لو باع عبداً بجارية معينة فأعتقه المشتري فإنه ينفذ مع ملك البائع الفسخ، وكما لو وهب الأب لابنه عبداً فأعتقه الابن فإنه ينفذ عتقه مع ملك الأب الفسخ.

(1) في هـ: فعطلت الخيار به كما.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2190) 2: 258 كتاب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح. بلفظ: «لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك

».

وأخرجه الترمذي في جامعه (1181) 3: 486 كتاب الطلاق، باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح. بلفظ: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك

».

ص: 436

وأما كون خيار المشتري يبطل فلتصرفه بالعتق الموجب للزوم.

وأما كون خيار البائع يبطل على المذهب فلتعذر الرجوع.

وأما كونه لا يبطل على روايةٍ؛ فلأنه لم يوجد ما يدل على بطلانه، وتعذر الرجوع في العين لا يمنع الفسخ لأنه قد يكون في الفسخ مصلحة مثل: أن يكون قد باعه بأقل من ثمن مثله فإذا فسخ ملك الرجوع في قيمته.

وأما كونه له الفسخ على هذه الرواية؛ فلأن خياره لم يبطل.

وأما كونه إذا فسخ له الرجوع بقيمة المبيع لأنها بدل ما لا مثل له.

وأما كون تلف المبيع كعتق العبد في بطلان الخيار؛ فلأنه يساويه معنى فكذا يجب أن يساويه حكماً.

قال: (وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين، وفي الآخر: حكمه حكم العتق).

أما كون حكم وقف المشتري المبيع في وجهٍ حكم بيعه. ومعناه أنه لا ينفذ؛ فلأنه يتضمن بطلان حق غيره أشبه وقف المرهون.

وأما كون حكمه في وجهٍ حكم عتقه. ومعناه أنه ينفذ؛ فلأنه تصرف يبطل الشفعة فنفذ كالعتق.

والأول أصح قاله المصنف في المغني لما ذكر. وفارق العتق لتأكده بدليل أنه يسري إلى ملك الغير، ويبنى على التغليب، ويصح في الرهن بخلاف الوقف.

قال: (وإن وطئ المشتري الجارية فأحبلها صارت أم ولده وولده حر ثابت النسب، وإن وطئها البائع فكذلك إن قلنا البيع ينفسخ بوطئه، وإن قلنا لا ينفسخ فعليه المهر وولده رقيق إلا إذا قلنا الملك له، ولا حد فيه على كل حال.

وقال أصحابنا: عليه الحد إذا علم زوال ملكه وأن البيع لا ينفسخ بالوطء. وهو المنصوص).

أما كون الجارية تصير أم ولد المشتري بإحباله؛ فلأنه إحبال صادف محله فوجب أن تصير الموطوءة أم ولد كما لو أحبلها بعد انقضاء الخيار.

وأما كون ولده حر ثابت النسب؛ فلأنه من وطء في مملوكة له.

ص: 437

وأما كون البائع إذا وطئ الجارية وقيل البيع ينفسخ بوطئه كالمشتري في صيرورة الجارية أم ولد وكون الولد حر ثابت النسب؛ فلأن البيع إذا انفسخ بالوطء صادف إحبال البائع ملكه والإحبال في الملك يوجب ذلك.

وأما كون المهر عليه وكون ولده رقيقاً إذا قيل وطء البائع لا يوجب الفسخ وقيل الملك للمشتري زمن الخيار؛ فلأنه وطء في ملك الغير.

وأما كونه لا مهر عليه وكون ولده حراً إذا قيل الملك باق للبائع؛ فلأنه وطء في ملك.

وأما الحد فالمنصوص عن أحمد أنه إن كان عالماً بالتحريم فعليه الحد. وهذا يستدعي كون الملك لغيره، وأن (1) البيع لا ينفسخ بالتصرف.

والحجة في وجوبه (2) أنه وطء لم يصادف ملكاً ولا شبهة ملك.

وقال ابن عقيل: لا حد عليه بحال. وهو اختيار المصنف.

وقال في المغني: وهو الصحيح لأنه وطئه إما أن يصادف ملكاً أو شبهه لأن العلماء اختلفوا في ثبوت ملكه وإباحة وطئه وذلك شبهة.

قال: (ومن مات منهما بطل خياره ولم يورث. ويتخرج: أن يورث كالأجل).

أما كون من مات من البائع والمشتري يبطل خياره ولم يورث على المذهب؛ فلأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فبطل ولم يورث كخيار الرجوع في الهبة.

وأما كونه يتخرج أن يورث فلقوله عليه السلام: «من ترك حقاً فلورثته» (3)، وقياساً على الأجل في الثمن، وعلى خيار الوصية.

(1) في هـ: ولأن.

(2)

في هـ: والحجة لوجوبه.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك مالاً فلورثته» . (2268) 2: 845 كتاب الاستقراض، باب الصلاة على من ترك دَيناً.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1619) 3: 1237 كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته. مثله.

ص: 438

فصل [في خيار الغبن]

قال المصنف رحمه الله: (الثالث: خيار الغبن. ويثبت في ثلاث صور:

إحداها: إذا تلقى الركبان فاشترى منهم وباع لهم فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم قد غبنوا غبناً يخرج عن العادة).

أما كون الثالث خيار الغبن؛ فلأنه يلي الثاني.

وأما كون الركبان لهم الخيار إذا تُلُقّوا واشتريَ منهم أو بيع لهم فغبنوا؛ فلما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَلَقّوا الجلب فمن تلقاه فاشتريَ منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار» (1) رواه مسلم.

وثبوت الخيار مشعر بأن البيع من الركبان والشراء لهم صحيح. وفي صحة ذلك روايتان:

إحداهما: أنه صحيح لأن النهي لا لمعنى في البيع بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكه بالخيار أشبه بيع المصرّاة.

والرواية الثانية: أنه باطل لأنه منهي عنه أشبه بيع الحاضر للبادي.

والأولى أصح لما تقدم.

والفرق بين ما ذكر وبين بيع الحاضر للبادي أن بيع الحاضر لا يمكن استدراكه بالخيار لأن الضرر ليس عليه إنما هو على المسلمين بخلاف تلقي الركبان فإن الضرر عليهم، واستدراك ذلك حاصل بثبوت الخيار لهم فلا حاجة إلى إبطال البيع والشراء.

وأما ما يشترط لثبوت الخيار فأمران:

أحدهما: الغبن؛ لأنه إنما ثبت للخديعة ودفع الضرر عن البائع ولا ضرر مع عدم الغبن.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1519) 3: 1157 كتاب البيوع، باب تحريم تلقي الجلب.

ص: 439

فإن قيل: الحديث مطلق؟

قيل: يجب حمله على ذلك للعلم بمعناه.

فإن قيل: لم قلت إن الحديث معناه ذلك؟

قيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جعل لهم الخيار إذا هبطوا السوق فُهم منه إرادة الغبن لأنه لولا ذلك لجعل لهم الخيار من حين البيع.

والثاني: تقدير الغبن بما يخرج عن العادة لأن الشرع لم يرد بتحديد ذلك فرجع فيه إلى ذلك كالحِرْز.

وقال أبو بكر في تنبيهه وابن أبي موسى في إرشاده: ذلك مقدر بالثلث لأن الثلث كثير بدليل قوله عليه السلام: «والثلث كثير» (1).

وقيل: هو مقدر بالسدس لأن الخيار لو ثبت بأقل من ذلك لأدى إلى بطلان كثير من العقود.

قال: (والثانية في النجش وهو: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليَغُر المشتري فله الخيار إذا غبن).

أما قول المصنف وهو أن يزيد في السلعة

إلى المشتري؛ فبيان لمعنى النجش. وزاد فيه غيره (2): أن يكون الذي زاد معروفاً بالحِذْق. ولا بد منه لأن التغرير لا يحصل للمشتري إلا بذلك. ويحتمل أن المصنف رحمه الله إنما ترك ذلك هنا لأن قوله ليغر المشتري مشعر به.

وأما كون المشتري يثبت له الخيار إذا غبن في البيع المذكور؛ فلأنه مغبون فوجب أن يثبت له الخيار كالركبان إذا تُلُقّوا فاشتريَ منهم وغبنوا.

وثبوت الخيار مشعر بصحة البيع. وفيه أيضا روايتان:

إحداهما: أنه صحيح؛ لأنه ثبت فيه الخيار بالقياس على الركبان. فكذلك الصحة.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4147) 4: 1600 كتاب المغازي، باب حجة الوداع.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1628) 3: 1252 كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث.

(2)

في هـ: غير.

ص: 440

وثانيهما: أنه باطل؛ لما روى ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النّجْش» (1).

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَنَاجَشُوا» (2) متفق عليهما.

ولأن في ذلك تغريراً بالمشتري وخديعة له فدخل في المنهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الخديعة في النار» (3). وإذا كان منهياً عنه كان البيع باطلاً؛ لأن النهي يقتضي الفساد والبطلان.

والأول أصح؛ لأن النهي عائد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في صحة البيع.

فإن قيل: لم يُقَيِّد المصنف رحمه الله الغبن في هذه المسألة بما يخرج عن العادة؟

قيل: قيده في المغني. وإنما تركه هنا؛ لأنه نبّه على ذكره في المسألة قبلها.

قال: (الثالثة: المسترسل إذا غبن الغبن المذكور.

وعنه: أن النجش وتلقي الركبان باطلان).

أما كون المسترسل يثبت له الخيار إذا غبن بما تقدم ذكره في الصورتين المتقدم ذكرهما؛ فلأنه غبن حصل بجهله بالمبيع فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان.

فإن قيل: ما المراد بالمسترسل المذكور؟

قيل (4): الذي لا معرفة له بقيم السلع والأسعار، ولا يحصل له المعرفة بذلك بالتثبت. فلو كان عالماً بالغبن أو جاهلاً لكن لو توقف لعَرَف فغبن فلا خيار له:

أما العالم؛ فلأنه رضي بالغبن.

وأما المستعجل؛ فلأن الغبن حصل بتفريطه وتركه التثبت فكان كالراضي بالغبن.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2035) 2: 753 كتاب البيوع، باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1516) 3: 1156 كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (5719) 5: 2253 كتاب الأدب، باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن

}.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1413) 2: 1033 كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه

(3)

ذكره البخاري تعليقاً في صحيحه 2: 753 كتاب البيوع، باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع.

(4)

ساقط من هـ.

ص: 441

وأما كون بيع النجش وتلقي الركبان باطلين على روايةٍ فلما تقدم ذكره في الصورة الأولة والثانية.

ص: 442

فصل [في خيار التدليس]

قال المصنف رحمه الله: (الرابع: خيار التدليس بما يزيد به الثمن؛ كتصرية اللبن في الضرع، وتحمير وجه الجارية، وتسويد شعرها، وتجعيده، وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها فهذا يثبت للمشتري خيار الرد مع المصراة عوض اللبن صاعاً من تمر فإن لم يجد التمر فقيمته في موضعه سواء كانت ناقة أو بقرة أو شاة).

أما كون الرابع خيار التدليس؛ فلأنه يلي الثالث.

وأما قول المصنف رحمه الله: كتصرية اللبن في الضرع

إلى قوله: عند عرضها؛ فتعداد لصور التدليس وبيان لها.

وأما كون التدليس يُثبت للمشتري خيار الرد: أما التصرية؛ فلما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعدُ فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر» (1) متفق عليه.

ولأنه تدليس غر المشتري فيه بالتصرية فكان له الخيار كبيع النجش.

وأما باقي الصور التي ذكرها المصنف رحمه الله؛ فلأنه في معناها لأنه تدليس يختلف الثمن باختلافه أشبه التصرية.

وأما معنى التصرية فهو جمع اللبن في الضرع.

قال البخاري: أصل التصرية حبس الماء. يقال: صرى الماء في الحوض وصرى الطعام في فيه وصَرَى الماء في ظهره إذا ترك الجماع. وأنشد أبو عبيدة:

رأيت غلاماً قد صَرَى في فِقْرَتِهْ

ماءَ الشباب عُنْفُوانَ سَنْبِتِهْ

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2041) 2: 755 كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يُحفل الإبل والبقر والغنم وكل مُحفلةٍ.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1515) 3: 1155 كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه

ص: 443

وأما كون المشتري يرد مع المُصَرّاةِ عوض اللبن صاعاً من تمر؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر» (1).

وفي لفظ للبخاري: «وإن سَخِطَهَا ففي حَلْبَتِهَا صاعٌ من تمر» (2).

وأما كونه يرد قيمة التمر إذا لم يجده؛ فلأنه عجز عن عين الواجب فوجب الرجوع إلى قيمته أشبه ما لو أتلف ذلك على آدمي.

وأما كون قيمة التمر في موضع العقد؛ فلأن القيمة بدل عن التمر فكان موضعه موضعه.

وأما كون التصرية تُثبت خيار الرد سواء كانت المصراة ناقة أو بقرة أو شاة فلعموم قوله عليه السلام: «من اشترى مُصَرَّاةً فهو بالخيار» (3) رواه البخاري.

وفي حديث ابن عمر: «من ابتاع مُحَفّلَةً» (4). ولم يفصل.

ولأن الإبل والغنم منصوص عليهما بقوله عليه السلام: «لا تصروا الإبل والغنم» (5) فثبت فيهما بالتصريح وفي البقر بالتنبيه لأن لبن البقر أغزر وأكثر.

قال: (فإن كان اللبن بحاله لم يتغير رده وأجزأه. ويحتمل أن لا يجزئه إلا التمر).

أما كون المشتري يرد اللبن غير المتغير ويجزئه على المذهب؛ فلأن التمر إنما وجب عن اللبن فإذا رد الأصل وجب أن يجزئ كسائر الأصول مع أبدالها.

وأما كونه يحتمل أن لا يجزئه إلا التمر؛ فلأن كون اللبن في الضرع أحفظ له.

ولأن إطلاق الحديث يدل عليه.

وأما قول المصنف رحمه الله: لم يتغير فظاهره أن اللبن إذا تغير لا يجزئه رده وجهاً واحداً لأنه جعل عدم التغيير شرطاً في الإجزاء. وظاهر قول القاضي أن الخلاف

(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2044) 2: 756 كتاب البيوع، باب إن شاء رد المُصَراة وفي حَلبتها صاع من تمر.

(3)

أخرجه البخاري في الموضع السابق. ولفظه: «من اشترى غنماً مصراة

».

وأخرجه مسلم في صحيحه (1524) 3: 1158 كتاب البيوع، باب حكم بيع المصراة. واللفظ له.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3446) 3: 271 كتاب البيوع، باب من اشترى مصراة فكرهها.

(5)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 444

موجود مع التغير وعدمه لأنه علل احتمال الإجزاء بأن النقص حصل باستعمال (1) المبيع. وعلل احتمال عدم الإجزاء بأن اللبن نقص في يده بالحموضة فهو كما لو أتلفه. وصرح المصنف في الكافي بالخلاف مع التغير ونسب لزوم القبول إلى القاضي.

قال: (ومتى علم التصرية فله الرد. وقال القاضي: ليس له ردها إلا بعد ثلاث).

أما كون المشتري له الرد بمجرد العلم على المذهب؛ فلأنه علم سبب الرد فكان له حينئذ أشبه ما لو علم بالعيب.

وأما كونه ليس له ذلك قبل مضي ثلاث على قول القاضي؛ فلأن أبا هريرة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اشترى مُصَرّاةً فهو بالخيار ثلاثة (2) أيام» (3) رواه مسلم.

وجه الحجة: أن الشرع قدر الثلاث لمعرفة التصرية لأن التصرية لا تعرف إلا بعد مضيها لأنه يجوز أن يختلف لبنها لتغير المكان واختلاف العلف (4) فإذا مضت الثلاثة استبان ذلك فوجب أن يثبت له الخيار حينئذ ولا يثبت قبله.

وقال المصنف رحمه الله في المغني: ظاهر قول ابن أبي موسى أنه إذا علم التصرية ثبت له الخيار في الأيام الثلاثة إلى تمامها وهو ظاهر الحديث.

قال: (وإن صار لبنها عادة لم يكن له الرد في قياس قوله: إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج لم يملك الرد).

أما كون المشتري ليس له الرد إذا صار لبن المصراة عادة؛ فلأن الخيار جُعل لدفع الضرر بالعيب وقد زال الضرر فامتنع ثبوت الرد؛ لأن الحكم يزول بزوال علته.

وأما قول المصنف رحمه الله: في قياس قوله إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج؛ فتنبيه على أمرين:

أحدهما: أن الحكم في المصراة مأخوذ من المسألة المذكورة لأنها منصوص عليها والمصراة في معناها.

(1) في و: باستعلام.

(2)

في هـ: ثلاث.

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

في هـ: العلم.

ص: 445

وثانيهما: أن الأمة إذا بيعت فبانت مزوجة فطلقها الزوج لا رد لمشتريها. وقد تقدم علة ذلك.

قال: (وإن كانت التصرية في غير بهيمة الأنعام فلا رد له في أحد الوجهين. وفي الآخر: له الرد، ولا يلزمه بدل اللبن).

أما كون مشتري المصراة من غير بهيمة الأنعام كالأمة والأتان لا رد له في وجهٍ؛ فلأن لبن ذلك لا يعتاض عنه في العادة ولا يقصد قصد لبن بهيمة الأنعام.

وأما كونه له الرد في وجهٍ فلعموم قوله عليه السلام: «من اشترى مُصَرَّاةً» (1) و «من اشترى مُحَفّلَةً» (2).

ولأن الثمن يختلف بذلك لأن لبن الأمة يراد للارتضاع ويرغب فيها ظئراً ويحسن ثديها ولذلك لو اشترط كثرة لبنها فبان بخلافه ملك الفسخ ولبن الأتان يراد لولدها.

وأما كونه لا يلزمه بدل اللبن على كل حال؛ فلأن ذلك لا يباع عادة ولا يعاوض عنه.

قال: (ولا يحل للبائع تدليس سلعته ولا كتمان عيبها فإن فعل فالبيع صحيح.

وقال أبو بكر: إن دلس العيب فالبيع باطل، قيل له: فما تقول في التصرية؟ فلم يذكر جواباً).

أما كون البائع لا يحل له التدليس؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غشنا فليس منا» (3).

و«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التصرية» (4) لكونها تدليساً وذلك يقتضي عدم حل كل تدليس.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2056) 2: 759 كتاب البيوع، باب النهي عن تلقي الركبان. عن ابن مسعود.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (101) 1: 99 كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من غشنا فليس منا» .

وأخرجه الترمذي في جامعه (1315) 3: 606 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2225) 2: 749 كتاب التجارات، باب النهي عن الغش.

(4)

سبق ذكره أحاديث النهي عن التصرية قبل قليل.

ص: 446

وأما كونه لا يحل له كتمان العيب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمُ أخو المسلم. لا يَحلُ لمسلمٍ باعَ من أخيه بَيعاً إلا بيّنهُ له» (1).

وقال: «من بَاع بيعاً لم يُبيّنه، لم يَزل في مَقْتٍ من الله، ولم تزل الملائكةُ تَلعنه» (2) رواهما ابن ماجة.

وقال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» (3) متفق عليه.

وأما كون البيع مع ذلك صحيحاً على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صحح بيع المصراة مع أنه منهي عنه وأثبت فيه الخيار (4).

ولأن العيب نقص في حق المشتري فلم يمنع صحة البيع كالتصرية.

وأما كونه باطلاً إذا دلس العيب على قول أبي بكر؛ فلأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد والبطلان.

والأول أصح؛ لحديث المصراة.

وأشار المصنف إلى انقطاع حجة أبي بكر بقوله: قيل له: ما تقول في التصرية؟ فلم يذكر جواباً لأن التصرية إلزام صحيح ليس عنه جواب.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2246) 2: 755 كتاب التجارات، باب من باع عيباً فليبينه.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2247) الموضع السابق. قال في الزوائد: في إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس وشيخه ضعيف.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (1973) 2: 732 كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1532) 3: 1164 كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان.

(4)

ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 447

فصل [في خيار العيب]

قال المصنف رحمه الله: (الخامس: خيار العيب. وهو: النقص كالمرض وذهاب جارحة أو سن أو زيادتها ونحو ذلك. وعيوب الرقيق من فعله كالزنا والسرق والإباق والبول في الفراش إذا كان من مميز، فمن اشترى معيباً لم يعلم عيبه فله الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن).

أما كون الخامس خيار العيب؛ فلأنه يلي الرابع.

وأما كون العيب يثبت للمشتري خيار الرد؛ فلأن مطلق العقد يقتضي السلامة بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه اشترى مملوكاً فكتب: هذا ما اشترى محمد بن عبدالله من العَدّاءِ بن خالد، اشترى منه عبداً أو أمة لا دَاءَ به ولا غَائِلَةَ بيع المسلمِ للمسلم» (1).

وإذا كان مقتضى العقد السلامة وجب ثبوت الخيار بظهور المبيع معيباً استدراكاً لما فاته وإزالة لما يلحقه من ضرر بقائه في ملكه ناقصاً عن حقه.

وأما كون العيب المثبت للخيار النقص؛ فلأنه يقلل الثمن في عادات التجار لأن المبيع إنما صار محلاً للعقد باعتبار صفة المالية فوجب اعتبار النقص لأنه ينقص به الثمن في عادة أهل ذلك.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالمرض

إلى قوله: ونحو ذلك فتعداد لأشياء ينقص بها الثمن ليست من فعل العبد.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1216) 3: 520 كتاب البيوع، باب: ما جاء في كتابة الشروط.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2251) كتاب التجارات، باب: شراء الرقيق.

وذكره البخاري معلقاً 2: 731 في كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا.

ص: 448

وأما قوله: كالزنا والسرق والإباق والبول في الفراش فتعداد لأشياء ينقص بها الثمن وهي من فعل العبد.

وكل ذلك يثبت به الخيار لأن الزنا ينقص قيمة العبد ويعرضه لإقامة الحد ويقلل الرغبة فيه وربما أدى ذلك إلى تلفه، والسرق والإباق والبول في الفراش عيب في الكبير وهو الذي جاوز العشر. وهو المراد بقول المصنف رحمه الله: إذا كان من مميز وليس ذلك بعيب في الصغير لأن السرق والإباق في الصغير لنقصان عقله والبول لضعف بُنْيَتِه، وفيما بعد الكبر لخبث في طبيعته والبول لداء في باطنه.

وأما كون من اشترى معيباً لم يعلم عيبه له الخيار بين رده وبين إمساكه مع الأرش: أما الرد؛ فلأنه ظهر على عيب لم يعلم به فاستحق به الأرش كما لو تعيب عنده.

ولأنه فاته جزء من المبيع فكان له المطالبة بعوضه كما لو أتلفه بعد البيع.

فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم خيّر في المصراة بين الرد وبين الإمساك بلا أرش فيجب أن يكون هنا كذلك.

قيل: المصراة ليس فيها عيب وإنما ملك الخيار بالتدليس لا لفوات جزء فلذلك لا يستحق أرشاً.

ولأن إلحاق المعيب بالمصراة لا يصح لأن المصراة لا يرجع مشتريها بالأرش إذا تعذر الرد بخلاف المعيب فإنه يرجع بالأرش عند تعذر الرد وفاقاً من المخالف هنا.

وفي تقييد المصنف رحمه الله الخيار بعدم العلم إشعار بأنه إذا كان عالماً لا خيار له وهو صحيح لأنه دخل على بصيرة فلم يثبت له خيار كما لو صرح بالرضى به (1).

وأما كون الأرش قسطُ ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن؛ فلأنه لا يؤدي إلى محذور [بخلاف جعله قسط قيمته لأنه يؤدي إلى محذور](2) وهو اجتماع الثمن والمثمن للمشتري في صورة هي: ما لو كان الثمن نصف قيمته وكان الأرش نصف قيمته لأنه إذا اشترى ما قيمته عشرون بعشرة فوجد به عيباً أرشه عشرة فإذا أخذها اجتمع له الثمن والمثمن.

فإن قيل: ما مثال قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن؟

(1) ساقط من هـ.

(2)

مثل السابق.

ص: 449

قيل: مثاله أن يكون قيمته صحيحاً عشرة ومعيباً خمسة فالمعيب نقص خمسة ونسبتها إلى قيمته صحيحاً النصف فيرجع (1) بنصف الثمن وهو المعني بقول المصنف رحمه الله: وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن.

قال: (وما كسب فهو للمشتري وكذلك نماؤه المنفصل. وعنه: لا يرده إلا مع نمائه).

أما كون كسب المبيع المعيب المردود لعيبه للمشتري؛ فلأن عائشة روت «أن رجلاً اشترى عبداً فاستغلّه ما شاء ثم وجد به عيباً فردَّه. فقال: يا رسول الله! إنه استَغَلّ غلامي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان» (2) رواه أبو داود وابن ماجة.

وأما كون المنفصل كالولد والثمرة المجذوذة واللبن المحلوب كذلك على المذهب؛ فلأنه نماءٌ حدث في ملك المشتري فلم يمنع الرد كالكسب، وكما لو كان في يد البائع.

وأما كونه لا يرد الأصل إلا معه على روايةٍ؛ فلأن النماء موجَب العقد فلا يُرْفَع العقد مع بقاء موجبه.

وهذا الخلاف هو المعنيّ بقول المصنف رحمه الله: وكذلك نماؤه المنفصل. وعنه: لا يرده إلا مع نمائه. ولا تعود هذه الرواية إلى الكسب لأنه ذكر في المغني أن الكسب زيادة من غير العين. ثم قال: فكل ذلك للمشتري في مقابلة ضمانه. ثم قال: ولا نعلم في هذا خلافاً. وحكى في الكافي في الزيادة من غير العين كالكسب ونحوه روايتين وفيه نظر لما ذكر عن المصنف في المغني.

وحكى صاحب النهاية فيها: الكسب مما أجمع عليه.

قال: (ووطء الثيب لا يمنع الرد. وعنه: يمنع).

أما كون وطء الثيب لا يمنع الرد على روايةٍ؛ فلأنه قول زيد بن ثابت.

وأما كونه يمنعه على روايةٍ؛ فلأنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(1) في هـ: ويرجع.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3510) 3: 284 كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيباً.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2243) 2: 754 كتاب التجارات، باب الخراج بالضمان.

ص: 450

ولأن الوطء يجري مجرى الجناية لأنه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال فوجب أن يمنع الرد كما لو كانت بكراً.

والأولى أصح لما ذكر.

ولأنه معنى لا ينقص عينها ولا قيمتها ولا يتضمن الرضا بالعيب فلم يمنع الرد كالاستخدام.

قال: (وإن وطئ البكر أو تعيبت عنده فله الأرش. وعنه: أنه مخير بين الأرش وبين رده وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن.

قال الخرقي: إلا أن يكون البائع دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملاً).

أما كون المشتري له الأرش إذا وطئ البكر أو تعيب المبيع عنده ثم ظهر على عيب؛ فلأن العقد اقتضى السلامة فقابل كل جزء من الثمن كل جزء من المبيع فإذا فات منه شيء وجب الرجوع فيما قابله من الثمن.

وفي اقتصار المصنف على الأرش إشعار بأن وطء البكر وحدوث العيب يمنع الرد وهو صحيح على المذهب.

أما وطء البكر؛ فلأنه إذهاب لجزء منها أشبه ما لو قطع يدها.

وأما في حدوث العيب في ملكه كقطع يدها وما أشبه ذلك؛ فلأن الرد بالعيب إنما شرع لإزالة الضرر وفي رد المبيع المعيب عند المشتري ضرر على البائع والضرر لا يزال بالضرر.

ولأن ضرر المشتري ينجبر بالأرش فتعين لكونه طريقاً صالحاً لإزالة ضرر سالماً عن معارضة ضرر البائع.

وأما كونه مخيراً بين أخذ الأرش وبين رد المبيع وأرش العيب الحادث على روايةٍ؛ فلأنه عيب حدث عند أحد المتبايعين فلم يمنع الخيار المذكور كالعيب الحادث عند البائع قبل القبض.

ولأن العيبين قد وجدا والبائع قد دلس والمشتري لم يدلس فكان اعتبار خيانة المدلس أولى.

ص: 451

ولأن الرد كان جائزاً قبل حدوث العيب فلا يزول عنه إلا بدليل وضرر البائع ينجبر برد أرش العيب الحادث عند المشتري عليه.

فعلى هذا إن أمسك المبيع وأخذ أرش العيب الموجود قبل البيع فلا إشكال، وإن رد المبيع نظر في البائع فإن لم يكن دلس العيب وجب على المشتري رد أرش العيب الحادث عنده؛ لأن التلف حصل في يده فكان ضمانه عليه.

ولأن الأرش الحادث في ملك البائع عليه. فكذلك الأرش الحادث في ملك المشتري وإذا وجب على المشتري ذلك سقط من الثمن ما قابله إن كان من جنسه وأخذ المشتري باقي الثمن؛ لأنه عوض فات معوضه.

وإن كان البائع دلس العيب لم يجب على المشتري رد أرش العيب الحادث عنده لأن البائع غرّه فكان ما يستحقه عليه من أرش العيب الحادث عليه كما لو زوجه أمة على أنها حرة. ويأخذ المشتري من البائع الثمن كاملاً لفوات معوضه السالم عن استحقاق أرش.

قال: (قال القاضي: ولو تلف المبيع عنده ثم علم أن البائع دلس العيب رجع بالثمن كله. نص عليه في روايةِ حنبل. ويحتمل أن يلزمه عوض العين إذا تلفت وأرش البكر إذا وطئها لقوله عليه السلام: «الخراج بالضمان» (1)، وكما يجب عوض لبن المصراة على المشتري).

أما كون المشتري يرجع بالثمن كله من غير أن يضمن العين على منصوص الإمام أحمد فلما ذكر في أرش العيب الحادث عند المشتري إذا دلسه البائع.

وأما كونه يحتمل أن يلزمه عوض العين وأرش البكر؛ فلأن التلف حصل في يده. وقد أيد المصنف هذا الاحتمال بأن قال في المغني: مذهب أكثر أهل العلم فيما أرى أن المبيع بعد قبضه من ضمان المشتري سواء دلس البائع العيب أو لم يدلسه وهو معنى قوله عليه السلام: «الخراج بالضمان» (2).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

مثل السابق.

ص: 452

ولأن المصراة أصل الرد بالعيب، والتصرية تدليس ومع ذلك أوجب على المشتري عوض اللبن.

ولأنه مبيع تعيب في يد المشتري بعد تمام ملكه عليه فكان من ضمانه كما لو لم يدلسه.

قال: (وإن أعتق العبد أو تلف المبيع رجع بأرشه، وكذلك إن باعه غير عالم بعيبه نص عليه، وكذلك إن وهبه. وإن فعله عالماً بعيبه فلا شيء له، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شيء إلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الأرش).

أما كون المشتري يرجع بالأرش إذا أعتق العبد؛ فلأن الرد تعذر من جهته أشبه ما لو أمسك المبيع.

ولأنه كان مخيراً بين الرد والأرش فإذا تعذر الرد تعين الأرش لأن التخيير بين سببين يقتضي تعين أحدهما عند تعذر الآخر.

وأما كونه يرجع بالأرش إذا تلف المبيع فلتعينه طريقاً إلى استدراك ظلامته.

وأما كونه إذا باعه غير عالم بعيبه كذلك على المذهب؛ فلأن الرد متعذر أشبه ما لو أعتقه أو تلف في يده.

وأما كونه لا أرش له على روايةٍ؛ فلأنه استدرك ظلامته بالبيع (1) لكن إن رد عليه كان له حينئذ الخيرة بين الرد والأرش لأن الرد إنما امتنع للتعذر أو استدراك الظلامة فإذا عاد ملكه زالا فيكون له الخيرة كما لو لم يبعه.

وأما كونه إذا وهبه كذلك؛ فلأن الهبة كالبيع المذكور معنى فكذا يجب أن تكون حكماً (2).

وأما كونه إذا باعه عالماً بالعيب لا شيء له؛ فلأنه تصرف في المبيع بعد علمه بعيبه أشبه ما لو صرح بالرضا بالعيب.

(1) في هـ: استدارك ظلامته بالمبيع.

(2)

في هـ: المذكور ومعنى فله الخيار يكون حكماً.

ص: 453

وقال المصنف في المغني: قياس المذهب أنه يستحق الأرش لأن له إمساك المعيب والمطالبة بالأرش، والتصرف هنا مُنَزّل منزلة الإمساك مع العلم.

قال: (وإن باع بعضه فله أرش الباقي، وفي أرش المبيع الروايتان.

وقال الخرقي: له رد ملكه منه بقسطه من الثمن أو أرش العيب بقدر ملكه فيه).

أما كون البائع له أرش باقي المبيع؛ فلأنه باق (1) في يده فات منه جزء اقتضى العقد تسليمه فكان له بدله أشبه ما لو كان الكل.

وأما كونه له أرش المبيع ففيه الروايتان المذكورتان فيما إذا باعه كله. وقد تقدم ذكر ذلك تفصيلاً ودليلاً.

ومفهوم كلام المصنف رحمه الله أنه ليس له رد الباقي لأنه اقتصر على الأرش. ولم تثبت له الخيرة بين الأرش والرد لما تقدم، ويؤيده قوله بعد: وقال الخرقي: له رد ملكه لأنه مشعر بأنه خلاف ما تقدم.

وقال القاضي: رد الباقي مُخَرّج على تفريق الصفقة.

والمنصوص عن الإمام أحمد جواز الرد كما قال الخرقي لأنه مبيع ظهر على عيبه وأمكنه رده فكان له ذلك كما لو كان جميعه باقياً.

وقال المصنف رحمه الله في المغني: الذي يقتضيه النظر أن المبيع إن كان ينقص بالتفريق كمصراعي باب وما أشبهه لا يملك رده لما فيه من الضرر على البائع من نقصان القيمة وسوء المشاركة، وإن لم يكن كذلك يُخرّج على تفريق الصفقة.

قال: (وإن صبغه أو نسجه فله الأرش. وعنه: له الرد ويكون شريكاً بصبغه ونسجه).

أما كون من ذكر له الأرش فلما تقدم غير مرة. ومفهومه أنه لا رد له وذلك صحيح على المذهب لأنه شغل المبيع بملكه فلم يكن له رده لما فيه من سوء المشاركة.

وأما كونه له الرد ويكون شريكاً بقيمة الصبغ والنسج على روايةٍ فقياس على الغاصب.

(1) في هـ: باقي.

ص: 454

والأول المذهب لأن استدراك ظلامة المشتري ممكنة على وجهٍ لا يتضرر البائع فتعين لما فيه من الجمع بين الحقين.

قال: (وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسداً فإن لم يكن له مكسوراً قيمة كبيض الدجاج رجع بالثمن كله وإن كان له مكسوراً قيمة كبيض النعام وجوز الهند فله أرشه. وعنه: يتخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقصه وأخذ الثمن. وعنه: ليس له رد ولا أرش في ذلك كله).

أما كون من اشترى ما مأكوله في جوفه وكسره فوجده فاسداً ولم يكن له مكسوراً قيمة كبيض الدجاج وما أشبهه يرجع بالثمن كله؛ فلأنه تبين أنه لا ينفع وذلك يوجب عدم صحة بيعه لأن بيع ما لا نفع فيه لا يصح وما لا يصح بيعه يرجع مشتريه بثمنه كله.

وأما كونه إذا كان له مكسوراً قيمة كبيض النعام وجوز الهند وما أشبههما له أرشه على المذهب؛ فلأنه تعذر رده من أجل كسره وإذا تعذر رده تعين الأرش.

وأما كونه يتخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقصه وأخذ الثمن على روايةٍ فكما لو تعيب في يده على رواية.

وقال القاضي: إن كسره كسراً لا يمكن استعلام المبيع إلا به فله رده استدراكاً لظلامته ولا أرش عليه لأن الكسر حصل ضرورة الاستعلام، وإن زاد الكسر على ذلك خرج على الروايتين فيما إذا تعيب في يده.

وأما كونه ليس له رد ولا أرش في ذلك كله على روايةٍ؛ فلأن البائع لم يوجد منه تدليس ولا تفريط لعدم معرفته بعيبه.

قال: (ومن علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضا من التصرف ونحوه. وعنه: أنه على الفور. ولا يفتقر الرد إلى رضا ولا قضاء ولا حضور صاحبه).

أما كون من علم العيب لا يبطل بتأخير الرد مع عدم وجدان ما يدل على الرضا بالمبيع معيباً على المذهب؛ فلأنه خيار لدفع الضرر المتحقق فلم يبطل بالتأخير الخالي عن الرضا به كجناية القصاص.

ص: 455

وأما كونه يبطل بتأخير الرد مع وجدان ما يدل على رضا المشتري بالمبيع معيباً مثل إن استغل المبيع أو عرضه على البيع أو تصرف فيه مع علمه بعيبه لأن دليل الرضا منزل منزلة التصريح به.

وأما كونه على الفور على روايةٍ؛ فلأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال أشبه خيار الشفعة.

وأما كون الرد المذكور لا يفتقر إلى رضا ولا قضاء ولا حضور صاحبه؛ فلأنه رفع عقد جعل إليه فلم يعتبر ذلك فيه كالطلاق.

قال: (وإن اشترى اثنان شيئاً وشرطا الخيار أو وجداه معيباً فرضي أحدهما فللآخر الفسخ في نصيبه. وعنه: ليس له ذلك).

أما كون من لم يرض له الفسخ في نصيبه على المذهب؛ فلأن نصيبه جميع ما ملكه بالعقد فجاز له رده بالعيب تارة والشرط تارة كجميع المبيع.

وأما كونه ليس له ذلك على روايةٍ؛ فلأن المبيع خرج من ملك البائع دفعة واحدة فإذا رد أحدهما نصيبه رده مشتركاً ناقصاً فلم يكن له ذلك كما لو تعيب عنده.

قال: (وإن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة فليس له إلا ردهما أو إمساكهما، فإن تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه، والقول في قيمة التالف قوله مع يمينه).

أما كون الواحد إذا اشترى ما ذكر ليس له إلا ردهما أو إمساكهما؛ فلأن في رد أحدهما تفريقاً للصفقة على البائع مع إمكان أن لا يفرقها أشبه رد بعض المعيب الواحد.

قال المصنف في المغني: القياس أنها كالمسألة قبلها. يعني ما إذا اشترى شيئين فوجد بأحدهما عيباً وفيها روايتان مضى ذكرهما وتعليلهما.

فعلى هذا يخرج في المسألة المذكورة هنا رواية أن للمشتري رد أحد المعيبين. وعلل المصنف في المغني فقال: إذ لو كان إمساك أحدهما مانعاً من الرد لمنع من الرد إذا كان صحيحاً.

وأما كونه له رد الباقي بقسطه إذا تلف أحدهما؛ فلأن التالف لا يمكنه رده بخلاف ما إذا كان موجوداً.

ص: 456

وحكى المصنف في المغني: أن الرد هنا على الروايتين في رد أحدهما.

فعلى هذا إن قلنا ليس له رد أحدهما فليس له رد الباقي إذا تلف أحدهما.

وأما كون القول في قيمة التالف قول المشتري مع يمينه؛ فلأنه بمنزلة الغارم لأن قيمة التالف إذا زادت زاد قدر ما يغرمه فهو بمنزلة المستعير والغاصب.

قال: (وإن كان أحدهما معيباً فله رده بقسطه. وعنه: لا يجوز له إلا ردهما أو إمساكهما، وإن كان المبيع مما ينقصه التفريق كمصراعي باب وزوجَيْ خف أو جارية وولدها فليس له رد أحدهما).

أما كون المشتري لما ذُكر له رد المعيب وحده بقسطه من الثمن إذا لم يكن مما ينقصه التفريق ولم تكن جارية وولدها على المذهب؛ فلأنه رد للمبيع المعيب على وجهٍ لا ضرر فيه على البائع فجاز كما لو رد الجميع.

وأما كونه لا يجوز له إلا ردهما أو إمساكهما على روايةٍ؛ فلأن رد المعيب وحده تبعيض للصفقة على المشتري فلم يكن له ذلك كما لو كان المبيع مما ينقص بالتفريق.

وأما كونه ليس له رد أحدهما إذا كان مما ينقص بالتفريق كمصراعي باب وزوجي خُفّ؛ فلأن الرد يتضمن ضرر البائع، والخيار إنما ثبت لإزالة الضرر ولا يزال الضرر بالضرر.

وأما كونه ليس له ذلك إذا كان جارية وولدها؛ فلأن في رد أحدهما تفريقاً بينهما وذلك لا يجوز لما تقدم في موضعه.

ولا بد أن يلحظ في المنع من الجارية وولدها ما في معناهما ممن يحرم التفريق بينهما كغيرهما من كل ذي رحم محرم لأن الكل سواء معنى فكذا يجب أن يكون حكماً. وكذلك زاد بعض من أذن له المصنف رحمه الله في الإصلاح أو ممن يحرم التفريق بينهما.

ص: 457

قال: (وإن اختلفا في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري ففي أيهما يقبل قوله؟ روايتان. إلا أن لا يحتمل إلا قول أحدهما فالقول قوله بغير يمين).

أما كون القول قول المشتري في العيب الذي يحتمل حدوثه قبل الشراء وبعده كالخرق والرفو (1) في الثوب وما أشبه ذلك في روايةٍ؛ فلأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت واستحقاق القدر الذي قابل العيب من الثمن فكان القول قول من ينفيه كما لو اختلفا في قبض الجميع.

وأما كون القول قول البائع في ذلك في روايةٍ؛ فلأن الأصل سلامة المبيع وصحة العقد.

ولأن المشتري يدعي عليه فسخ العقد وهو ينكره.

وأما كون القول قول من لا يحتمل إلا قوله؛ فلأن غيره كاذب في قوله.

فإن قيل: ما صورة ذلك؟

قيل: ذلك على ضربين:

أحدهما: أن لا يحتمل إلا قول المشتري مثل: أن يكون مما لا يحتمل حدوثه عند المشتري كالأصبع الزائدة والجراحة المندملة التي لا يحتمل حدوث مثلها.

وثانيهما: أن لا يحتمل إلا قول البائع مثل: أن يكون مما لا يحتمل حدوثه قبل البيع كالجرح الطري الذي لا يحتمل كونه قديماً. والقول في الأول قول المشتري وفي الثاني قول البائع لما تقدم.

وأما قول المصنف رحمه الله: بغير يمين فإشارة إلى أن اليمين لا تجب في الموضعين المذكورين في حق مَن القول قوله لأن اليمين إنما شرع في موضع يحتمل صدق صاحبه.

وفي قوله: بغير يمين أيضاً إشعار بأن المسألة قبلُ تجب اليمين على من قيل القولُ قولُه لأنه يحتمل صدق صاحبه.

وصفة يمين المشتري: أن يحلف بالله أنه اشتراه وبه هذا العيب وأنه ما حدث عنده.

(1) قال في المصباح: رفوت الثوب رفواً إذا أصلحته. المصباح المنير، مادة رفا.

ص: 458

وصفة يمين البائع على حسب جوابه: إن أجاب: بعته بريئاً من العيوب حلف على ذلك، وإن أجاب: لا يستحق عليّ ما يدعيه من الرد حلف على ذلك.

قال: (ومن باع عبداً تلزمه عقوبة من قصاص أو غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له، وإن علم بعد البيع فله الرد أو الأرش، فإن لم يعلم حتى قتل فله الأرش).

أما كون المشتري لا شيء له إذا اشترى عبداً عالماً أنه تلزمه عقوبةٌ من قصاص أو غيره؛ فلأنه إذا اشتراه مع علمه بذلك يكون راضياً بعيبه أشبه ما إذا اشترى المبيع عالماً بعيبه.

وأما كونه له الخيرة بين الرد والأرش إذا لم يعلم بذلك إلا بعد البيع؛ فلأن ذلك عيب فملك به الخيرة المذكورة كسائر العيوب.

وأما كونه له الأرش إذا لم يعلم حتى قتل؛ فلأن الرد تعذر فتعين الأرش.

فإن قيل: الأرش هنا ما هو؟

قيل: قسط ما بين كونه جانياً وبين كونه غير جان من ثمنه. مثاله: أن يقال قيمته وهو غير جان مائة وقيمته وهو جان خمسون فما بينهما خمسون نسبتها إلى القيمة النصف فالأرش إذاً نصف الثمن.

فإن قيل: هلا يرجع بالثمن كله لأن قتله بسبب حصل عند البائع فجرى مجرى ما لو أتلفه؟

قيل: التلف حصل في يد المشتري بسبب كان عند البائع فلم يرجع بجميع الثمن كما لو اشتراه فبان مريضاً ثم مات بداءٍ به أو مرتداً فقتل بردته.

قال: (وإن كانت الجناية موجبة للمال والسيد معسر قدم حق المجني عليه وللمشتري الخيار، وإن كان السيد موسراً تعلق الأرش بذمته والبيع لازم).

أما كون حق المجني عليه يقدم؛ فلأن حق الجناية سابق على حق المشتري فإذا تعذر إمضاؤهما قدم السابق.

ص: 459

وأما كون المشتري له الخيار؛ فلأن تمكن المجني عليه من انتزاعه عيب فيه فملك الخيار به كما لو اشترى شيئاً فبان معيباً.

وأما كون الأرش يتعلق بذمة السيد مع يساره؛ فلأنه أزال ملكه من عين تعلق بها حق المجني عليه فلزمه الأرش كما لو قتله.

وأما كون البيع مع ذلك لازماً؛ فلأنه لا ضرر على المشتري لتمكن المجني عليه من الرجوع على البائع.

ص: 460

فصل [في خيار التولية]

قال المصنف رحمه الله: (السادس: خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال).

أما كون الخيار يثبت للمشتري في الصور المذكورة إذا ظهر له ببينة أو أقر أن رأس المال أقل؛ فلأن البائع ظلمه في القدر الذي زاد عليه فوجب أن يثبت له الخيار استدراكاً لظلامته قياساً على ما لو ظهر المبيع معيباً.

ولأن المشتري ربما كان له غرض في الشراء على الوجه الذي أوقعه لكونه حالفاً أو وصياً في الشراء على الوصف الذي فعله.

وأما كونه لا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال؛ فلأن العقد يعتمد ذلك إذ معنى التولية: البيع برأس المال، والشركة: بيع البعض بحصته من ذلك، والمرابحة: بزيادة على ذلك، والمواضعة: بوضيعة من ذلك فإذا لم يكن رأس المال معلوماً خرجت الصور عن موضوعاتها.

فإن قيل: لم خص المشتري بمعرفة رأس المال؟

قيل: لأن الظاهر أن المشتري لا يعرفه بخلاف البائع لا أن ذلك شرط في المشتري دون البائع.

فعلى هذا لو كان البائع قد نسي رأس ماله لم يجز بيعه إلا مساومة لأنه لو باع بغير ذلك كان كاذباً لأنه لا بد في جميع الصور أن يقول: رأس ماله كذا فإذا لم يكن عالماً بذلك ولا ظاناً كان كاذباً. قال: (ومعنى التولية: البيع برأس المال؛ فيقول: وليتكه أو بعتكه برأس ماله أو بما اشتريته أو برقمه، والشركة: بيع بعضه بقسطه من الثمن، ويصح بقوله:

ص: 461

شركتك (1) في نصفه أو ثلثه، والمرابحة: أن يبيعه بربح فيقول: رأس مالي فيه بعتكه بها وربح عشرة أو على أن أربح في كل عشرة درهماً، والمواضعة أن يقول: بعتكه بها ووضيعة درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهماً، وإن قال: ووضيعة درهم لكل عشرة لزمه تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم).

أما قول المصنف رحمه الله: ومعنى التولية: البيع برأس المال، والشركة: بيع بعضه بقسطه، والمرابحة: أن يبيعه بربح، والمواضعة أن يقول: بعتكه بها ووضيعة درهم فبيان لمعاني البيوع المذكورة. وفي ذكر ذلك إشارة إلى صحة البيع بذلك كله؛ لأن الثمن معلوم في جميع ذلك فإذا وجد منضماً إلى بقية الشروط وجب الحكم بالصحة عملاً بالعلة المقتضية لها السالمة عن المعارض.

وأما قوله عقيب كل تفسير: فيقول، فتنبيه على أن البياعات المذكورة لها ألفاظ ينعقد البيع بها.

وأما قوله: وليتكه أو بعتكه فتنبيه على أن التولية لها لفظان:

أحدهما: لفظ التولية لأن التولية معناها البيع برأس المال فإذا قال: وليتك هذا الثوب كان بمنزلة ما لو قال: بعتكه برأس ماله.

وثانيهما: لفظ البيع. فيصح بقوله: بعتكه برأس ماله، وبقوله: بعتكه بما اشتريته، وبقوله: بعتكه برقمه لأن لفظ البيع صريح في معناه فإذا اتصل به أحد ما ذكر كان بمنزلة قوله: بعتكه بمائة.

فإن قيل: قد تقدم أن البيع بالرقم لا يصح فكيف يصح هاهنا؟

قيل: حيث قيل لا يصح يكون الثمن مجهولاً عندهما أو عند أحدهما، وحيث قيل: يصح يكون ذلك معلوماً عندهما. وقد تقدم هنا (2) ما يوجب العلم بالثمن وهو قوله: ولا بد من معرفة المشتري رأس المال بخلاف ما تقدم فإنه لم يتقدمه ما يدل على العلم بالثمن ولذلك قال هنا: برأس ماله أو بما اشتريته من غير تعيين لأنه اعتمد على اشتراط معرفة المشتري ذلك بما سبق.

(1) في و: أشركتك.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 462

وأما كون الشركة تصح بقوله: شركتك في نصفه أو ثلثه؛ فلأنه لفظ موضوع للشركة حقيقة فصح به كسائر ألفاظ الحقيقة، وتصح بقوله: بعتك نصفه بنصف رأس ماله وما أشبهه لأنه يفيد المقصود.

وأما كون المرابحة تصح بقوله: رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة، أو على أن أربح في كل عشرة درهماً؛ فلأن الثمن والربح معلومان. وللمرابحة صورتان:

إحداهما: تصح من غير كراهة وهو ما تقدم ذكره لما ذكر.

والثانية: تكره. وهي أن يقول: ده يازده أو ده دوازده (1) لأن ابن عمر وابن عباس كرهاه (2).

ولأن الثمن قد لا يعلم في الحال.

وأما كون المواضعة تصح بقوله: بعتكه برأس ماله ووضيعة درهم من كل عشرة؛ فلأنه لفظ محصل لمقصود البيع بدون رأس المال.

وأما كون المشتري يلزمه في هذه الصورة تسعون؛ فلأن المائة عشر عشرات فإذا أسقط من كل عشرة درهم بقي تسعون.

وأما كونه يلزمه (3) في قوله: ووضيعة درهم لكل عشرة تسعون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم؛ فلأنه لما قال: لكل عشرة درهم وجب أن يكون الدرهم من غير العشرة فكأنه قال: من كل أحد عشر درهماً درهم فيجب أن يسقط من تسعة وتسعين تسعة ومن أحد عشر جزءاً من درهم جزء فيبقى تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم.

(1) في هـ: وازده.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (21574) 4: 413 كتاب البيوع، في بيع ده دوازده.

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (15011) 8: 232 كتاب البيوع، باب بيع ده دوازده. كلاهما عن ابن عباس. وفي (15010) عن ابن عمر ولفظه قال:«بيع ده دوازده رباً» .

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 330 كتاب البيوع، باب المرابحة.

(3)

في هـ: ويلزمه.

ص: 463

قال: (ومتى اشتراه بثمن مؤجل، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد).

أما كون المشتري له الخيار المذكور فيما إذا كان الشراء بثمن مؤجل ولم يبينه البائع له؛ فلأن الأجل يأخذ قسطاً من الثمن فإذا بان للمشتري ذلك وجب أن يثبت له الخيار استدراكاً لظلامته.

وأما كونه له ذلك إذا اشتراه ممن لا تقبل شهادته له؛ فلأنه متهم في حقهم لكونه يحابيهم ويسمح لهم.

وأما كونه له ذلك إذا اشتراه حيلة؛ فلأن ذلك تدليس وهو حرام فأثبت الخيار كتدليس العيب.

وأما كونه له ذلك إذا باع بعض ما اشتراه؛ فلأن قسمة الثمن على ذلك تخمين، واحتمال الخطأ فيه كثير.

وأطلق المصنف رحمه الله ثبوت الخيار هنا في بيع بعض الصفقة، وصرح في المغني بأن البيع إن كان مما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كالمكيل والموزون من صنف واحد جاز بيع بعضه مرابحة لأن ذلك لا يحتاج إلى تخمين بل الثمن مقسوم عليه بالأجزاء وذلك يستدعي عدم ثبوت الخيار لأن جوازه يستدعي نفي الضرر عن المشتري وإلا حرم كالذي لا ينقسم وإذا لم يتضرر فلا خيار وهذا صحيح يجب حمل كلام المصنف هنا عليه.

وفي ثبوت الخيار في الصورة المذكورة إشعار بأمرين:

أحدهما: أن البائع يجب عليه أن يبين ذلك كله للمشتري لأن كتمانه تدليس وذلك حرام لما تقدم.

وثانيهما: أن البيع مع الكتمان صحيح لأن غاية ما تقدم أنه بيع دلس فيه، وذلك لا يمنع الصحة دليله بيع المعيب.

ولأن الضرر يمكن استدراكه بثبوت الخيار فلم تدعُ حاجة إلى إبطاله.

ص: 464

قال: (وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار أو يؤخذ أرشاً لعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال ويخبر به، وإن جنى ففداه المشتري أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه لم يلحق به).

أما كون ما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار يلحق برأس المال ويخبر به؛ فلأن ذلك من الثمن فوجب إلحاقه برأس المال والإخبار به كأصله.

وأما كون ما يؤخذ أرشاً لعيب أو جناية عليه تلحق برأس المال ويخبر به؛ فلأنه أُخذ في مقابلة جزء من المبيع.

وأما كون ما تُفدى به الجناية لا يلحق برأس المال؛ فلأن ذلك ليس من الثمن ولا يزاد به المبيع.

وأما كون ما زيد في الثمن أو حط منه بعد لزوم العقد لا يلحق برأس المال؛ فلأن الزيادة حينئذ بمنزلة الهبة من المشتري والنقصان من البائع لأنه لا يلزم واحداً منهما ذلك فلم يجب إلحاقه به كما لو وهب أحدهما الآخر شيئاً.

قال: (وإن اشترى ثوباً بعشرة وقصره بعشرة أخبر به على وجهه، فإن قال: تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك؟ على وجهين. وإن عمل فيه بنفسه عملاً يساوي عشرة لم يجز ذلك وجهاً واحداً).

أما كون المشتري يخبر بما فعل على وجهه؛ فلأنه لو ضم ذلك إلى الثمن وقال: رأس ماله كذا كان كذباً وتغريراً بالمشتري.

وأما كونه يجوز أن يقول: تحصَّل عليّ بعشرين على وجهٍ؛ فلأنه صادق.

وأما كونه لا يجوز على وجهٍ؛ فلأن فيه تلبيساً ويحتمل أن المشتري لو علم الحال لما رغب فيه لكون ذلك العمل مما لا حاجة إليه أشبه ما لو أنفقه عليه.

قال المصنف في الكافي: بعد ذكره هذا الوجه في المسألة هو ظاهر كلام أحمد.

وأما كونه لا يجوز أن يقول ذلك إذا عمل ما تقدم ذكره بنفسه وجهاً واحداً؛ فلأنه كاذب لأن ما عمله لم يغرم بسببه شيئاً، وإخباره بأنه تحصل عليه بعشرين كذب.

ص: 465

قال: (وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه، وإن قال: اشتريته بعشرة جاز.

وقال أصحابنا: يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه اشتراه بخمسة).

أما كون المشتري يخبر بالحال على وجهه؛ فلأنه أقرب إلى الحق وأبلغ في الصدق.

وأما كونه يجوز أن يقول: اشتريته بعشرة؛ فلأنه اشتراه بذلك.

وأما كونه يحط الربح من الثمن الثاني على قول الأصحاب؛ فلأن الربح أحد نوعي النماء فوجب أن يخبر به في المرابحة كالنماء من نفس المبيع كالولد والثمرة.

وأما كونه يخبر بأنه اشتراه بخمسة؛ فلأن الربح لما حط من الثمن بقي ذلك. وقد روي عن الإمام أحمد أنه لما بلغه أن ذلك مذهب ابن سيرين أعجبه وظاهره أنه أوجب ذلك.

وفي قول المصنف رحمه الله: وقال أصحابنا إشعار بأن جواز الإخبار بأنه بعشرة اختياره.

وقال في المغني بعد ذكره الإخبار بمثل الثمن الثاني: وهو الصحيح. وحمل كلام الإمام أحمد في ذلك (1) على الاستحباب. ويجاب عن قياس الربح على الأرش بأن إلحاق الربح بالكسب أولى من إلحاقه بالأرش (2) لأن الربح والكسب نماء من غير عين المبيع بخلاف الأرش فإنه عوض عن جزء من عين المبيع ولو كان المبيع عبداً فكسب لا يجب أن يحط ذلك من الثمن. فكذلك الربح.

(1) في ج: الكافي.

(2)

في هـ: من الأرش.

ص: 466

فصل [في خيار اختلاف المتبايعين]

قال المصنف رحمه الله: (السابع: خيار يثبت لاختلاف المتبايعين. ومتى اختلفا في قدر الثمن تحالفا فيبدأ بيمين البائع فيحلف ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، فإن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه، وإن تحالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أُقر العقد وإلا فلكل واحد منهما الفسخ، وإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها، فإن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري. وعنه: لا يتحالفان إذا كانت تالفة والقول قول المشتري مع يمينه، وإن ماتا فورثتهما بمنزلتهما).

أما كون الخيار يثبت لاختلاف المتبايعين مثل: أن يدعي المشتري أن البائع باعه العبد بمائة فيقول البائع: بل بمائة وخمسين؛ فلأن ابن مسعود روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول قول البائع والمشتري بالخيار» (1) رواه الإمام أحمد والشافعي.

وفي لفظ: «إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع» (2) رواه ابن ماجة. وفي سياقه أن ابن مسعود رواه للأشعث بن قيس وقد اختلفا في ثمن مبيع فقال للأشعث: فإني أرى أن أرد البيع.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1270) 3: 541 كتاب البيوع، باب ما جاء إذا اختلف البيعان. ولفظه:«إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار» .

وأخرجه أحمد في مسنده (4444) 1: 466.

وأخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (3493) 4: 370.

قال الترمذي: هذا حديث مرسل عون بن عبدالله لم يدرك ابن مسعود.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3511) 3: 285 كتاب البيوع، باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم.

وأخرجه النسائي في سننه (4648) 7: 302 كتاب البيوع، اختلاف المتبايعين في الثمن.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2186) 2: 737 كتاب التجارات، باب البيعان يختلفان.

ص: 467

ولأنه فسخ لاستدراك الظلامة فوجب أن يثبته الاختلاف كالرد بالعيب.

وأما كون المتبايعين يتحالفان والسلعة قائمة؛ فلأن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا» (1).

ولأن كل واحد منهما مدعٍ ومدعًى عليه؛ فإن البائع يدعي الأكثر وينكر الأقل، والمشتري يدعي الأقل وينكر الأكثر.

ولا بد أن يلحظ في التحالف عدم البينة فإن كان لأحدهما بينة قُضي بها لترجحه بها.

ولأن في الحديث المتقدم: «ولا بينة لأحدهما» .

فإن كان لكل واحد منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما.

وأما كونهما يتحالفان إذا كانت السلعة تالفة على روايةٍ فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمشتري بالخيار» (2)، وقياساً على ما إذا كانت السلعة باقية لم تتلف.

فعلى هذه الرواية يُرجع إلى قيمة مثل السلعة المبيعة لأن رد العين متعذر فوجب الرجوع إلى القيمة كما لو أتلف مال آدمي. فإن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري لأنه غارم.

وظاهر كلام أبي الخطاب: أن القيمة إذا زادت على الثمن لا يلزم المشتري الزيادة لأنه قال: المشتري بالخيار بين دفع الثمن الذي ادعاه البائع وبين دفع القيمة. ووجهه: أن البائع لا يدّعي الزيادة فلم يلزم المشتري كما لو أقر لرجل بما لا يدعيه.

وقال صاحب النهاية فيها: إيجاب الزيادة أظهر لأن بالفسخ سقط اعتبار الثمن.

وأما كونهما لا يتحالفان على روايةٍ؛ فلأن مفهوم قوله عليه السلام: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا» (3) أن التحالف لا يشرع عند عدم السلعة.

(1) أخرجه أحمد في مسنده (4446) 1: 466.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 468

ولأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واختلفا في قدرٍ زائدٍ البائع يدعيه والمشتري ينكره والقول قول المنكر. ترك هذا حال قيام السلعة للحديث فيبقى فيما عداه على مقتضاه.

فعلى هذا القول قول المشتري مع يمينه لما تقدم ذكره.

والأولى أولى اختارها الخرقي؛ لما تقدم.

ولأن كل واحد منهما مدع ومنكر فتشرع اليمين كحال قيام السلعة.

ولأنه إذا ثبت مع قيام السلعة مع أنه يمكن معرفة ثمنها للمعرفة بقيمتها؛ لأن الظاهر أن الثمن يكون بالقيمة فمع تعذر ذلك أولى.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والسلعة قائمة» فلأجل تراد المبيع لا لأجل عدم مشروعية التحالف حال تلف السلعة.

وأما ترك ما تقدم ذكره هنا فيجوز إذا لُحظ مساواة محل النزاع محل الوفاق فيما ترك لأجله في محل الوفاق.

وأما كونه يبدأ بيمين البائع؛ فلأنه أقوى جنبة من المشتري لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فالقول ما قال البائع» (1)، وفي بعض الألفاظ:«فالقول قول البائع والمشتري بالخيار» (2) رواه الإمام أحمد والشافعي.

ولأنهما إذا تحالفا عاد المبيع إليه.

وأما كون الحالف يجمع في اليمين بين النفي والإثبات فلما تقدم من أن كل واحد منهما يدعي عقداً وينكر عقداً. وفي قول المصنف في صفة اليمين: ما بعته وإنما بعته إشارة إلى تقديم النفي على الإثبات لأن الأصل في اليمين أنها للنفي.

ويكفيه يمين واحدة لأنه أقرب إلى فصل القضاء.

وأما كون الناكل يلزمه ما قال صاحبه؛ فلأن النكول بمنزلة الإقرار، ولو أقر لزمه ذلك. فكذلك إذا نكل.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2186) 2: 737 كتاب التجارات، باب البيعان يختلفان.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 469

وأما كون العقد يقر إذا رضي أحدهما بقول صاحبه؛ فلأن الراضي إما البائع أو المشتري: فإن كان البائع فلا خيار للمشتري لأنه قد حصل له ما ادعاه، وإن كان المشتري فلا خيار للبائع كذلك.

وأما كون الفسخ لكل واحد منهما فلما تقدم أول الفصل.

وفي إضافة المصنف رحمه الله الفسخ إلى كل واحد منهما إشعار بأنه لا حاجة في فسخ البيع إلى حكم حاكم، وقد صرح به في المغني، وذكر فيه احتمالاً وعلله بتعذر إمضائه في الحكم.

وقال في الكافي: الأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أو يترادان» (1)، ولما تقدم من قول الأشعث: فإني أرى أن أرد البيع (2).

ولأنه خيار لاستدراك ظلامة فكان من غير حكم حاكم كالرد بالعيب.

وأما كون ورثة المتبايعين بمنزلتهما عند موتهما؛ فلأنهم يقومون مقامهما في أخذ مالهما وإرث حقوقهما. فكذلك فيما يلزمهما أو يصير لهما.

قال: (ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ظاهراً وباطناً، وإن فسخ الظالم لم ينفسخ في حقه باطناً وعليه إثم الغاصب).

أما كون العقد ينفسخ ظاهراً وباطناً إذا فسخ المظلوم؛ فلأنه معذور.

وأما كونه لا ينفسخ باطناً إذا فسخ الظالم؛ فلأنه لا عذر له.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله الفرق بين الظالم والمظلوم سواء كان الظالم البائع أو المشتري. ولم أجد نقلاً صريحاً يوافق ذلك ولا دليلاً يقتضيه، بل المنقول في مثل ذلك أن البائع إن كان ظالماً لم ينفسخ العقد باطناً لأنه يمكنه إمضاء العقد واستيفاء حقه ولا ينفسخ العقد باطناً ولا يباح له التصرف وعليه إثم الغاصب؛ لأنه غاصب. وإن كان المشتري ظالماً انفسخ البيع ظاهراً وباطناً لعجز البائع عن استيفاء حقه هكذا نقله المصنف في المغني والكافي ولم ينقل الفرق بين المظلوم والظالم مطلقاً.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة .. وقد ذكر هذا القول في سياق حديث ابن ماجة.

ص: 470

ونقل عن القاضي أنه قال: ظاهر كلام أحمد أن الفسخ يثبت ظاهراً وباطناً وظاهره التعميم سواء كان الفاسخ الظالم أو المظلوم وعلل قوله بأن ذلك فسخ لاستدراك ظلامة أشبه الرد بالعيب، أو فسخ عقد بعد التحالف أشبه الفسخ باللعان.

قال: (وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه).

أما كون المتبايعين يتحالفان عند الاختلاف في صفة الثمن وفي البلد نقود؛ فلأنهما اختلفا في صفة الواجب فوجب التحالف كاختلافهما في أصل الثمن.

وقال المصنف في المغني: يرجع إلى أوسطها. نص عليه وعليه اليمين لأن الظاهر معه فكان القول قوله مع يمينه كالمنكر.

وأما كونهما لا يتحالفان إذا كان للبلد نقد معلوم؛ فلأنه يرجع إليه لأن الظاهر وقوع البيع به.

قال: (وإن اختلفا في أجَل أو شرط فالقول قول من ينفيه. وعنه: يتحالفان. إلا أن يكون شرطاً فاسداً فالقول قول من ينفيه).

أما كون القول قول من ينفي الأجل على المذهب؛ فلأن الأصل عدمه.

ولأنه منكر والقول قول المنكر.

وأما كون المتبايعين يتحالفان على روايةٍ؛ فلأنهما اختلفا في صفة العقد فوجب التحالف قياساً على الاختلاف في الثمن.

والقول في الاختلاف في رهن أو ضمين أو قدر ما وقع به الرهن أو الضمان كالقول في الاختلاف في الأجل.

وأما الاختلاف في الشروط فعلى ضربين:

أحدهما: شرط صحيح وحكمه كذلك والدليل ما ذكر.

والثاني: شرط فاسد مثل أن يقول أحدهما: وقع العقد بخمر أو بخيار مجهول أو نحوهما فينفيه الآخر فالقول قول من ينفيه لأن الظاهر من حال المسلم أن لا يتعاطى إلا عقداً صحيحاً.

ولم يحك المصنف رحمه الله هنا في مثل ذلك خلافاً لأنه استثنى ذلك من قوله: وعنه يتحالفان.

ص: 471

ومن الاختلاف مما يفسد البيع صورة -وحكى المصنف في المغني فيها خلافاً- وهي ما إذا قال: بعتك وأنا صبي. وعلل قبول قوله بأن الأصل الصغر فعارض ذلك بالظاهر المتقدم ذكره.

قال: (وإن قال: بعتني هذين فقال: بل أحدهما فالقول قول البائع. وإن قال: بعتني هذا قال: بل هذا حلف كل واحد منهما على ما أنكره ولم يَثْبت بيع واحد منهما).

أما كون القول قول البائع إذا اختلفا في مقدار المبيع؛ فلأن البائع ينكر القدر الزائد فاختصت اليمين به كما لو اختلفا في أصل العقد.

وأما كون كل واحد يحلف على ما [أنكره](1) إذا اختلفا في عين المبيع؛ فلأن كل واحد يدعي عقداً على مبيع (2) ينكره صاحبه فيحلف كل واحد منهما على ما أنكره.

وأما كون بيع واحد منهما لا يثبت؛ فلأن الذي ادعاه المشتري أنكره البائع وحلف عليه والقول قول المنكر مع يمينه والذي أقر به البائع لا يدعيه المشتري.

قال: (وإن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه، وقال المشتري: لا أسلمه حتى أقبض المبيع والثمن عين: جُعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما. وإن كان ديناً أجبر البائع على التسليم ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضراً معه، وإن كان غائباً بعيداً أو المشتري معسراً فللبائع الفسخ، وإن كان في البلد حُجر على المشتري في ماله كله حتى يسلمه، وإن كان غائباً عن البلد قريباً احتمل أن يثبت للبائع الفسخ واحتمل أن يحجر على المشتري).

أما كون العدل يُجعل بين البائع والمشتري إذا اختلفا في التسليم أوّلاً والثمن عين؛ فلأنهما استويا في تعلق حقهما بعين كل واحد (3) من الثمن والمثمن، وإذا كان كذلك وجب أن يجعل بينهما عدل يسلم إليهما لأن في ذلك تسوية بين المتساويات.

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

في هـ: على زيد مبيع.

(3)

في هـ: أحد.

ص: 472

وأما كون البائع يجبر على تسليم المثمن، ثم المشتري على تسليم الثمن الحاضر معه والثمن دين -والمراد أن يكون البيع قد وقع بثمن في الذمة لا أن يكون مؤجلاً؛ فلأن حق المشتري تعلق بعين المثمن وحق البائع تعلق بما في ذمة المشتري فوجب تقديم (1) حق المتعلق بالعين كتقديم حق المرتهن على سائر غرماء المفلس.

وأما كون البائع له الفسخ إذا كان الثمن في غيبة بعيدة وهي مسافة القصر أو كان المشتري معسراً؛ فلأنه تعذر عليه أخذ الثمن فكان له الخيار المذكور كالمفلس إذا وجد البائع عنده عين ملكه.

وأما كونه يحجر على المشتري في ماله كله حتى يسلم الثمن الذي في البلد؛ فلأنه إذا لم يحجر عليه في ذلك خيف أن يتصرف في ماله تصرفاً يضر بالبائع.

وأما كونه يحتمل أن يثبت للبائع الفسخ إذا كان الثمن غائباً غيبة قريبة وهي دون مسافة القصر؛ فلأن في التأخير ضرراً على البائع.

وأما كونه يحتمل أن الحجر على المشتري؛ فلأن ما دون مسافة القصر بمنزلة الحاضر.

قال: (ويثبت الخيار للخُلف في الصفة، وتغيّر ما تقدمت رؤيته. وقد ذكرناه).

أما كون الخيار يثبت للخُلف في الصفة بأن يشترط في المبيع صفة فيظهر بخلافها؛ فلأن فيه استدراكاً لما فاته من الصفة.

وللخُلف في الصفة صورتان:

إحداهما: يثبت الخيار فيها بلا خلاف مثل: أن يشترط الأعلى فيبين أدنى. مثل: أن يشترط كون المبيع مسلماً أو بِكراً أو جعداً أو ذا صنعة فيظهر كافراً أو ثيباً أو سبطاً أو لا صنعة له.

وثانيهما: أن يشترط الأدنى فيظهر أعلا. مثل: أن يشترط كونه كافراً أو ثيباً أو سبطاً أو لا صنعة له فيظهر مسلماً أو بكراً أو جعداً أو له صنعة فهذا لا خيار له لأنه زاده خيراً.

(1) في هـ: تقدم.

ص: 473

وقيل: يثبت الخيار فيما إذا شرط الكفر والثيوبة لأن طالب الكافر أكثر لصلاحيته للمسلم وغيره فيكون ثمنه أكثر، وشرط الثيوبة قد يكون لعجزه عن البِكر فإذا كانت بكراً يفوت قصده.

وأما كون الخيار يثبت بتغير ما تقدمت رؤيته مثل: أن يكونا قد رأيا مبيعاً ثم عُقد البيع بعد ذلك فوجده المشتري قد تغير كعبد قطعت يده وثوب فصل وما أشبه ذلك؛ فلأن تغيّر ذلك كالخلف في الصفة.

وأما قول المصنف رحمه الله: وقد ذكرناه ففيه تنبيه على أن ذلك تقدم ذكره. والخُلف في الصفة مذكور في باب الشروط في البيع في الصحيح منها (1)، وتغير ما تقدمت رؤيته مذكور في الفصل السادس من كتاب البيع (2).

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 474

فصل [في البيع قبل القبض]

قال المصنف رحمه الله: (ومن اشترى مكيلاً أو موزوناً لم يجز بيعه حتى يقبضه، وإن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع إلا أن يتلفه آدمي فيتخير المشتري بين فسخ العقد وبين إمضائه ومطالبة متلفه بالقيمة (1). وعنه: في الصَّبُرة المتعينة أنه يجوز بيعها قبل قبضها، وإن تلفت فهي من مال المشتري.

وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه، وإن تلف فهو من مال المشتري. وذكر أبو الخطاب أنه كالمكيل والموزون في ذلك).

أما كون من اشترى مكيلاً أو موزوناً لا يجوز له بيعه حتى يقبضه على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه» (2) متفق عليه.

وقال: «من ابْتَاعَ طعاماً فلا يَبِعْهُ (3) حتى يَستَوفِيه» (4).

وعن ابن عمر: «رأيت الذين يشترون الطعام مُجازَفَةً يُضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَبيعوه حتى يُؤْوُوهُ إلى رِحالهم» (5) متفق عليه.

وعنه قال (6): «كنا نشتري الطعام من الركبان جِزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَبيعَهُ حتى نَنْقُلَه» (7) رواه مسلم.

(1) في هـ: ببذله.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2028) 2: 751 كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض

وأخرجه مسلم في صحيحه (1525) 3: 1160 كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض.

(3)

في هـ: يبيعه.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (2029) 2: 751 كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض

وأخرجه مسلم في صحيحه (1526) 3: 1160 كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (2024) 2: 750 كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1527) 3: 1161 كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض.

(6)

ساقط من هـ.

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه (2017) 2: 747 كتاب البيوع، باب ما ذكر في الأسواق.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1527) 3: 1161 كتاب البيوع، باب بطلان المبيع قبل القبض. واللفظ له.

ص: 475

وكان الطعام مستعملاً يومئذ غالباً فيما كان مكيلاً أو موزوناً (1).

وأما كون الصبرة المتعينة يجوز بيعها قبل قبضها على روايةٍ؛ فلأن التعيين كالقبض.

ولأن ابن عمر قال: «ما أدْرَكتِ الصّفقَةُ حَياً مجموعاً فهو من مَال المشتري» (2).

وأما كون ما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه على المذهب؛ فلأن تخصيص النهي بالمكيل والموزون يدل على نفي الحكم عما عداه.

وأما كونه كالمكيل والموزون على روايةٍ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار» (3) رواه أبو داود.

وقال ابن عباس: «أحسبُ كل شيء بمنزلةِ الطعام» (4).

ولأنه لم يتم ملكه عليه أشبه المكيل.

قال المصنف في الكافي: الأول المذهب، والذي يقتضيه الدليل أن يكون الصحيح أن ما كان مطعوماً لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو لم يكن. وحكى ذلك رواية عن أحمد وعللها بما تقدم من الأحاديث. ويؤيده قول ابن عبد البر: الأصح عن أحمد بن حنبل أن الذي يُمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام.

وأما ما يكون من ضمان بائعه إذا تلف قبل قبضه فعلى ضربين:

أحدهما: ما يتلف بأمر سماوي فينظر فيه فكل ما لا يجوز للمشتري بيعه يكون من ضمان بائعه «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن» (5). والمراد به ربح ما بيع [قبل القبض؛ لأن ربح ما بيع](6) بعده من ضمان المشتري وفاقاً.

(1) في هـ: موزناً.

(2)

ذكره البخاري معلقاً 2: 751 في كتاب البيوع، باب إذا اشترى متاعاً أو دابة فوضعه عند البائع

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3499) 3: 282 كتاب البيوع، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفي.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (2028) 2: 751 كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض

بلفظ: «

ولا أحسب كل شيء إلا مثلَه».

وأخرجه مسلم في صحيحه (1525) 3: 1160 كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض. واللفظ له.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (3504) 3: 283 كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1234) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.

وأخرجه النسائي في سننه (4631) 7: 294 كتاب البيوع، شرطان في بيع وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2188) 2: 737 كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن.

وأخرجه أحمد في مسنده (6628) 2: 175.

(6)

سقط من هـ.

ص: 476

ولأن ذلك لو كان من ضمان المشتري لجاز بيعه والتصرف فيه كما بعد القبض، وما يجوز له بيعه لا يكون من ضمان بائعه لأن ما يجوز للمشتري بيعه تصرفه فيه تام فلم يكن من ضمان بائعه كالمقبوض.

ولأن جواز بيعه يعتمد وجود ما يقوم مقام القبض فيجب أن يقوم مقامه في عدم ضمان البائع له.

وثانيهما: ما يتلف بإتلاف آدميٍّ فينظر فيه فإن كان المشتري المتلف استقر الثمن عليه لأن ذلك كالقبض، وإن كان أجنبياً خُيّر المشتري بين فسخ العقد والرجوع بالثمن وبين إمضائه والرجوع على المتلِف بمثله إن كان مثلياً وإلا بقيمته؛ لأن الإتلاف كالعيب وقد حصل في موضع يلزم البائع ضمانه فكان له الخيار كالعيب في المبيع (1).

وإن كان المتلف البائع فحكمه حكم الأجنبي لأنه أتلفه من يلزمه ضمانه أشبه الأجنبي.

فإن قيل: لو تلف في يده ضمنه بحكم عقد البيع فوجب أن يضمنه إذا أتلفه كذلك.

قيل: إذا تلف في يده لم يوجد مقتض للضمان سوى حكم العقد بخلاف ما إذا أتلفه.

(1) في و: المعيب.

ص: 477

قال: (ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن بكيله ووزنه، وفي الصَّبُرة وما ينقل بالنقل، وفيما يُتناول بالتناول، وفيما عدا ذلك بالتخلية. وعنه: أن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز).

أما كون القبض فيما بيع بما ذكر يحصل بما تقدم ذكره أولاً على المذهب؛ فلأن قبض كل شيء بحسبه لأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحياء والإحراز.

وأما كون قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز على روايةٍ [فلأن](1) ذلك قبض في العقار فليكن في جميع المبيع كذلك بالقياس عليه.

والأول هو الصحيح؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله» (2) أخرجه مسلم.

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بِعتَ فَكِلْ، وإذا ابتَعْتَ فاكتَل» (3) رواه البخاري.

وروي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعِ الطعامِ حتى يجريَ فيه الصاعانِ: صاعُ البائعِ وصاعُ المشتري» (4).

وروى ابن عمر: «كانوا يُضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام جِزافاً أن يَبيعوه حتى يُؤوُوه» (5).

وفي لفظ: «كنا نبتاع الطعام جِزافاً فيَبعثُ علينا من يَأمُرُنا بانتقالِه من مَكانه الذي ابتعنَاه إلى مكانٍ سِواه قبلَ أن نَبيعه» (6).

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1528) 3: 1162 كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض.

(3)

ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً 2: 748 كتاب البيوع، باب الكيل على البائع والمعطي.

وأخرجه أحمد في مسنده (560) 1: 75.

(4)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2228) 2: 750 كتاب التجارات، باب النهي عن بيع الطعام قبل ما لم يقبض. قال في الزوائد: في إسناده محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، أبو عبدالرحمن الأنصاري، وهو ضعيف.

(5)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه (2017) 2: 747 كتاب البيوع، باب ما ذكر في الأسواق.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1527) 3: 1160 كتاب البيوع، باب بطلان المبيع قبل القبض. واللفظ له.

ص: 478

وفي لفظ: «فنهَانا أن نَبيعه حتى نَنْقُلَه» (1) رواهن مسلم.

وجه الحجة من هذه الأحاديث أنه جعل قبض المبيع كيلاً الكيل وقبض المبيع جزافاً النقل وذلك يدل على أن القبض يختلف.

إذا تقرر هذا فقبض المكيل الكيل لما تقدم والموزون الوزن لأنه في معناه. والمراد بالمكيل ما بيع بالكيل وبالموزون ما بيع بالوزن لا ما كان مكيلاً في نفسه أو موزوناً لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل قبض المبيع جزافاً النقل مع كونه مكيلاً وقد جاء في حديثٍ مصرحاً به عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سَميتَ الكيلَ فَكِلْ» (2) رواه الأثرم. فيحمل المطلق على المقيد.

وقبض الصبرة وما ينقل كالثياب والحيوان النقلُ: أما الصبرة فلما تقدم من حديث ابن عمر.

وأما سائر ما ينقل فبالقياس عليه لأنه في معناه.

وقبض ما لا ينقل كالعقار بالتخلية لأنه لا يمكن فيه أكثر من ذلك.

قال: (والإقالة فسخ يجوز في المبيع قبل قبضه، ولا يستحق بها شفعة، ولا يجوز إلا بمثل الثمن. وعنه: أنها بيع فلا يثبت فيها ذلك إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين).

أما كون الإقالة فسخاً على المذهب؛ فلأن الإقالة هي الرفع والإزالة يقال: أقالك الله عثرتك أي أزالها وذلك عين الفسخ.

وأما كونها بيعاً على روايةٍ؛ فلأن المبيع عاد إلى البائع على الجهة التي خرج منها فكان بيعاً كالأول.

ولأنه (3) نقل للملك بعوض على وجه التراضي فكان بيعاً كالأول.

والأول هو الصحيح؛ لما ذكر.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2230) 2: 750 كتاب التجارات، باب بيع المجازفة.

(3)

في هـ: ولأن.

ص: 479

ولأن الإجماع على أن للمسلِم أن يقيل المسلم في جميع المسلم فيه مع إجماعهم على نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه (1) دليل على أن الإقالة ليست بيعاً.

ولأنها تتقدر بالثمن الأول ولو كانت بيعاً لم تتقدر به لأنه عاد إليه المبيع بلفظ لا ينعقد به البيع فكان فسخاً كالرد بالعيب.

وفائدة الخلاف ما ذكره المصنف رحمه الله من أنها تجوز في المبيع قبل قبضه ولا يستحق بها شفعة ولا تجوز إلا بمثل الثمن الأول إن قيل هي فسخ.

أما كونها تجوز في المبيع قبل القبض؛ فلأنها فسخ والفسخ لا يعتبر فيه القبض كالرد بالعيب والفسخ بالخيار والتدليس.

وأما كونها لا يستحق بها شفعة؛ فلأن العقد الذي يستحق به الشفعة البيع ولا بيع.

وأما كونها لا تجوز إلا بمثل الأول قدراً ونوعاً؛ فلأن العقد إذا ارتفع رجع كل واحد منهما بما كان له.

وأما كونها (2) لا يثبت فيها ذلك إلا بمثل الثمن إن قيل هي بيع لأن بيع المبيع لا يجوز قبل قبضه والشفعة تستحق لبقاء نقل الملك بل تتأكد لأن النقل تكرر.

ولا يثبت ذلك في الثمن في وجهٍ لأن ذلك بيع فلم يشترط فيه المثل كسائر البياعات، ويثبت فيه في وجهٍ لأن الإقالة خصت بمثل الثمن كالتولية وكما اختصت المرابحة بالربح.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: وأنها.

ص: 480