المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب بيع الأصول والثمار - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٢

[ابن المنجى، أبو البركات]

الفصل: ‌باب بيع الأصول والثمار

‌باب بيع الأصول والثمار

قال المصنف رحمه الله: (ومن باع داراً تناول البيعُ أرضها وبناءها وما يتصل بها لمصلحتها كالسلاليم والرفوف المسمرة والأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرحا المنصوبة، ولا يدخل ما هو مودع فيها من الكنز والأحجار المدفونة، ولا المنفصل منها كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش، إلا ما كان من مصالحها كالمفتاح وحجر الرحا الفوقاني فعلى وجهين).

أما كون بيع الدار يتناول أرضها وبناءها؛ فلأنهما داخلان في مسمى الدار.

وأما كونه يتناول ما يتصل بالدار لمصلحتها؛ فلأنه متصل بها لمصلحتها أشبه حيطانها.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالسلاليم

إلى قوله: والرحا المنصوبة فتعداد لأشياء متصلة بالدار لمصلحتها.

وأما كون ما هو مودع فيها من الكنز والأحجار المدفونة لا يدخل في بيع الدار؛ فلأن ذلك مودع فيها للنقل عنها أشبه الفرش والستور.

وأما كون المنفصل الذي لا مصلحة للدار فيه كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش لا يدخل؛ فلأن اللفظ لا يشمله ولا هو من مصلحة المبيع. فلم يدخل؛ كالمودَع فيها.

وأما كون ما فيه مصلحة للدار كالمفتاح وحجر الرحا الفوقاني يدخل على وجهٍ؛ فلأنه من مصلحة المبيع. أشبه المتصل بها.

وأما كونه لا يدخل على وجهٍ؛ فلأن لفظ الدار لا يتناوله ولا هو متصل لمصلحتها أشبه الفرش والستور.

ص: 505

قال: (وإن باع أرضاً بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع، وإن لم يقل: بحقوقها فعلى وجهين).

أما كون الغِراس والبناء يدخلان فيما إذا باع أرضاً بحقوقها؛ فلأن كل واحد منهما تابع للأرض من كل وجه ويُتَّخَذ للبقاء فيه لأنه ليس لانتهائه مدة معلومة.

وأما كونهما يدخلان أيضاً إذا لم يقل بحقوقها على وجهٍ؛ فلأنهما من حقوق الأرض بدليل ما لو قال: بحقوقها، وما كان من حقوقها يدخل في الإطلاق كطُرُقها ومنافعها.

وأما كونهما لا يدخلان على وجهٍ؛ فلأنهما ليسا من الأرض فلا يدخلان في البيع كالثمرة المؤبرة في بيع الشجرة.

ومن نصر الأول قال الثمرة لا تراد للبقاء فليست من حقوقها بخلاف البناء والشجر.

قال: (وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة والبقول، أو تتكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة من القثاء والباذنجان للبائع إلا أن يشترطه المبتاع).

أما كون الأصول فيما ذكر للمشتري؛ فلأن ذلك ركب للبقاء أشبه الشجر.

وأما كون الجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة مما ذكر للبائع ما لم يشترطه المشتري؛ فلأنه يؤخذ ثمرته مع بقاء أصله أشبه ثمرة الشجرة المؤبرة.

وأما كون ذلك للمبتاع إذا اشترطه؛ فلأنه لو اشترى شجراً عليه ثمر قد أُبِّر واشترطه كان له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتاعَ نخلاً بعد أن تُؤَبَّرَ فثمرتُها للبائعِ إلا أن يشترطهُ المبتاع» (1) فكذا هاهنا لمشاركته لما ذكر معنى الموجب لمشاركته حكماً.

(1) سيأتي تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 506

قال: (وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع مبقى إلى الحصاد إلا أن يشترطه المبتاع).

أما كون ذلك للبائع ما لم يشترطه المبتاع؛ فلأنه نماء ظاهر، لفصله غاية فلم يدخل في بيع الأرض كالطلع المؤبر.

وأما كونه مبقى إلى الحصاد؛ فلأن ذلك هو العرف في نقله فحمل عليه كالثمرة تباع بعد بُدُوّ صلاحها.

وأما كونه للمبتاع (1) إذا اشترطه؛ فلأنه بمنزلة الثمر الذي أُبِّر أصله وقد تقدم دليله.

(1) في هـ: للبائع.

ص: 507

فصل

قال المصنف رحمه الله: (ومن باع نخلاً مؤبراً. وهو: ما تشقق طلعه فالثمر للبائع [متروكاً في رؤوس النخل إلى الجذاذ] (1) إلا أن يشترطه المبتاع، وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد كالعنب والتين والتوت والرمان والجوز. وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح والسفرجل واللوز، وما خرج من أكمامه كالورد والقطن وما قبل ذلك فهو للمشتري. والورق للمشتري بكل حال. ويحتمل في ورق التوت المقصود أخذه أنه إن تفتح فهو للبائع وإن كان حباً فهو للمشتري. وإن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري.

وقال ابن حامد: الكل للبائع).

أما كون ثمر النخل المؤبر للبائع إذا لم يشترطه المبتاع فلما تقدم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع» (2) رواه الأئمة منهم البخاري وأبو داود.

(1) ساقط من هـ.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2250) 2: 838 كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1543) 3: 1173 كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر.

وأخرجه أبو داود في سننه (3433) 3: 268 كتاب البيوع، باب في العبد يباع وله مال.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1244) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير

وأخرجه النسائي في سننه (4636) 7: 297 كتاب البيوع، العبد يباع ويستثني المشتري ماله.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2211) 2: 746 كتاب التجارات، باب ما جاء فيمن باع نخلاً مؤبراً أو عبداً له مال.

وأخرجه أحمد في مسنده (6380) 2: 150.

ص: 508

وأما كونه يُتْرك في رؤوس النخل إلى الجذاذ؛ فلأن العرف أن ذلك لا يقطع عند بيعه بل عند استحكام نضجه وصلاحيته للأكل.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهو ما تشقق طلعه فتفسير للنخل المؤبر. والتأبير في اللغة: التلقيح، وقيل: هو ظهور الثمرة من جف الطلع. والأول أكثر وأشهر.

قال المصنف في المغني: إلا أن الحكم متعلق بالظهور دون التلقيح بغير خلاف، ولذلك فسّره هنا بما تشقق طلعه.

وأما كون الشجر الذي فيه ثمر باد كالعنب والتين والتوت والرمان والجوز كالنخل؛ فلأن بُدُوّ ذلك من شجره بمنزلة ظهور الرطب من طلعه.

وأما كون ما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح والسفرجل واللوز والأجاص والخوخ للبائع وما لم يظهر للمشتري؛ فلأن ظهوره من ذلك كظهوره من الطلع وعدم ظهوره كعدم ظهوره فيجب أن يعطى حكمه.

وقال القاضي: يحتمل أن يكون للبائع بظهور نوره لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر.

والأول أولى لأن الذي في الطلع عين التمر بخلاف النور فإنه يتساقط والثمر غيره.

وأما كون ما يخرج من أكمامه كالورد والياسمين والقطن والبنفسج للبائع؛ فلأن خروجه من أكمامه كظهور الثمرة من الطلع وما ظهر من الطلع فهو للبائع. فكذلك ما هو في معناه.

وأما كون ما قبل ذلك كله للمشتري؛ فلأن تقييد ما تقدم ذكره بما ذكر يدل على نفي الحكم عند عدمه.

ولأن ذلك تبع الأصل فوجب أن يكون للمشتري بكل حال كالأصل (1).

وأما كون الورق الذي لا يقصد أخذه كورق المشمش والجوز وما أشبههما للمشتري بكل حال بلا خلاف في المذهب؛ فلأنه ليس بثمر ولا يقصد أخذه فكان تابعاً للأصل.

(1) في هـ: فوجب أن يكون المشتري كالأصل.

ص: 509

وأما كون ما يقصد أخذه كورق التوت للمشتري على المذهب فبالقياس على سائر الورق.

وأما كونه يحتمل أنه إن تفتح فهو للبائع وإن كان حباً فهو للمشتري؛ فلأنه بمنزلة الثمر.

وأما كون ما ظهر من الثمرة للبائع وما لم يظهر للمشتري على المذهب؛ فلأن الحديث المتقدم دل بمنطوقه على أن المؤبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري.

وأما كون الكل للبائع على قول ابن حامد؛ فلأنه إذا لم يحصل الكل للبائع أدى إلى الإضرار باشتراك الأيدي في البستان.

ولأن الباطن يتبع الظاهر كأساسات الحيطان.

قال: (وإن احتاج الزرعُ أو الثمرة إلى سقي لم يلزم المشتري ولم يملك منع البائع منه).

أما كون المشتري لا يلزمه سقي زرع البائع ولا ثمرته؛ فلأنه لا يلزمه تسليم ذلك إليه.

فإن قيل: لو كانت الثمرة للمشتري على أصل البائع لزمه السقي فما الفرق؟

قيل: الفرق بينهما أن ثمرة المشتري التي على أصل البائع عليه تسليمها إليه بخلاف ما ذكر. وإلى ذلك وقعت الإشارة في الدليل.

وأما كون المشتري لا يملك منع البائع من السقي؛ فلأن ذلك مما يبقى به فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول.

ص: 510

وقيد المصنف السقي بالحاجة لأن السقي لغير حاجة يملك المشتري منعه منه لأنه سفه يتضمن التصرف في ملك غيره. وأطلق الحاجة وظاهره أنه لا يملك المنع سواء كان يضر ذلك بالشجر أو لا. وصرح به المصنف في المغني وعلله بأنه دخل في العقد على ذلك لأن العقد اقتضى التبقية.

ص: 511

فصل [في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها]

قال المصنف رحمه الله: (ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، ولا الزرع قبل اشتداد حبه إلا بشرط القطع (1) في الحال، ولا بيع الرطبة والبقول إلا بشرط جزه، ولا القثاء ونحوه إلا لقطة لقطة إلا أن يبيع أصله، والحصاد واللقاط على المشتري فإن باعه مطلقاً أو بشرط التبقية لم يصح).

أما كون بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لا يجوز إذا لم يشترط القطع في الحال فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعِ الثمارِ حتى يَبدُو صَلاحَها، نَهى البائعَ والمشتري» (2) متفق عليه.

والنهي يقتضي الفساد.

وأما كونه يجوز بشرط القطع في الحال؛ فلأن النهي إنما كان خوفاً من تلف الثمرة وحدوث العاهة عليها قبل أخذها بدليل ما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن بيعِ الثمارِ حتى تُزْهِي. قال: أرأيتَ إذا منعَ الله الثمرةَ، بمَ يأخذُ أحدُكُمْ مالَ أخيه» (3) رواه البخاري.

وهذا مأمون فيما يشترط قطعه فجاز بيعه كما لو بدا صلاحه.

وأما كون بيع الزرع قبل اشتداد حبه لا يجوز إذا لم يشترط القطع فلما روى عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن بيعِ السنبلِ حتى يَبْيضَّ ويأمنَ العَاهَة» (4) رواه مسلم.

(1) في هـ: جزه القطع.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2082) 2: 766 كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1534) 3: 1165 كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها بغير شرط القطع.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2086) 2: 766 كتاب البيوع، باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1555) 3: 1190 كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (1535) 3: 1165 كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع.

وأخرجه أبو داود في سننه (3368) 3: 252 كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1227) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها.

وأخرجه النسائي في سننه (4551) 7: 270 كتاب البيوع، بيع السنبل حتى يبيض.

ص: 512

وروي عنه «أنه عليه السلام (1) نَهى عن بيعِ الحبِ حتى يَشتد» (2) رواه الترمذي.

وأما كونه يجوز إذا شرط القطع فلزوال معنى النهي بدليل قوله: «ويأمن العاهة» (3).

وأما كون بيع الرطبة والبقول لا يجوز إلا بشرط جز الظاهر منه؛ فلأن ما في الأرض مستور مغيب وما يحدث منه معدوم فلم يجز بيعه كبيع ما يحدث من الثمرة.

وأما كون بيع ما ظهر منه يجوز بشرط جزه؛ فلأنه مبيع معلوم لا جهالة فيه ولا غرر أشبه ما جاز بيعه من غيره.

وأما كون بيع القثاء والباذنجان لا يجوز إلا لقطة لقطة؛ فلأن الزائد على ذلك ثمر لم يخلق فلم يجز بيعه أشبه ما لو باع ذلك قبل ظهور شيء منه.

وأما كون بيع ذلك لقطة لقطة يجوز؛ فلأنه مبيع معلوم لا جهالة فيه ولا غرر أشبه ما تقدم.

وأما قول المصنف رحمه الله: إلا أن يبيع أصله فيحتمل أن يعود إلى قوله: ولا بيع الرطبة وما بعده لقربه منه، ويحتمل أن يعود إلى بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وما بعده وهو الظاهر (4) إذ الاستثناء المتعقب جملاً يعود إلى كلها لا سيما إذا طابق الحكم.

(1) في هـ: عليه السلام أنه.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3371) 3: 253 كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1228) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2217) 2: 747 كتاب التجارات، باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.

وأخرجه أحمد في مسنده (13638) 3: 250.

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

في هـ: هو.

ص: 513

فعلى هذا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إذا بيعت مع الشجرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من باع نخلاً قبل أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع» (1)، وبيع الزرع قبل اشتداده إذا بيع مع الأرض لأنه بمنزلة الثمر على الشجر. ومثل ذلك بيع الرطبة والبقول لأنه في معناه، وبيع القثاء والباذنجان مع أصولهما لأن ذلك أصل يتكرر ثمره أشبه الشجر.

وأما كون الحصاد واللقاط على المشتري؛ فلأن ذلك من مؤونة نقلها أشبه ما لو اشترى طعاماً في دار فإن الأجرة على المشتري. وفارق هذا الكيال في المكيل والوزان في الموزون من حيث إن أجرة ذلك على البائع لأن ذلك من مؤونة تسليم المبيع إلى المشتري وهاهنا حصل التسليم بدون القطع واللقاط بدليل جواز بيعها والتصرف فيها بدون ذلك.

وأما كون بيع ذلك كله مطلقاً وبشرط التبقية لا يصح فلما تقدم من الأدلة الدالة على اشتراط ما تقدم ذكره من بُدُوّ صلاحٍ واشتداد حبٍّ وشرط جز والبيع لقطة لقطة.

قال: (وإن اشترط القطع ثم تركه حتى بدا صلاح الثمرة وطالت الجزة وحدث ثمرة أخرى فلم تتميز، أو اشترى عرية ليأكلها رطباً فأثمرت بطل البيع. وعنه: لا يبطل ويشتركان في الزيادة. وعنه: يتصدقان بها).

أما كون البيع فيما ذكر يبطل على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة قبل بُدوّ صلاحها» (2). استثني منه ما اشتراه بشرط القطع فقطع بالإجماع فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.

ولأن التبقية معنى حرم اشتراطها لحق الله تعالى فأبطل العقد تحققها كالنسيئة فيما يحرم فيه النسأ.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 514

وأما كونه لا يبطل على روايةٍ؛ فلأن أكثر ما فيه اختلاط المبيع بغيره أشبه ما لو اشترى حنطة فانهالت عليها أخرى أو ثوباً فاختلط بثوب آخر.

والأول أصح قاله القاضي ووجهه ما مر.

ولأن القضاء بالصحة يفضي إلى اتخاذ ذلك وسيلة إلى الشراء للقطع ثم يترك وذلك حرام كبيع العينة.

وأما كون المشتري والبائع يشتركان في الزيادة على القول بأن البيع لا يبطل على روايةٍ فلحصولها في ملكهما لأن ملك المشتري الثمرة وملك البائع الأصل وهما سبب الزيادة.

وقال القاضي: الزيادة للمشتري كالعبد إذا سمن. وحمل قول أحمد على الاستحباب.

وأما كونهما يتصدقان بها على روايةٍ فلاشتباه الأمر فيها.

وطريق العلم بالزيادة ليشتركان فيها أو يتصدقان بها أن ينظر كم المبيع حين الشراء؟ وكم قيمته بعد حدوث ما ذكر؟ وما بينهما يشتركان فيه أو يتصدقان به على ما مضى تقريره. فإن جهلت القيمة وُقِف الأمر حتى يُعلم أو يصطلحا على شيء.

فإن قيل: على القول بأن البيع يبطل.

قيل: الزيادة للبائع مع الأصل لأن النماء تبع لأصله. وعنه: يتصدقان بالزيادة لما ذكر في المشتري.

قال: (وإذا بدى الصلاح في الثمرة واشتد الحب جاز بيعه مطلقاً وبشرط التبقية. وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ، ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك وإن تضرر الأصل).

أما كون بيع ما ذكر مطلقاً وبشرط التبقية يجوز؛ فلأن «نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها» (1) و «عن بيع الحب حتى يشتد» (2) يدل بمفهومه على

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 515

جواز البيع بعد بدو الصلاح وعن بيع الحب قبل اشتداده لأجل خوف التلف وهذا المعنى مفقود هنا.

وأما كون المشتري لذلك له تبقيته إلى الحصاد والجذاذ؛ فلأن النقل والتحويل يجب اعتباره بالعرف، والعرف يقضي بالترك إلى الحصاد والجذاذ لأنه حينئذ أوان الانتفاع به.

وأما كون البائع يلزمه سقيه إن احتاج إليه؛ فلأنه يجب عليه تسليم ذلك كاملاً ولا يكون ذلك إلا بالسقي.

فإن قيل: فلم قلتم إذا باع الأصل وعليه ثمرة للبائع لا يلزم المشتري سقيها؟

قيل: لأن المشتري وإن كان صاحب الأصل إلا أنه لا يلزمه تسليم الثمرة لأن البائع لم يملكها من جهته وإنما بقي ملكه عليها بخلاف مسألتنا.

وصرح المصنف رحمه الله: بأن السقي لازم وإن تضرر الأصل لئلا يتوهم سقوطه عند ذلك. وإنما لم يعتبر ضرر البائع لأنه دخل على ذلك.

قال: (وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع. وعنه: إن أتلفت الثلث فصاعداً ضمنه البائع، وإلا فلا. وإن أتلفه آدمي خُيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلِف).

أما كون المشتري يرجع على البائع بما تلف بجائحة فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ بوضعِ الجَوائِح» (1)، وعنه عليه السلام أنه قال:«إن بعت من (2) أخيك ثمراً ثم أصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً. بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ » (3) رواه مسلم.

وعنه عليه السلام: «من باع ثمراً فأصابته جائحة فلا تأخذ من مال أخيك شيئاً. علام يأخذ أحدكم مال أخيه المسلم» (4) رواه أبو داود وابن ماجة.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1554) 3: 1191 كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1554) 3: 1190 كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3470) 3: 276 كتاب البيوع، باب في وضع الجائحة.

وأخرجه النسائي في سننه (4527) 7: 264 كتاب البيوع، وضع الجوائح.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2219) 2: 747 كتاب التجارات، باب بيع الثمار سنين والجائحة.

ص: 516

ولأن التخلية في الشجر ليس بقبض تام فوجب كونه من ضمان البائع كالذي لم يقبض.

ولأن الثمرة في الشجر كالمنافع في الإجارة تؤخذ حالاً فحالاً. ثم لو تلفت المنافع قبل استيفائها كانت من ضمان الآجر فكذا هاهنا.

وأما كونه يرجع من غير فرق بين القليل والكثير على المذهب؛ فلأن الأحاديث المتقدمة تشملها.

وأما كون الجائحة إن أتلفت الثلث فصاعداً يضمنه البائع فلما تقدم، وإن أتلفت دون الثلث لم يضمنه على روايةٍ؛ فلأنه لا بد أن يأكل الطير منها وتنثر الريح وتسقط ولا بد من ضابط فوجب أن يكون الثلث لأن ذلك قد اعتبره الشرع في مواضع منها: الوصية والعطية وتساوي جراح المرأة الرجل.

قال الإمام أحمد: يستعمل الثلث في سبع عشرة مسألة.

ولأن الثلث داخل في حد الكثرة دليله قوله عليه السلام: «الثلث والثلث كثير» (1). وما دونه داخل في حد القلة لأن ما دونه لو دخل في حد الكثرة لقدّره النبي صلى الله عليه وسلم به.

وأما كون الجائحة كل آفة لا صنع للآدمي فيها؛ فلما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجائحة تكون في البرد والجراد والحتف والسيل وفي الريح» (2). وجه الحجة منه: أن الراوي فسر كلام النبي صلى الله عليه وسلم فوجب الرجوع إليه لأنه أعلم بمراده وأفهم لكلامه.

وأما كون المشتري يخير بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف فيما إذا أتلف ذلك آدمي؛ فلأن ذلك شيء أتلفه آدمي قبل تكامل قبضه فثبت للمشتري الخيرة المذكورة أشبه الآدمي إذا أتلف المبيع قبل قبضه.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

لم أقف عليه عن جابر. وقد أخرج أبو داود عن عطاء قال: «الجوائح كل ظاهرٍ مُفسدٍ من مطرٍ أو بردٍ أو جرادٍ أو ريحٍ أو حريقٍ» (3471) 3: 277 كتاب البيوع، باب في تفسير الجائحة.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 306 كتاب البيوع، باب ما جاء في وضع الجائحة.

ص: 517

ولأن المشتري أمكنه الرجوع ببدل المتلف فلا حاجة إلى الرجوع على البائع.

قال: (وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها، وهل يكون صلاحاً لسائر النوع الذي في البستان؟ على روايتين).

أما كون صلاح بعض الثمرة صلاحاً لجميع ما في الشجرة؛ فلأنه لو لم يكن كذلك لأدى بيع ما بدى صلاحه إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة.

وأما كون صلاح نوع صلاحاً لسائر النوع الذي في البستان على روايةٍ فلما ذكر.

وأما كونه لا يكون صلاحاً على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بُدُوّ الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وفي العنب أن يسودّ (1) ولم يوجد ذلك.

قال: (وبدوّ الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وفي العنب أن يتموه، وفي سائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله).

أما كون بدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الثمرة حتى تزهو. قيل: وما تزهو؟ قال: تحمارّ أو تصفارّ» (2) رواه البخاري.

وأما كون بدو صلاح العنب أن يتموه فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن بيعِ العنبِ حتى يَسْوَد» (3) رواه الترمذي.

(1) ر الحديثين التاليين.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2085) 2: 766 كتاب البيوع، باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1555) 3: 1190 كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح. كلاهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3371) 3: 253 كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1228) 3: 530 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2217) 2: 747 كتاب التجارات، باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.

وأخرجه أحمد في مسنده (13596) 3: 250.

ص: 518

وأما كون بدو الصلاح في سائر الثمار أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن بيع الثمرِ حتى يَطيب» (1) متفق عليه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2077) 2: 764 كتاب البيوع، باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1536) 3: 1176 كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة

ص: 519

فصل [فيمن باع عبدا وله مال]

قال المصنف رحمه الله: (ومن باع عبداً له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، فإن كان قصده المال اشترط علمه وسائر شروط المبيع، وإن لم يكن قصده المال لم يشترط، وإن كانت عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري).

أما كون مال العبد المبيع لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من باع عبداً له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» (1) رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة.

وأما كون العلم بالمال وسائر شروط المبيع يشترط إذا كان قصد المشتري المال؛ فلأنه مبيع مقصود أشبه ما لو ضم إلى العبد عبداً آخر.

وأما كون ذلك لا يشترط إذا لم يكن قصد المشتري المال؛ فلأن المال داخل تبعاً فلم يشترط ذلك كأساسات الحيطان.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2250) 2: 838 كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1543) 3: 1173 كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر.

وأخرجه أبو داود في سننه (3433) 3: 268 كتاب البيوع، باب في العبد يباع وله مال.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1244) 3: 546 كتاب البيوع، باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال.

وأخرجه النسائي في سننه (4636) 7: 297 كتاب البيوع، العبد يباع ويستثني المشتري ماله.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2211) 2: 746 كتاب التجارات، باب ما جاء فيمن باع نخلاً مؤبراً أو عبداً له مال.

ص: 520

وأما كون ثياب العادة للمشتري دون ثياب الجمال؛ فلأن ثياب العادة يتعلق بها مصلحة العبد وحاجته إذ لا غنى له عنها فجرى مجرى مفاتيح الدار بخلاف ثياب الجمال فإنها زائدة على العادة ولم تجر العادة بالمسامحة فيها فجرى مجرى الستور في الدار.

ص: 521