الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن الجزري:
وقد جرى من عادة الأئمّة
…
إفراد كلّ قارئ بختمه
حتّى يؤهّلوا لجمع الجمع
…
بالعشر أو أكثر أو بالسّبع
المعنى: قال ابن الجزري في النشر ما معناه: «لم يتعرض أحد من أئمة القراءة في تواليفهم لهذا الباب، وقد أشار إليه «أبو القاسم الصفراوي» ت 636 هـ في «إعلانه» ولم يأت بطائل.
وهو باب عظيم الفوائد، كثير النفع، جليل الخطر، بل هو ثمرة ما تقدم في أبواب هذا الكتاب من الأصول، ونتيجة تلك المقدمات والفصول.
والسبب الموجب لعدم تعرض المتقدمين إليه هو عظم هممهم، وكثرة حرصهم، ومبالغتهم في الإكثار من هذا العلم، واستيعاب رواياته.
ولقد كانوا في الحرص والطلب بحيث إنهم يقرءون بالرواية الواحدة على الشيخ الواحد عدّة ختمات لا ينتقلون إلى غيرها. ولقد قرأ «الأستاذ أبو الحسن علي بن عبد الغني الحصري» القيرواني القراءات السبع على شيخه: «أبي بكر القصري» تسعين ختمة، كلما ختم ختمة قرأ غيرها حتى أكمل ذلك في مدّة عشر سنين. وكانوا يقرءون على الشيخ الواحد العدّة من الروايات، والكثير من القراءات كل ختمة برواية، لا يجمعون رواية إلى غيرها. وهذا الذي كان عليه الصدر الأول، ومن بعدهم إلى أثناء المائة الخامسة عصر «الداني، وابن شيطا،
والأهوازي، والهذلي» ومن بعدهم. فمن ذلك الوقت ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة، واستمر إلى زماننا.
وكان بعض الأئمة يكره ذلك من حيث إنه لم تكن عادة السلف عليه.
ولكن الذي استقرّ عليه العمل هو الأخذ به، والتقرير عليه، وتلقيه بالقبول.
وإنما دعاهم إلى ذلك فتور الهمم، وقصد سرعة الترقي، والانفراد، ولم يكن أحد من الشيوخ يسمح به إلا لمن أفرد القراءات، وأتقن معرفة الطرق والروايات، وقرأ لكل قارئ ختمة على حدة. ولم يسمح أحد بقراءة قارئ من الأئمة السبعة، أو العشرة في ختمة واحدة فيما أحسب إلّا في هذه الأعصار المتأخرة «1» .
قال ابن الجزري:
وجمعنا نختاره بالوقف
…
وغيرنا يأخذه بالحرف
بشرطه فليسرع وقفا وابتدأ
…
ولا يركّب وليجد حسن الأدا
فالماهر الّذي إذا ما وقفا
…
يبدا بوجه من عليه وقفا
يعطف أقربا به فأقربا
…
مختصرا مستوعبا مرتّبا
المعنى: قال ابن الجزري في النشر ما معناه: للشيوخ في كيفية الأخذ بالجمع مذهبان:
أحدهما: الجمع بالحرف: وهو: أن يشرع القارئ في القراءة فإذا مرّ بكلمة فيها خلف أصوليّ، أو فرشيّ، أعاد تلك الكلمة بمفردها حتى يستوفي ما فيها من الخلاف، فإن
كانت مما يسوغ الوقف عليه وقف، واستأنف ما بعدها على الحكم المذكور، وإلّا وصلها بآخر وجه انتهى عليه حتى ينتهي إلى وقف فيقف.
وإن كان الخلف مما يتعلق بكلمتين كمدّ المنفصل، والسكت على ذي
(1) انظر: النشر في القراءات العشر ج 2/ 194 - 195.
كلمتين وقف على الكلمة الثانية واستوعب الخلاف، ثم انتقل إلى ما بعدها على ذلك الحكم.
وهذا مذهب «المصريين» وهو أوثق في استيفاء أوجه الخلاف، وأسهل في الأخذ، وأخصر، ولكنه يخرج عن رونق القراءة، وحسن أداء التلاوة.
المذهب الثاني: الجمع بالوقف: وهو إذا شرع القارئ بقراءة من قدّمه لا يزال بذلك الوجه حتى ينتهي إلى وقف يسوغ الابتداء بما بعده فيقف ثم يعود إلى القارئ الذي بعده إن لم يكن دخل خلفه فيما قبله، ولا يزال حتى يقف على الوقف الذي وقف عليه، ثم يفعل ذلك بقارئ قارئ حتى ينتهي الخلف، ويبتدئ بما بعد ذلك الوقف على هذا الحكم. وهذا مذهب الشاميين، وهو أشدّ في الاستحضار، وأسدّ في الاستظهار، وأطول زمانا، وأجود إمكانا.
ثم يقول «ابن الجزري» : ولكني ركبت من المذهبين مذهبا، فجاء في محاسن الجمع طرازا مذهبا: فأبتدئ بالقارئ، وأنظر إلى من يكون من القرّاء أكثر موافقة له فإذا وصلت إلى كلمة بين القارئين فيها خلف وقفت وأخرجته معه ثم وصلت حتى أنتهي إلى الوقف السائغ جوازه وهكذا حتى ينتهي الخلاف.
ثم يقول «ابن الجزري» : يشترط على جامعي القراءات أربعة شروط لا بدّ منها وهي: رعاية الوقف، والابتداء، وحسن الأداء، وعدم التركيب. أمّا رعاية الترتيب، والتزام تقديم شخص بعينه، أو نحو ذلك فلا يشترط.
وكثير من الناس يرى تقديم «قالون» أوّلا كما هو مرتب في هذه الكتب المشهورة «1» .
وأقول: لقد قرأت ختمتين كاملتين على شيخي لمرحوم «الشيخ عامر السيد عثمان» .
الأولى: بالقراءات العشر بمضمّن الشاطبية، والدة.
والأخرى: بمضمن الطيبة في القراءات العشر.
(1) انظر: النشر في القراءات العشر ج 2/ 201 فما بعدها.
وكانت قراءتي بطريق الجمع بالوقف: وكنت افتتح القراءة ب «قالون» ثم أعطف عليه القارئ الذي قراءته أقرب إلى آخر الآية ما لم تكن قراءته قد اندرجت مع «قالون» . وهكذا حتى أقرأ بجميع القراءات لجميع القراء أصولا وفرشا.
قال ابن الجزري:
وليلزم الوقار والتّأدّبا
…
عند الشّيوخ إن يرد أن ينجبا
المعنى: يقدّم «ابن الجزري» رحمه الله تعالى نصيحة جليلة لقراء القرآن، فيقول: على كل قارئ أن يلتزم بآداب الإسلام: فعليه أن يكون مؤدبا بآداب الإسلام، متخلقا بأخلاق تعاليم القرآن فيكون مؤدبا مع شيخه، موقّرا له، ناظرا له بعين الحبّ والحنان. وكان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه يقول:
اللهمّ أخف عيب معلمي عنّي فلا تذهب بركة علمه منّي.
قال ابن الجزري:
وبعد إتمام الأصول نشرع
…
في الفرش والله إليه نضرع
المعنى: يقول «ابن الجزري» رحمه الله تعالى بعد أن وفقني الله تعالى وأتممت نظم أصول القراءات العشر في طريق «كتاب النشر» فإني سأشرع بعون الله تعالى وتوفيقه في نظم القراءات المعروفة في اصطلاح القرّاء ب «فرش الحروف» مبتدئا بسورة «البقرة» منتهيا «بباب التكبير» والله أعلم.
تمّ باب مذاهبهم في إفراد القراءات وجمعها ولله الحمد والشكر وبهذا ينتهي الجزء الأول من كتاب الهادي شرح طيبة النشر في القراءات العشر والكشف عن علل القراءات وتوجيهها ويليه الجزء الثاني وأوله «سورة الفاتحة» .