الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«باب إمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف»
هاء التأنيث: هي التي تكون في الوصل تاء آخر الاسم نحو: «نعمة ورحمة» فتبدل في الوقف هاء، وقد أمالها بعض العرب كما أمالوا الألف. قيل للكسائي: إنك تميل ما قبل «هاء التأنيث» فقال: هذا طباع العربية.
قال «الحافظ أبو عمرو الداني» ت 444 هـ: يعني بذلك أن الإمالة هنا لغة «أهل الكوفة» وهي باقية فيهم إلى الآن، وهم بقية أبناء العرب
…
ثم قال:- أي أبو عمرو الداني-: وحكي نحو ذلك عن «الأخفش سعيد بن مسعدة» ت 215 هـ «1» .
قال ابن الجزري: اختلفوا في هاء التأنيث هل هي ممالة مع ما قبلها، أو أنّ الممال هو ما قبلها وأنها نفسها ليست ممالة.
فذهب جماعة من المحققين إلى الأول، وهو مذهب «الحافظ أبي عمرو الداني، وأبي العباس المهدوي، وأبي عبد الله بن سفيان، وأبي عبد الله بن شريح، وأبي القاسم الشاطبي، وغيرهم.
وذهب الجمهور إلى الثاني، وهو مذهب «مكي بن أبي طالب، والحافظ أبي العلاء، وأبي العزّ القلانسيّ، وابن الفحام، وأبي طاهر بن خلف، وأبي محمد سبط الخياط، وابن سوار» وغيرهم. ثم قال ابن الجزري: والأول أقرب
(1) انظر: النشر في القراءات العشر ج 2/ 82.
إلى القياس، وهو ظاهر كلام «سيبويه» حيث قال: «شبه الهاء بالألف يعني في الإمالة. والثاني أظهر في اللفظ وأبين في الصورة، ولا ينبغي أن يكون بين القولين خلاف:
فباعتبار حدّ الإمالة وأنه تقريب الفتحة من الكسرة، والألف من الياء، فإن هذه الهاء لا يمكن أن يدعى تقريبها من الياء ولا فتحة فيها فتقرب من الكسرة، وهذا مما لا يخالف فيه «الدّاني» ومن قال بقوله.
وباعتبار أن الهاء إذا أميلت فلا بدّ أن يصحبها في صوتها حال من الضعف خفي يخالف حالها إذا لم يكن قبلها ممال وإن لم يكن الحال من جنس التقريب إلى الياء فيسمى ذلك المقدار إمالة، وهذا مما لا يخالف فيه «مكّي» ومن قال بقوله فعاد النزاع في ذلك لفظيا إذ لم يمكن أن يفرق بين القولين بلفظ والله أعلم اهـ «1» .
قال ابن الجزري: «الهاء الأصليّة نحو: «ولما توجّه» لا يجوز إمالتها وإن كانت الإمالة تقع في الألف الأصلية، لأن الألف أميلت من حيث إن أصلها «الياء» والهاء لا أصل لها في ذلك، ولذلك لا تقع الإمالة في «هاء الضمير» نحو «أقبره، وأنشره» ليقع الفرق بين «هاء التأنيث» وغيرها.
وأما الهاء من «هذه» فإنها لا تحتاج إلى إمالة، لأن ما قبلها مكسور» اهـ «2» .
قال ابن الجزري:
وهاء تأنيث وقبل ميّل
…
لا بعد الاستعلا وحاع لعلي
المعنى: اختصّ «الكسائي» بإمالة «هاء التأنيث» في حروف مخصوصة، وبشروط معروفة، وسيأتي بإذن الله تعالى تفصيل ذلك. ووافق «حمزة» «الكسائي» في هذه الإمالة، وسيأتي بيانه.
(1) انظر: النشر في القراءات العشر ج 2/ 88.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 2/ 89.
وإمالة «هاء التأنيث» تأتي على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المتفق على إمالته من غير تفصيل، وهو عند خمسة عشر حرفا، يجمعها قولهم:«فجثت زينب لذود شمس» وهي:
1 -
«الفاء» نحو: «خليفة» نحو قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (سورة البقرة الآية 30).
2 -
«الجيم» نحو: «وليجة» من قوله تعالى: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً (سورة التوبة الآية 16).
3 -
«الثاء» نحو: «ثلاثة» نحو قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (سورة البقرة الآية 228).
4 -
«التاء» نحو: «الميتة» نحو قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ (سورة البقرة الآية 173).
5 -
«الزاي» نحو: «أعزّة» نحو قوله تعالى: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (سورة المائدة الآية 54).
6 -
«الياء» نحو: «لا شية» من قوله تعالى: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها (سورة البقرة الآية 71).
7 -
«النون» نحو: «سنّة» نحو قوله تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا (سورة الإسراء الآية 77).
8 -
«الباء» نحو: «حبّة» نحو قوله تعالى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ (سورة البقرة الآية 261).
9 -
«اللام» نحو: «ليلة» نحو قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (سورة القدر الآية 1).
10 -
«الذال» نحو: «لذّة» من قوله تعالى: بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (سورة الصافات الآية 46).
11 -
«الواو» نحو: «قسوة» من قوله تعالى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (سورة البقرة الآية 74).
12 -
«الدال» نحو: «بلدة» نحو قوله تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ (سورة سبأ الآية 15).
13 -
«الشين» نحو: «الفاحشة» نحو قوله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (سورة النمل الآية 54).
14 -
«الميم» نحو: «رحمة» نحو قوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (سورة آل عمران الآية 159).
15 -
«السين» نحو: «الخمسة» نحو قوله تعالى: وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (سورة النور الآية 7).
القسم الثاني: ما يوقف عليه بالفتح، وذلك إن كان قبل «الهاء» حرف من عشرة أحرف: وهي: حروف الاستعلاء السبعة، وحروف «حاع». وقد جمعها «الإمام الشاطبي» رحمه الله تعالى في قوله:
ويجمعها حقّ ضغاط عص خظا
…
.....
وهي:
1 -
«الحاء» نحو: «لواحة» من قوله تعالى: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (سورة المدثر الآية 29).
2 -
«القاف» نحو: «طاقة» نحو قوله تعالى: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (سورة البقرة الآية 286).
3 -
«الضاد» نحو: «روضة» من قوله تعالى: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (سورة الروم الآية 15).
4 -
«الغين» نحو: «صبغة» من قوله تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (سورة البقرة الآية 138).
5 -
«الألف» نحو: «الصلاة» نحو قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ (سورة البقرة الآية 43).
6 -
«الطاء» نحو: «بسطة» نحو قوله تعالى: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً (سورة الأعراف الآية 69).
7 -
«العين» نحو: «سبعة» نحو قوله تعالى: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ (سورة الكهف الآية 22).
8 -
«الصاد» نحو: «خالصة» نحو قوله تعالى: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ (سورة الأعراف الآية 32).
9 -
«الخاء» نحو: «الصاخة» من قوله تعالى: فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (سورة عبس الآية 33).
10 -
«الظاء» نحو: «غلظة» من قوله تعالى: وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً (سورة التوبة الآية 123).
قال ابن الجزري:
وأكهر لا عن سكون يا ولا
…
عن كسرة وساكن إن فصلا
ليس بحاجز وفطرت اختلف
…
.....
المعنى: هذا هو القسم الثالث: وهو الذي فيه تفصيل فيمال في حال، ويفتح في حال أخرى، وذلك إذ كان قبل الهاء حرف من أربعة أحرف وهي حروف «أكهر»: فإن كان قبل كلّ منها ياء ساكنة، أو كسرة متصلة، أو منفصلة بساكن أميلت بغير خلاف، وإلّا فتحت. هذا مذهب الجمهور، وهو المختار، وهذه أمثلة لذلك:
1 -
فالهمزة بعد الياء الساكنة نحو: «هيئة» نحو قوله تعالى: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (سورة آل عمران الآية 49).
والهمزة بعد الكسرة نحو: «مائة» نحو قوله تعالى: فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ (سورة البقرة الآية 261).
والهمزة بعد غير الياء الساكنة والكسرة نحو: «امرأت» لأن «الكسائي» يقف عليها بالهاء، نحو قوله تعالى: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (سورة آل عمران الآية 35). ونحو: «براءة» من قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (سورة التوبة الآية 1).
2 -
والكاف بعد الياء الساكنة نحو: «الأيكة» نحو قوله تعالى: وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ (سورة ق الآية 14).
والكاف بعد الكسرة نحو: «المؤتفكة» من قوله تعالى: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (سورة النجم الآية 53).
والكاف بعد غير الياء الساكنة، والكسرة نحو:«مكة» من قوله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ (سورة الفتح الآية 24).
ونحو: «الشوكة» من قوله تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ (سورة الأنفال الآية 7).
3 -
والهاء بعد الكسرة المتصلة نحو: «فكهة» نحو قوله تعالى: وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (سورة الواقعة الآية 20).
والهاء بعد الكسرة المنفصلة بساكن نحو: «وجهة» من قوله تعالى:
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (سورة البقرة الآية 148).
والهاء بعد غير ذلك نحو: «سفاهة» نحو قوله تعالى: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ (سورة الأعراف الآية 66).
ولم تقع الهاء بعد ياء ساكنة في القرآن الكريم.
4 -
والراء بعد الياء الساكنة نحو: «صغيرة، كبيرة» نحو قوله تعالى:
وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها (سورة الكهف الآية 49).
والراء بعد الكسرة المتصلة نحو: «الآخرة» نحو قوله تعالى: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (سورة الزخرف الآية 35).
والراء بعد الكسرة المنفصلة بساكن نحو: «عبرة» نحو قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ (سورة يوسف الآية 111).
والراء بعد غير ذلك نحو: «حسرة» نحو قوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ (سورة آل عمران الآية 156). ونحو: «حجارة» نحو قوله تعالى: قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (سورة الاسراء الآية 50).
ومعنى قول «ابن الجزري» : «وفطرت اختلف» أن كلمة «فطرت» من قوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها (سورة الروم الآية 30) جاء فيها الخلاف عن علماء
القراءات:
فذهب بعضهم إلى عدم إمالتها حالة الوقف عليها نظرا لأن «الكسائي» يقف عليها بالهاء، وذلك لأن الفاصل بين الكسر، والراء وهو «الطاء» من حروف الاستعلاء، كما أن فيه صفة الإطباق، والإطباق من الصفات القوية.
وذهب جمهور القراء إلى إمالة «فطرت» طردا للباب على وتيرة واحدة، والوجهان صحيحان، وقد قرأت بهما.
قال ابن الجزري:
.....
…
والبعض أه كالعشر .....
المعنى: أخبر الناظم أن بعض علماء القراءات ذهب إلى إجراء «الهمزة، والهاء» مجرى الحروف العشرة المتقدمة فلم يميلوهما مطلقا، سواء كانتا بعد كسرة، أو لا، لكونهما من حروف الحلق. من هذا يتبين أن «الهمزة، والهاء» إذا استوفت فيهما الشروط تجوز إمالتهما، ويجوز فتحهما، والوجهان صحيحان، وقد قرأت بهما.
قال ابن الجزري:
.....
…
..... أو غير الألف
يمال والمختار ما تقدّما
…
.....
المعنى: أخبر الناظم أن بعض علماء القراءات ذهب إلى إطلاق الإمالة عند جميع حروف الهجاء بدون قيد أو شرط، كإمالتها في القسم الأول، سوى أن هذا البعض استثنى من حروف الهجاء «الألف» فلم يمل بعدها، وهو مذهب:«ابن الأنباري، وابن شنبوذ، وابن مقسم، وأبي مزاحم الخاقاني، وفارس بن احمد» وغيرهم. والمختار المذهب الأول الذي فيه تفصيل، والوجهان صحيحان وقد قرأت بهما.
قال ابن الجزري:
.....
…
والبعض عن حمزة مثله نما
المعنى: أخبر الناظم رحمه الله تعالى أن جماعة من أهل الأداء ذهبوا إلى الإمالة عن «حمزة» من روايتيه، ورووا ذلك عنه، كما رووه عن الكسائي، وقد قرأت بذلك والحمد لله رب العالمين.
تمّ باب إمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف ولله الحمد والشكر