الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدّم المؤلف رحمه الله تعالى هذا الباب على غيره من سائر الأبواب من أجل تقديم «الرحيم ملك» .
وافتتح به أبواب الأصول، وسيتبعه بغيره بحسب الترتيب.
والإدغام، والإظهار، إحدى الظواهر اللغوية التي اهتم بها العلماء قديما، وحديثا، ووضعوا لها الكثير من الضوابط، والقواعد. واختلف العلماء في تعليلها، وتفسيرها، وفي أيّ القبائل العربية التي كانت تميل إلى النطق بالإظهار، وأيّها كانت تميل إلى الإدغام الخ. وفي البداية نتعرف على حقيقة كل من الإظهار، والإدغام فنقول:
الإظهار لغة: البيان، واصطلاحا إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في الحرف المظهر.
والإدغام لغة: إدخال الشيء في الشيء، يقال: أدغمت اللجام في فم الدّابة أي أدخلته فيه.
واصطلاحا النطق بالحرفين حرفا كالثاني مشدّدا.
فإن قيل: هل الأصل الإظهار، أو الإدغام؟
أقول: لعلّ الإظهار هو الأصل، لأنه لا يحتاج إلى سبب في وجوده، بخلاف الإدغام فإنه يحتاج إلى سبب.
وينقسم الإدغام إلى كبير، وصغير:
فالكبير: هو أن يتحرك الحرفان معا المدغم، والمدغم فيه نحو الراءين في قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ (سورة البقرة الآية 185). وقد خصص المؤلف هذا الباب للحديث عن الإدغام الكبير.
والصغير: هو أن يكون المدغم ساكنا، والمدغم فيه متحركا نحو التاءين في قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ (سورة البقرة الآية 16).
وسمّي الأول كبيرا لكثرة العمل فيه، وهو تسكين الحرف أولا ثم إدغامه ثانيا.
وسمّي الثاني صغيرا لقلّة العمل فيه، وهو الإدغام فقط. وقد عقد المؤلف للإدغام الصغير بابا خاصا به، سيأتي بإذن الله.
واعلم أن الإدغام ينقسم قسمين: كامل، وناقص:
فالكامل: هو أن يذهب الحرف، وصفته، مثل إدغام النون الساكنة في الراء نحو قوله تعالى:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ (سورة البقرة الآية 26).
والناقص: هو أن يذهب الحرف، وتبقى صفته، مثل إدغام النون الساكنة في «الياء» نحو قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ (سورة البقرة الآية 8) على قراءة الجمهور.
والإدغام ينقسم إلى: واجب، وجائز، وممتنع، وقد تقدم الحديث عن الإدغام الواجب أثناء قول ابن الجزري في مقدمته:
وأوّلي مثل وجنس إن سكن
…
أدغم كقل ربّ وبل لا
كما تحدث ابن الجزري عن الإدغام الممتنع أثناء قوله في المقدمة:
................ .......
…
................
…
وأبن
سبّحه فاصفح عنهم قالوا وهم
…
في يوم لا تزغ قلوب قل نعم
وسيتكلم المؤلف في هذا الباب، وباب الإدغام الصغير عن الإدغام الجائز، وسيذكر موانع الإدغام.
واعلم أن الإدغام له شروط، وأسباب، وموانع، وسيتكلم المؤلف عن كل ذلك مفصّلا بإذن الله تعالى.
قال ابن الجزري:
إذا التقى خطّا محرّكان
…
مثلان جنسان مقاربان
أدغم بخلف الدّور السّوسي معا
…
....
المعنى: هذا شروع من المؤلف رحمه الله تعالى في الحديث مفصّلا عن «الإدغام الكبير.»
وبدأ بالحديث عن: شروط الإدغام، وأسبابه، ومن ورد عنه الإدغام الكبير من القراء.
وسأتحدّث عن هذه الأمور الثلاثة بالتفصيل حسب ترتيبها بإذن الله تعالى فأقول وبالله التوفيق:
شروط الإدغام:
أن يلتقي الحرفان: المدغم، والمدغم فيه خطّا ولفظا، أو خطّأ لا لفظا، ليدخل نحو:«إنه هو» لأن الهاءين وإن لم يلتقيا لفظا لوجود الواو المدّيّة أثناء النطق، فإنهما التقيا خطّا، إذ الواو المدّيّة لا تكتب في رسم المصحف، وإنما يعوض عنها «واو» صغيرة، وهي من علامات «الضبط» .
إذا فالعبرة في الإدغام التقاء الحرفين خطّأ نحو: «إنه هو» . وخرج نحو:
«أنا نذير» لأن النونين وإن التقيتا لفظا إلّا أن «الألف» التي بعد «أنا» تعتبر فاصلة بينهما، ولذا فإنّ النونين في هذا المثال لا تدغمان، وكذا كل ما يماثلهما.
وأسباب الإدغام ثلاثة:
التماثل، أو التقارب، أو التجانس.
فالتماثل: أن يتفق الحرفان في المخرج والصفات معا، كالهاء في الهاء.
والتقارب: أن يتقاربا مخرجا، أو صفة، أو مخرجا وصفة، كالتاء في الثاء، والجيم في الذال.
والتجانس: أن يتفقا مخرجا، ويختلفا صفة، كالدال في التاء، والتاء في الطاء، والثاء في الذال.
وقد أمر المؤلف رحمه الله تعالى بالإدغام الكبير لكل من: «الدّوري والسوسي» بخلف عنهما، إذا ما وجدت الشروط، والأسباب، وعدمت الموانع التي سيذكرها فيما يأتي.
قال ابن الجزري:
................ ........
…
لكن بوجه الهمز والمدّ امنعا
المعنى: أشار المؤلف رحمه الله تعالى في شطر هذا البيت إلى بعض موانع الإدغام:
فبيّن أن «الإدغام الكبير» يمتنع «لأبي عمرو» في حالتين:
الأولى: حالة تحقيق الهمز المفرد الساكن الذي له فيه الإبدال.
والثانية: حالة مدّ «المدّ المنفصل» . وسيأتي خلاف «أبي عمرو» في مدّ «المنفصل» وقصره.
ويتفرّع على ذلك الأحوال الثلاثة الآتية:
1 -
اجتماع الإدغام الكبير مع همز ساكن.
2 -
اجتماع الإدغام الكبير مع «مدّ منفصل» .
3 -
اجتماع الإدغام الكبير مع همز ساكن، ومدّ منفصل.
فإذا اجتمع الإدغام الكبير، والهمز الساكن نحو قوله تعالى: وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (سورة يونس الآية 39) كان لأبي عمرو ثلاثة أوجه وهي:
1 -
تحقيق الهمزة والإظهار
2 -
إبدال الهمزة والإظهار.
3 -
إبدال الهمزة والإدغام.
ويمتنع الإدغام على تحقيق الهمزة.
وإذا اجتمع الإدغام الكبير مع «مدّ منفصل» نحو قوله تعالى: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ (سورة الأنعام الآية 50) كان لأبي عمرو ثلاثة أوجه وهي:
1 -
قصر المنفصل والإظهار.
2 -
قصر المنفصل والإدغام.
3 -
مدّ المنفصل والإظهار.
ويمتنع الإدغام على مدّ المنفصل.
وإذا اجتمع الإدغام الكبير مع «الهمز، ومدّ منفصل» نحو قوله تعالى:
قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما (سورة يوسف الآية 37) كان لأبي عمرو ثلاثة أوجه وهي:
1 -
الإظهار، وتحقيق الهمزة، وقصر المنفصل.
2 -
الإظهار، وتحقيق الهمزة، ومدّ المنفصل.
3 -
الإدغام، وإبدال الهمزة، وقصر المنفصل.
ويمتنع ثلاثة أوجه وهي:
1 -
الإدغام، وتحقيق الهمزة، وقصر المنفصل.
2 -
الإدغام، وتحقيق الهمزة، ومدّ المنفصل.
3 -
الإدغام، وإبدال الهمزة، ومدّ المنفصل.
قال ابن الجزري:
فكلمة مثلي مناسككّم وما
…
سلككم وكلمتين عمّما
المعنى: أخبر المؤلف رحمه الله تعالى بأن «أبا عمرو» أدغم من المثلين إذا كانا في كلمة واحدة موضعين فقط وهما:
1 -
«مناسككم» من قوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ (سورة البقرة الآية 200).
2 -
«ما سلككم» من قوله تعالى: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (سورة المدثر الآية 42). وأظهر ما عداهما، نحو قوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ (سورة فاطر الآية 14).
أمّا إذا كان المثلان في كلمتين فإن «أبا عمرو» يعمّم الإدغام فيهما ويدغمهما بالخلاف ما لم يمنع مانع مما سيذكره المؤلف في البيت الآتي.
وقد وقع المثلان من كلمتين في سبعة عشر حرفا وهي: الباء، والتاء، والثاء، والحاء، والراء، والسين، والعين، والغين، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والياء، وهذه أمثلة لهذه الحروف:
1 -
فالباء، نحو قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ (سورة البقرة الآية 176).
2 -
والتاء، نحو قوله تعالى: فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ (سورة المائدة الآية 106).
3 -
والثاء، نحو قوله تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (سورة البقرة الآية 191).
4 -
والحاء، نحو قوله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ (سورة البقرة الآية 235).
5 -
والراء، نحو قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (سورة البقرة الآية 185).
6 -
والسين، نحو قوله تعالى: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى (سورة الحج الآية 2).
7 -
والعين، نحو قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (سورة البقرة الآية 255).
8 -
والغين، نحو قوله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (سورة آل عمران الآية 85).
9 -
والفاء، نحو قوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ (سورة البقرة الآية 213).
10 -
والقاف، نحو قوله تعالى: فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ (سورة الأعراف الآية 143).
11 -
والكاف، نحو قوله تعالى: إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (سورة طه الآية 35).
12 -
واللام، نحو قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (سورة البقرة الآية 11).
13 -
والميم، نحو قوله تعالى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (سورة الفاتحة الآيتان 3 - 4).
14 -
والنون، نحو قوله تعالى: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (سورة البقرة الآية 30).
15 -
والهاء، نحو قوله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (سورة البقرة الآية 2).
16 -
والواو، نحو قوله تعالى: وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (سورة الأنعام الآية 127).
17 -
والياء، نحو قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (سورة إبراهيم الآية 31).
قال ابن الجزري:
ما لم ينوّن أو يكن تا مضمر
…
ولا مشدّدا وفي الجزم انظر
فإن تماثلا ففيه خلف
…
وإن تقاربا ففيه ضعف
المعنى: هذا شروع في بيان موانع الإدغام الكبير. وهي قسمان: متفق عليها، ومختلف فيها: فالمتفق عليها ثلاثة:
المانع الأول: أن يكون الأول منهما منونا، سواء كانا مثلين نحو قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة البقرة الآية 173).
أو متجانسين، نحو قوله تعالى: بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى (سورة الحشر الآية 14).
أو متقاربين، نحو قوله تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ (سورة الزمر الآية 6).
وإنما امتنع الإدغام في هذه الحالة لأن التنوين نون ساكنة فصلت بين الحرفين، فانتفى شرط التقاء الحرفين لفظا.
المانع الثاني: أن يكون الأوّل منهما تاء ضمير لمتكلم، أو مخاطب:
نحو قوله تعالى: وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (سورة النبأ الآية 40).
ونحو قوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 99).
وإنما امتنع الإدغام في هذه الحالة، لأن تاء المتكلم مضمومة، وتاء المخاطب مفتوحة إذا كان المخاطب مذكّرا، ومكسورة إذا كانت المخاطبة مؤنثة، فامتنع الإدغام لشدة الحرص على عدم اللبس، لأن الإدغام يجعل النطق بتاء المتكلم، والمخاطب واحدا.
المانع الثالث: أن يكون الأوّل منهما مشدّدا:
نحو قوله تعالى: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (سورة القمر الآية 48).
ونحو قوله تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى (سورة الرعد الآية 19).
ونحو قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (سورة البقرة الآية 200).
وإنما امتنع الإدغام في هذه الحالة، لأن الحرف المشدد مركب من حرفين:
الأول ساكن، والثاني متحرك، فحينئذ لا يحتمل الحرف الثاني أن يدغم فيه حرفان في وقت واحد.
ففي هذه الأحوال الثلاثة التي يكون الحرف المدغم منونا، أو تاء ضمير، أو مشدّدا، يتعين الإظهار، ويمتنع الإدغام قولا واحدا.
والموانع المختلف فيها مثل: الجزم، وتوالي الإعلال، وقلة الحروف الخ كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
فإذا كان المانع الجزم ففيه تفصيل: وذلك لأنه إما أن يكون في المثلين، أو المتجانسين، أو المتقاربين:
فإن كان في المثلين نحو قوله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (سورة آل عمران الآية 85) أو في المتجانسين نحو قوله تعالى: وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى (سورة النساء الآية 102).
ففي هاتين الحالتين يكون في إدغامه خلاف لأصحاب الإدغام.
وجه الإدغام: النظر إلى الحالة الموجودة وهي التقاء الحرفين لفظا وخطّا.
ووجه الإظهار: النظر إلى الحالة الأصلية قبل دخول الجازم، حيث كان في آخر الكلمة الأولى حرف حذف للجازم.
وإن كان في المتقاربين، وهو في قوله تعالى: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ.
(سورة البقرة الآية 247).
ففي هذه الحالة يكون فيه وجهان أيضا، وهما:
الإظهار، وهو الأرجح والأقوى، نظرا لكثرة طرقه التي جاء منها.
والإدغام، وهو ضعيف نظرا لقلّة طرقه التي روته.
قال ابن الجزري:
والخلف في واو هو المضموم ها
…
وآل لوط جئت شيئا كاف ها
كاللّاء لا يحزنك فامنع
…
.....
المعنى: اختلف أصحاب الإدغام الكبير في إدغام «الواو» من «هو»
المضموم هاؤه، وقد وقع في ثلاثة عشر موضعا، نحو قوله تعالى: فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ (سورة البقرة الآية 249).
وعلة إظهاره مصيره إلى حرف مدّ، وذلك أنه إذا أدغم سكن، وإذا سكن صار حرف مدّ، وحرف المدّ لا يدغم. وعلّة إدغامه، وجود سبب الإدغام، وانتفاء المانع.
واختلف عنهم أيضا في إدغام «اللام» من «ءال لوط» وهو في أربعة مواضع:
اثنان في الحجر وهما في قوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (سورة الحجر الآية 59). وقوله تعالى: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (سورة الحجر الآية 61).
وموضع في النمل وهو قوله تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ (سورة النمل الآية 56).
وموضع في القمر وهو قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (سورة القمر الآية 34).
وجه الإظهار توالى الإعلال عليه، لأن أصله «أهل» فقلبت «الهاء، همزة» ثم أبدلت ألفا، ثم بعد ذلك تدغم فيكون في الكلمة ثلاث إعلالات، وذلك قليل في لغة العرب.
ووجه الإدغام، وجود السبب، وانتفاء المانع.
واختلف عنهم أيضا في إدغام «التاء» من قوله تعالى: قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (سورة مريم الآية 27).
وجه إظهاره كونه تاء مضمر.
ووجه إدغامه دون إدغام لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (سورة الكهف آية 71).
أن موضع مريم مكسور التاء، وموضع الكهف مفتوح التاء، والكسر ثقيل فأدغم تخفيفا، يضاف إلى ذلك صحة الرواية.
فإن قيل: لم لم يدغم قوله تعالى: وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (سورة النبأ الآية 40) وهو مضموم، والضم أثقل من الكسر؟
أقول: الأصل في القراءة صحة النقل، يضاف إلى ذلك إخفاء النون التي قبل التاء، والإخفاء من موانع الإدغام.
واختلف عنهم أيضا في إدغام وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ (سورة الطلاق الآية 4) على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة.
وجه الإظهار: أن أصل هذه الكلمة: «اللائي» بهمزة مكسورة، بعدها ياء ساكنة، فحذفت الياء لتطرفها، وانكسار ما قبلها، ثم خففت الهمزة لثقلها فأبدلت ياء ساكنة على غير قياس، فحصل في هذه الكلمة إعلالان، فلم تكن لتعلّ ثالثا بالإدغام.
وقيل: أظهرت لأن أصل الياء الهمزة، فإبدالها وتسكينها عارض، ولم يعتدّ بالعارض فيها، فلذلك لم تدغم. وإلى هذا أشار الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى بقوله:
وقبل يئسن الياء في اللّاء عارض
…
سكونا أو اصلا فهو يظهر مسهلا
ووجه الإدغام: أن الياء مبدلة من الهمزة، فالتقى مثلان فأدغما.
ومعنى قول الناظم: لا يحزنك فامنع:
أي امنع الإدغام قولا واحدا في قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ (سورة لقمان الآية 23). من أجل إخفاء النون.
تنبيه: لم يرد الإدغام في قوله تعالى: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ (سورة يس الآية 76) لأن الكاف وقعت بعد سكون النون، وشرط إدغامها في القاف أن تقع بعد متحرك، وقد أشار إلى ذلك «ابن الجزري» بقوله:
والكاف في القاف وهي فيها وان
…
بكلمة فميم جمع واشرطن
فيهنّ عن محرّك .............
…
................ ......
قال ابن الجزري:
............... وكلم
…
رض سنشدّ حجّتك بذل قثم
تدغم في جنس وقرب فصّلا
…
فالرّاء في اللام وهي في الراء لا
إن فتحا عن ساكن لا قال ثم
…
لا عن سكون فيهما النّون ادّغم
ونحن أدغم ضاد بعض شأن نص
…
سين النفوس الرأس بالخلف يخص
مع شين عرش .....
…
.....
المعنى: هذا شرع في بيان ما يدغم من المتجانسين، والمتقاربين، وهو ستة عشر حرفا، أشار إليها الناظم في قوله:
وهي: الراء، والضاد، والسين، والنون، والشين، والدال، والحاء، والجيم، والتاء، والكاف، والباء، والذال، واللام، والقاف، والثاء، والميم.
ثم شرع المؤلف في بيان الحروف التي يدغم فيها كل حرف من هذه الحروف الستة عشر، مع توضيح شروط ذلك الإدغام: فبين أن «الراء» تدغم في «اللام» نحو قوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (سورة هود الآية 78).
وقوله تعالى: غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها (سورة البقرة الآيتان 285 - 286).
وقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (سورة آل عمران الآية 190).
وشرط إدغام «الراء» في «اللام» ألّا تقع الراء مفتوحة بعد ساكن، فإن وقعت مفتوحة وسكن ما قبلها لم تدغم بل يتعين إظهارها، نحو قوله تعالى:
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً (سورة النحل الآية 8).
و «اللام» تدغم في «الراء» إذا تحرك ما قبل اللام، نحو قوله تعالى:
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ (سورة هود الآية 81).
فإن سكن ما قبل اللام أدغمت مضمومة، ومكسورة، نحو قوله تعالى:
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا (سورة البقرة الآية 200).
وقوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (سورة النحل الآية 125).
وأظهرت مفتوحة، نحو قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ (سورة المنافقون الآية 10) وذلك لخفة الفتحة.
إلّا لام «قال» فإنها تدغم مع أنها مفتوحة بعد ساكن، وذلك لكثرة وقوعها في «القرآن الكريم» مثال ذلك قوله تعالى: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا (سورة المائدة الآية 23).
وقوله تعالى: قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ (سورة القصص الآية 17).
«والنون» تدغم في كل من «الراء، واللام» بشرط أن يتحرك ما قبلها، نحو قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (سورة إبراهيم الآية 7).
وقوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (سورة البقرة الآية 55).
فإن سكن ما قبل النون أظهرت، نحو قوله تعالى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (سورة النحل الآية 50).
وقوله تعالى: أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (سورة الأحزاب الآية 36).
إلا «النون» من «نحن» فإنها تدغم في «اللام» بعدها مع أن قبلها ساكنا، وذلك لثقل حركتها وهي الضم، مع لزومها، ولكثرة تكرارها، وورودها في «القرآن الكريم» مثال ذلك قوله تعالى: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (سورة البقرة الآية 133).
وقوله تعالى: وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (سورة البقرة الآية 138).
وقوله تعالى: وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 78).
وقوله تعالى: وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (سورة هود الآية 53).
و «الضاد» تدغم في «الشين» من قوله تعالى: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ (سورة النور الآية 62).
وقوله: «نص» أي نصّ على إدغامه «الإمام أبو عمرو الداني» . وقد قرأت على شيخي رحمه الله تعالى بالإظهار، والإدغام.
و «السين» تدغم في «الزاي» في قوله تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (سورة التكوير الآية 7).
وفي «الشين» في قوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (سورة مريم الآية 4).
وقوله: «بالخلف يخص» أي أن السين تدغم في هذين اللفظين بالخلاف، واختص الإدغام بهذين اللفظين فقط، فلا يشمل غيرهما نحو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً (سورة يونس الآية 44).
فحكمه الإظهار قولا واحدا، وقد قرأت بذلك والحمد لله رب العالمين.
قال ابن الجزري:
…
الدّال في عشر سنا
…
ذا ضق ترى شد ثق ظبا زد صف جنا
إلّا بفتح عن سكون غيرتا
…
.....
المعنى: أشار الناظم رحمه الله تعالى بهذا إلى أن «الدال» المهملة تدغم في عشرة أحرف، وهي الأوائل من العشر كلمات التي ذكرها وهي: السين، والذال، والضاد، والتاء، والشين، والثاء، والظاء، والزاي، والصاد، والجيم، وهذه أمثلة لهذه الحروف العشرة:
1 -
فمثال «الدال» في «السين» قوله تعالى: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ (سورة إبراهيم الآيتان 49 - 50).
2 -
ومثال «الدال» في «الذال» قوله تعالى: وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ (سورة المائدة الآية 97).
3 -
ومثال «الدال» في «الضاد» قوله تعالى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا (سورة يونس الآية 21).
4 -
ومثال «الدال» في «التاء» قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ (سورة البقرة الآية 187).
5 -
ومثال «الدال» في «الشين» قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها (سورة يوسف الآية 26).
6 -
ومثال «الدال» في «الثاء» قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا (سورة النساء الآية 134).
7 -
ومثال «الدال» في «الظاء» قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (سورة آل عمران الآية 108).
8 -
ومثال «الدال» في «الزاي» قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ (سورة النور الآية 35).
9 -
ومثال «الدال» في «الصاد» قوله تعالى: نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ (سورة يوسف الآية 72).
10 -
ومثال «الدال» في «الجيم» قوله تعالى: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ (سورة البقرة الآية 251).
وقول الناظم: «إلّا بفتح عن سكون غيرتا» معناه أن الدال تدغم في هذه الحروف العشرة بشرط ألّا تقع «الدال» مفتوحة بعد ساكن، فإن فتحت بعد ساكن، فإنها لا تدغم إلّا في «التاء» فقط، وذلك لقوة المجانسة، إذ يخرجان معا من: طرف اللسان، وأصول الثنايا العليا، كما أنهما مشتركان في الصفات الآتية:«الشدة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات» .
مثال الدال المفتوحة بعد ساكن قوله تعالى: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا (سورة النحل الآية 91).
قال ابن الجزري:
.....
…
والتّاء في العشر وفي الطّا ثبتا
والخلف في الزّكاة والتّوراة حل
…
ولتأت آت
…
المعنى: هذا شروع في بيان الحروف التي تدغم فيها «التاء» فبيّن أنّ «التاء» تدغم في العشرة الأحرف التي تدغم فيها «الدال» وفي «الطاء» أيضا، فيصبح للتّاء أحد عشر حرفا، إلا أن إدغام «التاء» في «التاء» من باب المثلين، وليس من باب المتجانسين، أو المتقاربين، فإذا أسقطنا من جملة العدد «التاء» أصبحت الحروف التي تدغم «التاء» فيها عشرة أحرف، وهي: السين، والذال، والضاد، والشين، والثاء، والظاء، والزاي، والصاد، والجيم، والطاء.
وهذه أمثلة لهذه الحروف العشرة:
1 -
فمثال «التاء» في «السين» قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ (سورة النساء الآية 57).
وأمّا قوله تعالى: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ (سورة البقرة الآية 247) فلم يرد فيه الإدغام لأجل الجزم، وقد قرأته بالإظهار وعدم الإدغام.
2 -
ومثال «التاء» في «الذال» قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (سورة هود الآية 114).
واختلف المدغمون في إدغام «التاء» في «الذال» من قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ (سورة الإسراء الآية 26).
ومن قوله تعالى: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ (سورة الروم الآية 38) وقد أشار الناظم إلى هذا الخلاف بقوله:
والخلف في الزكاة والتوراة حل
…
ولتأت آت ...........
فإن قيل: ما وجه الخلاف في هذين الموضعين بالذات؟
أقول: لعلّ وجه الإظهار أن هذين الموضعين من المجزوم.
ووجه الإدغام من أجل التقارب الذي بين الحرفين وقوة الكسرة وقد أشار الناظم إلى هذا بقوله:
................
…
وفي الجزم انظر .......
فإن تماثلا ففيه خلف
…
وإن تقاربا ففيه ضعف
3 -
ومثال «التاء» في «الضاد» قوله تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (سورة العاديات الآية 1).
4 -
ومثال «التاء» في «الشين» قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (سورة النور الآية 4).
وقد تقدم التنبيه على الخلاف الذي في قوله تعالى: قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (سورة مريم الآية 27).
5 -
ومثال «التاء» في «الثاء» قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا (سورة الأعراف الآية 153).
واختلف المدغمون في إدغام «التاء» في «الثاء» من قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ (سورة البقرة الآية 83).
ومن قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها (سورة الجمعة الآية 5).
وقد أشار الناظم إلى هذا الخلاف بقوله: «والخلف في الزكاة والتوراة حل» .
6 -
ومثال «التاء» في «الظاء» قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ (سورة النساء الآية 97).
7 -
ومثال «التاء» في «الزاي» قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً (سورة الزمر الآية 73).
8 -
ومثال «التاء» في «الصاد» قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ (سورة النبأ الآية 38).
9 -
ومثال «التاء» في «الجيم» قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا (سورة المائدة الآية 93).
10 -
ومثال «التاء» في «الطاء» قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ (سورة هود الآية 114).
واختلف المدغمون في إدغام «التاء» في «الطاء» من قوله تعالى: وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (سورة النساء الآية 102).
وقد أشار الناظم إلى هذا الخلاف بقوله:
والخلف في الزكاة والتوراة حل
…
ولتأت آت
فإن قيل: ما وجه الخلاف في هذا الموضع بالذات؟
أقول: لعلّ وجه الإظهار في هذا الموضع أنه من المجزوم. ووجه الإدغام التجانس الذي بين الحرفين، وقوة الكسرة.
قال ابن الجزري:
................
…
... ........ ولثا الخمس الأول
المعنى: هذا شروع في بيان الحروف التي تدغم «الثّاء» فيها، وهي الحروف الخمسة التي ذكرت أوّلا من الحروف التي تدغم «الدال» فيها، وهي:
«السين، والذال، والضاد، والتاء، والشين» وهذه أمثلة لهذه الحروف الخمسة:
1 -
فمثال «الثاء» في «السين» قوله تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ (سورة النمل الآية 16).
2 -
ومثال «الثاء» في «الذال» قوله تعالى: وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا (سورة آل عمران الآية 14).
3 -
ومثال «الثاء» في «الضاد» قوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (سورة الذاريات الآية 24).
4 -
ومثال «الثاء» في «التاء» قوله تعالى: وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (سورة الحجر الآية 65).
5 -
ومثال «الثاء» في «الشين» قوله تعالى: وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ (سورة البقرة الآية 35).
قال ابن الجزري:
والكاف في القاف وهي فيها وإن
…
بكلمة فميم جمع واشرطن
فيهنّ عن محرّك والخلف في
…
طلّقكنّ ....
المعنى: يفهم من هذا أنّ «الكاف» تدغم في «القاف» إذا تحرك ما قبل «الكاف» نحو قوله تعالى: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (سورة البقرة الآية 30).
فإن سكن ما قبل «الكاف» لم تدغم نحو قوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً (سورة الجمعة الآية 11).
ويفهم أيضا أنّ «القاف» تدغم في «الكاف» إذا تحرك ما قبل «القاف» نحو قوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ (سورة المائدة الآية 64).
وكذلك تدغم «القاف» في «الكاف» إذا كانت معها في كلمة واحدة، وكان بعد «الكاف» ميم جمع، نحو قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (سورة البقرة الآية 21).
واختلف المدغمون في إدغام «القاف» في «الكاف» من قوله تعالى:
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ (سورة التحريم الآية 5).
فإن قيل: ما وجه الخلاف في هذا اللفظ؟
أقول: وجه الإظهار في هذا اللفظ فقد الشرط وهو: عدم وقوع «ميم جمع» بعد الكاف.
ووجه الإدغام ثقل الكلمة بالتأنيث والجمع، وكأنّ نون النسوة الدالة على الجمع قامت مقام «واو الجمع» في الثقل فخفف اللفظ بالإدغام، والوجهان
صحيحان، وقرأت بهما والحمد لله ربّ العالمين. وقد أشار إلى هذا الخلاف «الإمام الشاطبي» بقوله:
وإدغام ذي التحريم طلقكنّ قلّ
…
أحقّ وبالتأنيث والجمع أثقلا
فإن فقد شرط من الشرطين المتقدمين: بأن سكن ما قبل «القاف» أو لم يقع بعد «الكاف» «ميم جمع» وجب الإظهار، مثال ذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا
فَوْقَكُمُ الطُّورَ
(سورة البقرة الآية 63). وقوله تعالى:
نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (سورة طه الآية 132).
وقد أشار إلى ذلك «الإمام الشاطبي» بقوله:
................ .....
…
وميثاقكم أظهر ونرزقك انجلا
قال ابن الجزري:
................ .....
…
................ ولحا زحزح في
والذّال في سين وصاد الجيم صح
…
من ذي المعارج وشطأه رجح
والباء في ميم يعذّب من فقط
…
................ ........
المعنى: يفهم من هذا أنّ «الحاء» تدغم في «العين» من قوله تعالى:
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ (سورة آل عمران الآية 185).
والإدغام خاص بهذا اللفظ فقط دون غيره على خلاف بين المدغمين، وقيّد الناظم الإدغام بهذا اللفظ ليخرج ما عداه فحكمه الإظهار قولا واحدا، مثال ذلك قوله تعالى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (سورة النساء الآية 24).
وقوله تعالى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (سورة المائدة الآية 3).
وقول الناظم «في» هو فعل أمر من: «وفي يفي» إذا تمّ وكثر. ويجوز أن يكون فعل أمر من «الوفاء» الذي هو ضدّ الغدر، وحينئذ يكون المعنى: أتمّ إدغامه، وأعطه حقه إذا لفظت به ولا تكن غادرا، ولا مخالفا، لما ورد عن علماء القراءات الثقات.
ويفهم أيضا من كلام الناظم أن «الذال» تدغم في حرفين هما: «السين، والصاد» وذلك في قوله تعالى: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (سورة الكهف الآية 61). وقوله تعالى: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (سورة الكهف الآية 63). وقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (6)(سورة الجنّ الآية 3).
ويفهم من كلام الناظم أيضا أنّ «الجيم» تدغم في حرفين هما:
1 -
«التاء» من قوله تعالى: مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ* تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ (سورة المعارج الآيتان 2 - 3).
2 -
«الشين» من قوله تعالى: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ (سورة الفتح الآية 29). على الراجح من الوجهين، والوجهان صحيحان، وبهما قرأت.
ويفهم من كلام الناظم أيضا أنّ «الباء» تدغم في «ميم» «يعذب من يشاء» فقط، وذلك في خمسة مواضع وهي:
1 -
قوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة آل عمران الآية 129).
2 -
قوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (سورة المائدة الآية 18).
3 -
قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة المائدة الآية 40).
4 -
قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (سورة العنكبوت الآية 21).
5 -
قوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (سورة الفتح الآية 14).
تنبيه: ليس من هذه المواضع قوله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (سورة البقرة الآية 284) حيث إن «أبا عمرو» يقرأه بجزم الباء، وإدغامه
حينئذ يكون من باب الإدغام الصغير، وليس من الإدغام الكبير.
ومعنى قول الناظم: «والباء في ميم يعذّب من فقط» أنّ ما عداه لا خلاف في إظهاره، نحو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها (سورة البقرة الآية 26). وقوله تعالى: سَنَكْتُبُ ما قالُوا (سورة آل عمران الآية 181).
قال ابن الجزري:
................ .....
…
والحرف بالصّفة إن يدغم سقط
المعنى: يفهم من هذا أن الحرف إذا أدغم في هذا الباب فإنه يدغم إدغاما كاملا بحيث تذهب ذات الحرف وصفته، لأن الإدغام هو: النطق بالحرفين حرفا كالثاني مشدّدا.
قال ابن الجزري:
والميم عند الباء عن محرّك
…
تخفى ...............
المعنى: أنّ «الميم» المتحركة إذا وقعت بعد حرف متحرك، ووقع بعد «الميم» «الباء» فإن «الميم» في هذه الحالة تخفى، أي تستتر مع الغنة:
فالإخفاء لغة: الستر، واصطلاحا: هو النطق بحرف بصفة بين الإظهار، والإدغام، عار عن التشديد مع بقاء الغنة في الحرف المخفي.
فإن قيل: لماذا عدل عن إدغام «الميم في الباء» إلى «الإخفاء» ؟ أقول: من أجل المحافظة على غنة «الميم» إذ الإدغام يذهب الغنة.
فإن كان الحرف الذي قبل «الميم» ساكنا فإنه لا خلاف في إظهار «الميم» حينئذ، مثال ذلك قوله تعالى: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ (سورة البقرة الآية 132).
قال ابن الجزري:
................ ..........
…
....... وأشممن ورم أو اترك
في غير با والميم معهما وعن
…
بعض بغير الفا ........
المعنى: تجوز الإشارة بالروم، والإشمام إلى حركة الحرف المدغم. والمراد بالروم هنا: الإخفاء، والاختلاس، وهو: الإتيان بمعظم الحركة.
والمراد بالإشمام هنا: ضمّ الشفتين مع مقارنة النطق بالإدغام.
والروم خاص بالمضموم، والمرفوع والمجرور، والمكسور.
والإشمام خاص بالمضموم، والمرفوع فقط.
والآخذون بالروم، والإشمام في هذا الباب أجمعوا على منع الروم، والإشمام في الحرف المدغم إذا كان «باء» والمدغم فيه «باء أو ميما» نحو قوله تعالى: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ (سورة يوسف الآية 56).
وقوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (سورة آل عمران الآية 129).
أو كان الحرف المدغم «ميما» والمدغم فيه «باء أو ميما» نحو قوله تعالى:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (سورة يوسف الآية 77).
وقوله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ (سورة الحج الآية 70).
واستثنى بعض الآخذين بالروم، والإشمام في هذا الباب، الروم، والإشمام في «الفاء» المدغمة في مثلها، نحو قوله تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (سورة المطففين الآية 24).
وجه منع الروم، والإشمام في:«الباء، والميم، والفاء» تعذّر الروم، والإشمام، لأن هذه الحروف تخرج من «الشفتين» .
قال ابن الجزري:
................ ..
…
.......... ومعتلّ سكن
قبل امددن واقصره
…
... ................
…
المعنى: إذا كان الحرف المدغم حرف علة، سواء كان حرف مدّ ولين، أو حرف لين فقط، يجوز فيه الأوجه التي تجوز في عارض السكون عند الوقف من
القصر، والتوسط، والمدّ، والسكون المحض، والروم، والإشمام، كما هو مبين في علم التجويد، مثال ذلك في حرف المدّ واللين، قوله تعالى: الرَّحِيمِ* مالِكِ (سورة الفاتحة الآيتان 3 - 4). وقوله تعالى: قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً (سورة طه الآية 61). وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً (سورة البقرة الآية 201).
ومثال ذلك في حرف اللين قوله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ (سورة الأعراف الآية 148).
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (سورة الفجر الآية 6).
قال ابن الجزري:
..... والصّحيح قل
…
إدغامه للعسر والإخفا أجل
المعنى: إذا وقع قبل الحرف المدغم حرف صحيح ساكن جاز فيه وجهان:
الإدغام المحض، والإخفاء، وقد يعبر عنه بالاختلاس. مثال ذلك قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (سورة البقرة الآية 185). وقوله تعالى: قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (سورة مريم الآية 29).
قال ابن الجزري:
وافق في إدغام صفّا زجرا
…
ذكرا وذروا فد وذكرا الاخرى
صبحا قرا خلف
…
... .....
المعنى: أشار المؤلف رحمه الله تعالى في هذا البيت، والأبيات الآتية إلى من وافق «أبا عمرو» على إدغام بعض ما تقدم، ثم استطرد فيه أحرفا أخرى ملحقة بالإدغام الكبير: فوافق «حمزة» «أبا عمرو» على إدغام أربعة أحرف بلا خلاف عن حمزة، وهي:
1 -
«التاء» في «الصاد» من قوله تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. (سورة الصافات، الآية 1)
2 -
«التاء» في «الزاي» من قوله تعالى: فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. (سورة الصافات، الآية 2).
3 -
«التاء» في «الذال» من قوله تعالى: فَالتَّالِياتِ ذِكْراً. (سورة الصافات، الآية 3).
4 -
«التاء» في «الذال» من قوله تعالى: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً. (سورة الذاريات، الآية 1).
ووافق «خلاد» «أبا عمرو» على إدغام حرفين بخلاف عنه، وهما:
1 -
«التاء» في «الذال» من قوله تعالى: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (سورة المرسلات الآية 5).
2 -
«التاء» في «الصاد» من قوله تعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (سورة العاديات الآية 3).
تنبيه: اعلم أن إدغام «حمزة» يكون مع المدّ المشبع، لأنه من باب المدّ اللازم، بخلاف إدغام «أبي عمرو» فهو من باب المد العارض. كما أن إدغام «حمزة» لا يكون معه «روم» بخلاف إدغام «أبي عمرو». ويفهم هذا من قول «ابن الجزري»:«وافق في إدغام صفا زجرا» الخ أي أن الموافقة في الإدغام فقط دون غيره.
قال ابن الجزري:
…
وبا والصّاحب
…
بك تمارى ظنّ
…
المعنى: وافق المرموز له بالظاء من «ظن» وهو «يعقوب» «أبا عمرو» على إدغام «الباء» في «الباء» من قوله تعالى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ (سورة النساء الآية 36).
وانفرد «يعقوب» عن «أبي عمرو» بإدغام «التاء في التاء» من قوله تعالى:
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (سورة النجم الآية 55). وهي قراءة صحيحة ومتواترة.
وذلك لأنّ «أبا عمرو» لا يدغم من المثلين في كلمة إلّا «مناسككم، وما سلككم» .
واعلم أن إدغام «يعقوب» لا يتأتى إلا في حالة وصل «تتمارى» بالكلمة التي قبلها. أمّا في حالة الابتداء ب «تتمارى» فإنه يظهر التاءين كباقي القراء.
قال ابن الجزري:
................
…
........ أنساب غبي
ثمّ تفكّروا نسبّحك كلا
…
بعد ............
المعنى: وافق المرموز له بالغين من «غبي» وهو: «رويس» «أبا عمرو» على إدغام أربع كلمات وهي: قوله تعالى: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ (سورة المؤمنون الآية 101). وقوله تعالى: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً* إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (سورة طه الآيات 33 - 35). وأدغم «رويس» وحده «التاء» في «التاء» من قوله تعالى: ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ (سورة سبأ الآية 46).
واعلم أن «إدغام» «رويس» لا يتأتى إلا في حالة وصل «تتفكروا» بالكلمة التي قبلها. أما في حالة الابتداء ب «تتفكروا» فإنه يظهر التاءين كباقي القراء وأن «أبا عمرو» لا يدغمها، لأنه لا يدغم من المثلين في كلمة إلّا «مناسككم، وما سلككم» .
قال ابن الجزري:
.....
…
... ورجّح لذهب وقبلا
جعل نحل أنّه النّجم معا
…
.....
المعنى: أن المرموز له بالغين من «غبي» وهو: «رويس» وافق «أبا عمرو» في إدغام عدد من الكلمات سيأتي تفصيلها بإذن الله تعالى. وهذا الإدغام على ثلاثة أقسام:
الأول: ما يترجح إدغامه على إظهاره.
والثاني: ما ورد فيه الخلاف من غير ترجيح.
والثالث: ما يترجح إظهاره على إدغامه.
وبدأ الناظم رحمه الله تعالى بالحديث عن القسم الأول فأفاد أن «رويسا»
أدغم أربع كلمات في اثني عشر موضعا وهي:
1 -
قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ (سورة البقرة الآية 20).
2 -
قوله تعالى: فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها (سورة النمل الآية 37).
و «جعل لكم» جميع ما في النحل وهو ثمانية أحرف وهي:
1 -
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً (سورة النحل الآية 72).
2 -
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً (سورة النحل الآية 72).
3 -
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ (سورة النحل الآية 78).
4 -
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً (سورة النحل الآية 80).
5 -
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً (سورة النحل الآية 80).
6 -
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا (سورة النحل الآية 81).
7 -
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً (سورة النحل الآية 81).
8 -
وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ (سورة النحل الآية 81).
«وأنه هو» الموضعان الأخيران في النجم وهما:
1 -
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (سورة النجم الآية 48).
2 -
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (سورة النجم الآية 49).
قال ابن الجزري:
.....
…
وخلف الأوّلين مع لتصنعا
مبدّل الكهف وبا الكتابا
…
بأيد بالحقّ وإن عذابا
والكاف في كانوا وكلّا أنزلا
…
لكم تمثّل وجهنّم جعلا
شورى ....
…
.....
المعنى: هذا شروع في بيان القسم الثاني: وهو ما ورد فيه الإدغام عن «رويس» من غير ترجيح، وهو أربعة عشر حرفا وهي:
1 -
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (الأول من النجم الآية 43).
2 -
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (الثاني من النجم الآية 44).
3 -
وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (سورة طه الآية 39).
4 -
لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ (سورة الكهف الآية 27).
5 -
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ (سورة البقرة الآية 79).
6 -
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ (سورة البقرة الآية 175).
7 -
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ (سورة البقرة الآية 176).
8 -
كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (سورة الروم الآية 55).
9 -
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ* كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (سورة الانفطار الآيتان 8 - 9).
10 -
وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ (سورة النمل الآية 60).
11 -
وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (سورة الزمر الآية 6).
12 -
فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (سورة مريم الآية 17).
13 -
مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ (سورة الأعراف الآية 41).
14 -
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً (سورة الشورى الآية 11).
قال ابن الجزري:
…
وعنه البعض فيها أسجلا
…
.....
المعنى: هذا شروع في بيان القسم الثالث: وهو ما ورد فيه الإدغام عن «رويس» مع ترجيح الإظهار. وهو: «جعل لكم» في غير «النحل، والشورى» وهو سبعة عشر موضعا
وهي:
1 -
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (سورة البقرة الآية 22).
2 -
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (سورة الأنعام الآية 97).
3 -
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ (سورة يونس الآية 67).
4 -
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً (سورة طه الآية 53).
5 -
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً (سورة الفرقان الآية 47).
6 -
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ (سورة القصص الآية 73).
7 -
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ (سورة السجدة الآية 9).
8 -
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً (سورة يس الآية 80).
9 -
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ (سورة غافر الآية 61).
10 -
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً (سورة غافر الآية 64).
11 -
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (سورة غافر الآية 79).
12 -
13 - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا (سورة الزخرف الآية 10).
14 -
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (سورة الزخرف الآية 12).
15 -
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا (سورة الملك الآية 15).
16 -
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ (سورة الملك الآية 23).
17 -
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (سورة نوح الآية 19).
قال ابن الجزري:
.....
…
وقيل عن يعقوب ما لابن العلا
المعنى: يشير المؤلف رحمه الله تعالى بهذا إلى ما ذكره: «المبارك بن الحسن ابن أحمد بن عليّ بن فتحان، أبو الكرم الشّهرزوري، البغدادي» المولود سنة 462 هـ والمتوفى سنة 550 هـ في كتابه: «المصباح الزاهر في العشرة البواهر» وغيره من علماء القراءات، من إدغام «يعقوب» كلّ ما أدغمه «أبو عمرو» من المثلين والمتجانسين والمتقاربين، وهو وجه صحيح وقد قرأت به والحمد لله.
قال ابن الجزري:
بيّت حزفز تعدانني لطف
…
وفي تمدّونني فضله ظرف
المعنى: لما فرغ الناظم من مذهب «أبي عمرو، ورويس، ويعقوب» فيما أدغموه من الإدغام الكبير، شرع في ذكر أحرف بقيت من الإدغام الكبير.
فأخبر أن المرموز له بالحاء من «حز» والفاء من «فز» وهما: «أبو عمرو، وحمزة» قرأ بإدغام «التاء» في «الطاء» قولا واحدا وذلك في قوله تعالى: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ (سورة النساء الآية 81). وقرأ الباقون بالإظهار.
تنبيه: اعلم أن إدغام «أبي عمرو» لهذا الحرف يختلف عن إدغامه لما تقدم أول الباب: فهو يدغم هذا الحرف بلا خلاف، سواء قصر المنفصل، أو مدّه، وسواء أبدل الهمز المفرد، أو حققه.
ثم أخبر أن المرموز له باللام من «لطف» وهو: «هشام» أدغم «النون» في «النون» من قوله تعالى: أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ (سورة الأحقاف الآية 17).
والباقون بالإظهار، وعلى الإدغام يتعين إشباع المدّ.
والمرموز له بالفاء من «فضله» والظاء من «ظرف» وهما: «حمزة، ويعقوب» أدغما «النون» في «النون» من قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ (سورة النمل الآية 36). مع المدّ المشبع، ولهما إثبات الياء وصلا ووقفا.
وقرأ الباقون بالإظهار.
وقرأ «نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر» بإثبات الياء وصلا فقط.
وقرأ «ابن كثير» بإثبات الياء في الحالين.
وقرأ الباقون بحذف الياء في الحالين.
قال ابن الجزري: تمدّونني في سما.
قال ابن الجزري:
مكّنّ غير المكّ تأمنّا أشم
…
ورم لكلّهم وبالمحض ثرم
المعنى: قرأ جميع القراء غير «ابن كثير المكي» «مكنّي» من قوله تعالى:
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ (سورة الكهف الآية 95) بنون واحدة مشددة مكسورة، وذلك على إدغام «النون» التي هي لام الفعل في نون الوقاية.
وقرأ «ابن كثير المكي» بنونين خفيفتين: الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة، بدون إدغام، على الأصل.
وقوله تعالى: قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ (سورة يوسف الآية 11) أصله «تأمننا» بنونين مظهرتين، وقد أجمع القراء العشرة على عدم إظهار النون الأولى، واختلفوا بعد ذلك في كيفية القراءة: فقرأ جميع القراء عدا «أبا جعفر» بوجهين:
الأول: الإدغام مع الإشمام، والثاني: اختلاس ضمة النون الأولى.
وقرأ «أبو جعفر» بالإدغام المحض من غير روم ولا إشمام.
تمّ باب الإدغام الكبير ولله الحمد والشكر