الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن الجزري:
وأظهر الغنّة من نون ومن
…
ميم إذا ما شدّدا وأخفين
الميم إن تسكن بغنّة لدى
…
باء على المختار من أهل الأدا
وأظهرنها عند باقي الأحرف
…
واحذر لدى واو وفا أن تختفي
المعنى: لا زال «ابن الجزري» رحمه الله تعالى يتحدث عن بعض أحكام التجويد، وأشار في هذه الأبيات إلى حكم كلّ من النون، والميم المشدّدتين، وحكمين من أحكام الميم الساكنة:
فبيّن أن للنون، والميم المشدّدتين حكما واحدا وهو «الغنة» والغنة لغة:
الترنّم، واصطلاحا: صوت لذيذ مركب في جسم النون، والميم.
والغنة صفة ملازمة لكل من النون، والميم المشدّدتين، ولذا سمّي كل منهما حرف غنة مشدّدا.
ولذلك يجب على قارئ القرآن أن يظهر الغنة أثناء النطق بكل من النون، والميم المشدّدتين.
ثم أخذ المؤلف يتحدث عن حكمين من أحكام الميم الساكنة، وهما:
الإخفاء، والإظهار:
فبيّن أن الميم الساكنة إذا وقع بعدها «الباء» كان حكمها الإخفاء مع الغنة، وهذا الإخفاء يسمّى إخفاء شفويّا، نحو قوله تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (سورة آل عمران الآية 101).
وإذا وقع بعد الميم الساكنة حرف من حروف الهجاء عدا «الباء والميم» كان حكمها الإظهار، بمعنى أنه ينطق بها بدون إدغام، ولا إخفاء، ويسمى هذا الإظهار إظهارا شفويا، نحو قوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (سورة التوبة الآية 128).
ثم حذّر المؤلف قارئ القرآن من إخفاء الميم الساكنة إذا وقع بعدها:
«الواو، أو الفاء» نحو قوله تعالى:
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (سورة البقرة الآية 82). وقوله تعالى: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة البقرة الآية 62). وذلك لأن «الميم، والواو» تخرج من الشفتين، «والفاء» تخرج من بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا.
كما أن «الميم» تشترك مع «النون» في الصفات الآتية:
الجهر- والتوسط- والاستفال- والانفتاح- والإذلاق.
و «الميم» تشترك مع «الفاء» في الصفات الآتية:
الاستفال- والانفتاح.
وهذه كلها أمور مرشحة للإخفاء، لذلك نبّه المؤلف القارئ إلى عدم إخفاء الميم مع هذين الحرفين.
قال ابن الجزري:
وأوّلي مثل وجنس إن سكن
…
أدغم كقل ربّ وبل لا وأبن
سبّحه فاصفح عنهم قالوا وهم
…
في يوم لا تزغ قلوب قل نعم
والمتجانسان: هما الحرفان اللذان اتحدا مخرجا، واختلفا صفة. فإذا كان الحرف الأوّل ساكنا، والثاني متحركا، سمّيا متجانسين صغير. وحكمه الإظهار نحو قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (سورة الطور الآية 49).
وقوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (سورة الزخرف الآية 89). وقوله تعالى: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا (سورة آل عمران الآية 8).
المعنى: ذكر «ابن الجزري» رحمه الله تعالى في هذين البيتين قاعدة كليّة وهي: إذا التقى حرفان متماثلان، أو متجانسان، وكان الحرف الأول ساكنا، والحرف الثاني ساكنا، وجب على القارئ إدغام الحرف الأول في الثاني.
ولكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، وتفصيلها فيما يأتي:
فالمثلان: هما الحرفان اللذان اتحدا مخرجا، وصفة، كالباءين، والهاءين، والميمين الخ.
فإذا كان الحرف الأول ساكنا، والثاني متحركا سمّيا مثلين صغير، وحكم الحرف الأول وجوب الإدغام في الحرف الثاني لجميع القراء، بشرط ألّا يكون الحرف الأول حرف مدّ نحو قوله تعالى:
فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (سورة المعارج الآية 4.)
وقوله تعالى: قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (سورة الشعراء الآية 96).
أو هاء سكت نحو قوله تعالى: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (سورة الحاقة الآيتان 28 - 29) فإن كان الأول هاء سكت جاز الإظهار، والإدغام.
إلّا في خمسة أحوال فإنه يجب فيها الإدغام وهي:
1 -
الدال مع التاء نحو قوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (سورة البقرة الآية 256).
2 -
والتاء مع الدال نحو قوله تعالى: قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما (سورة يونس الآية 89).
3 -
والتاء مع الطاء نحو قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ (سورة آل عمران الآية 122).
4 -
والذال مع الظاء نحو قوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ (سورة الزخرف الآية 39).
5 -
والثاء مع الذال نحو قوله تعالى: أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ. (سورة الأعراف الآية 176).
وأمّا الباء مع الميم في قوله تعالى: ارْكَبْ مَعَنا (سورة هود الآية 42).
فقد اختلف فيها القراء العشرة: فأدغمها قولا واحدا: «أبو عمرو، والكسائي، ويعقوب» ، وأدغمها بالخلاف:«ابن كثير، وعاصم، وخلاد» .
وأظهرها الباقون قولا واحدا.
(والله أعلم)