الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«الرموز الحرفيّة»
قال ابن الجزري:
جعلت رمزهم على التّرتيب
…
من نافع كذا إلى يعقوب
أبج دهز حطّي كلم نصع فضق
…
رست ثخذ ظغش على هذا النّسق
المعنى: هذا شروع من المؤلف في بيان الرموز التي اصطلح عليها ليرمز بها إلى القراء في قصيدته، واستعمال الرّمز يدلّ على براعة المؤلف، فضلا عن الإيجاز، والاختصار. ومن ينعم النظر في اصطلاحات «ابن الجزري» يجده وافق فيها «الإمام الشاطبي» في منهجه الذي اتبعه في قصيدته «الشاطبية» في القراءات السبع.
وقد أشار «ابن الجزري» إلى الدوافع التي جعلته يصنع ذلك. فبعد أن أتمّ الكلام على مصطلحاته الخاصة بالرموز، والأضداد قال:
وكلّ ذا تبعت فيه الشّاطبي
…
ليسهل استحضار كلّ طالب
أيّ إنّما سلك «ابن الجزري» مسلك «الشاطبي» في الرموز والأضداد ليسهل على المشتغلين بدراسة القراءات الرجوع إلى كلّ من: «الشاطبية، والطيبة» دون أن تكون هناك مشقة، أو عناء، نظرا لوحدة الاصطلاحات في النظمين.
والرموز تنقسم قسمين: رموز حرفية، ورموز كلميّة.
وقد بدأ «ابن الجزري» بالحديث عن «الرموز الحرفية» فجعل لتسعة من الأئمة العشر، ورواتهم، حروفا يرمز لكل واحد منهم بحرف معين.
وقد جعل هذه الحروف في تسع كلمات، كلّ كلمة مكونة من ثلاثة أحرف، يرمز بالحرف الأول من الكلمة إلى الإمام، وبالحرفين الأخيرين للرّاويين عن الإمام.
وقد رتب هذه الكلمات التسع وفقا للترتيب الذي سلكه من قبل أثناء حديثه عن الأئمة، ورواتهم. والكلمات التسع هي:
أبج- دهز- حطّي- كلم- نصع- فضق- رست- ثخذ- ظغش.
فالألف «لنافع» والباء «لقالون» والجيم «لورش» والدال «لابن كثير» والهاء «للبزّي» والزاي «لقنبل» والحاء «لأبي عمرو» والطاء «للدّوري» والياء «للسوسي» والكاف «لابن عامر» واللام «لهشام» والميم «لابن ذكوان» والنون «لعاصم» والصاد «لشعبة» والعين «لحفص» والفاء «لحمزة» والضاد «لخلف» والقاف «لخلاد» والراء «للكسائي» والسين «لأبي الحارث» والتاء «للدّوري» والثاء «لأبي جعفر» والخاء «لابن وردان» والذال «لابن جمّاز» والظاء «ليعقوب» والغين «لرويس» والشين «لروح» .
قال ابن الجزري:
والواو فاصل ولا رمز يرد
…
عن خلف لأنّه لم ينفرد
المعنى: بلغ العدد الإجمالي للأئمة التسعة، ورواتهم سبعة وعشرين.
وبناء عليه فقد رمز لهم «ابن الجزري» بسبعة وعشرين حرفا من حروف الهجاء.
وحينئذ لم يبق من حروف الهجاء سوى «الواو» فجعلها «ابن الجزري» للفصل بين أحرف الخلاف بين القراء، ولو لم يجعل المؤلف «الواو» للفصل لاختلطت المسائل، وعسر التمييز في أكثرها.
أمّا عند أمن اللّبس فالمؤلف قد لا يحتاج إلى «الواو» الفاصلة، مثال ذلك قوله:
مالك نل ظلّا روى السراط مع
…
سراط زن خلفا غلا كيف وقع
فبعد أن تكلم المؤلف عن خلاف القراء في «مالك» شرع يتكلم عن خلافهم في لفظ «السراط» ولكنه لم يفصل بين المسألتين بالواو، لأمن اللبس.
أمّا عند خوف اللبس فلا بدّ من الإتيان بالواو الفاصلة، مثال ذلك قول ابن الجزري:
................ ......
…
تطوّع التّا يا وشدّد مسكنا
ظبّى شفا الثّاني شفا والريح هم
…
كالكهف مع جاثية توحيدهم
فبعد أن تكلم المؤلف عن خلاف القراء في «تطوّع» وشرع يتكلم عن خلافهم في لفظ «الريح» أتى بالواو الفاصلة بين المسألتين، وهكذا.
ومعنى قول ابن الجزري:
…
ولا رمز يرد
…
عن خلف لأنه لم ينفرد
أي أنّ «ابن الجزري» لم يجعل للإمام العاشر وهو: «خلف البزّار» وراوييه: «إسحاق، وإدريس» رموزا حرفيّة كما فعل مع جميع القراء، وعلّة ذلك أنه لم تكن «لخلف» أو أحد راوييه قراءة خاصّة انفرد بها عن قراءة واحد من الأئمة السابقين، أو رواتهم.
قال ابن الجزري:
وحيث جا رمز لورش فهو
…
لأزرق لدى الأصول يروى
والأصبهانيّ كقالون وإن
…
سمّيت ورشا فالطّريقان إذن
المعنى: عرفنا مما سبق أن قراءة «ورش» نقلت من طريقين:
الأول: طريق «الأزرق» هو: «أبو يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار المدني عم المصري» المتوفّى في حدود أربعين ومائتين.
الثاني: طريق «الأصبهاني» هو: «أبو بكر محمد بن عبد الرحيم بن سعيد ابن يزيد بن خالد الأسدي» ت 296 هـ.
كما عرفنا أن المؤلف جعل «الجيم» رمزا حرفيّا للدلالة على «ورش» .
ومما هو معلوم لدى علماء القراءات أن مصنفات القراءات تنقسم قسمين:
الأول: ما يسمّى بالأصول.
والثاني: ما يسمّى بالفرش.
وقد أخبر «ابن الجزري» في هذين البيتين بأنه تارة يرمز لورش بالجيم، وأخرى يذكر اسمه صريحا:
فإذا رمز له بالجيم وكان ذلك في «الأصول» فحينئذ يكون المقصود «ورش» من طريق «الأزرق» .
وتكون قراءة ورش من طريق «الأصبهاني» مثل قراءة «قالون» . مثال ذلك قوله في «باب المد والقصر» :
إن حرف مدّ قبل همز طوّلا
…
جد فد
فالجيم من «جد» لورش من طريق «الأزرق» .
وإذا رمز له بالجيم وكان ذلك في «الفرش» فحينئذ يكون المقصود «ورش» من الطريقين:
مثال ذلك قوله في سورة الحج:
.....
…
لام ليقطع حرّكت
بالكسر جد حزكم غنا
…
.....
فالجيم من «جد» رمز لورش من الطريقين.
أمّا إذا سمّى «ورشا» باسمه صريحا فإن المقصود حينئذ «ورش» من الطريقين، سواء كان ذلك في الأصول، أو الفرش. مثال ذلك قوله في «باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها:
وانقل إلى الآخر غير حرف مد
…
لورش إلّا ها كتابيه أسد
«وبهذا ينتهي كلام المؤلف عن الرموز الحرفية» (والله أعلم).