الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد بهما همزتا القطع المتلاصقتان وصلا، فخرج نحو: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى (سورة الأنعام الآية 35) وتكون الهمزة الأولى آخر كلمة، والهمزة الثانية أول الكلمة الأخرى. وتقعان متفقتين، ومختلفتين:
فالمتفقتان: تتفقان في الفتح نحو: إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ (سورة هود الآية 76) وتتفقان في الكسر نحو: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (سورة البقرة الآية 31) وتتفقان في الضم وهو في قوله تعالى: وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (سورة الأحقاف الآية 32).
والمختلفتان: على خمسة أقسام:
1 -
تكون الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة نحو: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ (سورة البقرة الآية 133).
2 -
وتكون الأولى مفتوحة، والثانية مضمومة وهو في قوله تعالى: كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ (سورة المؤمنون الآية 44) ولا ثاني له.
3 -
وتكون الأولى مضمومة، والثانية مفتوحة نحو: قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ (سورة البقرة الآية 13).
4 -
وتكون الأولى مضمومة، والثانية مكسورة نحو: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (سورة البقرة الآية 213).
5 -
وتكون الأولى مكسورة، والثانية مفتوحة نحو: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ (سورة البقرة الآية 235).
ولم يقع في القرآن الكريم عكس هذا، وهو أن تكون الأولى مكسورة، والثانية مضمومة.
قال ابن الجزري:
أسقط الأولى في اتّفاق زن غدا
…
خلفهما حز وبفتح بن هدى
وسهلا في الكسر والضّمّ وفي
…
بالسّوء والنّبئ الادغام اصطفى
وسهّل الأخرى رويس قنبل
…
ورش وثامن وقيل تبدل
مدّ زكا جودا وعنه هؤلا
…
ءن والبغا إن كسر ياء أبد لا
المعنى: هذا شروع من المؤلف رحمه الله تعالى في بيان اختلاف القراء في الهمزتين من كلمتين، وبدأ بالهمزتين المتفقتين، فبيّن أن المرموز له بالزاي من «زن» والغين من «غدا» والحاء من «حز» وهم:«قنبل، ورويس» بخلف عنهما، و «أبو عمرو» بدون خلاف يقرءون بإسقاط الهمزة الأولى في الأحوال الثلاثة: أي سواء كانتا مفتوحتين، أو مكسورتين، أو مضمومتين.
وما ذكره الناظم من أن الساقطة هي الأولى هو ما عليه جمهور أهل الأداء. وذهب بعض علماء القراءات أمثال «أبي الطيب بن غلبون، وأبي الحسن الحمّاميّ» إلى أن الساقطة هي الثانية، وإلى ذلك أشار صاحب إتحاف البريّة بقوله:
وأسقط الأولى في اتفاقهما معا
…
وقيل بل الأخرى فخذ عن فتى العلا
وتظهر فائدة هذا الخلاف في المدّ: فمن قال الساقطة الأولى كان المدّ عنده من قبيل المنفصل، ومن قال الساقطة الثانية كان المدّ عنده من قبيل المتصل «1» .
ثم بيّن الناظم رحمه الله تعالى بأن المرموز له بالباء من «بن» والهاء من
(1) أنظر: النشر لابن الجزري ج 1/ 389.
«هدى» وهما: «قالون، والبزّي» يقرءان بإسقاط الهمزة من المفتوحتين ويقرءان بتسهيل الهمزة الأولى من المكسورتين، والمضمومتين.
إلّا أنه اختير «لقالون، والبزّي» في «بالسوء إلّا» من قوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي (سورة يوسف الآية 53) فقرآه بإبدال الهمزة الأولى واوا، وإدغام الواو التي قبلها فيها: وحينئذ يجوز لهما في هذه الكلمة وجهان:
الأول: التسهيل بين بين مع المدّ والقصر.
الثاني: الإبدال مع الإدغام.
كما أنه اختير «لقالون» موضعين فقرأهما بإبدال الهمزة الأولى «ياء» وإدغام الياء التي قبلها فيها. والموضعان هما:
1 -
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ (سورة الأحزاب الآية 50).
2 -
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (سورة الأحزاب الآية 53) لأن «قالون» يقرأ بهمزة «النبي» فلا تجتمع الهمزتان فيهما إلّا على قراءة «نافع» . وحينئذ يجوز «لقالون» في هاتين الكلمتين وجهان:
الأول: التسهيل بين بين مع المدّ والقصر.
الثاني: الإبدال مع الإدغام.
ثم بيّن الناظم رحمه الله تعالى أن «رويسا، وأبا جعفر، والأصبهانيّ» يقرءون بتسهيل الهمزة الثانية من الهمزتين المتفقتين في الأحوال الثلاثة.
وأن «قنبلا، والأزرق» يقرءان الهمزة الثانية في الأحوال الثلاثة بوجهين:
الأول: تسهيلها بين بين.
الثاني: إبدالها حرف مدّ محضا من جنس حركتها: فالمفتوحة تبدل ألفا، والمكسورة تبدل ياء، والمضمومة تبدل واوا.
تنبيه: إذا أبدلت الهمزة الثانية حرف مدّ محضا «للأزرق وقنبل» فإن وقع بعده ساكن صحيح نحو: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (سورة البقرة الآية 31) زيد في حرف المدّ إلى ستّ حركات من أجل الساكن اللازم.
وإن وقع بعد حرف المدّ متحرك نحو قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (سورة الأنعام الآية 61) لم يزد على مقدار حرف المدّ لعدم وجود السبب.
وإن عرض التحريك نحو قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ (سورة الأحزاب الآية 50) جاز المدّ والقصر.
وإن وقع بعد الثانية من المفتوحتين ألف وذلك في قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (سورة الحجر الآية 61) جاز «للأزرق وقنبل» حالة الإبدال القصر، والمدّ، فالقصر على تقدير حذف الألف، والمدّ على تقدير عدم الحذف وزيادة ألف ثالثة للفصل بين الساكنين، ويمتنع التوسط على الإبدال.
وقد أشار إلى ذلك صاحب إتحاف البريّة بقوله:
والأخرى كمدّ عند ورش وقنبل
…
وقد قيل محض المدّ عنها تبدّلا
ومدّ إذا كان السكون بعيده
…
وإن طرأ التحريك فاقصر وطوّلا
وجا آل ابدلن عند ورشهم
…
بقصر ومدّ فيه قل ولقنبلا
ثمّ بيّن الناظم رحمه الله تعالى أن «الأزرق» يقرأ قوله تعالى:
1 -
فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (سورة البقرة الآية 31).
2 -
وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً (سورة النور الآية 33) بإبدال الهمزة الثانية ياء خفيفة مكسورة. وحينئذ يكون للأزرق في هاتين الكلمتين ثلاثة أوجه:
الأول: تسهيل الهمزة الثانية بين بين.
الثاني: إبدالها حرف مدّ محضا مع المد المشبع في «هؤلاء إن كنتم» ومع المدّ المشبع والقصر في «على البغاء إن أردن تحصنا» .
الثالث: إبدال الهمزة الثانية ياء خالصة مكسورة.
فائدة: يفهم مما تقدم أن اختلاف القراء العشرة في الهمزتين من كلمتين المتفقتين على النحو الآتي:
أولا: «قالون، والبزّي» يسقطان في المفتوحتين، ويسهلان الأولى في المكسورتين، والمضمومتين، ولهما الإدغام في «بالسوء إلّا» . وقالون له الإدغام في لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ (سورة الأحزاب الآية 50)، بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (سورة الأحزاب الآية 53).
ثانيا: «الأصبهاني، وأبو جعفر» يقرءان بتسهيل الهمزة الثانية قولا واحدا في الأحوال الثلاثة.
ثالثا: «الأزرق» له وجهان:
1 -
تسهيل الهمزة الثانية بين بين في الأحوال الثلاثة.
2 -
إبدال الهمزة الثانية حرف مدّ محضا.
وله في هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (سورة البقرة الآية 31) عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً (سورة النور الآية 33) إبدال الهمزة الثانية ياء خفيفة مكسورة.
رابعا: «قنبل» له ثلاثة أوجه:
1 -
الإسقاط في الأحوال الثلاثة.
2 -
تسهيل الهمزة الثانية بين بين في الأحوال الثلاثة.
3 -
إبدال الهمزة الثانية حرف مدّ محضا.
خامسا: «أبو عمرو» له الإسقاط قولا واحدا في الأحوال الثلاثة.
سادسا: «رويس» له وجهان:
1 -
الإسقاط في الأحوال الثلاثة.
2 -
تسهيل الهمزة الثانية بين بين في الأحوال الثلاثة.
سابعا: الباقون وهم: «ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وروح، وخلف العاشر» لهم التحقيق في الهمزتين في الأحوال الثلاثة.
قال ابن الجزري:
وعند الاختلاف الاخرى سهّلن
…
حرم حوى غنا ومثل السّوء إن
فالواو أو كاليا وكالسّماء أو
…
نشاء أنت فبالإبدال وعوا
المعنى: هذا شروع في بيان اختلاف القراء في الهمزتين من كلمتين المختلفتين في الحركة. وقد أمر الناظم رحمه الله تعالى بتسهيل الهمزة الثانية في الأقسام الخمسة المتقدمة لمدلول «حرم» والمرموز له بالحاء من «حوى» والغين من «غنا» وهم: «نافع، وابن كثير، وأبو جعفر، وأبو عمر، ورويس» ثم بيّن الناظم كيفية التسهيل فأفاد:
إذا كانت الأولى مضمومة، والثانية مكسورة مثل قوله تعالى: وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (سورة الأعراف الآية 188) فإن هؤلاء القراء المذكورين ورد عنهم في كيفية التسهيل روايتان:
الأولى: إبدال الهمزة الثانية واوا مكسورة.
الثانية: تسهيلها بين بين.
وإذا كانت الأولى مكسورة، والثانية مفتوحة مثل قوله تعالى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (سورة الأنفال الآية 32) فإنهم يبدلون الثانية ياء خالصة قولا واحدا.
وإذا كانت الأولى مضمومة، والثانية مفتوحة مثل قوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا (سورة الأعراف الآية 155) فإنهم يبدلون الثانية واوا خالصة قولا واحدا.
وإذا كانت الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة مثل قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ (سورة البقرة الآية 133) أو الأولى مفتوحة، والثانية مضمومة وهو في قوله تعالى: كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ (سورة المؤمنون الآية 44). فإنهم في هاتين الحالتين يسهلون الهمزة الثانية بين بين قولا واحدا.
فتعيّن للباقين من القراء العشرة وهم: «ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وروح، وخلف العاشر» القراءة بتحقيق الهمزتين في الأحوال الخمسة قولا واحدا.
تمّ باب الهمزتين من كلمتين ولله الحمد والشكر