المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سورة آل عمران - الهادي شرح طيبة النشر في القراءات العشر - جـ ٢

[محمد سالم محيسن]

الفصل: ‌سورة آل عمران

‌سورة آل عمران

قال ابن الجزري:

سيغلبون يحشرون رد فتى

..........

المعنى: قرأ المرموز له بالراء من «رد» ومدلول «فتى» وهم: «الكسائي، وحمزة، وخلف العاشر» «سيغلبون ويحشرون» من قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ (سورة آل عمران آية 12)«سيغلبون ويحشرون» بياء الغيب فيهما، والضمير للذين كفروا، والجملة محكية بقول آخر لا ب «قل» أي قل لهم يا «محمد» قولي هذا إنهم «سيغلبون ويحشرون إلى جهنم وبئس المهاد» .

وقرأ الباقون «ستغلبون وتحشرون» بتاء الخطاب فيهما، على أن الجملة محكية ب «قل» أي خاطبهم يا «محمد» وقل لهم:«ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد» . والمعنى: قل يا «محمد» للذين كفروا من اليهود لا تغتروا بكثرتكم فإنكم ستغلبون في الدنيا بالقتل، والأسر، وضرب الجزية عليكم، أمّا في الآخرة فإنكم ستحشرون إلى جهنم، وبئس المهاد، وهذا وعيد وتهديد لهم بعدم الإيمان.

قال ابن الجزري:

..........

يرونهم خاطب ثنا ظلّ أتى

المعنى: قرأ المرموز له بالثاء من «ثنا» والظاء من «ظلّ» والألف من «أتى» وهم: «أبو جعفر، ويعقوب، ونافع» «يرونهم» من قوله تعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ (سورة آل عمران آية 13)«ترونهم» بتاء الخطاب، وذلك لمناسبة الخطاب في

ص: 103

قوله تعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا. فجرى «ترونهم» على الخطاب في «لكم» والمخاطب هم المسلمون. فإن قيل: كان يلزم على هذه القراءة أن يقرءوا «مثليكم» أقول: ذلك لا يجوز، لأن القراءة مبنية على التوقيف، والسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يرد، وقد جرى الكلام على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وهذا الأسلوب شائع في لغة العرب، وهو ضرب من ضروب البلاغة العربية، وهناك أمثلة كثيرة لذلك في القرآن الكريم، مثال ذلك قوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ (سورة يونس آية 22). فهذا خطاب، ثم التفت إلى الغيبة وقال: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ. ومثله قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ (سورة الروم آية 39) فهذا

خطاب، ثم التفت إلى الغيبة وقال: فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ.

والهاء والميم في «مثليهم» يحتمل أن تكون للمشركين، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد، وهذا بعيد في المعنى، لأن الله لم يكثّر المشركين في أعين المؤمنين، لأنه أخبرنا أنه قلل المشركين في أعين المؤمنين، يشير إلى ذلك قول الله تعالى: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا (سورة الأنفال آية 44).

ويحتمل أن تكون الهاء، والميم في «مثليهم» للمسلمين، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مثلي ما هم عليه من العدد، أي ترون أنفسكم من الكثرة مثلي عددكم، وهذا المعنى عظيم، وحينئذ يكون المعنى أن الله سبحانه وتعالى خيّل لهم ذلك لتقوى عزيمتهم على لقاء الكفار، ويجرءوا على قتالهم.

وقرأ الباقون «يرونهم» بياء الغيب، وذلك لأن قبله لفظ الغيبة، وهو قوله تعالى: فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ فحمل آخر الكلام على أوله.

والواو في «يرونهم» للكافرين، والهاء والميم للمسلمين، كما أنّ الهاء والميم في «مثليهم» للمسلمين أيضا. والمعنى: يرى الكفار المسلمين في «غزوة بدر» الكبرى مثلي عددهم، كي تضعف عزيمتهم، ويدبّ في قلوبهم الرعب والخوف، وعلى ذلك يكون انتصاب «مثليهم» على الحال.

ص: 104

قال ابن الجزري:

رضوان ضمّ الكسر صف وذو السّبل

خلف ..........

المعنى: قرأ المرموز له بالصاد من «صف» وهو «شعبة» «رضوان» حيثما وقع في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى: وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ (سورة آل عمران آية 15) بضمّ الراء، إلّا قوله تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ (سورة المائدة آية 16) فقد قرأه بالضمّ، والكسر، جمعا بين اللغتين، إذ الضمّ لغة «تميم وقيس» والكسر لغة «الحجازيين» .

وقرأ الباقون بكسر راء «رضوان» حيثما وقع في القرآن.

وهما مصدران بمعنى واحد وهو: «الرضا الكثير» ولما كان أعظم الرضا رضا الله تعالى خصّ لفظ «الرضوان» في القرآن بما كان من الله تعالى، قال عز وجل: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً (سورة الفتح آية 29).

قال ابن الجزري:

..........

...... وإنّ الدّين فافتحه رجل

المعنى: قرأ المرموز له بالراء من «رجل» وهو: «الكسائي» «إنّ الدين» من قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (سورة آل عمران آية 19) بفتح الهمزة، على أنها مع اسمها، وخبرها بدل «كلّ» من قوله تعالى قبل: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ (آية 18) وحينئذ تكون «أنّ» وما بعدها في محلّ نصب ب «شهد الله» .

وقرأ الباقون «إنّ» بكسر الهمزة، وذلك على الاستئناف، لأن الكلام قد تمّ عند قوله تعالى قبل: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ثم استأنف بكلام جديد فكسرت همزة «إنّ» .

قال ابن الجزري:

يقاتلون الثان فز في يقتلوا

..........

ص: 105

المعنى: قرأ المرموز له بالفاء من «فز» وهو: «حمزة» «ويقتلون» الموضع الثاني في هذه السورة وهو قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ (سورة آل عمران آية 21). «قرأه «ويقاتلون» بضم الياء، وفتح القاف، وألف بعدها، وكسر التاء، من «قاتل» والمفاعلة من الجانبين، لأنه وقع قتال بين الطرفين: الكفار، والذين يأمرون بالقسط من الناس.

وقرأ الباقون «ويقتلون» بفتح الياء، وإسكان القاف، وحذف الألف على أنه مضارع «قتل» ، وذلك عطفا على قوله تعالى أوّل الآية: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ فقد أخبر الله عن الكفار بقتلهم الأنبياء بغير حقّ، فقتل من دونهم أسهل عليهم، ومن تجرّأ على قتل «نبيّ» فهو على قتل من هو دون النبيّ من المؤمنين أجرأ، فحمل آخر الكلام على أوله في الإخبار عن الكفار بالقتل.

تنبيه: قيّد الناظم الخلاف في «ويقتلون» بالموضع الثاني، ليخرج الموضع الأول وهو قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ (آية 21) حيث اتفق القراء العشرة على قراءته: «ويقتلون» بفتح الياء، وسكون القاف، وحذف الألف، على أنه مضارع «قتل». فإن قيل: ما الحكمة في عدم ورود الخلاف في الموضع الأوّل مثل ما ورد الخلاف في الموضع الثاني؟

أقول: القراءة سنة متبعة، ومبنيّة على التلقي والتوقيف.

قال ابن الجزري:

..........

تقيّة قل في تقاة ظلل

المعنى: قرأ المرموز له بالظاء من «ظلل» وهو «يعقوب» «تقة» من قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً (سورة آل عمران آية 28) قرأها «تقيّة» بفتح التاء، وكسر القاف، وتشديد الياء المفتوحة، على وزن «مطيّة» .

وقرأ الباقون «تقاة» بضم التاء، وفتح القاف، وألف بعدها، على وزن «رعاة» . و «تقاة، وتقيّة» مصدران بمعنى «الوقاية» يقال: «اتقى، يتقي، اتقاء، وتقاة، وتقيّة» . و «تقاة» على وزن «فعلة» بضم الفاء، وفتح العين، وأصلها

ص: 106

«وقية» ثم أبدلت الواو تاء فصارت «تقية» ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت «تقاة» .

قال ابن الجزري:

كفلها الثقل كفى ..........

..........

المعنى: قرأ المرموز لهم ب «كفى» وهم: «عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «وكفلها» من قوله تعالى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا (سورة آل عمران آية 37) بتشديد الفاء، على أنه فعل ماض من «كفّل» مضعف «العين» وفاعل «كفّل» ضمير على «ربها» والهاء مفعول ثان مقدّم، و «زكريا» مفعول أوّل مؤخّر. والتقدير: جعل الله زكريّا عليه السلام كافلا «مريم» أي ضامنا لمصالحها.

وقرأ الباقون «وكفلها» بتخفيف الفاء، والفاعل «زكريا» عليه السلام، والهاء مفعول به، أي كفل زكريّا مريم.

قال «الزبيديّ» في مادة «كفل» : «الكافل» العائل يكفل إنسانا، أي يعوله، ومنه قوله تعالى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا بتخفيف الفاء، وهي قراءة غير الكوفيين، والمعنى: ضمن القيام بأمرها، و «كفّله» بتشديد الفاء تكفيلا، وبه قرأ «الكوفيّون» الآية، أي كفّل الله زكريا إيّاها، أي ضمنها إياه حتّى تكفّل بحضانتها» اهـ- «1» .

قال ابن الجزري:

.......... واسكن وضم

سكون تا وضعت صن ظهرا كرم

المعنى: قرأ المرموز له بالصاد من «صن» والظاء من «ظهرا» والكاف من «كرم» وهم: «شعبة، ويعقوب، وابن عامر» «وضعت» من قوله تعالى: فَلَمَّا

(1) انظر: تاج العروس مادة «كفل» ج- 8/ 99.

ص: 107

وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ (سورة آل عمران آية 36) بإسكان العين، وضمّ التاء، وهو من كلام «أمّ مريم» والتاء فاعل.

وقرأ الباقون «وضعت» بفتح العين، وسكون التاء، وهو من كلام الله تعالى، أو «الملك» الذي هو «جبريل» عليه السلام والتاء للتأنيث.

قال ابن الجزري:

وحذف همز زكريّا مطلقا

صحب ورفع الأوّل انصب صدّقا

المعنى: قرأ المرموز لهم بمدلول «صحب» وهم: «حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «زكريا» حيثما وقع في القرآن الكريم، وقد جاء في سبعة مواضع نحو قوله تعالى: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا (سورة آل عمران آية 37) قرءوا «زكريا» بالقصر من غير همز في جميع القرآن.

وقرأ الباقون «زكرياء» بالهمز والمدّ. والقصر، والمدّ لغتان مشهورتان في «زكريا» .

ثم أمر الناظم رحمه الله تعالى بالقراءة للمرموز له بالصاد من «صدّقا» وهو: «شعبة» بنصب «زكرياء» الموضع الأول في القرآن، وهو الذي في آل عمران (آية 36) في قوله تعالى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا على أنه مفعول ثان ل- «كفّلها» مشدّد الفاء ورفعه الباقون ممن قرأ «وكفلها» بتخفيف الفاء.

أمّا من قرأ «وكفّلها» بتشديد الفاء فإنهم يقرءون بنصب «زكريا» إلا أنهم يقرءون بالقصر والحركة لا تظهر على المقصور.

قال الشيخ «المتولي» رحمه الله تعالى:

وزكريّا همزه ارفع مع دخل

دعاويا ومع تخفيف كفل

ثم مع التشديد شعبة نصب

وفي البواقي عند كلّ انتصب

قال ابن الجزري:

نادته ناداه شفا ..........

..........

ص: 108

المعنى: قرأ المرموز لهم ب «شفا» وهم: «حمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «فنادته» من قوله تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ (سورة آل عمران آية 39) قرءوا «فناداه» بألف بعد الدال، على تذكير الفعل.

وقرأ الباقون «فنادته» بتاء التأنيث الساكنة بعد الدال، وذلك على تأنيث الفعل. وجاز تذكير الفعل وتأنيثه لأن الفاعل جمع تكسير، فمن ذكر فعلى معنى الجمع، ومن أنث فعلى معنى الجماعة.

قال ابن الجزري:

.......... وكسران

ن الله في كم ..........

المعنى: قرأ المرموز له بالفاء من «في» والكاف من «كم» وهما: «حمزة، وابن عامر» «أنّ» من قوله تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ

بِيَحْيى

(سورة آل عمران آية 39) قر «إنّ» بكسر الهمزة، إجراء للنداء مجرى القول، أو على إضمار القول، أي قائلين:«إنّ الله يبشرك بيحيى» .

وقرأ الباقون «أنّ» بفتح الهمزة، على تقدير حرف الجرّ، أيّ «بأنّ الله يبشرك بيحيى» .

تنبيه: «إنّ الله» من قوله تعالى: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (سورة آل عمران آية 45) اتفق القراء العشرة على كسر همزة «إنّ» لأنها مسبوقة بصريح القول وهو: «إذ قالت الملائكة» كما أن القراءة مبنية على التوقيف.

قال ابن الجزري:

..........

.......... يبشر اضمم شدّدن

كسرا كالاسرى الكهف والعكس رضى

وكاف أولى الحجر توبة فضا

ودم رضى حلا الذي يبشر

..........

ص: 109

المعنى: اختلف القراء في: «يبشرك، يبشر، نبشر، يبشرهم» :

أمّا «يبشرك» فقد وقع في موضعين وهما:

1 -

فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ (سورة آل عمران آية 39).

2 -

إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (سورة آل عمران آية 45).

وأمّا «يبشر» فقد وقع في ثلاثة مواضع وهي:

1 -

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ (سورة الإسراء آية 9).

2 -

وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (سورة الكهف آية 2).

3 -

ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (سورة الشورى آية 23).

وأمّا «نبشرك» فقد وقع في موضعين وهما:

1 -

قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (سورة الحجر آية 53).

2 -

يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى (سورة مريم آية 7).

وأمّا «يبشرهم» فقد وقع في موضع واحد وهو:

1 -

يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ (سورة التوبة آية 21).

من هذا يتبين أن جملة المواضع المختلف فيها ثمانية، وهذا بيان اختلاف القراء فيها:

أولا: قرأ «حمزة» المواضع الثمانية بفتح الياء من «يبشر» والنون من «نبشر» وإسكان الباء، وضم الشين مخففة.

ثانيا: قرأ «الكسائي» مثل «حمزة» في المواضع الخمسة الآتية: موضعي آل عمران، وموضع الإسراء، والكهف، والشورى، وقرأ المواضع الثلاثة الباقية:

بضم النون من «نبشرك» موضعي: الحجر، ومريم، وبضم الياء من «يبشرهم»

ص: 110

بالتوبة، وفتح الباء، وكسر السين مشددة في المواضع الثلاثة.

ثالثا: قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو» مثل قراءة «حمزة» في موضع «الشورى» فقط، وفي المواضع السبعة الباقية يقرأ مثل قراءة الباقين من القراء، وهي التي سأبينها فيما يلي:

رابعا: قرأ الباقون من القراء بضمّ الياء من «يبشر» والنون من «نبشر» وفتح الباء، وكسر الشين مشددة.

والقراءتان لغتان بمعنى واحد وهو: الإخبار بأمر سار تتغير عنده بشرة الوجه، وتنبسط عادة. والتخفيف لغة «تهامة» وهو فعل مضارع من «بشر» بتخفيف الشين، يقال:«بشره يبشره بشرا. والتشديد لغة «أهل الحجاز» وهو فعل مضارع من «بشّر» مشدّد الشين، يقال:«بشّره يبشّره تبشيرا» . ونحن إذا نظرنا إلى هاتين القراءتين وجدناهما ترجعان إلى أصل الاشتقاق: فالتخفيف من «بشر» مخفف العين، والتشديد من «بشّر» مضعّف العين.

تنبيه: «تبشرون» من قوله تعالى: قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (سورة الحجر آية 54) اتّفق القراء العشرة على قراءته بتشديد الشين، وذلك لمناسبة ما قبله، وما بعده من الأفعال المجمع على قراءتها بالتشديد، وأهمّ من ذلك أن القراءة سنة متبعة ومبنية على التلقّي والتوقيف.

قال ابن الجزري:

..........

نعلّم اليا إذ ثوى نل .....

المعنى: قرأ المرموز له بالألف من «إذ» ومدلول «ثوى» والنون من «نل» وهم: «نافع، وأبو جعفر، ويعقوب، وعاصم» «ويعلمه» من قوله تعالى:

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (سورة آل عمران آية 48) بياء الغيبة، لمناسبة قوله تعالى قبل: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (سورة آل عمران آية

47).

وقرأ الباقون «ونعلمه» بنون العظمة، على أنه إخبار من الله تعالى عن

ص: 111

نفسه بأنه سيعلم «عيسى ابن مريم» عليهما السلام الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ويرسله رسولا إلى بني إسرائيل، وحينئذ يكون في الكلام التفات من الغيبة إلى التكلم.

قال ابن الجزري:

..........

........ واكسروا

أنّي اخلق اتل ثب ....

..........

المعنى: قرأ المرموز له بالألف من «اتل» والثاء من «ثب» وهما: «نافع، وأبو جعفر» «أنّي» من قوله تعالى: قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (سورة آل عمران آية 49) بكسر همزة «إنّي» وذلك على الاستئناف، أو على إضمار القول، أي قائلا: إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير إلخ.

وقرأ الباقون «أنّي» بفتح الهمزة، على أنها بدل من قوله تعالى قبل: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ.

قال ابن الجزري:

.......... والطّائر

في الطّير كالعقود خير ذاكر

وطائرا معا بطير إذ ثنا

ظبى ..........

المعنى: اختلف القراء في «الطير» المعرف، و «طيرا» المنكر، وهما في قوله تعالى:

1 -

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ (سورة آل عمران آية 49).

2 -

وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي (سورة المائدة آية 110).

فقرأ «أبو جعفر» «الطائر» المعرف، و «طائرا» المنكر في السورتين بألف بعد

ص: 112

الطاء، وهمزة مكسورة بعدها مكان الياء، وذلك على الإفراد، فقد ورد أن «عيسى» عليه السلام ما خلق سوى «الخفّاش» بإذن الله تعالى، وبعد أن طار في الفضاء سقط ميّتا.

وقرأ «نافع، ويعقوب» «طائرا» المنكر في السورتين مثل قراءة «أبي جعفر» .

أمّا «الطير» المعرف فقد قرءاه من غير ألف، وبياء ساكنة بعد الطاء، على أن المراد به اسم الجنس، أي جنس الطير.

وقرأ الباقون «الطير» المعرف، و «طيرا» المنكر في السورتين من غير ألف، وبياء ساكنة بعد الطاء، على أن المراد به جنس الطير.

قال ابن الجزري:

..........

..... يوفّيهم بياء عن غنا

المعنى: قرأ المرموز له بالعين من «عن» والعين من «غنا» وهما: «حفص، ورويس» «فيوفيهم» من قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ (سورة آل عمران آية 57) بياء الغيبة، على الالتفات من التكلم إلى الغيبة، والالتفات ضرب من ضروب البلاغة.

وقرأ الباقون «فنوفيهم» بنون العظمة الدالة على التكلم، وذلك إخبار عن الله تعالى، ولمناسبة قوله تعالى قبل: فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً (آية 56) والنون في الإخبار كالهمزة في الإخبار، ولمناسبة قوله تعالى بعد: ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (آية 58).

قال ابن الجزري:

وتعلمون ضمّ حرّك واكسرا

وشدّ كنزا ..........

المعنى: قرأ المرموز لهم ب «كنز» وهم: «ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «تعلّمون» من قوله تعالى: وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما

ص: 113