الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النساء
قال ابن الجزري:
تساءلون الخفّ كوف ..........
…
..........
المعنى: قرأ الكوفيون وهم: «عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «تساءلون» من قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ (سورة النساء آية 1) قرءوا «تساءلون» بتخفيف السين، وذلك على حذف إحدى التاءين، لأن أصلها «تتساءلون» .
وقرأ الباقون «تسّاءلون» بتشديد السين، وذلك على إدغام التاء في السين، لقرب مخرجهما، إذ التاء تخرج من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، والسين تخرج من طرف اللسان مع أطراف الثنايا السفلى، وكذلك لاشتراكهما في الصفات الآتية: الهمس، والاستفال، والانفتاح، والإصمات.
قال ابن الجزري:
.......... واجررا
…
الأرحام ف ق ..........
المعنى: قرأ المرموز له بالفاء من «ف ق» وهو: «حمزة» «والأرحام» من قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ (سورة النساء آية 1) قرأ «والأرحام» بخفض الميم، عطفا على الضمير المجرور في «به» .
وقد طعن نحاة «البصرة» في هذه القراءة، ونقلت لنا المصادر موقف البصريين، وهو كلام غير سديد، وقد تولّى الردّ على البصريين الكثيرون من العلماء، وهذه صورة من طعون البصريين على هذه القراءة الصحيحة المتواترة، التي تلقيناها مشافهة على شيوخنا، قال «مكي بن أبي طالب القيسي» ت 465 هـ-. في كتابه «الكشف عن وجوه القراءات»: قال: «وهو- أي العطف على الضمير المجرور بدون إعادة حرف الجر- قبيح عند البصريين، وقليل في الاستعمال، بعيد في القياس، لأن المضمر في «به» عوض عن التنوين، ولأن
المضمر المخفوض لا ينفصل عن الحرف، ولا يقع بعد حرف العطف، ولأن المعطوف والمعطوف عليه شريكان يحسن في أحدهما ما يحسن في الآخر، ويقبح في أحدهما ما يقبح في الآخر، فكما لا يجوز: واتقوا الله الذي تساءلون بالأرحام، فكذلك لا يحسن «تساءلون به والأرحام» فإن أعيد الخافض حسن» اهـ- «1» .
وأقول: لقد عجبت من كلام «مكي بن أبي طالب» وهو القارئ اللغوي أشدّ العجب، وقلت في نفسي: كيف لا يردّ على البصريين كلامهم، إذ الواجب أن يكون ما جاء به «القرآن الكريم» هو الصواب الذي لا يجوز العدول عنه إلى غيره من كلام البشر.
كما يجب أن تكون القراءات القرآنية من المراجع الأصيلة التي تبنى عليها القواعد النحوية.
وقرأ الباقون «والأرحام» بنصب الميم، عطفا على لفظ الجلالة:«الله» على معنى: واتقوا الله، واتقوا الأرحام أن تقطعوها. ويجوز أن يكون معطوفا على محلّ الجارّ والمجرور، لأنه في موضع نصب، كما تقول:«مررت بزيد وعمرا» لأن معنى «مررت بزيد» جاوزت زيدا، فهو في موضع نصب فحمل «والأرحام» على المعنى فنصب.
وقضية العطف على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض، من القضايا النحوية التي اختلف فيها نحاة «الكوفة والبصرة» قديما «2» وهذه إشارة إلى مذهب كل منهما ودليله:
أولا: ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز العطف على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض، واحتجوا لرأيهم بأنه قد جاء ذلك في «القرآن الكريم» وكلام العرب:
فمن «القرآن الكريم» قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ
(1) انظر: الكشف عن وجوه القراءات لمكي ج 1/ 375.
(2)
انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف ج 2/ 463 فما بعدها.
وَالْأَرْحامَ فقد قرأ «حمزة بن حبيب الزيات» ت 156 هـ- وهو كوفيّ، وأحد القراء السبعة المشهورين، بخفض ميم «والأرحام» عطفا على الضمير المجرور في «به». ومنه قوله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ (سورة النساء آية 127). فما من قوله تعالى: وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ اسم موصول في موضع خفض عطفا على الضمير المجرور في «فيهنّ» .
ومن كلام العرب، قول الشاعر:
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا
…
فاذهب فما بك والأيام من عجب
«1» ومحلّ الشاهد قوله: «فما بك والأيام» حيث عطف «والأيّام» على الكاف من «بك» من غير إعادة حرف الجرّ، والتقدير: فما بك وبالأيّام.
ثانيا: ذهب البصريون إلى أنه لا يجوز العطف على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض.
واحتجوا لرأيهم بأن قالوا: «إنما قلنا: إنه لا يجوز، وذلك لأن الجارّ مع المجرور بمنزلة شيء واحد، فإذا عطفت على الضمير المجرور، والضمير إذا كان مجرورا اتصل بالجارّ، ولم ينفصل منه، ولهذا لا يكون إلّا متصلا، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب، فكأنك قد عطفت الاسم على الحرف المجرور، وعطف الاسم على الحرف لا يجوز.
ومنهم من قال: «أجمعنا على أنه لا يجوز عطف المضمر المجرور، على المظهر المجرور، إذ لا يجوز أن يقال: «مررت بزيدوك» فكذلك ينبغي أن لا يجوز عطف المظهر المجرور، على المضمر المجرور، فلا يقال:«مررت بك وزيد» لأن الأسماء مشتركة في العطف، فكما لا يجوز أن يكون معطوفا، فلا يجوز أن يكون معطوفا عليه» اهـ- «2» .
(1) قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى: «هذا البيت من شواهد سيبويه ج 1/ 92 وشرحه البغدادي في خزانة الأدب ج 2/ 338 وابن عقيل رقم/ 298، ولم ينسبه واحد من هؤلاء
إلى قائل معين». اه-. انظر: هامش الإنصاف ج 2/ 464.
(2)
انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري ج 2/ 466 - 467.