المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حرف الألف - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٤٠

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأربعون (سنة 571- 580) ]

- ‌الطبقة الثامنة والخمسون

- ‌سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

- ‌[جلوس ابْن الجوزي تحت المنظرة]

- ‌[القبض على أستاذ الدار صندل]

- ‌[زواج بنت ابْن الجوزيّ]

- ‌[كلام ابْن الجوزيّ تحت المنظرة]

- ‌[كثرة الرفض]

- ‌[خروج المستضيء إلى كشكه]

- ‌[ولاية المخزن]

- ‌[وليمة الوزير ابْن رئيس الرؤساء]

- ‌[الفتنة بِمَكَّةَ]

- ‌[وقعة تلّ السلطان]

- ‌[فتوحات صلاح الدين]

- ‌[كتاب فاضليّ إلى الخليفة]

- ‌[استعراض صلاح الدين ذخائر ابْن حسّان]

- ‌[جرح السلطان من الحشيشية]

- ‌[منازلة حلب]

- ‌[كسوف الشمس]

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

- ‌[وعظ ابْن الجوزيّ]

- ‌[عرس ابْنَة ابْن الجوزيّ]

- ‌[نقص دجلة]

- ‌[البَرَد فِي بغداد]

- ‌[وعظ ابْن الجوزي بجامع القصر]

- ‌[وقعة السلجوقي الطامع بالسلطنة]

- ‌[الزلزلة بالريّ وقزوين]

- ‌[معاقبة الطحّان]

- ‌[جلوس ابْن الجوزيّ]

- ‌[وقعة الكنز]

- ‌[أخذ صلاح الدين منبج]

- ‌[مصالحة صلاح الدين حلب]

- ‌[تخريب مصياف]

- ‌[بناء سور مِصْر]

- ‌[سماع السلطان من السلَفيّ]

- ‌[بناء تربة الشافعيّ]

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

- ‌[العفو عن تتامش]

- ‌[وعظ ابْن الجوزيّ]

- ‌[فتوى لابن الجوزيّ]

- ‌[تكلُم ابْن الجوزيّ]

- ‌[بناء مسجد عظيم ببغداد]

- ‌[هبوب الريح ببغداد]

- ‌[وقوع البَرَد]

- ‌[اغتيال الوزير ابْن رئيس الرؤساء]

- ‌[حجابة ابْن طلحة الباب]

- ‌[فتنة اليهود]

- ‌[خروج لصوص من الحبس]

- ‌[وقعة الرملة]

- ‌[نزول الفرنج على حماه]

- ‌[عصيان ابْن المقدّم ببعلبكّ]

- ‌[كتاب ابْن المشطوب بقتلى الفرنج]

- ‌[مطالعة القاضي الفاضل بقتل الوزير]

- ‌سنة أربع وسبعين وخمسمائة

- ‌[جلوس ابْن الجوزي فِي عاشوراء]

- ‌[كسوف القمر والشمس]

- ‌[ولادة ثلاثة توائم]

- ‌[تجديد قبر أَحْمَد بْن حنبل]

- ‌[تكلّم ابْن الجوزي فِي جامع المنصور]

- ‌[إطلاق تتامش]

- ‌[عمل الدكَّة بجامع القصر]

- ‌[حديث ابْن الجوزي عَن نفسه]

- ‌[حكاية ابْن الجوزيّ عَن الرشيد]

- ‌[ظهور مشعبذ]

- ‌قَتل ابْن قرايا الرافضيّ]

- ‌[امتناع الركب العراقيّ]

- ‌[هبوب ريح وظهور نار ببغداد]

- ‌[جلوس ابْن الجوزي يوم عَرَفَة]

- ‌[اجتماع الفرنج عند حصن الأكراد]

- ‌[تسلّم صلاح الدين بعلبكّ]

- ‌[قتْل هنفري الفرنجي]

- ‌[غارة البرنس على شيزر]

- ‌[غارة صاحب طرابلس]

- ‌[إنعام السلطان على الملك المظفّر]

- ‌[إنشاء سور القاهرة]

- ‌[ختام كِتَاب المنتظم]

- ‌سنة خمس وسبعين وخمسمائة

- ‌[الظفر بذيل كِتَاب المنتظم]

- ‌[وصول البشارة إلى بغداد بكسر الفرنج]

- ‌[وقعة مرج العيون]

- ‌[الظّفر ببطستين للفرنج]

- ‌[انهزام سلطان الروم أمام المظفّر تقيّ الدين]

- ‌[وصول بعض أسرى الروم والغنائم إلى بغداد]

- ‌[حجوبيّة ابْن الدارع]

- ‌[وصول ابْن الشهرزوريّ رسولا إلى بغداد]

- ‌[عزل ابن الزّوال عن النقابة بالزينبيّ]

- ‌[الإرجاف بموت الخليفة]

- ‌[التوقيع بولاية العهد]

- ‌[امتلاك الكردي قلعة الماهكي]

- ‌[وفاة الخليفة المستضيء]

- ‌[خلافة الناصر لدين اللَّه]

- ‌[القبض على ابْن العطار]

- ‌[الخلعة بإمرة الحاجّ]

- ‌[هتك ابْن العطار بَعد وفاته]

- ‌[الوَباء والغلاء ببغداد]

- ‌[إرسال الخِلَع إلى ملوك الأطراف]

- ‌[الزلزلة ببلاد الجبل]

- ‌سنة ست وسبعين وخمسمائة

- ‌[عزل وتولية في نيابة الوزارة]

- ‌[صلاة الناصر بجامع الرصافة]

- ‌[قدوم رسول الملك طغرل]

- ‌[القبض على ابْن الوزير]

- ‌[وصول أمير الحاجّ]

- ‌[خروج صلاح الدين لمحاربة الأرمن]

- ‌[وصول الخِلَع إلى صلاح الدين]

- ‌[من كِتَاب صلاح الدين إلى الخليفة الناصر]

- ‌[سماع صلاح الدين «الموطّأ» فِي الإسكندرية]

- ‌[تقليد الخليفة البلادَ لصلاح الدين]

- ‌[وصول رسول ابْن عبّاد]

- ‌[ركوب الخليفة الدَسْت]

- ‌[إقطاع طغرل البصرة]

- ‌[خروج الخليفة للصيد]

- ‌[نيابة فرّخ شاه دمشق]

- ‌سنة سبع وسبعين وخمسمائة

- ‌[تخريب بلاد الكَرَك]

- ‌[ركوب الخليفة فِي موكب]

- ‌[معاتبة صلاح الدين على تسمّيه بالناصر]

- ‌[أخْذ عزّ الدين حلب]

- ‌[مقايضة سنجار بحلب]

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

- ‌[رخاء الأسعار بالعراق]

- ‌[الوثوب على صاحب قلعة الماهكيّ]

- ‌[الكتابة إلى صلاح الدين بالرحيل عَن الموصل]

- ‌[فتح بلد كبير بالروم]

- ‌[فتح حرّان وسروج وسنجار وغيرها]

- ‌[ملْك صلاح الدين حلب]

- ‌[الخِلْعة بشرف الفتوّة]

- ‌[الخروج الأخير لصلاح الدين من مِصْر]

- ‌[دخول سيف الْإِسْلَام اليمن]

- ‌[وفاة فرّوخ شاه]

- ‌سنة تسع وسبعين وخمسمائة

- ‌[قدوم رسول ملك مازندران إلى الخليفة]

- ‌[قتل مُستفتٍ سَبّ الشافعيّ]

- ‌[القبض على مجاهد الدين قايماز وإعادته]

- ‌[مجيء الرُسلية إلى صلاح الدين]

- ‌[الفراغ من رباط المأمونيّة]

- ‌[قدوم الخُجَنْدي للحجّ]

- ‌[كتاب فاضليّ إلى الديوان بتشتيت الفرنج]

- ‌[تسلُم صلاح الدين حلبا]

- ‌[أخْذ الغوري ملك الهند غَزْنَة]

- ‌[عودة الرسليّة بالتقدمة إلى بغداد]

- ‌[وفاة نائب الوزارة وولاية ابْن صدقة]

- ‌[ولاية الحجابة]

- ‌[وفاة شَيْخ الشيوخ وبشير]

- ‌[منازلة صلاح الدين حلبا وتسلّمها]

- ‌[البشارة بفتح القدس]

- ‌[كتاب فاضلي بإبطال المكس بالرَّقة]

- ‌[محاصرة السلطان الكَرَك]

- ‌[نيابة الملك المظفّر بمصر]

- ‌سنة ثمانين وخمسمائة

- ‌[جَعْلُ مشهد الكاظم أمنا]

- ‌[موت رَجُل راهن على دفنه نصف يوم]

- ‌[كِتَابُ السُّلْطَانِ بِمَحَاسِنِ دِمَشْقَ]

- ‌[مهاجمة السلطان نابلس]

- ‌[منازلة الكَرَك]

- ‌[خروج ابْن غانية الملثّم بالمغرب]

- ‌[إقامة الخطبة العباسية بإفريقية]

- ‌[منازلة السلطان الكَرَك]

- ‌[حصار الكَرَك فِي كِتَاب للعماد]

- ‌[وفاة رسولي الخليفة بالشام]

- ‌[الإذْن للجيوش بالعودة إلى أوطانها]

- ‌[خِلْعة السلطان على صاحب حصن كيفا]

- ‌[كتابة منشور لصاحب إربل]

- ‌[خروج السلطان بقصْد الموصل]

- ‌[وفاة صاحب ماردين]

- ‌المتوفّون في هذه الطبقة

- ‌سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف لام ألِف

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة أربع وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة خمس وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ست وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة سبع وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌الكنى

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة تسع وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌المتوفون على التخمين

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌الكنى

الفصل: ‌ حرف الألف

‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

-‌

‌ حرف الألف

-

266-

أَحْمَد بْن أَبِي الْحَسَن بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن حازم بْن عليّ بْن رفاعة [1] .

الزّاهد الكبير، سلطان العارفين فِي زمانه أَبُو الْعَبَّاس الرّفاعيّ، المغربيّ رضي الله عنه.

قدِم أَبُوهُ العراقَ وسكن البطائح بقرية اسمها أمّ عَبِيدةَ، فتزوّج بأخت الشَّيْخ منصور الزّاهد، ورُزِق منها أولادا منهم الشَّيْخ أَحْمَد بْن الرفاعيّ رحمه الله.

وكان أَبُو الْحَسَن مُقرِئًا يؤمّ بالشّيخ منصور، فمات وزوجته حامل

[1] انظر عن (أحمد بن أبي الحسن بن علي) في: الكامل في التاريخ 11/ 492، ووفيات الأعيان 1/ 171، ومرآة الزمان 8/ 370، 371، والمختصر في أخبار البشر 3/ 65، 66، ودول الإسلام 2/ 90، وسير أعلام النبلاء 21/ 77- 80 رقم 28، والعبر 4/ 233، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1884، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، والبداية والنهاية 12/ 312، ومرآة الجنان 3/ 409- 412، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 40، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 30 أ، والوافي بالوفيات 7/ 219، رقم 3177، ومختصر تاريخ ابن الساعي 112، والعسجد المسبوك 2/ 187، والنجوم الزاهرة 6/ 92، وتاريخ ابن سباط 1/ 163، وشذرات الذهب 4/ 259- 262، وطبقات الأولياء لابن الملقّن 93- 101 رقم 22، وتاريخ الخلفاء 457، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 224، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 164، والكواكب الدريّة في تراجم السادة الصوفية للمناوي 2/ 75، وذيل تاريخ الأدب العربيّ لبروكلمان 1/ 87، ومعجم المطبوعات العربية والمعرّبة 947، 948، والأعلام 1/ 169، ومعجم المؤلفين 2/ 25، وديوان الإسلام 2/ 331 رقم 995.

ص: 248

بالشّيخ أَحْمَد، فربّاه خاله منصور، فقيل إنّه ولد في أوّل المحرّم سنة خمسمائة.

ويُروى عَن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّديّ أَحْمَد بْن الرفاعيّ فِي المجلس، فقال لأصحابه: إي سادة، أقسمتُ عليكم بالعزيز سبحانه، مَن كان يعلم فِي عَيْبًا [1] يقوله.

فقام الشَّيْخ عُمَر الفاروقيّ وقال: إي سيّديّ، أنا أعلم فيك عيبا.

فقال: يا شَيْخ عُمَر، قله [2] لي.

قال: إي سيّدي عَيبك نَحْنُ الّذين مثلنا فِي أصحابك.

فبكى الشَّيْخ والفقراء وقال: أي عُمَر، إنْ سَلِم المركبُ حمل من فيه في التّعدية.

وقيل إنْ هرّة نامت على كُم الشَّيْخ أَحْمَد، وجاء وقت الصّلاة، فقصّ كُمه، ولم يزعجْها، وعاد من الصّلاة فوجدها قد فاقت، فوصل الكُم بالثّوب وخيّطه وقال: ما تغيّر شيء.

وعن يعقوب بْن كِراز، وكان يؤذّن فِي المنارة ويُصلي بالشّيخ، قَالَ:

دخلت على سيّديّ أَحْمَد فِي يوم باردٍ، وقد تَوضأ ويده ممدودة، فبقي زمانا لَا يُحرك يده، فتقدمتُ وجئت أقبّلها فقال: أيّ يعقوب، شوشْتَ، على هذه الضّعيفة.

قلت: من هِيَ؟

قال: بَعُوضة كانت تأكل رزقها من يدي، فهربتْ منك.

قال: ورأيته مرّة يتكلّم ويقول: يا مُباركة ما علمت بك، أبعدتك عَن وطنك. فَنظَرتُ فإذا جرادةٌ تعلّقت بثوبه، وهو يعتذر إليها رحمة لها.

وعنه قَالَ: سلكت كلّ الطُرُق الموصلة، فما رَأَيْت أقرب وَلَا أسهل ولا

[1] في الأصل: «عيب» .

[2]

في الأصل: «قوله لي» .

ص: 249

أصحّ من الافتقار، والذّلّ، والإنكسار. فقيل لَهُ: يا سيّدي، فكيف يكون؟

قَالَ: تعظّم أمرَ اللَّه، وتُشْفِق على خلْق اللَّه، وتقتدي بسنّة سيّدك رسول اللَّه.

وورد أنّه كان فقيها، شافعيّ المذهب.

وعن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّدي أَحْمَد إذا قدِم من سَفَرٍ شمَّرَ، وجمع الحَطَب، ثمّ يحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين، فكان الفقراء يوافقونه ويحتطبون معه. وربّما كان يملأ الماء للأرامل ويُؤثرهم رحمه الله.

قيل لَهُ: أي منصور أطلب. فقال: أصحابي. فقال رَجُل لسيّدي أَحْمَد:

يا سيّدي وأنت أيش؟ فبكى فقال: أي فقير، ومَن أَنَا فِي البَيْن، ثَبت نَسَب وأطْلُب ميراث [1] .

فقلت: يا سيّدي أقسم عليك بالعزيز أيْش أنت؟

قال: أي يعقوب، لمّا اجتمع القوم وطلب كلّ واحدٍ شيئا [2] دارت النّوبة إلى هذا اللّاشيء أَحْمَد وقيل: أيْ أَحْمَد أطلُبْ. قُلْت: أيْ ربّ عِلْمُكَ محيط بطلبي. فكرّر عليّ القول، قُلْت: أي مولاي، أريد أن لَا أريد، وأختار أن لَا يكون لي اختيار. فأجابني، وصار الأمر لَهُ وعليه. أيْ يعقوب، مَن يختاره العزيز يُحببه إلى هذه البُقْعة.

وعن يعقوب قَالَ: مرَّ سيّديّ على دار الطّعام، فرأى الكلاب يأكلون التّمر من القوصرَّة، وهم يتجارشون، فوقف على الباب لئلّا يدخل إليهم أحد يؤذيهم، وهو يقول: إي مُبارَكين اصطلحوا وكُلُوا، وإلّا يدروا بكم منعوكم.

ورأى فقيرا يقتل قملة فقال: لَا واخَذَكَ اللَّه، شفيتَ غيظك؟

وعن يعقوب، قَالَ لي سيّديّ أَحْمَد: يا يعقوب، لو أنّ عن يميني خمسمائة يروّحوني بمراوح النّدّ والطّيب، وهم من أقرب النّاس إليّ، وعن يساري مثلهم من أبغض النّاس إليّ، معهم مقاريض يقرضون بها لحمي، ما

[1] العبارة هكذا في الأصل.

[2]

في الأصل: «شيء» .

ص: 250

زاد هؤلاء عندي، وَلَا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه. ثمّ قرأ: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 57: 23 [1] .

وكان سيّدي أَحْمَد إذا حضر بين يديه تَمْرٌ أو رُطَبٌ ينقّي الشّيص والحشف لنفسه يأكله ويقول: أَنَا أحقّ بالدُّون من غيري، فإنّي مثله دون.

وكان لَا يجمع بين لبس قميصين لَا فِي شتاء وَلَا فِي صيف، وَلَا يأكل إلَّا بعد يومين ثلاثة أكلة. وإذا غَسَلَ ثوبه نزل فِي الشّطّ كما هُوَ قائم يفركه، ثمّ يقف فِي الشّمس حتّى ينشف.

وإذا ورد عَلَيْهِ ضيفٌ يدور على بيوت أصحابه يجمع الطّعام فِي مِئزِر.

وأحضر ابْن الصّيرفيّ وهو مريض ليدعو لَهُ الشَّيْخ ومعه خَدَمه وحَشَمه، فبقي أيّاما لم يكلّمه، فقال يعقوب بْن كِراز: أيْ سيّدي ما تدعو لهذا المريض.

فقال: أيْ يعقوب، وعِزَّةِ العزيزِ لأحمد كلّ يوم عَلَيْهِ مائة حاجةٍ مَقْضيّه، وما سألتموه [2] منها حاجة واحدة.

فقلت: أي سيّدي فتكون واحدة لهذا المريض المسكين.

فقال: لَا كرامة ولا عزازة، تريدني أكون سيّئ الأدب. لي إرادة وَلَهُ إرادة.

ثمّ قرأ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ 7: 54 [3] أيْ يعقوب، الرجل المتمكّن فِي أحواله، إذا سَأَلَ حاجة وقُضِيتَ لَهُ، نقص تمكُنُه درجة.

فقلت: أراكَ تدعو عقيب الصَّلَوات وكلّ وقت. قَالَ: ذاك الدّعاء تعبُّد وامتثال. ودعاء الحاجات لها شروط، وهو غير هذا الدّعاء.

ثمّ بعد يومين تعافى ذلك المريض.

[1] سورة الحديد، الآية 23.

[2]

في الأصل: «وما سألتوه» .

[3]

سورة الأعراف، الآية 54.

ص: 251

وعن يعقوب أنّه سَأَلَ الشَّيْخ أَحْمَد: أيْ سيّدي، لو كانت جهنَّمُ لَكَ ما كنت تصنع بها؟ تُعَذبُ بها أحدا؟ [1] فقال: لَا وعِزتِهِ، ما كنت أدخل إليها أحدا. فقال: أي شَيْخ، فأنت تقول إنّك أكرم ممّن خلقها لينتقم بها ممّن عصاه. فزعق وسقط على وجهه زمانا، ثمّ أفاق وهو يقول: من هُوَ أَحْمَد فِي البَيْن؟ يكرّرها مرّات.

وقال: أيْ يعقوب، المالك يتصرّف سبحانه.

وعن يعقوب أنّ الشَّيْخ أَحْمَد كان لَا يقوم لأحد من أبناء الدُّنيا، ويقول: النّظر إلى وجوههم يُقسي القلب.

وعن الشَّيْخ يعقوب، وسُئل عَن أوراد سيّدي أَحْمَد، فقال: كان يُصلي أربع رَكْعاتٍ بألْف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 [2] . ويستغفر اللَّه كلّ يوم ألف مرةٍ، واستغفارُه أن يقول: لَا إله إلَّا أنت سبحانك إنّي كنتُ من الظّالمين، عملت سوءا، وظلمت نفسي، وأسرفت فِي أمري، وَلَا يغفر الذّنوب إلَّا أنت، فاغفِرْ لي، وتُبْ عليَّ، إنّك أنت التوابُ الرَّحيم. يا حيُّ يا قَيومُ، لَا إله إلَّا أنت.

وذكر غير ذلك.

وكان يترنّم بهذا البيت:

إن كان لي عند سُلَيْمى قَبُولُ

فلا أبالي ما يقول العَذُولُ

وكان يقول:

ومستخبر عَن سِرِّ ليلى تركته

بعَمْياء من ليلى بغير يقين

يقولون: خبّرْنا، فأنت أمينُها

وما أَنَا إنْ خبّرتهم بأمين

ويقول:

أرى رجالا بدون العَيش قد قنعوا

وما أراهم رضوا الدّنيا على الديِن

[1] في الأصل: «أحد» .

[2]

أول سورة الإخلاص.

ص: 252

إذا رَأَيْت ملوكَ الأرض أجمعها

بلا مِراءٍ وَلَا شكٍ وَلَا ميْنِ

وقيل هُوَ فوقهم فِي النّاس مرتبة

فقُلْ نَعَم مَلِكٌ فِي زِي مسكينِ

ذاك الَّذِي حَسُنِت فِي النّاس سِيرتُهُ

وصار يصلُحُ للدّنيا وللدّين

ويقول:

أغارُ عليها من أبيها وأمّها

ومِن كلّ مَن يرنو إليها وينظُرُ

وأحْذَرُ من حدّ المرآة بكَفها

إذا نظرت منك الَّذِي أَنَا أنظرُ

ومنه:

إذا تذكرتُ من أنتم وكيف أَنَا

أجللت ذِكْركم يجري على بالي

ولو شريت بروحي ساعة سَلَفَتْ

من عيشتي معكم ما كان بالغالي

وكان كثير التّعظيم لخاله سيّدي الشَّيْخ منصور، ويقول للفقراء: إذا قبّلتم عَتَبة الشَّيْخ منصور، فإنّما تقبّلون يده. ويقول: أَنَا ملّاح لسفينة الشَّيْخ منصور، فاسألوا ربّنا به فِي حوائجكم.

وكان يقول: إلى أن يُنْفَخُ فِي الصُّور لَا يأتي مثل طريق الشَّيْخ منصور.

وعن ابْن كِراز: سمعت يوسف بْن صُقَيْر المحدّث يقول: كُنَّا فِي قريةٍ الصّريّة مع سيّدي أَحْمَد، وقد غنّى ابْن هديّة:

لو يسمعون كما سمعت حديثَها

خرّوا لعِزّه ركّعا وسُجُودا

فقام سيّدي وتواجد، وردّد البيت، ولم يَزَلْ حتّى كادت قلوب الفقراء تنفطر. وكان ذلك فِي بدايته بعد موت الشَّيْخ منصور. ولمّا كان فِي النهاية بقي سبع سِنين لَا يسمع الحادي وهو قريب منه حتّى تُوُفي.

وعنه قَالَ: ذكر الشَّيْخ جمال الدّين أبو الفرج بن الجوزيّ أنّ سبب وفاة سيّدي أَحْمَد أبيات أنشِدت بين يديه، تواجَدَ عند سماعها تواجُدًا كان سبب مرضه الَّذِي مات فِيهِ. وكان المنشد لها الشَّيْخ عَبْد الغنيّ بْن نُقْطَة حين زاره، وهي:

إذا جنّ ليلي هام قلبي بذِكركمْ

أنوحُ كما ناح الحمامُ المطوقُ

ص: 253

وفوقي سَحَابٌ يمطِرُ الهمّ والأسى

وتحتي بحارٌ بالدّموع [1] تدفّقُ

سلوا أمّ عَمْروٍ كيف بات أسيرها

تُفَكُّ الأسارى دونه وهو موثقُ

فلا أَنَا [2] مقتولٌ ففي القتلِ راحةٌ

وَلَا أَنَا ممنونٌ عليّ فأعتَقُ

[3]

قال: وتُوُفي يوم الخميس ثاني عشر جُمادى الأولى سنة ثمانٍ وسبعين.

وعن يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّدي أَحْمَد والفقراء فِي نهر وليد فقال: لَا إله إلَّا اللَّه، قد حان أوان هذا المجلس، فليُعلم الحاضرُ الغائبَ أنْ أَحْمَد يقول، وأنتم تسمعون: مَن خَلا بامرأةٍ أجنبيّة، فأنا منه بريء، وسيّدي الشَّيْخ منصور منه بريء، وسيّدي المصطفى صلى الله عليه وسلم منه بريء، وربّنا سبحانه منه بريء، ومن خلا بأمْرَدٍ فَكذلك، ومن نكث البَيْعة فإنّما ينكث على نفسه. ثمّ قام من مجلسه.

وبعد شهر عَبَر إلى اللَّه، ودُفن فِي قبّة الشَّيْخ يحيى النّجّار.

وحكى الشَّيْخ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي طَالِب الصّوفيّ أنّه سمع جدّه عفيف الدّين أَبَا طَالِب يقول: سمعت الشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَن شَمْلَة يقول: سمعت سيّدي عليّ يقول: لمّا حَضَرَت الوفاةُ سيّدي أحمدَ قبْلها بأيّام قُلْت: أيْ سيّدي، ما نقول بعدك، وأيش تورّثنا؟

فقال: أيْ عليّ، قُلْ عنّي إنّه ما نام ليلة إلَّا وكلُّ الخَلْق أفضل منه، وَلَا حرد قطّ، وَلَا رأى لنفسه قيمة قطّ. وأمّا ما أورثه فيا ولدي تشهد أنّ لي مال حتّى أورثكم؟! إنّما أورثكم قلوبَ الخَلْق.

فلمّا سمعت من سيّدي خرجت إلى الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز فأخبرته، فقال: لك حَسبٌ، أو لذرّيتك معك؟ فعدت إلى سيدي فقلت لَهُ فقال: لك

[1] في الوافي: «بحار للأسى» .

[2]

في الوافي: «فلا هو» .

[3]

في الوافي: «عليه فيطلّق» . (7/ 219) .

ص: 254

ولذُريتك إلى يوم القيامة، البَيْعة عامّة، والنّعمة تامّة، والضّمين ثقة، هِيَ اليوم مشيخة وإلى يوم القيامة مملكة بمشيخة.

نقلت أكثر ما هنا عَن يعقوب من كِتَاب «مناقب ابْن الرفاعيّ» رضي الله عنه. جمع الشَّيْخ محيي الدّين أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الهماميّ، الحسينيّ، الرفاعيّ، شَيْخ الرّواق المعمور بالهلاليّة، بظاهر القاهرة، سمعه منه الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر ابْن الشَّيْخ أَبُو طَالِب الْأَنْصَارِيّ، الرفاعيّ، الدّمشقيّ، ويُعرف بشيخ حِطين، بالقاهرة فِي سنة ثمانين وستّمائة. وقد كتبه عَنْهُ مناولة وإجازة المولى شمسُ الدّين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجزريّ، وأودعه تاريخه في سنة خمس وسبعمائة، فأوّله قَالَ: ذِكر ولادته. ثمّ قَالَ:

قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز، وأكثر الكتاب عَن الشَّيْخ يعقوب، وهو نحو من أربعة كراريس. وهو ثمانية فصول فِي مقاماته وكراماته، وغير ذلك. وهي بلا إسناد، وقع الاختيار منها على هذا القَدَر الَّذِي هنا.

وتُوُفي الشَّيْخ ولم يُعْقِب. وإنّما المشيخة فِي أولاد أخيه.

قال القاضي ابْن خَلكان [1] : كان رجلا صالحا، شافعيا، فقيها، انضمّ إليه خلْقٌ من الفقراء، وأحسنوا فِيهِ الاعتقاد، وهم الطّائفة الرفاعيّة، ويُقال لهم الأحمديّة. ويقال لهم البطائحيّة. ولهم أحوالٌ عجيبة من أكل الحَيات حيّة، والنّزول إلى التّنانير وهي تُضْرَم نارا، والدّخول إلى الأفْرِنَة، وينام الواحدُ منهم فِي جانب الفُرن والخبّاز يخبز فِي الجانب الآخر. وتُوقد لهم النّار العظيمة، ويُقام السّماع، فيرقصون عليها إلى أن تنطفئ. ويُقال إنّهم فِي بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه. ولهم أوقات معلومة يجتمع عندهم من الفقراء عالم لَا يُحْصَوْن ويقومون بكفاية الجميع.

والبطائح عدَّة قرى مجتمعة فِي وسط الماء بين واسط والبصرة.

[1] في وفيات الأعيان.

ص: 255