المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الكنى 393- أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ. الزّاهد. ذكره الحافظ فقال: كان - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٤٠

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأربعون (سنة 571- 580) ]

- ‌الطبقة الثامنة والخمسون

- ‌سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

- ‌[جلوس ابْن الجوزي تحت المنظرة]

- ‌[القبض على أستاذ الدار صندل]

- ‌[زواج بنت ابْن الجوزيّ]

- ‌[كلام ابْن الجوزيّ تحت المنظرة]

- ‌[كثرة الرفض]

- ‌[خروج المستضيء إلى كشكه]

- ‌[ولاية المخزن]

- ‌[وليمة الوزير ابْن رئيس الرؤساء]

- ‌[الفتنة بِمَكَّةَ]

- ‌[وقعة تلّ السلطان]

- ‌[فتوحات صلاح الدين]

- ‌[كتاب فاضليّ إلى الخليفة]

- ‌[استعراض صلاح الدين ذخائر ابْن حسّان]

- ‌[جرح السلطان من الحشيشية]

- ‌[منازلة حلب]

- ‌[كسوف الشمس]

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

- ‌[وعظ ابْن الجوزيّ]

- ‌[عرس ابْنَة ابْن الجوزيّ]

- ‌[نقص دجلة]

- ‌[البَرَد فِي بغداد]

- ‌[وعظ ابْن الجوزي بجامع القصر]

- ‌[وقعة السلجوقي الطامع بالسلطنة]

- ‌[الزلزلة بالريّ وقزوين]

- ‌[معاقبة الطحّان]

- ‌[جلوس ابْن الجوزيّ]

- ‌[وقعة الكنز]

- ‌[أخذ صلاح الدين منبج]

- ‌[مصالحة صلاح الدين حلب]

- ‌[تخريب مصياف]

- ‌[بناء سور مِصْر]

- ‌[سماع السلطان من السلَفيّ]

- ‌[بناء تربة الشافعيّ]

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

- ‌[العفو عن تتامش]

- ‌[وعظ ابْن الجوزيّ]

- ‌[فتوى لابن الجوزيّ]

- ‌[تكلُم ابْن الجوزيّ]

- ‌[بناء مسجد عظيم ببغداد]

- ‌[هبوب الريح ببغداد]

- ‌[وقوع البَرَد]

- ‌[اغتيال الوزير ابْن رئيس الرؤساء]

- ‌[حجابة ابْن طلحة الباب]

- ‌[فتنة اليهود]

- ‌[خروج لصوص من الحبس]

- ‌[وقعة الرملة]

- ‌[نزول الفرنج على حماه]

- ‌[عصيان ابْن المقدّم ببعلبكّ]

- ‌[كتاب ابْن المشطوب بقتلى الفرنج]

- ‌[مطالعة القاضي الفاضل بقتل الوزير]

- ‌سنة أربع وسبعين وخمسمائة

- ‌[جلوس ابْن الجوزي فِي عاشوراء]

- ‌[كسوف القمر والشمس]

- ‌[ولادة ثلاثة توائم]

- ‌[تجديد قبر أَحْمَد بْن حنبل]

- ‌[تكلّم ابْن الجوزي فِي جامع المنصور]

- ‌[إطلاق تتامش]

- ‌[عمل الدكَّة بجامع القصر]

- ‌[حديث ابْن الجوزي عَن نفسه]

- ‌[حكاية ابْن الجوزيّ عَن الرشيد]

- ‌[ظهور مشعبذ]

- ‌قَتل ابْن قرايا الرافضيّ]

- ‌[امتناع الركب العراقيّ]

- ‌[هبوب ريح وظهور نار ببغداد]

- ‌[جلوس ابْن الجوزي يوم عَرَفَة]

- ‌[اجتماع الفرنج عند حصن الأكراد]

- ‌[تسلّم صلاح الدين بعلبكّ]

- ‌[قتْل هنفري الفرنجي]

- ‌[غارة البرنس على شيزر]

- ‌[غارة صاحب طرابلس]

- ‌[إنعام السلطان على الملك المظفّر]

- ‌[إنشاء سور القاهرة]

- ‌[ختام كِتَاب المنتظم]

- ‌سنة خمس وسبعين وخمسمائة

- ‌[الظفر بذيل كِتَاب المنتظم]

- ‌[وصول البشارة إلى بغداد بكسر الفرنج]

- ‌[وقعة مرج العيون]

- ‌[الظّفر ببطستين للفرنج]

- ‌[انهزام سلطان الروم أمام المظفّر تقيّ الدين]

- ‌[وصول بعض أسرى الروم والغنائم إلى بغداد]

- ‌[حجوبيّة ابْن الدارع]

- ‌[وصول ابْن الشهرزوريّ رسولا إلى بغداد]

- ‌[عزل ابن الزّوال عن النقابة بالزينبيّ]

- ‌[الإرجاف بموت الخليفة]

- ‌[التوقيع بولاية العهد]

- ‌[امتلاك الكردي قلعة الماهكي]

- ‌[وفاة الخليفة المستضيء]

- ‌[خلافة الناصر لدين اللَّه]

- ‌[القبض على ابْن العطار]

- ‌[الخلعة بإمرة الحاجّ]

- ‌[هتك ابْن العطار بَعد وفاته]

- ‌[الوَباء والغلاء ببغداد]

- ‌[إرسال الخِلَع إلى ملوك الأطراف]

- ‌[الزلزلة ببلاد الجبل]

- ‌سنة ست وسبعين وخمسمائة

- ‌[عزل وتولية في نيابة الوزارة]

- ‌[صلاة الناصر بجامع الرصافة]

- ‌[قدوم رسول الملك طغرل]

- ‌[القبض على ابْن الوزير]

- ‌[وصول أمير الحاجّ]

- ‌[خروج صلاح الدين لمحاربة الأرمن]

- ‌[وصول الخِلَع إلى صلاح الدين]

- ‌[من كِتَاب صلاح الدين إلى الخليفة الناصر]

- ‌[سماع صلاح الدين «الموطّأ» فِي الإسكندرية]

- ‌[تقليد الخليفة البلادَ لصلاح الدين]

- ‌[وصول رسول ابْن عبّاد]

- ‌[ركوب الخليفة الدَسْت]

- ‌[إقطاع طغرل البصرة]

- ‌[خروج الخليفة للصيد]

- ‌[نيابة فرّخ شاه دمشق]

- ‌سنة سبع وسبعين وخمسمائة

- ‌[تخريب بلاد الكَرَك]

- ‌[ركوب الخليفة فِي موكب]

- ‌[معاتبة صلاح الدين على تسمّيه بالناصر]

- ‌[أخْذ عزّ الدين حلب]

- ‌[مقايضة سنجار بحلب]

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

- ‌[رخاء الأسعار بالعراق]

- ‌[الوثوب على صاحب قلعة الماهكيّ]

- ‌[الكتابة إلى صلاح الدين بالرحيل عَن الموصل]

- ‌[فتح بلد كبير بالروم]

- ‌[فتح حرّان وسروج وسنجار وغيرها]

- ‌[ملْك صلاح الدين حلب]

- ‌[الخِلْعة بشرف الفتوّة]

- ‌[الخروج الأخير لصلاح الدين من مِصْر]

- ‌[دخول سيف الْإِسْلَام اليمن]

- ‌[وفاة فرّوخ شاه]

- ‌سنة تسع وسبعين وخمسمائة

- ‌[قدوم رسول ملك مازندران إلى الخليفة]

- ‌[قتل مُستفتٍ سَبّ الشافعيّ]

- ‌[القبض على مجاهد الدين قايماز وإعادته]

- ‌[مجيء الرُسلية إلى صلاح الدين]

- ‌[الفراغ من رباط المأمونيّة]

- ‌[قدوم الخُجَنْدي للحجّ]

- ‌[كتاب فاضليّ إلى الديوان بتشتيت الفرنج]

- ‌[تسلُم صلاح الدين حلبا]

- ‌[أخْذ الغوري ملك الهند غَزْنَة]

- ‌[عودة الرسليّة بالتقدمة إلى بغداد]

- ‌[وفاة نائب الوزارة وولاية ابْن صدقة]

- ‌[ولاية الحجابة]

- ‌[وفاة شَيْخ الشيوخ وبشير]

- ‌[منازلة صلاح الدين حلبا وتسلّمها]

- ‌[البشارة بفتح القدس]

- ‌[كتاب فاضلي بإبطال المكس بالرَّقة]

- ‌[محاصرة السلطان الكَرَك]

- ‌[نيابة الملك المظفّر بمصر]

- ‌سنة ثمانين وخمسمائة

- ‌[جَعْلُ مشهد الكاظم أمنا]

- ‌[موت رَجُل راهن على دفنه نصف يوم]

- ‌[كِتَابُ السُّلْطَانِ بِمَحَاسِنِ دِمَشْقَ]

- ‌[مهاجمة السلطان نابلس]

- ‌[منازلة الكَرَك]

- ‌[خروج ابْن غانية الملثّم بالمغرب]

- ‌[إقامة الخطبة العباسية بإفريقية]

- ‌[منازلة السلطان الكَرَك]

- ‌[حصار الكَرَك فِي كِتَاب للعماد]

- ‌[وفاة رسولي الخليفة بالشام]

- ‌[الإذْن للجيوش بالعودة إلى أوطانها]

- ‌[خِلْعة السلطان على صاحب حصن كيفا]

- ‌[كتابة منشور لصاحب إربل]

- ‌[خروج السلطان بقصْد الموصل]

- ‌[وفاة صاحب ماردين]

- ‌المتوفّون في هذه الطبقة

- ‌سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف لام ألِف

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة أربع وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة خمس وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ست وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة سبع وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌الكنى

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة تسع وسبعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌المتوفون على التخمين

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌الكنى

الفصل: ‌ ‌الكنى 393- أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ. الزّاهد. ذكره الحافظ فقال: كان

‌الكنى

393-

أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ. الزّاهد.

ذكره الحافظ فقال: كان من مفاريد الزّمان. اجتمعت فيه من خِلال الخير أشياء لو سُطِرت كانت سيرة. كان زاهدا، ورِعًا، مجاهدا، مجتهدا، متواضعَا، ذا عزائم خالصة، بصيرا بآفات أعمال الآخرة وعيوب الدّنيا، ذا تجارب.

ساح وخالط، وكان لَا تأخذه فِي اللَّه لومَة لائم، منقادا للحقّ، محبّا للخمول، عاريا من زيّ أهل الدّين. ظاهرا لَا يستوطن المواضع. كان تارة يكون مُعَممًا، وتارة بغير عمامة، وتارة محلوقا وتارة بشَعْر. إذا وقف بين جماعة لَا يعرفه الغريب، ولم يكن لَهُ فِي المسجد موضع يُعرف به.

وكان إذا قَالَ لَهُ أحد: أريد أن أتوب على يدك. يقول: أيش تعمل بيدي، تُبْ إلى اللَّه.

وكان شجاعا. وهو الَّذِي جَرى المسلمين على محاصرة الرّها في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، واشتهر بين النّاس أنّهم يوم وقعة الثَلْمة الّتي بالرُّها دخل منها المسلمون رأوا رجلا قد صعِد فِيهَا، فهزم من كان بها من الإفرنج، وصعِد النّاس بعده، فحكى لي بعض النّاس أنّه الشَّيْخ أَبُو بَكْر رضي الله عنه.

وبلغني أنّ ناسا اختلفوا فِيهِ، فحلف بعضهم أنّه الشَّيْخ عديّ بْن صخْر، فاختلفوا إليه فِي ذلك، فقال: ذاك الحرّانيّ. سمعته يقول: كان أَبِي قد أسره الفرنج إلى الرُّها، فقادوه، وأخذوني وأخي رهينة، يعني وهما صغيران، فكان صاحب البلد يأخذني ويجيء بي عند الصّليب، ويجعل يُحني رأسي نحوه، فأمتِنع عَلَيْهِ مع هيبته، ويقع فِي نفسي أنّي إنْ فعلت صرت نصرانيّا.

وكان يأخذ أخي فيجيء به إلى الصّليب، فيسجد لَهُ، فأتعلّق به وأمنعه.

ثمّ إنّه خلّص من أيدي الفِرنج، فسمعته يقول: كنت أمرّ إلى الرُّها فِي اللّيل فأصعد إلى السّور، وأنزل إلى البلد، فإذا عرفوا بي صعدت إلى السّور، فإذا صرت على السّور ومعي سيفي وترسي لم أبال بأحدٍ. وصعدت مرّة إلى السّور، فلقيت اثنين، قتلت الواحد ودخل الآخر إلى البرُج، فدخلت خلفه فقتلته.

ص: 338

سمعته غير مرةٍ يقول: رَأَيْت قائلا يقول لي: كن تَبَعًا إلَّا فِي ثلاثة: فِي الزّهد، والورع، والجهاد.

وحجّ نحوا من ثلاثين حَجَّة ماشيا. وبلغني عَنْهُ أنّه حجّ في بعضها، ولم ينم فِي تلك المدَّة حتّى خرج من الحجّ. ثمّ إنّه ترك الحجّ، وسكن مشهدا قريبا من حَران، واشتغل بعمارة رحى هناك. ورتّب الضّيافة لكلّ وارد خبزا ولحما وشهوات.

وكان سبب ذلك كما حكى لي قَالَ: كنت أَنَا وآخر فِي الشّام، فجعْنا جوعا شديدا، ثمّ جئنا إلى قريةٍ، فصنع لنا إنسان طعاما وقدّمه إلينا، فجعلنا نأكل وهو حارّ، فلمّا رَأَى شَرَهَنَا فِي الأكل مع حرارته قَالَ: أرِفقُوا فهو لكم.

فأعتقد أنّه لو كان لذلك الرجل ذنوب مثل الجبال لغُفِرت لِما صادف من إشباع جوعنا. فرأيت أنّ حجّي ليس فِيهِ منفعة لغيري، وأنّي لو عملت موضعا يستظل به إنسان كان أفضل من حجّي.

وكان مع ذلك يكره كثرة العلائق ويقول: لو قيل لي فِي المنام أنّك تصير إلى هذا المال ما صَدَّقت.

وبنى عند المشهد خانا للسّبيل، وكان يعمل عامّة نهاره فِي الحَر والغُبار، ويقول: لو أن لي من يعمل معي فِي اللّيل لعملت.

وعمل لنفسه رحى، وكان يتقوَّت منه باليسير، ويُخرج الباقي فِي البِرّ.

دخلت عَلَيْهِ فِي بيته مِرارًا وهو يتعشّى، فما رَأَيْته جالسا فِي سِراج قطّ، وَلَا كان تحته حصير جيّد قطّ وَلَا فِراش، بل حصير عتيق، تحته قش الرَز.

وحضرت يوما معه فِي مكانٍ، فلمّا حضر وقت الغداء جلسنا نتغدّى، وأخرج رغيفا كان معه، فأكل نصفه، وناولني باقيه، وقال: ما بقي يصلح لي، آكل شيئا وَلَا أعمل شيئا.

وقال لي: وددت أنّي لآتي مكانا لَا أخرج منه حتّى أموت.

ص: 339

وقد سمعته يقول، وذكر لي إنسان أنّ بعض الرؤساء عرض عَلَيْهِ ملكا يقفه عَلَيْهِ، فقال لَهُ أَبُو بَكْر: وأيش تعمل به لو لم يكن فِي مالهم شُبْهة إلَّا الجاه لكفى.

سمعت فتيان بْن نيّاح الحرّانيّ، وكان عالِم أهل حَران وقد جرى بيننا ذِكر الكرامات فقال: أَنَا لَا أحكي عَن الأموات ولكن عَن الأحياء. هذا أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل حجّ فِي بعض السّنين، فلمّا قرُب مجيء الحاجّ جاء الخبر أنّ أَبَا بَكْر قد مات. فجلست محزونا فجاءتني والدته وأنا فِي مكاني هذا، فسلمَتْ، فرددتُ عليها متحزْنًا.

فقالت [1] : أيش هُوَ؟

فقلت: هُوَ الَّذِي يحكى.

فقالت: ما هُوَ صحيح.

قلت: من أَيْنَ لكِ؟

قَالَتْ هُوَ قَالَ لي قبل أن يخرج إنّه سَيَبْلُغُكِ أنّي قد متّ، فلا تصدّقي، فإنّي لا بدّ أجيء وأتزوّج، وأرزقُ ابنا وأموت.

قال: فأوّل من جاء هُوَ، وتزوّج ورُزق ابنا، ومات.

هذا مع كراهيته إظهار الكرامات والدعاوَى.

وكان عاقلا فِطنًا، يتكلّم بالحكمة فِي أمر الدّين.

حدّثني مَن حضر موته قَالَ: كُنَّا أَنَا وفلان وفلان، فتوضّأ ثمّ صار يسأل عَن وقت الظُهر، فقال بعضنا: جرت عادة النّاس يأخذون من آثار مشايخهم للتّبرّك. فقال: إن قبِلتم منّي لَا تريدون شيئا من الدّنيا.

قال: فبينما أَنَا جالس أغفيت، فرأيت كأنّ البيت الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يخرج منه مثل ألسُن الشّمع، يعني النّور. ورأيت كأنّ شيخا جاء إلى عند الشَّيْخ أَبِي بَكْر، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا الشّيخ حمد.

[1] في الأصل: «فقال» .

ص: 340

فانتبهت فجعلت أسأل الجماعة عَن الشَّيْخ حمْد، ففِطن لي الشَّيْخ فقال: أيش تقول؟ فقصصت عَلَيْهِ الرّؤيا، فقال: نعم هذا الشَّيْخ حمْد بْن سُرور قد جاء إلينا. وكان الشَّيْخ حمْد من مشايخ حَران.

قال: ثمّ إنّه مال يسأل عَن وقت الظُهر، حتّى بقي من الوقت قدر قراءة جزء، ثمّ إنّه تَفَلَ مثل النَّقْحة، فخرجت منها نفسُه وحُمِل إلى حَران فدُفن بها رضي الله عنه.

394-

أَبُو جَعْفَر بْن هارون.

التّرحاليّ، الأندلسيّ، من كبار أهل إشبيلية.

وكان رأسا فِي الفلسفة، والطّبّ، والكحالة. ذا عناية بكتب أرِسْطُوطاليس.

خدم أَبَا يعقوب بْن عَبْد المؤمن.

وقد أخذ عَن الفقيه أَبِي بَكْر بْن العربيّ، ولازمه مدّة.

وعنه أخذ أَبُو الوليد بْن رُشْد الحفيد، عِلْم الأوائل.

وترحاله: من ثغور الأندلس.

395-

أَبُو الفتح.

المَوْصِلي، العابد، ويُعرف بابن الرئيس.

قال الحافظ الرّهاويّ: كان زاهدا، ورِعًا، قنوعا، صائم الدهْر، نورانيّ الوجه، حَسَن الأخلاق، رزين العقل، متواضعا، شديدا فِي السّنّة، داعيا إليها، حافظا للقرآن.

لقّن خلْقًا. وكان خيّاطا يتقوّت باليسير والباقي ينفقه على أخيه وأولاد أخيه.

وكان يلبس قميص خام ومِئزر خام خِشنًا.

ولم يكن بالموصل فِي آخر زمانه مثله. وشيّعه خلق لا يحصون رحمه الله تعالى.

ص: 341

396-

أبو ألوفا.

شيخ أهل آمد في زمانه.

قال الحافظ الرّهاويّ: تكرّرت إليه مدّة مقامي بآمد، فرأيت منه عقلا وافرا، وحلما وتواضعا، وسخاء، وتألّفا للنّاس على مذهب أحمد.

وكان كثير الاحتمال للأذى في تألّف النّاس. مفيدا بكلامه، حافظا للسانه، ذكيّا، فهما. لم أر في تردادي إليه سقطة، ولا بلغني عنه.

ولقد فرحت برؤيتي له فرحا شديدا، وأحببته كأشدّ ما أحببت أحدا من المشايخ.

وكان له شيء من الدّنيا يتعيّش منه، ويواسي منه الفقراء، رحمه الله تعالى.

انتهى المجلد السابع عشر من تاريخ الإسلام ونقلته من خط مؤلفه الحافظ العلامة شمس الدين الذهبي والحمد للَّه وحده. يتلوه إن شاء الله تعالى الطبقة 59. سنة 581.

ص: 342

(بعون الله وتوفيقه تمّ تحقيق هذه الطبقة من «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمسُ الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي، الدمشقيّ، المتوفّى سنة 748 هـ. رحمه الله، وقام بضبط نصّها، وتخريج أحاديثها وأشعارها، وتوثيق مادّتها، والإحالة إلى المصادر، والتعليق على متنها، وصنعة فهارسها، خادم العلم وطالبه، الحاج أبو غازي، الأستاذ الدكتور عمر عبد السلام تدمري، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، عضو الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمة في اتحاد المؤرّخين العرب، الطرابلسي مولدا وموطنا، الحنفيّ مذهبا، وكان الفراغ من التحقيق عند أذان العصر من يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1415 هـ. الموافق للثاني والعشرين من شهر نيسان (أبريل) 1995 م. وذلك في منزله بساحة النجمة من مدينة طرابلس الشام المحروسة، حماها الله وجعلها آمنة عامرة مطمئنة، سخاء رخاء رغدا، وسائر بلاد المسلمين، ونفع الله بهذا العمل إلى يوم الدين، فهو نعم المولى وإليه أنيب)

ص: 343