الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَشَيَّعَهُ الْمُخْتَارُ إِلَى دَيْرِ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَاسْتَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ أَصْحَابَ الْمُخْتَارِ قَدْ حَمَلُوا الْكُرْسِيَّ الَّذِي قَالَ لَهُمُ الْمُخْتَارُ: هَذَا فِيهِ سِرٌّ، وَإِنَّهُ آيَةٌ لَكُمْ كَمَا كَانَ التَّابُوتُ آيَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: وَهُمْ يَدْعُونَ حَوْلَ الْكُرْسِيِّ وَيَحُفُّونَ بِهِ، فَغَضِبَ ابْنُ الْأَشْتَرِ وَقَالَ: اللَّهمّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، سُنَّةُ بني إسرائيل إذ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ [1] .
فَائِدَةٌ
وَافْتَعَلَ الْمُخْتَارُ كِتَابًا عن ابن الحنفيّة يأمره فيه بِنَصْرِ الشِّيعَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْأَشْرَافِ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ لَنَا بِمَنْ شَاءَ، فَوَثَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَكَانَ بَعِيدُ الصَّوْتِ، كَثِيرُ الْعَشِيرَةِ، فَخَرَجَ وَقَتَلَ إِيَاسَ بْنَ مُضَارِبٍ أَمِيرَ الشُّرْطَةِ، وَدَخَلَ عَلَى الْمُخْتَارِ، فَأَخْبَرَهُ، فَفَرِحَ وَنَادَى أَصْحَابَهُ فِي اللَّيْلِ بِشِعَارِهِمْ، وَاجْتَمَعُوا بِعَسْكَرِ الْمُخْتَارِ بِدِيرِ هِنْدٍ، وَخَرَجَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ فَنَادَى: يَا ثَارَاتِ الْحُسَيْنِ، أَلَا إِنَّ أَمِيرَ آلِ مُحَمَّدٍ قَدْ خَرَجَ [2] .
ثُمَّ الْتَقَى الْفَرِيقَانِ مِنَ الْغَدِ، فَاسْتَظْهَرَ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ اخْتَفَى ابْنُ مُطِيعٍ، وَأَخَذَ الْمُخْتَارُ يَعْدِلُ وَيُحْسِنُ السِّيرَةَ، وَبَعَثَ فِي السِّرِّ إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ صَدِيقُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: تَجَهَّزْ بِهَذِهِ وَاخْرُجْ، فَقَدْ شَعَرْتُ أَيْنَ أَنْتَ، وَوَجَدَ الْمُخْتَارُ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَبْعَةَ آلَافٍ [3] ، فَأَنْفَقَ فِي جُنْدِهِ قُوَّاهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي طُفَيْلُ بْنُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِجَارٍ لِي زَيَّاتٍ، كُرْسِيٌّ، وَكُنْتُ قَدِ احْتَجْتُ، فَقُلْتُ لِلْمُخْتَارِ: إِنِّي كُنْتُ أَكْتُمُكَ شَيْئًا، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَذْكُرَهُ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: كُرْسِيٌّ كَانَ أَبِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ، كَانَ يَرَى أَنَّ فِيهِ أَثَرَةً مِنْ علمٍ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَخَّرْتَهُ إلى اليوم، قال: وكان ركبه وسخ
[1] الخبر في تاريخ الطبري مطوّلا 6/ 7 وما بعدها، وتاريخ خليفة 263.
[2]
تاريخ الطبري 6/ 22، 23.
[3]
عند الطبري 6/ 33 «تسعة آلاف» . وانظر: الأخبار الطوال 291، 292.
شَدِيدٌ، فَغُسِلَ وَخَرَجَ عَوَّادًا نَضَّارًا [1] ، فَجِيءَ بِهِ وَقَدْ غُشِيَ، فَأَمَرَ لِي بِاثْنَى عَشَرَ أَلْفًا، ثُمَّ دَعَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ أَمْرٌ إِلَّا وَهُوَ كَائِنٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّابُوتُ، وَإِنَّ فِينَا مِثْلَ التَّابُوتِ، اكْشِفُوا عَنْهُ، فَكَشَفُوا الْأَثْوَابَ [2] ، وَقَامَتِ السَّبَائِيَّةُ [3] فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، فَقَامَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ يُنْكِرُ، فَضُرِبَ [4] .
فَلَمَّا قُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَخَبَرَهُ الْمَقْتَلَة الْآتِيَةَ، ازْدَادَ أَصْحَابُهُ بِهِ فِتْنَةً، وَتَغَالُوا فِيهِ حَتَّى تَعَاطُوا الْكُفْرَ، فَقُلْتُ: إِنَّا للَّه، وَنَدِمْتُ عَلَى مَا صَنَعْتُ، فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَغُيِّبَ، قَالَ مَعْبَدٌ: فَلَمْ أَرَهُ بَعْدُ [5] .
قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ جَرِيرٍ [6] : وَوَجَّهَ الْمُخْتَارُ فِي ذِي الْحِجَّةِ ابْنَ الْأَشْتَرِ لِقِتَالِ ابن زياد، وذلك بعد فراغ الْمُخْتَارِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ السَّبِيعِ وَأَهْلِ الْكُنَاسَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَأَبْغَضُوهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَوْصَى ابْنَ الْأَشْتَرِ وَقَالَ:
هَذَا الْكُرْسِيُّ لَكُمْ آيَةٌ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَغْلٍ أَشْهَبَ، وَجَعَلُوا يَدْعُونَ حَوْلَهُ ويَضَجُّونَ، وَيَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا اصْطَلَمَ أَهْلُ الشَّامِ ازْدَادَ شِيعَةُ الْمُخْتَارِ بِالْكُرْسِيِّ فِتْنَةً، فَلَمَّا رَآهُمْ كَذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ تَأَلَّمَ وَقَالَ: اللَّهمّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، سُنَّةُ بَنِي إسرائيل إذ عَكَفُوا عَلَى العِجْلِ.
وَكَانَ الْمُخْتَارِ يَرْبِطُ أَصْحَابَهُ بِالْمُحَالِ وَالْكَذِبِ، وَيَتَأَلَّفُهُمْ بِمَا أَمْكَنَ، وَيَتَأَلَّفُ الشِّيعَةُ بِقَتْلِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي مَعَ الْمُخْتَارِ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ لَنَا:
أَبْشِرُوا، فَإِنَّ شُرْطَةَ اللَّهِ قَدْ حَسُوهُمْ بالسيوف بنصيبين أو بقرب نصّيبين،
[1] في تاريخ الأمم والملوك 6/ 83 «عود نضار» .
[2]
بالأصل «الأبواب» ، والتصحيح من تاريخ الطبري 4/ 83.
[3]
في الأصل «السرائية» ، والتحرير مما عند ابن جرير 6/ 83.
[4]
تاريخ الطبري 6/ 83.
[5]
الطبري 6/ 83.
[6]
تاريخ الطبري 6/ 81- 82.
فدخلنا المدائن، فو الله إنه ليخطبنا إذ جَاءَتْهُ الْبُشْرَى بِالنَّصْرِ، فَقَالَ: أَلَمْ أُبَشِّرْكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ.
قَالَ: يَقُولُ لِي رَجُلٌ هَمْدَانِيٌّ مِنَ الْفُرْسَانِ: أَتُؤْمِنُ الْآنَ يَا شَعْبِيُّ؟
قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِأَنَّ الْمُخْتَارَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، أَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُمُ انْهَزَمُوا، قُلْتُ:
إِنَّمَا زَعَمَ أَنَّهُمْ هُزِمُوا بِنَصِيبِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِالْخَازَرِ مِنَ الْمَوْصِلِ، فَقَالَ لِي: وَاللَّهِ لَا تُؤْمِنُ حَتَّى تَرَى الْعَذَابَ الْأَلِيمَ يَا شَعْبِيَّ [1] .
وَرُوِيَ أَنَّ أَحَدَ عُمُومَةِ الْأَعْشَى كَانَ يَأْتِي مَجْلِسَ أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُونَ: قَدْ وُضِعَ الْيَوْمَ وَحيُ مَا سَمِعَ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا يَكُونُ مِنْ شَيْءٍ [2] .
وَعَنْ مُوسَى بْنِ عَامِرٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَصْنَعُ لَهُمْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَوْفٍ وَيَقُولُ: إِنَّ الْمُخْتَارَ أَمَرَنِي بِهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ الْمُخْتَارُ [3] .
وَفِي الْمُخْتَارِ يَقُولُ سُرَاقَةُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَارِقِيُّ الْأَزْدِيُّ:
كَفَرْتُ بِوَحْيِكُمُ وَجَعَلْتُ نَذْرًا
…
عَلَيَّ هِجَاكُمْ [4] حَتَّى الْمَمَاتِ
أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تُبْصِرَاهُ [5]
…
كِلَانَا عَالِمٌ بِالتُرَّهَاتِ [6]
وَفِيهَا وَقَعَ بِمِصْرَ طَاعُونٌ هَلَكَ فِيهِ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِهَا [7] .
وَفِيهَا ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ بِمِصْرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الإسلام.
[1] تاريخ الطبري 6/ 92، وانظر: الأخبار الطوال 289، 290.
[2]
تاريخ الطبري 6/ 85.
[3]
تاريخ الطبري 6/ 85.
[4]
في تاريخ الطبري 6/ 55: «قتالكم» .
[5]
كذا عند الطبري، وفي الأصل:«ما لم ترياه» .
[6]
في تاريخ الطبري 4 أبيات (6/ 55) وفي الكامل 4/ 239 ثلاثة أبيات، وكذلك في الأخبار الطوال 303.
[7]
تاريخ خليفة 263.
وَفِي ذِي الْحِجَّةِ الْتَقَى عَسْكَرُ الْمُخْتَارِ، وَكَانُوا ثلاثة آلاف، وعسكر ابن زياد، فقتل قائد أَصْحَابُ ابْنِ زِيَادٍ، وَاتَّفَقَ أَنَّ قَائِدَ عَسْكَرِ الْمُخْتَارِ كَانَ مَرِيضًا فَمَاتَ مِنَ الْغَدِ، فَانْكَسَرَ بِمَوْتِهِ أَصْحَابِهِ وَتَحَيَّزُوا.