الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَوَادِثُ [سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ]
تُوُفِّيَ فِيهَا: مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ.
وَالأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ.
وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ.
وَالْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ التَّيْمِيُّ.
وَقُتِلَ فِيهَا: مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْتَرِ.
وَعِيسَى وَعُرْوَةُ وَلَدَا مُصْعَبٍ.
وَمُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ.
وَكَانَ مُصْعَبُ قَدْ سَارَ كَعَادَتِهِ إِلَى الشَّامِ إِلَى قِتَالِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَاسْتِئْصَالِهِ، وَسَارَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَجَرَتْ بَيْنَهُمَا وَقْعَةٌ هَائِلَةٌ بِدِيرِ الْجَاثَلِيقِ [1] ، وَمَسْكَنٍ [2] بِالْقُرْبِ مِنْ أَوَانَا [3] .
وَكَانَ قَدْ كَاتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ جَمَاعَةً مِنَ الأشراف المائلين إلى بني أميّة
[1] دير الجاثليق: دير قديم البناء رحب الفناء من طسّوج مسكن قرب بغداد في غربي دجلة في عرض حربي، وهو في رأس الحدّ بين السواد وأرض تكريت. (معجم البلدان 3/ 503) .
[2]
مسكن: بالفتح ثم السكون، وكسر الكاف، ونون. موضع قريب من أوانا على نهر دجيل.
(معجم البلدان 5/ 127) .
[3]
أوانا: بالفتح، والنون. بليدة كثيرة البساتين والشجر نزهة، من نواحي دجيل بغداد، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من جهة تكريت. (معجم البلدان 1/ 274) .
وَغَيْرِ الْمَائِلِينَ يُمَنِّيهِمْ وَيَعِدُهُمْ إِمْرَةَ الْعِرَاقِ وَإِمْرَةَ أَصْبَهَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَأَجَابُوهُ.
وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْتَرِ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَأَتَى بِكِتَابِهِ مُصْعَبًا، وَفِيهِ إِنْ بَايَعَهُ وَلاهُ الْعِرَاقَ. وَقَالَ لِمُصْعَبٍ: قَدْ كَتَبَ إِلَى أَصْحَابُكَ بِمِثْلِ كِتَابِي فَأَطِعْنِي وَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، فَقَالَ: إِذًا لا تُنَاصِحُنَا عَشَائِرُهُمْ [1]، قَالَ: فَأَوْقِرْهُمْ حَدِيدًا وَأَسْجِنْهُمْ بِأَبْيَضِ كِسْرَى وَوَكِّلَ بِهِمْ مَنْ إِنْ غُلِبْتَ ضَرَبَ أَعَنْاقَهُمْ، وَإِنْ نُصِرْتَ مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: يَا أَبَا النُّعْمَانَ إِنِّي لَفِي شُغْلٍ عَنْ ذَلِكَ، يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَحْرٍ- يَعْنِي الأَحْنَفَ- إِنْ كَانَ لَيُحَذِّرُ غَدْرَ الْعِرَاقِ [2] .
وَقَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ: هَمَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِالْغَدْرِ بِمُصْعَبٍ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْهَيْثَمِ: وَيْحَكُمْ لا تُدْخِلُوا أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْكُمْ، فو الله لَئِنْ تَطَعَّمُوا بِعَيْشِكُمْ لَيُصْفِيَنَّ [3] عَلَيْكُمْ مَنَازِلَكُمْ.
وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَشَارَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ زِيَادِ بْنِ عَمْرٍو وَمَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ، فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ قَلَبَ الْقَوْمُ أَتْرِسَتَهُمْ وَلَحِقُوا بِعَبْدِ الْمَلِكِ [4] .
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ [5] : لَمَّا تَدَانَى الْجَمْعَانِ حَمَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْتَرِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ فَأَزَالَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، ثُمَّ هَرَبَ عَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ، وَكَانَ عَلَى الْخَيْلِ مَعَ مُصْعَبٍ. وَجَعَلَ مُصْعَبُ كُلَّمَا قَالَ لِمُقَدَّمٍ مِنْ عَسْكَرِهِ: تَقَدَّمْ، لا يُطِيعُهُ.
فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ قَالَ: أُخْبِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ أَمِيرُ خُرَاسَانَ بِمَسِيرِ مُصْعَبٍ إلى عبد الملك، فقال: أمه عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ؟ قِيلَ: لا، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى فَارِسٍ. قَالَ: فَمَعَهُ الْمُهَلَّبُ بْنُ أبي صفرة؟
[1] في: سير أعلام النبلاء 4/ 143: «إذا تغضب عشائرهم» .
[2]
الخبر في: الأخبار الموفّقيّات للزبير 557، 558، والأغاني 19/ 123، 124، وأنساب الأشراف 5/ 340، 341، والأخبار الطوال 312.
[3]
هكذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري 6/ 157، أما في أنساب الأشراف 5/ 344 «ليضيّقنّ» .
[4]
انظر تفاصيل الخبر في: الأخبار الموفقيات 557 وما بعدها، والأغاني 19/ 123 وما بعدها.
[5]
في تاريخه 6/ 157.
قَالُوا: لا، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَوْصِلِ قَالَ: فَمَعَهُ عَبَّادُ بْنُ الْحُصَيْنِ [1] ؟ قِيلَ: لا، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ. فَقَالَ ابْنُ خَازِمٍ: وَأَنَا بِخُرَاسَانَ [2] .
ثُمَّ تَمَثَّلَ:
خُذِينِي وَجُرِّينِي ضِبَاعٌ [3] وَأَبْشِرِي
…
بِلَحْمِ امْرِئٍ لَمْ يَشْهَدِ الْيَوْمَ نَاصِرُهُ [4]
قَالَ الطَّبَرِيُّ [5] : فَقَالَ مُصْعَبٌ لابْنِهِ عِيسَى: ارْكَبْ بِمَنْ مَعَكَ إِلَى عَمِّكَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَدَعْنِي فَإِنِّي مَقْتُولٌ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لا أُخْبِرُ قُرَيْشًا عَنْكَ أَبَدًا، وَلَكِنِ الْحَقْ بِالْبَصْرَةِ فَهُمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ، قَالَ: لا تَتَحَدَّثُ قُرَيْشٌ إِنِّي فَرَرْتُ بِمَا صَنَعَتْ رَبِيعَةُ مِنْ خِذْلانِهَا، وَلَكِنْ:
أُقَاتِلُ، فَإِنْ قُتِلْتُ فَمَا السَّيْفُ بِعَارٍ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ: أَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَعَ أَخِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ إِلَى مُصْعَبٍ: إِنِّي مُعْطِيكَ الأَمَانَ يَا ابْنَ الْعَمِّ، فَقَالَ مُصْعَبٌ: إِنَّ مِثْلِي لا يَنْصَرِفُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِفِ إِلا غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا [6] .
وَقِيلَ: إِنَّ مُصْعَبًا أَبَى الأَمَانَ، وَأَنَّهُمْ أَثْخَنُوهُ بِالرَّمْيِ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ الثَّقَفِيُّ، فَطَعَنَهُ وَقَالَ: يَا لِثَارَاتِ الْمُخْتَارِ. وَكَانَ مِمَّنْ قَاتَلَ مَعَ مُصْعَبٍ [7] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تَفَرَّقَ عَنْ مُصْعَبٍ جُنْدُهُ قِيلَ لَهُ: لَوِ اعْتَصَمْتَ بِبَعْضِ الْقِلاعِ وَكَاتَبْتَ مَنْ بَعُدَ عَنْكَ كَالْمُهَلَّبِ وَفُلانٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَ لَكَ مَنْ تَرْضَاهُ لَقِيتَ الْقَوْمَ فَقَدْ ضَعُفْتَ جِدًّا وَاخْتَلَّ
[1] في الأصل «الحصن» والتصحيح من تاريخ الطبري 6/ 158، وأنساب الأشراف 5/ 345.
[2]
تاريخ الطبري 6/ 158، أنساب الأشراف 5/ 345.
[3]
في تاريخ الطبري «جعار» بدل «ضباع» .
[4]
البيت في تاريخ الطبري 6/ 158، وأنساب الأشراف 5/ 345 و 348، وأمالي الشجري 2/ 113، والكامل في الأدب للمبرّد 3/ 5، ولسان العرب، مادّة (جعفر) ومادّة (جرر) ، والكامل في التاريخ لابن الأثير 4/ 332.
[5]
في تاريخه 6/ 158.
[6]
تاريخ الطبري 6/ 158، 159.
[7]
تاريخ الطبري 6/ 159.
أَصْحَابُكَ، فَلَبِسَ سِلاحَهُ وَخَرَجَ فِيمَنْ بَقِيَ مَعَهُ وَهُوَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرٍ طَرِيفٍ الْعَنْبَرِيِّ [1] الَّذِي كَانَ يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ بِخُرَاسَانَ:
عَلامَ أَقُولُ السَّيْفَ يُثْقِلُ عَاتِقيِ
…
إِذَا أَنَا لَمْ أَرْكَبْ بِهِ الْمَرْكَبَ الصَّعْبَا
سَأَحْمِيكُمْ حَتَّى أَمُوتَ وَمَنْ يَمُتْ
…
كَرِيمًا فَلا لَوْمًا عَلَيْهِ وَلا عَتْبَا
وَرَوَى غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ ابْنُ الأَشْتَرِ لِمُصْعَبٍ: ابْعَثْ إِلَى زِيَادِ بْنِ عَمْرٍو وَمَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ وَوُجُوهٍ من وجوه أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَغْدُرُوا بِكَ، فَأَبَى، فَقَالَ ابْنُ الأَشْتَرِ: فَإِنِّي أَخْرُجُ الآنَ فِي الْخَيْلِ، فَإِذَا قُتِلْتُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ: فَخَرَجَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
وَقَالَ الْفَسَوِيُّ [2] : قُتِلَ مَعَ مُصْعَبٍ ابْنُهُ عِيسَى، وَجُرِحَ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ فَقَالَ: احْمِلُونِي إِلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ.
وَوَثَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ عَلَى مُصْعَبٍ فَقَتَلَهُ عِنْدَ دَيْرِ الْجَاثَلِيقِ، وَذَهَبَ بِرَأْسِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَسَجَدَ للَّه [3] .
وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَاتِكًا رَدِيئًا، فَكَانَ يَتَلَهّفُ وَيَقُولُ: كَيْفَ لَمْ أَقْتُلْ عَبْدَ الْمَلِكِ يَوْمَئِذٍ حِينَ سَجَدَ، فَأَكُونُ قَدْ قَتَلْتُ مَلِكَيَّ الْعَرَبِ [4] .
وَقالَ أَبُو الْيَقْظَانِ وَغَيْرُهُ: طَعَنَهُ زَائِدَةُ وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ ابْنُ ظَبْيَانَ.
وَلابْنِ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتِ:
لَقَدْ أَوْرَثَ الْمِصْرَيْنِ حُزْنًا [5] وَذِلَّةً
…
قَتِيلٌ بِدَيْرِ الجاثليق مقيم
[1] هو طريف بن تميم العنبري، كان أثقل العرب على عدوّه وطأة وأدركهم بثأر، وأيمنهم نقيبة، وأعساهم قناة لمن رام هضمه، وأقراهم لضيفه.. (انظر عنه في: تاريخ الطبري 8/ 70، ومعاهد التنصيص للعباسي 1/ 204 و 205) .
[2]
في المعرفة والتاريخ 3/ 331.
[3]
تاريخ الطبري 6/ 160، البداية والنهاية 8/ 321، المعرفة والتاريخ 3/ 331، والأخبار الموفقيات 560.
[4]
البداية والنهاية 8/ 321، الأغاني 19/ 126، أنساب الأشراف 5/ 340، الكامل في التاريخ 4/ 328، تاريخ اليعقوبي 2/ 265.
[5]
هكذا في الأصل، والبداية والنهاية. وفي ديوانه وتاريخ الطبري «خزيا» .
فَمَا قَاتَلَتْ فِي اللَّهِ [1] بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ
…
وَلا صَبَرَتْ عِنْدَ اللِّقَاءِ تَمِيمُ
وَكُلُّ ثُمَالِيِّ عِنْدَ مَقْتَلِ مُصْعَبٍ
…
غَدَاةَ دَعَاهُمْ لِلْوَفَاءِ دُحَيْمُ [2]
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: إِنَّ مُصْعَبًا قَالَ يَوْمًا وَهُوَ يَسِيرُ لِعُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَخْبِرْنِي عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما كَيْفَ صَنَعَ حِينَ نَزَلَ بِهِ، فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُهُ عَنْ صَبْرِهِ، وَإِبَائِهِ مَا عُرِضَ عَلَيْهِ، وَكَرَاهِيَّتِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي طَاعَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلَ، قَالَ: فَضُرِبَ بِسَوْطِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ فَرَسِهِ وَقَالَ:
وَإِنَّ الأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
…
تَأَسَّوْا فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّأَسِّيَا [3]
قَالَ: فَعَرَفْتُ وَاللَّهِ أَنَّهُ لا يَفِرُّ، وَأنَّهُ سَيَصْبِرُ حَتَّى يُقْتَلَ [4] . قَالَ: وَالْتَقَيَا بِمَسْكِنَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَيْلَكُمْ مَا أَصْبَهَانُ هَذِهِ؟ قِيلَ.
سُرَّةُ الْعِرَاقِ، قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ كَتَبَ إِلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْعِرَاقِ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: إِنْ خَبِبْتَ بِمُصْعَبٍ فَلِي أَصْبَهَانُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَكَتَبَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمْ: أَنْ نَعَمْ، فَلَمَّا الْتَقَوْا قَالَ مُصْعَبٌ لِرَبِيعَةَ: تَقَدَّمُوا لِلْقِتَالِ. فَقَالُوا: هَذِهِ عَذْرَةٌ [5] بَيْنَ أَيْدِينَا فَقَالَ: مَا تَأْتُونَ أَنْتَنَ مِنَ الْعَذِرَةَ [6] ، يَعْنِي تَخَلُّفَكُمْ عَنِ الْقِتَالِ.
وَقَدْ كَانَتْ رَبِيعَةُ قَبْلُ مُجْمِعَةً عَلَى خِذْلانِهِ، فَأَظْهَرَتْ ذَلِكَ، فَخَذَّلَهُ النَّاسُ. وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ يُقَاتِلُ دُونَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: الْمَرْءُ مَيِّتٌ، فَلأَنْ يَمُوتَ كَرِيمًا أَحْسَنَ بِهِ مِنْ أَنْ يَضْرَعَ إِلَى مَنْ قَدْ وَتَرَهُ، لا أستعين بربيعة أبدا
[1] في تاريخ الطبري، والبداية والنهاية:«فما نصحت للَّه» .
[2]
هذا البيت لم يذكره الطبري، وانظر عنده أبياتا أخر. (6/ 161) وديوان عبد الله بن قيس بن الرقيّات- ص 196، وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفة- ج 6/ 268، والبداية والنهاية 8/ 322، وأنساب الأشراف 5/ 342، والأخبار الطوال 313 (باختلاف في الألفاظ) ، ومروج الذهب 3/ 116،.
[3]
البيت لابن قتة كما جاء في: أنساب الأشراف 5/ 339، والأغاني 19/ 129، وهو في:
الفتوح لابن أعثم 6/ 264.
[4]
الأغاني 19/ 129، 130.
[5]
في الأصل «هذه محدوة» والتصحيح من تاريخ الطبري.
[6]
في الأصل «أبين من المحزوة» والتصحيح من تاريخ الطبري.
وَلا بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، مَا وَجَدْنَا لَهُمْ وَفَاءً، انْطَلِقْ يَا بُنَيَّ إِلَى عَمِّكَ فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَدَعْنِي. فَإِنِّي مَقْتُولٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا أُخْبِرُ نِسَاءَ قُرَيْشٍ بِصَرْعَتِكَ أَبَدًا، قَالَ: فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُقَاتِلَ فَتَقَدَّمْ حَتَّى أَحْتَسِبُكَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَتَقَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْتَرَ فَقَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى أَخَذَتْهُ الرِّمَاحُ فَقُتِلَ، وَمُصْعَبُ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرٍ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نَفَرٌ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَاتَلَ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى قُتِلَ، وَاحْتَزَّ ابْنُ ظَبْيَانَ رَأْسَهُ.
وَبَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَدَخَلَهَا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ أَخَاهُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ.
قِيلَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ أَخِيهِ مُصْعَبٍ قَامَ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ [1]، ثُمَّ ذَكَرَ مَصْرَعَ أَخِيهِ فَقَالَ: أَلا إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَهْلُ الْغَدْرِ وَالنِّفَاقِ أَسْلَمُوهُ وَبَاعُوهُ، وَاللَّهِ مَا نَمُوتُ عَلَى مَضَاجِعِنَا كَمَا يَمُوتُ بَنُو أَبِي الْعَاصِ، فَمَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فِي زَحْفٍ وَلا نَمُوتُ إِلا قَعْصًا [2] بِالرِّمَاحِ، وَتَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ [3] .
وَفِيهَا خَرَجَ أَبُو فُدَيْكٍ فَغَلَبَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ [4] .
وَقِيلَ هُوَ الَّذِي قَتَلَ نَجْدَةَ الحروري، فَسَارَ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الْبَصْرَةِ، عَلَيْهِمْ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الأُمَوِيُّ أَخُو أَمِيرِهَا خَالِدٍ، فَهَزَمَهُ أَبُو فُدَيْكٍ [5] ، فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى خَالِدٍ يُعَنِّفَهُ لِكَوْنِهِ اسْتَعْمَلَ أُمَيَّةَ عَلَى حَرْبِ الْخَوَارِجِ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلِ الْمُهَلَّبِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، وَيَسْتَعِينَ بِرَأْيِ الْمُهَلَّبِ، وَلا يَعْمَلُ أَمْرًا دُونَهُ. وَكَتَبَ إِلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ يَمُدَّهُ بخمسة
[1] في الكامل في التاريخ 4/ 335 «الحمد للَّه الّذي له الخلق والأمر» .
[2]
في الأصل «قصعا» ، والتصحيح من الطبري والكامل في التاريخ.
[3]
الطبري 6/ 166، الكامل 4/ 335، عيون الأخبار 2/ 240، العقد الفريد 2/ 183، مروج الذهب 3/ 119.
[4]
تاريخ الطبري 6/ 174.
[5]
الطبري، تاريخ اليعقوبي 2/ 273.
آلافٍ، عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الأشعث، فسار خالد بالناس حتّى قدم الأهواز، وَسَارَتْ إِلَيْهِ الأَزَّارِقَةُ، فَتَنَازَلَ الْجَيْشَانِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ زَحَفَ إِلَيْهِمْ خَالِدٌ فَأَخَذُوا يَنْحَازُونَ، فَاجْتَرَأَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ، وَكَثُرَتْ عَلَيْهِمُ الْخَيْلُ، فَوَلُّوا مُدْبِرِينَ عَلَى حَمِيَّةٍ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ، واتّبعهم داود بن قحذم أَمِيرُ الْمَيْسَرَةِ وَعَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ، وَجَعَلُوا يَتَطَلَّبُونَهُمْ بِفَارِسٍ، حَتَّى هَلَكَتْ خُيُولُ الْجُنْدِ وَجَاعُوا، وَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مُشَاةً [1] .
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ [2] : وَفِيهَا كَانَتْ وَقَعَتْ بَيْنَ ابْنِ خَازِمٍ بِخُرَاسَانَ وَبَيْنَ بَحِيرِ [3] بْنِ وَرْقَاءَ بِقُرْبِ مَرْوَ، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ فِي الْوَقْعَةِ، وَلِيَ قَتْلَهُ وَكِيعُ بْنُ عُمَيْرَةَ بْنِ الدَّوْرَقِيَّةِ.
وَيُقَالَ: اعْتَوَرَ عَلَيْهِ بَحِيرٌ، وَعَمَّارٌ الْجُشَمِيُّ، وَابْنُ الدَّوْرَقِيَّةِ وَطَعَنُوهُ فَصَرَعُوهُ، فَقِيلَ لِوَكِيعٍ: كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: غَلَبْتُهُ بِفَضْلِ الْقَنَا، وَلَمَّا صُرِعَ قَعَدْتُ عَلَى صَدْرِهِ، فَحَاوَلَ الْقِيَامَ فَلَمْ يَقْدِرْ، وَقُلْتُ: يَا ثَارَاتَ دُوَيْلَةَ- وَهُوَ أَخُو وَكِيعٍ لأُمِّهِ قُتِلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ- قَالَ: فَتَنَخَّمَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: لَعَنَكَ اللَّهُ!، تَقْتُلُ كَبْشَ مُضَرَ بِأَخِيكَ عِلْجٍ لا يَسْوَى [4] كَفًّا من نَوَى، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ رِيقًا مِنْهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ [5] .
ثُمَّ أَقْبَلَ بُكَيْرُ بْنُ وَسَّاجٍ، فَأَرَادَ أَخْذَ رَأْسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ، فَمَنَعَهُ بَحِيرٍ، فَضَرَبَهُ بُكَيْرٌ بِعَمُودٍ وَأَخَذَ الرَّأْسَ، وَقَيَّدَ بَحِيرًا، وَبَعَثَ بِالرَّأْسِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ [6] .
ثُمَّ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ ابْنَ خَازِمٍ إنّما قتل بعد
[1] الخبر مطوّل في تاريخ الطبري 6/ 169- 173، والكامل في التاريخ 4/ 343، 344، ونهاية الأرب 21/ 150.
[2]
ج 6/ 177.
[3]
مهمل في الأصل، والتحرير من تاريخ الطبري.
[4]
عند الطبري «يساوي» .
[5]
تاريخ الطبري 6/ 177، الكامل في التاريخ 4/ 346.
[6]
تاريخ الطبري، الكامل.
مَقْتَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَّ رَأْسَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَرَدَ عَلَى ابْنِ خَازِمٍ، فَحَلَفَ أَنْ لا يُعْطِيَ عَبْدَ الْمَلِكِ طَاعَةً أَبَدًا، وَإِنَّهُ دَعَا بِطَسْتٍ فَغَسَّلَ الرَّأْسَ وَكَفَّنَهُ وَحَنَّطَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى آلِ الزُّبَيْرِ بِالْمَدِينَةِ [1] .
قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ رَأْسُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بَعَثَ إِلَى ابْنِ خَازِمٍ مَعَ سَوْرَةَ النُّمَيْرِيِّ: أَنَّ لَكَ خُرَاسَانَ سَبْعَ سنين على أن تبايعني، فقال للرسول: لَوْلا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ بَنِي سُلَيْمٍ وَبَنِي عَامِرٍ لَقَتَلْتُكَ، وَلَكِنْ كُلْ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ، فَأَكَلَهَا [2] .
وَفِيهَا سَارَ الْحَجَّاجُ إِلَى حَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَوَّلُ قِتَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، ودام الحصار أشهرا [3] .
[1] تاريخ الطبري 6/ 178، الكامل في التاريخ 4/ 346، البلدان لليعقوبي 299.
[2]
تاريخ الطبري 6/ 176، الكامل في التاريخ 4/ 345.
[3]
تاريخ خليفة 268، 269.