الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَوَادِثُ [سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ]
فِيهَا تُوُفِّيَ:
أَبُو تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ بِمِصْرَ.
وَشُرَيْحُ الْقَاضِي وَفِيهِ خِلَافٌ.
وَفِيهَا سَارَ شَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ، فَنَزَلَ الْمَدَائِنَ، فَنَدَبَ الْحَجَّاجُ لِقِتَالِهِ أَهْلَ الْكُوفَةِ كُلَّهُمْ، عَلَيْهِمْ زُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ السَّعْدِيُّ، شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ بَاشَرَ الْحُرُوبَ [1] .
وَبَعَثَ إِلَى حَرْبِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ الشَّامِ سُفْيَانَ بن الأبرد، وَحَبِيبًا الْحَكَمِيَّ فِي سِتَّةِ آلافٍ [2] .
ثُمَّ قَدِمَ عَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ عَلَى الْحَجَّاجِ مُسْتَعْفِيًا مِنْ عِشْرَةِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، فَاسْتَعْمَلَهُ الْحَجَّاجُ عَلَى الْكُوفَةِ، وَلِجَمْعِ جَمِيعِ الْجَيْشِ خَمْسِينَ أَلْفًا. [3] وَعَرَضَ شَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ جُنْدَهُ بِالْمَدَائِنِ، فَكَانُوا أَلْفَ رَجُلٍ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ يَنْصُرُكُمْ وَأَنْتُمْ مِائَةٌ أَوْ مِائَتَانِ، فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ مِئُونٌ [4] .
ثُمَّ رَكِبَ، فَأَخَذُوا يَتَخَلَّفُونَ عَنْهُ ويتأخّرون، فلما التقى الجمعان تكامل
[1] تاريخ خليفة 275، تاريخ الطبري 6/ 257.
[2]
تاريخ خليفة 276، تاريخ الطبري 6/ 259.
[3]
تاريخ الطبري 6/ 262.
[4]
انظر خطبته في: تاريخ الطبري 6/ 262.
مَعَ شَبِيبٍ سِتُّمِائَةٍ، فَحَمَلَ فِي مِائَتَيْنِ عَلَى مَيِسرَةِ النَّاسِ فَانْهَزَمُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَعَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ جَالِسٌ هُوَ وَزُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ عَلَى طِنْفَسَةٍ فِي الْقَلْبِ، فَقَالَ عَتَّابٌ: هَذَا يَوْمٌ كثر فيه العدد وقلّ فيه الغناء، وا لهفي عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مِنْ رِجَالِ تَمِيمٍ [1] .
وَتَفَرَّقَ عَنْ عَتَّابٍ عَامَّةُ الْجَيْشِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ شَبِيبٌ، فَقَاتَلَ عَتَّابٌ سَاعَةً وَقُتِلَ، وَوَطِئَتِ الْخَيْلُ زُهْرَةُ فَهَلَكَ، فَتَوَجَّعَ لَهُ شَبِيبٌ لَمَّا رَآهُ صَرِيعًا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ لَمُنْذُ اللَّيْلَةِ لَمُتَوَجِّعٌ لِرَجُلٍ مِنَ الْكَافِرِينَ! قَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ أَعْرَفَ بِضَلَالَتِهِمْ [2] مِنِّي، إني أعرف من قديم أمرهم ما لا تَعْرِفُ، لَوْ ثَبَتُوا عَلَيْهِ كَانُوا إِخْوَانَنَا [3] .
وَقُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ: عَمَّارُ بْنُ يَزِيدَ الْكَلْبِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [4] .
ثُمَّ قَالَ شَبِيبٌ لِأَصْحَابِهِ: ارْفَعُوا عَنْهُمُ السَّيْفَ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى طَاعَتِهِ وَبَيْعَتِهِ، فَبَايَعُوهُ، ثُمَّ هَرَبُوا لَيْلا [5] .
هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ جَيْشُ الشَّامِ، فَتَوَجَّهَ شَبِيبٌ نَحْوَ الْكُوفَةِ، وَقَدْ دَخَلَهَا عَسْكَرُ الشَّامِ، فَشَدُّوا ظَهْرَ الْحَجَّاجِ وَانْتَعَشَ بِهِمْ، وَاسْتَغْنَى بِهِمْ عَنْ عَسْكَرِ الْكُوفَةِ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ لا أَعَزَّ اللَّهُ مَنْ أَرَادَ بِكُمُ الْعِزَّ، الْحَقُوا بِالْحِيرَةِ، فَانْزِلُوا مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلا تُقَاتِلُوا مَعَنَا [6] .
وَحَنَقَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مِمَّا يَزِيدُهُمْ فِيهِ بُغْضًا.
ثُمَّ إِنَّهُ وَجَّهَ الْحَارِثَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الثَّقَفِيَّ فِي أَلْفِ فَارِسٍ فِي الْكَشْفِ، فَالْتَمَسَ شَبِيبٌ غَفْلَتَهُمْ وَالْتَقَوْا، فَحَمَلَ شَبِيبٌ عَلَى الحارث فقتله، وانهزم من معه [7] .
[1] تاريخ الطبري 6/ 262 و 264، 265.
[2]
في طبعة القدسي 3/ 123 «بصلاتهم» والتصويب من تاريخ الطبري.
[3]
تاريخ الطبري 6/ 266.
[4]
الطبري 6/ 266.
[5]
الطبري 6/ 266.
[6]
تاريخ الطبري 6/ 266.
[7]
تاريخ الطبري 6/ 268.
ثُمَّ جَاءَ شَبِيبٌ فَنَازَلَ الْكُوفَةَ. وَحَفِظَ النَّاسُ السِّكَكَ، وَبَنَى شَبِيبٌ مَسْجِدًا بِطَرَفِ السَّبْخَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو الْوَرْدِ مَوْلَى الْحَجَّاجِ فِي عِدَّةِ غِلْمَانٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [1] .
ثُمَّ خَرَجَ طُهْمَانَ مَوْلَى الْحَجَّاجِ فِي طَائِفَةٍ، فَقَتَلَهُ شَبِيبٍ [2] .
ثُمَّ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَرَجَ مِنْ قَصْرِ الْكُوفَةِ، فَرَكِبَ بَغْلا، وَخَرَجَ فِي جَيْشِ الشَّامِ، فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ نَزَلَ الْحَجَّاجُ وَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيٍّ، ثُمَّ نَادَى: يَا أَهْلَ الشَّامِ، أَنْتُمْ أَهْلُ السَّمَعِ وَالطَّاعَةِ وَالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، لا يَغْلِبَنَّ بَاطِلُ هَؤُلاءِ حَقَّكُمْ، غُضُّوا الأَبْصَارَ، وَاجْثُوا عَلَى الرَّكْبِ، وَأَشْرِعُوا [3] إِلَيْهِمْ بِالأَسِنَّةِ [4] .
وَكَانَ شَبِيبٌ فِي سِتِّمِائَةٍ، فَجَعَلَ مِائَتَيْنِ مَعَهُ كُرْدُوسًا، وَمِائَتَيْنِ مَعَ سُوَيْدِ بْنِ سُلَيْمٍ، وَمِائَتَيْنِ مَعَ الْمُحَلَّلِ بْنِ وَائِلٍ، فَحَمَلَ سُوَيْدٌ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا غُشِيَ أَطْرَافُ الأسِنَّةِ وَثَبُوا فِي وُجُوهِهِمْ يَطْعَنُوهُمْ قُدُمًا قُدُمًا، فَانْصَرَفُوا، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ بِتَقْدِيمِ كُرْسِيَّةٍ، وَصَاحَ فِي أَصْحَابِهِ فحمل عليهم شبيب، فثبتوا، وطال القتال، فلما رَأَى شَبِيبٌ صَبْرَهُمْ نَادَى: يَا سُوَيْدُ احْمِلْ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ السِّكَّةِ لَعَلَّكَ تُزِيلُ أَهْلَهَا عَنْهَا، فَتَأْتِي الْحَجَّاجَ مِنْ وَرَائِهِ وَنَحْنُ مِنْ أَمَامِهِ، فَحَمَلَ سُوَيْدٌ عَلَى أَهْلِ السِّكَّةِ، فَرُمِيَ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ، فَرُدَّ [5] .
قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: فَحَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ لَقِيطٍ الْخَارِجِيُّ قَالَ: فَقَالَ لَنَا شَبِيبٌ يَوْمَئِذٍ: يَا أَهْلَ الإِسْلامِ، إِنَّمَا شَرَيْنَا اللَّهَ، وَمَنْ شَرَى اللَّهَ [6] لَمْ يَكْثُرْ عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ، شَدَّةٌ كَشَدَّاتِكُمْ فِي مَوَاطِنِكُمُ الْمَعْرُوفَةِ، وَحَمَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَوَثَبَ أَصْحَابُ الْحَجَّاجِ طَعْنًا وَضَرْبًا، فَنَزَلَ شَبِيبٌ وَقَوْمُهُ، فَصَعِدَ الْحَجَّاجُ عَلَى مَسْجِدِ شَبِيبٍ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ رَجُلا وقال:
[1] تاريخ الطبري 2696، تاريخ خليفة 276، الفتوح 7/ 86.
[2]
الطبري 9/ 269، تاريخ خليفة 276، الفتوح 7/ 85.
[3]
في نسخة دار الكتب «وأسرعوا» ، والتصحيح من نسخة حيدراباد، والطبري.
[4]
الطبري 6/ 269.
[5]
تاريخ الطبري 6/ 269، 270.
[6]
في نسخة دار الكتب (إنما سرينا للَّه ومن سرى للَّه) وما أثبتناه عن نسخة حيدرآباد، والطبري.
إِذَا دَنَوْا فَارْشِقُوهُمْ بِالنَّبْلِ، فَاقْتَتَلُوا عَامَّةَ النَّهَارِ أَشَدَّ قِتَالٍ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ.
ثُمَّ إِنَّ خَالِدَ بْنَ عَتَّابِ بْنِ وَرْقَاءَ قَالَ لِلْحَجَّاجِ: ائْذَنْ لِي فِي قِتَالِهِمْ، فَإِنِّي مَوْتُورٌ وَمِمَّنْ لا يُتَّهَمُ فِي نَصِيحَةٍ، فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ فِي عِصَابَةٍ وَدَارَ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَقُتِلَ مُصَادًا أَخَا شَبِيبٍ، وَغَزَالَةُ أَمْرَأَةُ شَبِيبٍ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ فِي عَسْكَرِهِ. فَوَثَبَ شَبِيبٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى خُيُولِهِمْ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: احْمِلُوا عَلَيْهِمْ فَقَدْ أُرْعِبُوا، فَشَدُّوا عَلَيْهِمْ فَهَزَمُوهُمْ، وَتَأَخَّرَ شَبِيبٌ فِي حَامِيَةِ قَوْمِهِ [1] .
فَذَكَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ شَبِيبٌ أَنَّهُ جَعَلَ يَنْعَسُ وَيَخْفُقُ بِرَأْسِهِ وَخَلْفَهُ الطَّلَبُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْتَفِتْ فَانْظُرْ مَنْ خَلْفَكَ، فَالْتَفَتَ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ ثُمَّ أَكَبَّ يَخْفِقُ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ دَنَوْا، فَالْتَفَتَ ثُمَّ أَقْبَلَ يَخْفِقُ. وَبَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَى خَيْلِهِ أَنْ دَعُوهُ (فِي حَرْقِ النَّارِ)[2] ، فَتَرَكُوهُ وَرَجَعُوا [3] .
وَمَرَّ أَصْحَابُ شَبِيبٍ بِعَامِلٍ لِلْحَجَّاجِ عَلَى بَلَدٍ بِالسَّوَادِ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوْا بِالْمَالِ عَلَى دَابَّةٍ فَسَبَّهُمْ شَبِيبٌ عَلَى مَجِيئِهِمْ بِالْمَالِ وَقَالَ: اشْتَغَلْتُمْ بِالدُّنْيَا، ثُمَّ رَمَى بِالْمَالِ فِي الْفُرَاتِ. ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَى الأَهْوَازِ وَبِهَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَخَرَجَ لِقِتَالِهِ وَسَأَلَ مُحَمَّدٌ الْمُبَارَزَةَ، فَبَارَزَهُ شَبِيبٌ وَقَتَلَهُ.
وَمَضَى إِلَى كِرْمَانَ فَأَقَامَ شَهْرَيْنِ وَرَجَعَ إِلَى الأَهْوَازِ فَنَدَبَ لَهُ الْحَجَّاجِ مُقَدَّمِي جَيْشِ الشَّامِ [4] : سُفْيَانَ بْنَ الأَبْرَدِ الْكَلْبِيَّ، وَحَبِيبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَكَمِيَّ، فَالْتَقَوْا عَلَى جِسْرِ دُجَيْلٍ، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، ثُمَّ ذَهَبَ شَبِيبٌ، فَلَمَّا صَارَ عَلَى جِسْرِ دجيل قطع الجسر، فوقع شبيب وغرق [5] ،
[1] الطبري 6/ 270، 271.
[2]
الطبري 6/ 271، الفتوح لابن أعثم 7/ 89- 92.
[3]
ما بين القوسين ليس في نسخة دار الكتب، وهو في نسخة حيدرآباد. وفي تاريخ الطبري «في حرق الله وناره» .
[4]
تاريخ الطبري 6/ 271.
[5]
الخبر في تاريخ خليفة 276، وتاريخ اليعقوبي 2/ 275، والفتوح 7/ 92.
وَقِيلَ: نَفَرَ بِهِ فَرَسُهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ وعليه الحديد، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَغَرْقًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قال: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 6: 96 [1] فَأَلْقَاهُ دُجَيْلٌ إِلَى سَاحِلِهِ مَيِّتًا، فَحُمِلَ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَأَمَرَ بِهِ فَشَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ قَلْبَهُ، فَإِذَا هُوَ كَالْحَجَرِ، إِذَا ضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ نَبَا عَنْهَا، فَشَقُّوهِ فَإِذَا فِي دَاخِلِهِ قَلْبٌ صَغِيرٌ [2] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ [3] : ثُمَّ أَنْفَقَ الْحَجَّاجُ الأَمْوَالَ، وَوَجَّهَ سفيان بن الأبرد فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، قَالَ: وَأَقَامَ شَبِيبٌ بِكِرْمَانَ، حَتَّى إِذَا انْجَبَرَ وَاسْتَرَاشَ كَرَّ رَاجِعًا، فَيَسْتَقْبِلُهُ ابن الأبرد بِجِسْرِ دُجَيْلٍ، فَالْتَقَيَا، فَعَبَرَ شَبِيبٌ إِلَى ابْنِ الأبرد فِي ثَلاثَةِ كَرَادِيسَ، فَاقْتَتَلُوا أَكْثَرَ النَّهَارِ، وَثَبَتَ الْفَرِيقَانِ، وَكَرَّ شَبِيبٌ وَأَصْحَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ كَرَّةً، وَابْنُ الأَبْرَدِ ثَابِتٍ، ثُمَّ آلَ أَمْرُهُمْ إِلَى أَنِ ازْدَحَمُوا عِنْدَ الْجِسْرِ، وَاضْطَرَّ شَبِيبٌ أَصْحَابَ ابْنِ الأَبْرَدِ إِلَى الْجِسْرِ، وَنَزَلَ فِي نَحْوِ مِائَةٍ، فَتَقَاتَلُوا إِلَى اللَّيْلِ قِتَالا عَظِيمًا، ثُمَّ تَحَاجَزُوا.
وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ قَالَ: مَا هُوَ إِلا أَنِ انْتَهَيْنَا إِلَى الْجِسْرِ، فَعَبَرَنَا شَبِيبٌ فِي الظُّلْمَةِ وَتَخَلَّفَ فِي آخِرِنَا فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَسِهِ، وَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجْرَةٌ فَنَزَا فَرَسُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَلَى الْجِسْرِ، فَاضْطَرَبَتِ الْمَاذَيانَةُ وَنَزَلَ حَافِرُ الْفَرَسِ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَزَلَ بِهِ فِي الْمَاءِ (فَلَمَّا سَقَطَ) [4] قال: لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 [5] فَانْغَمَسَ ثُمَّ ارْتَفَعَ فَقَالَ: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 6: 96 [6] .
قَالَ: وَقِيلَ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ قَدْ أَصَابَ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَأَبْغَضُوهُ، فَلَمَّا تَخَلَّفَ فِي السَّاقَةِ اشْتَوَرُوا فَقَالُوا: نَقْطَعُ بِهِ الْجِسْرُ، فَفَعَلُوا، فَمَالَتِ السفن، ونفر فرسه فسقط وغرق [7] .
[1] سورة الأنعام- الآية 96 والخبر في: مروج الذهب.
[2]
تاريخ الطبري 6/ 280 و 282، مروج الذهب 3/ 147.
[3]
ج 6/ 279، 280.
[4]
ما بين القوسين ساقط من الأصل، أضفناه من: تاريخ الطبري.
[5]
سورة الأنفال- الآية 42.
[6]
الطبري 6/ 280.
[7]
الطبري 6/ 281.
ثُمَّ تَنَادَوْا بَيْنَهُمْ: «غَرِقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ» فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَاسْتَخْرَجُوهُ وَعَلَيْهِ الدِّرْعُ [1] .
قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: فَسَمِعْتُهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ شُقَّ بَطْنُهُ فَأُخْرِجَ قَلْبُهُ، فَكَانَ مُجْتَمِعًا صُلْبًا، كَأَنَّهُ صَخْرَةٌ، وَأَنَّهُ كَانَ يُضْرَبُ بِهِ الأَرْضُ فَيَثِبُ قَامَةَ الإِنْسَانِ [2] .
وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ أَخْبَارِهِ أَيْضًا.
وَفِيهَا أَمْرُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بِجَامِعِ مِصْرَ، فَهُدِمَ وَزَيْدُ فِيهِ مِنْ جِهَاتِهِ الأَرْبَعِ [3] .
وَأَمَرَ بِبِنَاءِ حصن الإسكندرية، وَكَانَ مَهْدُومًا مُنْذُ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.
وَفِيهَا افْتَتَحَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ هِرْقَلَةَ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ دَاخِلَ بِلادِ الرُّومِ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ [4] .
وَفِيهَا وَغَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأُمَوِيُّ بِسِجِسْتَانَ، فَأُخِذَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ، فَأَعْطَى مَالا حَتَّى خَلَّوْا عَنْهُ، فَعَزَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ [5] وَوَجَّهَ مَكَانَهُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بن عبيد الله.
[1] الطبري 6/ 281، 282.
[2]
الطبري 6/ 282.
[3]
كتاب الولاة والقضاة 50.
[4]
تاريخ الطبري 6/ 318، مروج الذهب 4/ 399، الكامل في التاريخ 4/ 448، تاريخ اليعقوبي 2/ 281.
[5]
الخبر حتى هنا في: فتوح البلدان 491.