الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وله قصيدة في معرفة الأثر، وفتاوي وآراء اجتماعية سنعرض لبعضها بعد حين (1)، وما تزال آثار خليفة بن حسن القماري لم تجمع ولم تطبع باستثناء نظمه المذكور، فهو مطبوع.
…
أما في الفقه الحنفي فلا نعرف أن علماء هذا المذهب قد ألفوا فيه أعمالا هامة. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أن معظم القضاة الحنفية كانوا في أول الأمر يأتون من المشرق لمدة قصيرة. وحين أصبحوا يعينون من العائلات التي نشأت في الجزائر كانوا يعتمدون غالبا في أحكامهم وفتاواهم على شروح وحواشي المشارقة. ومن المعروف أن عائلة ابن العنابي قد ساهمت في التأليف على مذهب أبي حنيفة. ولنذكر هنا تأليف محمد بن محمود بن العنابي المعروف (بشرح الدر المختار)، وهو العمل الذي قرظه محمد بيرم التونسي الحنفي أيضا، ولكننا لا ندري ما إذا كان ابن العنابي قد أكمل عمله، والغالب أنه فعل لأنه عاش فترة طويلة بعد تقريظ الجزء الذي انتهى منه. وقد تناولنا ذلك في كتابنا عنه (2)، وتحتوي المكتبة الوطنية بالجزائر على بعض النصوص في الفقه الحنفي لبعض العلماء الجزائريين مثل الرسالة التي كتبها علي بن محمد الجزائري بعنوان (رسالة في الصلوات)(3).
النوازل والفتاوى والفرائض
وبالإضافة إلى ما ذكرنا ترك علماء الجزائر تآليف في الفتاوى والوقف والفرائض وغيرها من القضايا التي تمس جوانب الدين المختلفة. ورغم أن الباحثين قد نسبوا إلى محمد بن العنابي فتاوي كثيرة فإنها على كل حال غير
(1)(إتحاف القاري). وقد قال التليلي عن الكنش ان الأيام قد عبثت به، وأن آخر العهد به أنه في حيازة السيد محمد بن السائح الغريبي، وقد قام سليمان الباروني بطبع (جواهل الإكليل) في مصر أوائل هذا القرن.
(2)
انظر كتابنا (المفتي الجزائري ابن العنابي)، الجزائر، 1977. ط 2، 1992.
(3)
دوحة الناشر (الترجمة الفرنسية)، 219 - 221.
مجموعة في كتاب واحد، وهي متفرقة هنا وهناك، كما أنها لا تشتمل على فتاوى غيره في القضايا التي تناولها على نحو ما فعل الونشريسي مثلا. ويكاد يكون كل عالم بشؤون الدين، والفقه على الخصوص، قد جمع بعض الفتاوى التي تقل أو تكثر حسب مكانته وحسب نظرة الناس إليه وكثرة وتلاميذه. وليس من غرضنا هنا إحصاء هذه الفتاوى. فقد نسبت إلى أحمد بن الحاج البجائي التلمساني مجموعة من الفتاوى، وروى له ابن عسكر فتوى طويلة دليلا على إتقانه لهذا الفن (1)، ونسبت إلى محمد بن أحمد المعروف بالكمال عدة أجوبة على نوازل فقهية مختلفة، ولكننا لا نعرف ما إذا كانت هذه الأجوبة مجموعة ومحفوظة (2) ومن ضمن ما ترك عبد العزيز الثميني مجموعة من الفتاوى، كما عرفنا. وذكر صاحب (نيل الابتهاج) لعمر الوزان فتاوى في الفقه والكلام (أبدع فيهما ما شاء)(3). وهناك بعض الفتاوى ذات الموضوع المحدد كرأي أحد العلماء في قضية معينة عرضت له أو سئل عنها. ولدينا من هذه الفتاوى نماذج كثيرة لا نريد أن نأتي هنا على كل ما عرفناه منها، فقد تناول محمد شقرون الوهراني في عمله المسمى (الجيش الكمين لقتال من كفر عامة المسلمين)(4) قضية إيمان المقلد في العقائد العاجز عن معرفة الله بالبراهين (هل إيمانه صحيح أو هو كافر وإيمانه فاسد)؟ وبعد أن ذكر الوهراني آراء العلماء اللذين كفروا عامة المسلمين لأنهم مؤمنون بالتقليد، وحكموا باستباحة أموالهم وفساد عقود زواجهم وغير ذلك - أجاب هو إجابة انتهى فيها إلى صحة إيمان المقلدين من العامة. وقد أورد أوجه الخلاف الناشب بين العلماء حول هذه القضية ناقلا ذلك عن المشاهير منهم أمثال الماتريدي وأحمد بن زكري والقاضي عياض
(1) دوحة الناشر (الترجمة الفرنسية)، 219 - 221.
(2)
(سلوة الأنفاس) 2/ 30 - 31.
(3)
أحمد بابا (نيل الابتهاج)، ص 197.
(4)
نسخة منه في المكتبة الوطنية بالجزائر، رقم 2301 في 9 ورقات، مجموع، وهو مؤلف سنة 920، وأخرى بالخزانة العامة بالرباط، رقم 2775 د.
وابن رشد. ورغم اعتراف الوهراني بأن المسألة خلافية فإنه انتهى إلى الأخذ برأي أهل السنة، كما يقول، ونبذ آراء المعتزلة ونحوهم. والملاحظ أن الرأي الذي وصل إليه الوهراني قد سانده فيه، بشهادات مكتوبة، أربعة من علماء تلمسان وهم. إبراهيم بن أحمد الوجديجي ومحمد بن عيسى وأحمد بن ملوكة ومحمد بن العباس. والوهراني المذكور هو نفسه صاحب الفتوى المشهورة التي أفتى فيها مسلمي الأندلس بالبقاء تحت الضغط وإخفاء دينهم والتظاهر بالنصرانية. وقد احتلت قضية اليهود مكانا بارزا في تكفير العلماء خلال العهد العثماني.
وكان العلماء بصفة عامة ناقمين على تدخل اليهود الاقتصادي والسياسي في الدولة، ولكن حماية بعض الباشوات والبايات لهم قد جعل العلماء يبلعون نقمتهم. ويظهر ذلك من بعض الفتاوى التي قد تبدو قاسية ضد اليهود. فقد عرفنا موقف عبد الكريم الفكون (الجد) من قضية المسمى المختاري الذي تطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم والذي أفتى الشيخ بقتله رغم حماية السلطة السياسية في قسنطينة له. وأفتى الشيخ محمد الولي الحفي بإحراق اليهود والنصارى إذا أعلنوا سب الرسول صلى الله عليه وسلم، معتمدا في ذلك على مجموعة من الأحاديث والروايات التاريخية. وقد وضع رسالة في ذلك سماها (السيف الممدود في عنق من أعان اليهود)(1)، وأسهم محمد بن أحمد الكماد في هذه الحملة بإصدار جواب ضمن أجوبة علماء فاس بإبطال ما اشتهر به يهودها من عهد منسوب لرسول الله (2).
ولأحمد البوني فتوى في الحضانة كتبها سنة 1113 ونسخها ولده أحمد الزروق سنة 1145. ونحن نسوق بعض هذه الفتوى لا لموضوعهاولكن للأفكار التي وردت فيها والتي تلقي ضوءا على تفكير البوني وبعض
(1) المكتبة الوطنية - الجزائر، رقم 2198 في خمس ورقات، وهي مكتوبة سنة 1172 بعد حادثة وقعت عندئذ.
(2)
انظر مخطوط رقم 2120 د، الخزانة العامة بالرباط، ضمن مجموع. وانظر أيضا عن هذه الفضية (إتحاف أعلام الناس) 1/ 339.
علماء عصره. فقد وردت عليه من قسنطينة رسالة يطلبون فيها منه إبداء رأيه كتابة في قضية حضانة انقسم حولها العلماء، وهي طفل ماتت أمه وألف أباه ألفة كبيرة، وعندما طالبت به جدته لأمه (وهي حاضنته الشرعية) أبى وبكى، فما الحكم؟ فقد أفتى البعض ببقائه مع والده وأفتى آخرون بنقله إلى جدته، وكل فريق أيد رأيه بنقول علمية وشرعية. وقد أجاب البوني بأن الوالد أحق بالطفل في هذه الحالة. وأضاف أنه ليس للجدة حق أصلا وإن كان المشهور أن الحضانة حق لها، واستدل لرأيه بأقوال خليل وشراحه من المتأخرين، كما استدل بالعقل، وبرر البوني أخذه برأي المتأخرين بقول القائل:
قل لمن لا يرى المعاصر شيئا
…
ويرى (1) للأوائل التقديما
إن ذاك القديم كان جديدا
…
وسيبقى هذا الجديد قديما
واستدل أيضا برأي ابن مالك وبالأمثال التي تذهب إلى أن العلم منحة إلهية يرزق بها الله من يشاء، وهي غير مقصورة على الأولين، ورفض البوني الاعتقاد في القول القائل (ما ترك الأول للآخر شيئا)(2)، ولا شك أن هذا رأي مهم أدلى به البوني قد لا يتناسب مع ما نسب إليه من القول بإسقاط التدبير. وهو يدل على أن روح الاجتهاد والحرية العقلية ما تزال حية حتى عند أمثال البوني الذين جمعوا بين الفقه والتصوف.
وقد عرفنا أن قضية تناول الدخان قد شغلت بعض العلماء فألفوا فيها وأفتوا. ومن الذين أفتوا فيها أحمد المقري الذي توجد أجوبته في ذلك مجموعة مع أجوبة غيره (3)، وألف فيها عبد القادر الراشدي وعبد الكريم الفكون. ولعل الفكون هو أشهر من كتب في هذا الموضوع. فعمله الذي سماه (محدد السنان في نحور إخوان الدخان) يشتمل على عدة كراريس. وقد ضمنه مباحث اجتهادية ونقولا من الفقهاء. وهاجم فيه متناولي الدخان وحكم بتحريمه لأنه، في نظره، يحدث (نشوة وطربا) كالحشيشة. ومن الذين
(1) في الأصل (يرى) مكتوبة بالألف الممدودة.
(2)
(فتوى في الحضانة) المكتبة الوطنية - الجزائر، رقم 2160، وهي بخط جيد.
(3)
أجوبة في اجتناب الدخان، المكتبة الملكية بالرباط، رقم 7579 مجموع.
هاجمهم الفكون العلماء المشارقة عموما لتساهلهم في مسائل الدخان ونحوها، وقال إنهم يتناولون الدخان في المساجد وأنهم لا يعظمونها لأنهم ينامون فيها ويحلقون رؤوسهم فيها. وخص الفكون عليا الأجهوري بالهجوم لقوله بأن مسألة التدخين تتعلق بأمزجة الأشخاص، فإن أسكر فهو حرام وإن لم يسكر فهو حلال، ورغم نقد الفكون لأهل التصوف في كتابه (منشور الهداية) فإنه في كتابه (محدد السنان) قد بنى تحريم الدخان على رأي الفقهاء والصوفية. فقال إن (غالب المتورعين من الفقهاء، ومعهم جميع الصوفية أرباب البصائر الصافية يصرحون بالتحريم). وهو يعتقد أن الفقهاء إذا اختلفوا في مسألة وكان معهم الصوفية فالذي يجب الأخذ به هو الرأي الذي معه الصوفية (لأن الله يؤيدهم وهوى النفوس مفقود منهم فلا ينطقون إلا عن حق وصواب)(1)، ومن الواضح أن الفكون هنا يقصد المتصوفين الحقيقيين الذين عقد لهم فصلا خاصا في كتابه (منشور الهداية) وليس المتصوفين الدجالين الذين سماهم هناك أدعياء الولاية.
وألف في نوازل الأرض وعمارتها وما يتصل بذلك عدد من علماء الجزائر أيضا. ومن هؤلاء عبد العزيز الثميني في كتابه (التكميل لبعض ما أخل به كتاب النيل)، وهو عمل في أحكام عمارة الأرض من تشييد المنازل والمدن والقرى وفتح الطرقات وغرس البساتين وتقسيم المياه وأحكام الشركات في العقار والمنقولات وحدود الملكية وتحديد المضرات وأحكامها وأحكام المشاع. وكان الثميني قد اختصر به كتاب (أصول الأرضين)
لأحمد بن محمد بن أبي بكر (2).
(1) العياشي (الرحلة) 2/ 396 - 403 وقد أشار الفكون نفسه عدة مرات إلى (محدد السنان) في كتابه (منشور الهداية). انظر مثلا ترجمة المقري وترجمة محمد وارث الهاروني. وبذلك يكون الفكون قد ألف (محدد السنان) في منتصف عمره تقريبا، أي حوالي سنة 1035. وتوجد نسخة من هذا الكتاب في المكتبة الملكية - الرباط، وقد حصلنا منها على مصورة. انظر كتابنا (شيخ الإسلام)، ط. بيروت، 1906.
(2)
مجلة (المنهاج) ج 8، ثعبان 1344، 467، وهذا الكتاب مطبوع مع ترجمة للثميني =
وفي هذا النطاق ألف محمد المصطفى بن زرفة برسم الباي محمد بن عثمان الكبير كتابا سماه (الاكتفاء في حكم جوائز الأمراء والخلفاء) تناول فيه أحكام الأرض المفتوحة عنوة وصلحا، وتجارة الأمراء وهداياهم والديون ونحو ذلك مما كان يشغل بال الباي المذكور ويثير بعض الخلافات بينه وبين علماء وقته. وقد قسم ابن زرفة كتابه، الذي ألفه سنة 1199، إلى أربعة فصول أو أقسام، وتكلم في الفصول الثلاثة على حقوق الأمراء (مثلا - البايات) في مسائل الضرائب والهدايا والتجارة وأوضاع أملاك المدينين وغير ذلك. وأما الفصل الرابع فقد خصصه لموارد بيت المال وطريقة استعمالها، وطريقة توزيع غنائم الحرب، وأحوال الأعراب المغلوبين بقوة السلاح على أرضهم ومصير هذه الأرض إذا كانت مفتوحة عنوة أو صلحا. وأكثر ابن زرفة من النقود على الفقهاء المتقدمين من أهل المشرق والأندلس والمغرب. ولا شك أن ابن زرفة، الذي كان كاتب الباي وقاضيه، قد حاول أن يبرر أعمال الباي وأن يعطيه سلاحا فقهيا. يعتمد عليه في معاملة الثوار وإسكات العلماء ونحو ذلك من الأمور التي كانت تثير الجدل (1).
وهناك مؤلفات أخرى وفتاوي أصدرها أصحابها بعد ممارسات في شؤون الحياة. من ذلك (تقييد) عبد الرحمن الأخضري فيما يجب على المكلف (2)، وفتوى خليفة بن حسن القماري في العمل بمعرفة أثر السارق المتهم، وذلك بعدة مراسلات بينه وبين علماء الخنقة حول هذه النقطة.
= كتبها حفيده محمد الثميني.
(1)
ذكر هذا الكتاب وعرف به السيد أرنست ميرسيي في (روكاي) 1898، 312 - 340، وقد حلل بعض أجزائه تحليلا بعيدا عن الحقيقة، واعتمد في ذلك على نسخة هوداس من كتاب (الاكتفاء) وقد أشار إلى وجود هذا الكتاب أحمد بن سحنون مؤلف (الثغر الجماني) ومعاصر ابن زرفة في بلاط الباي محمد الكبير. وقد رأينا كيف تحصل المستشرق هوداس على الرحلة القمرية وكتاب الاكتفاء لابن زرفة.
(2)
الخزانة العامة بتطوان، رقم 125 مجموع.
وقد أجابهم الشيخ خليفة بقصيدة أوضح فيها ضرورة العمل فقهيا بما ذكر، فأذعنوا لرأيه (1)، كما ألف مصطفى بن رمضان العنابي كتابا اسمه (الروض البهيج في أحكام العزوبة والتزويج) بعد أن وقعت له أمور في زواجه (2).
ومن علماء هذه الأسرة محمد ابن العنابي الذي أفتى كثيرا في مسائل العصر وجمعت له من ذلك مجموعات ما تزال محفوظة في المكتبات العامة والخاصة، كما أنه ألف كتابا هاما في موضوعه وهو ضرورة منافسة الأوروبيين في تقدمهم الصناعي والتقني والعسكري والأخذ عنهم في ذلك وتجاوزهم فيه، وهو كتاب (السعي المحمود في نظام الجنود). وقد أكثر فيه من نقول العلماء واستعمل فيه القياس في مسائل عديدة، وطالب سلاطين آل عثمان بتجديد الدولة وإصلاح النظم، كما أيدهم في القضاء على الإنكشارية وهاجم الفقهاء المتزمتين. وما دمنا قد تناولنا هذا الكتاب بالتحليل والدرس والنقد في مكان آخر فلنكتف منه هنا بهذا المقدار (3).
ويتصل بعلم الفقه موضوع التركات والأوقاف والفرائض. ولا نعرف أن هناك تأليفا خاصا بقضايا الوقف غير رسالة أحمد بن عمار المسماة (رسالة في مسألة وقف)(4)، وهي جديرة بالقراءة والتأمل لاحتوائها أيضا على آراء اجتهادية هاجم فيها ابن عمار الجمود العقلي في وقته وضعف العارضة عند علماء عصره، وهناك أيضا (رسالة في الوقف) كتبها محمد
(1) محمد الطاهر التليلي (إتحاف القاري)، مخطوط، والمقصود بالأثر هنا تتبع أثر رجل السارق على الأرض الرخوة أو الرملية والحكم عليه بمقتضاه.
(2)
يوجد بعضه مخطوطا في مكتبة جامع البرواقية. انظر عنه أيضا كتابنا (المفتي الجزائري ابن العنابي).
(3)
درسناه وحددنا مواضع نسخه وحياة مؤلفه في كتابنا (المفتي الجزائري ابن العنابي). وقد ألفه سنة 1242 ولذلك تناولناه ضمن إنتاج العهد العثماني.
(4)
هذه الرسالة منشورة ضمن (المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية)، تونس 1910.
ابن العنابي (1)، وهي في موضوع واقف نص على أن من مات قبل الاستحقاق يقوم ولده مقامه. أما سعيد بن محمد العقباني التلمساني، الذي كان خطيب وقاضي تلمسان خلال القرن الحادي عشر، فقد وضع شرحا خصصه للإرث ونحوه. وقد قسم الكتاب إلى أبواب تناول فيها الولاء والإقرار والوصايا والمناسخة الخ. كما شرح الألفاظ لغة واصطلاحا، وذكر الأحكام وطرق التوصل إلى حل التركات، ويبدو أن عمله عبارة عن شرح هذه لأحد أعمال القلصادي في الفرائض، فالنسخة التي اطلعنا عليها متآكلة الأطراف وعليها حواشي لبعضهم (2).
ويتصل علم الفرائض اتصالا وثيقا بالفقه والحساب معا. لذلك وجدنا عددا من العلماء المشتغلين به كانوا أيضا مشتغلين بالحساب. وسنشير إلى هذه العلاقة في الفصل الخاص بالعلوم. فقد نظم عبد الرحمن الأخضري متن (الدرة البيضاء) في خمسمائة بيت، وهي في الفرائض والحساب. وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام: الحساب، والتركات، والقسمة. وكان الأخصري قد بدأ الشرع ثم سرقت منه النسخة ولكنها أعيدت له بعد مدة. والمعروف أنه أكمل شرح القسم الثاني على الأقل. أما الأول فليس من المؤكد أنه هو الذي شرحه، وكذلك القسم الثالث. وقد نصت طبعة القاهرة سنة 1891 للدرة البيضاء على أن القسم الثاني قد شرحه الأخضري بنفسه وكذلك القسم الثالث ما عدا الفصول الثلاثة الأخيرة. أما القسم الأول فقد نصت على أن الأخضري لم يشرحه، ولكنها لم تذكر من شرحه: فهل هو شرح عبد اللطيف المسبح؟ لقد ذكر الفكون أن عبد اللطيف المسبح المرداسي قد شرح (الدرة البيضاء) أو على الأقل أكمل ما لم يشرحه الأخضري منها (3). وقد اعتنى
(1) نسخة منها في مكتبة جامعة برنستون بأمريكا (قسم يهودا)، رقم 2199.
(2)
اطلعنا على نسخة باريس، مخطوطات رقم 5312، وهي في 141 ورقة.
(3)
الفكون (منشور الهداية)، 16. انظر أيضا لوسياني (السلم)، الجزائر 1921، 10 - 11. وقد ترجم الفكون لعبد اللطيف المسبح الذي كان معاصرا لجده، وأصل عائلة المسبح من مرداس.
المسبح ببعض أعمال الأخضري الأخرى كشرحه على (مختصر) الأخضري في العبادات وآداب الدين، وهو (أي المختصر) الذي شرحه الفكون أيضا. وقد سمى المسبح شرحه (عمدة البيان في معرفة فروض الأعيان). وكان قد أكمله سنة 985 (1).
ويبدو أن علم الفرائض قد تدهور بمرور الزمن، وكان ذلك نتيجة ضعف العناية بالحساب والرياصيات عموما. وهذا ما جعل الفكون في القرن الحادي عشر يحكم بانقراض علم الفرائض تقريبا. فقد لاحظ وهو يتحدث عن محمد بن نعمون بأنه كان يعتمد على ولديه في الدرس وفي مسائل الوثائق والفرائض، لأن ثلاثتهم (معهم معرفة مبادئ الفرائض قسمة وبعض مسائل وصايا الصحيح ومناسخات دون ما عدى ذلك من أبوابها ومشكلاتها لانقراض العلم في كل الأقطار فيما أعلمه، اللهم إلا ما شذ)(2)، غير أن علم الفرائض قد شهد نهضة قوية على يد عبد الرزاق بن حمادوش في القرن الثاني عشر، لأنه كان منشغلا بالعلوم، كالطب والرياضيات والفلك، وألف عدة تآليف، كما سنعرف في فصل العلوم. ويظهر اهتمامه بعلم الفرائض والوثائق من النماذج والجداول التي ساقها في رحلته. فقد ضرب هناك عدة أمثلة وأظهر كيفية حل المشاكل الفرضية بسهولة ويسر وبطريقة مختصرة، وكان في ذلك معتدا بنفسه وعلمه حتى أنه سخر ممن لا يتقن هذه المعلومات البسيطة في نظره (3)، ومن الذين عاصروا ابن حمادوش وكتبوا في الفرائض أيضا محمد بن عبد الرحمن بن حسين العنابي. فقد وجدت له شرحا في هذا الموضوع طبقا للمذهب الحنفي، ولم نستطع أن نتوصل إلى عنوان هذا الشرح (4).
(1) توجد نسخة من هذا الشرح في مكتبة زاوية طولقة، في حوالي مائة ورقة.
(2)
الفكون (منشور الهداية)، 61.
(3)
انظر دراستنا عن ابن حمادوش ورحلته في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، أبريل 1975، وكذلك في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).
(4)
نسخة منه في مكتبة البرواقية، وقد كتبه المؤلف سنة 1185.
وهكذا يتضح أن مساهمة الجزائريين في العلوم الشرعية مساهمة هامة.
ولو عثر على كل مؤلفاتهم أو جلها، ودرست دراسة متخصصة ونقدية لخرجنا من ذلك بتراث غزير. وعسى أن يتواصل البحث في هذا الموضوع الجليل. ذلك أننا عرفنا أن أساس التفكير الجزائري خلال العهد العثماني كان قائما على العلوم الشرعية. فدراسة هذه العلوم إذن ستكشف أكثر فأكثر عن نوعية هذا التفكير ومكانته.